بقلم: الشيخ/ حجازي إبراهيم ثريا
عن أنس رضي الله عنه أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ذهبت الأنصار بالأجر كله، قال: "لا ما دعوتم لهم، وأثنيتم عليهم" (أبو داود رقم 4812).
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعطى عطاءً، فوجد، فليجز به، فإن لم يجد فليثنِ به، فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره" (أبو داود رقم 4813. الأحوذي 6/183/2103)، قال الترمذي: ومعنى قوله: ومن كتم فقد كفر، يقول كَفَرَ النعمة (تحفة الأحوذي 6/184).
وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صُنِعَ إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء" (تحفة الأحوذي /185/2104)، وقوله: "فقد أبلغ في الثناء": أي بالغ في أداء شكره، وذلك أنه اعترف بالتقصير وأنه ممن عجز عن جزائه وثنائه ففوَّض جزاءه إلى الله ليجزيه الجزاء الأوفى.
لا يزال المعروف مبذولاً بين الناس، ولا يزال الخير يفيض من شخص لآخر، وذلك من طيبات الحياة الإيمانية أن يبقى المعروف دائمًا بين الناس.
والإسلام يحضُّ على ردِّ الجميل بما هو أجمل منه، فإذا ضاقت يدك عن مكافأة من أسدى إليك معروفًا، فشكرُك له يكون بالدعاء له، والثناء عليه، قال بعضهم: إذا قصرت يداك بالمكافأة، فليطُل لسانك بالشكر والدعاء(تحفة الأحوذي 6/185).
وقال بعض الفصحاء: الكريم شكور أو مشكور، واللئيم كفور أو مكفور، وقال بعض الأدباء:
شكر الإله بطول الثناء ** وشكر الولاة بصدق الولاء
وشكر النظير بحسن الجزاء ** وشكر الدني بحسن العطاء
وقال بعض الشعراء:
فلو كان يستغني عن الشكر ماجد ** لعزة مُلك أو علو مكان
لما أمر الله العباد بشكره ** فقال: اشكروا لي أيها الثقلان
فإن من شكر معروف من أحسن إليه، ونشر إفضال من أنعم عليه؛ فقد أدَّى حق النعمة، وقضى موجب الصنيعة، ولم يبق عليه إلا استدامة ذلك، إتمامًا لشكره، ليكون للمزيد مستحقًّا، ولمتابعة الإحسان مستوجبًا.
قال بعض الحكماء: من قصرت يداه عن المكافأة فليطل لسانه بالشكر. وقال أبو تمام:
ومن الرزية أن شكري صامت ** عما فعلت وأن برَّك ناطق
أأرى الصنيعة منك ثم أسرُّها ** إني إذًا لندي الكريم لسارق (موسوعة نضرة النعيم ص 2419)
الشيخ حجازي إبراهيم ثريا
وقال أبو حاتم بن حبان البستي: الواجب على العاقل أن يشكر النعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته، إن قدر بالضعف وإلا فبالمثل، وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشكر، وقال أنشدني علي بن محمد:
علامة شكر المرء إعلان حمده ** فمن كتم المعروف منهم فما شكر
إذا ما صديقي نال خيرًا فخانني ** فما الذنب عندي للذي خان أو فجر
وقال أنشدني المنتصر بن بلال:
ومن يسدِ معروفًا إليك فكن له ** شكورًا يكن معروفه غير ضائع
ولا تبخلن بالشكر والقرض فاجزه ** تكن خير مصنوع إليه وصانع (موسوعة نضرة النعيم 2417)
إن من ستر معروف النعم ولم يشكره على ما أولاه من نعمه؛ فقد كفر النعمة، وجحد الصنيعة، وإن من أذم الخلائق وأسوأ الطرائق ما يستوجب به قبح الرد وسوء المنع.
حكي أن الحجاج أُتي إليه بقوم من الخوارج، وكان فيهم صديق له، فأمر بقتلهم إلا ذلك الصديق، فإنه عفا عنه، وأطلقه ووصله، فرجع الرجل إلى قَطرِي بن الفجاءة وكان من أصحابه، فقال له: عد إلى قتال الحجاج عدو الله، فقال: هيهات! غَلَّ يدا مُطْلِقها، واسترق رقبة معتقها (أدب الدنيا والدين 206 بتصرف).
1- اشكر من همَّ بالمعروف:
يقول أبو حاتم بن حبان البستي: إني لأستحب للمرء أن يلزم الشكر للصنائع والسعي فيها من غير قضائها- إذا كان المنعم من ذوي القدر فيه- والاهتمام بالصنائع؛ لأن الاهتمام ربما فاق المعروف وزاد على فعل الإحسان؛ إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى الناس، وهو غير مهتمٍّ به، ولا مشفق عليه، وربما فعله الإنسان وهو كاره، وأما الاهتمام فلا يكون إلا من فرط عناية، وفضل ودّ، فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكر المعروف، وقال أنشدني عبد العزيز بن سليمان:
لأشكرن لك معروفًا هممت به ** إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضِه قدر ** فالشيء بالقدر المجلوب مصروف (موسوعة نضرة النعيم 2417)
2- أحسن وإن لم تشكر:
والمسلم حين يفعل الخير ويبذل المعروف إنما يتعبَّد إلى الله بذلك، ومن ثم فهو حريص على فعله وإن جحده الناس، وشعار المسلم في ذلك قول الله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9)) (الإنسان: 9)؛ أي لا نطلب منكم مجازاةً تكافئوننا بها، ولا أن تشكرونا عند الناس، قال مجاهد: لم يقل القوم ذلك حين أطعموهم، ولكن علم الله من قلوبهم فأثنى عليه به ليرغب فيه الراغب (الدر المنثور 6/484. تفسير القرآن العظيم ابن كثير 4/455)، ويقول على بن أبي طالب رضي الله عنه:: لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الجاحد، وقال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ** لا يذهب العرف بين الله والناس
وأنشد الرياشي:
يد المعروف غنم حيث كانت ** تحمَّلها كفور أم شكور
ففي شكر الشكور لها جزاء ** وعند الله ما كفر الكفور(أدب الدنيا والدين 201)
3- وفد الشكر:
وقيل: قدم وفد على عمر بن عبد العزيز وكان فيهم شاب فأخذ يخطب، فقال عمر: الكبر الكبر، فقال الشاب: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمر بالسن لكان في المسلمين من هو أحق بالخلافة، فقال: تكلم، فقال: لسنا وفد الرغبة ولا وفد الرهبة، أما الرغبة فقد أوصلها إلينا فضلك، وأما الرهبة فقد أمننا منها عدلك، فقال: فمن أنتم؟ فقال: وفد الشكر، جئناك نشكرك وننصرف، وأنشدوا:
ومن الرزية أن شكري صامت ** عما فعلت وأن برك ناطق
وأرى الصنيعة منك ثم أسرها ** إني إذا ليد الكريم لسارق (الرسالة القشيرية 177)