بسم الله الرحمن الرحيم
وصف الجنة
ان الحمد الله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له.
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و سلم و صفيه من خلقه و خليله أدي الأمانة و بلغ الرسالة و نصح الأمة فكشف الله به الغمة و جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته و رسولاً عن دعوته و رسالته و صلي و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و أحبابه و أتباعه و علي كل من اهتدي بهديه و استن بسنته و اقتفي أثره إلى يوم الدين.
أحبتي في الله...
إن الحديث عن الجنة يحرك القلوب إلى أجل مطلوب.
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم..
(( يقول الله عز و جل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر)) ثم تلى النبي صلى الله عليه و سلم قول الله عز و جل ) فلا تعلم نفسٌ ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون(
فتعالوا بنا أحبتي في الله لنعيش في هذه اللحظات المباركة في هذا اليوم الكريم المبارك مع وصف الجنة من كتاب ربنا و سنة الحبيب نبينا صلى الله عليه و سلم أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة إنه ولى ذلك و القادر عليه.
أحبتي في الله..
إن الذي يصف لنا في كتابه العزيز، ووصفها لنا صفيه من خلقه و حبيبه صلى الله عليه و سلم يصفها لنا كما رآها بعينه صلى الله عليه و سلم كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الكسوف فلما انتهى من صلاته صلى الله عليه و سلم قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك كعكعت قال صلى الله عليه و سلم:
(( إني رأيت الجنة فتناولت عنقوداً و لو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، و أريتُ النار فلم أر منظراً كاليوم قطُّ أفظع))
فانتبه معي أيها الحبيب و اسمع كلام من غرس كرامتها بيده جل و علا.
قال سبحانه
إنًّ الأَبْرارَ يَشْرَبونْ من كَأسٍ كَانَ كَافوراً، عَيْناً يَشْرَبْ بها عِبادُ اللهِ يُفَجّروُنهاَ تَفْجيراً ، يُوفونَ بِالنَّذْرِ و يَخافُونَ يَوْماً كَانَ شَرَّهُ مُسْتطيراً ، وَ يُطْعمُون الطَّعامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً و أسيراً، إنَّماَ نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُريدُ منكُمْ جَزاءً ولا شُكُوراً ، إِنا نَخَاف من رَبَّنا يَوْماً عَبوساً قَمْطَريراً ، فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلَكَ اليَوْمِ، وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً و سُروراً، وَجَزاهُمْ بِمَا صبرُوا جَنَةً و حريراً، مُتَّكِئيِن فِيها على الأَرائِكِ لا يَرْوَنَ فيها شَمْساً ولا زَمْهَريراً، و داَنَيَةً عَلَيْهِمْ ظلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطوفُها تَذْليلاً، وَ يُطافُ عَلَيْهِم بِآنِيةً مِن فضَّةٍ و أَكْوابٍ كانتْ قواريراً ، قَواريرَ مِن فِضَّةً و أَكْوابِ كانتْ قواريراً ، قَواريراً من فِضَةً قَدَّروهَا تقديراً، و يُسْقَونَ فيهاَ كَأْساً كَانَ مِزاجُها زَنْجبيلاً، عيناً فيها تُسمى سَلْسَبيلاً، وَ يَطوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُّخَلَّدون إِذا رَأْيْتَهُمْ حَسَبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثوراً، وَ إذا رَأْيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعيماً و مُلْكاً كَبيراً ، عَاليَهُمْ ثِيابَ سُنْدُسْ خَضْرٌ و إسْتَبْرَقٌ وَ حَلُّوا أَساوِرَ مِن فَضَّة وَ سَقاهُمْ رَبَّهُمْ شَراباً طَهُوراً، إِنَّ هَذاَ كان لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكوراً) (سورة الإنسان – 5-22 )
و قال تعالى
فِي جَنَّاتِ النَّعيم، عَلَى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ، يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مّنْ مَّعينٍ، بَيْضاءَ لَذّةٍ لّلشَّاربينَ،لا فيها غَوْلٌ ولا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ، و عِندهم قَاصراتُ الطَّرْفِ عِينٌ،كَأَنَّهُنَ بَيْضٌ مَّكْنونٌ )سورة الصافات: 43-49.
و قال تعالى
إنَّ للْمُتَّقينَ مَفازاً،حَدائِقَ و أَعْناباً، و كَواعِبَ أَتْراباً، وَ كَأْساً دِهاقاً، لا يَسْمعونَ فيِها لَغْواً ولا كِذاباً، جَزاءً مِن رَّبِكَ عَطاءً حِساباً )سورة النبأ: 31-36
و قال تعالى
إِنَّ الذينَ آمنُوا و عَمَلُ الصَّالِحاتِ إنا لا نُضيعُ أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلاً، أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ تَجْري من تَحْتَهِمْ الأنهارْ يُحَلَّونَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ و يَلْبِسونَ ثِياباً خُضراً سُندُسٍ و إِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكئينَ فيها على الأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ و حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً)سورة الكهف : 30-31 و قال تعالى
إِنَّ الأبرارَ لَفي نَعيمٍ، عَلى الأرائكِ يَنْظُرونَ، تَعْرِفُ في وُجُوههمْ نَضْرَةَ النَّعيم، يُسْقونَ مِن رَّحيقٍ مَّخْتومٍ، خِتامُهُ مِسْكٌ و في ذَلكَ فَلْيَتَنافَسْ المتنافِسُونَ، وَ مِزاجُهُ مِن تِسْنيمٍ ، عَيْناً يَشْرَبُ بِها المُقَرَّبُونَ) سورة المطففين: 22-28
أحبتي في الله هذا كلام من غرس كرامتها بيده عز وجل، فماذا قال من رآها بعينه صلى الله عليه و سلم...؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قلنا يا رسول الله إذا رأيناك رقت قلوبنا و كنا من أهل الآخرة، و إذا فارقناك أعجبتنا الدنيا و شممنا (دنونا و اقتربنا من النساء و الأولاد) قال:
(( لو تكونون على كل حال على الحال الذي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم و لزارتكم في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر الله لهم)) قال: قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة (اللبنة: هي القالب المستعمل في البناء و قد يكون من طين أو حجر أو غيره ) من ذهب و لبنة من فضة و ملاطها (الملاط: الطينة أو الطلاء أو ما يسد ما بين اللبنات) المسك، و حصباؤها اللؤلؤ و الياقوت، و ترابها الزعفران، ومن يدخلها ينعم ولا يبأس، و يخلد و لا يموت، لا تبلى ثيابه، و لا يفنى شبابه)) هذا بناؤها كما وصفه من رآها صلى الله عليه و سلم أما عن غرفها و قصورها. قال الله تعالى
لَكِنِ الذَّينَ اتَّقوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ) سورة الزمر : 20 – و قال تعالى: ( أُولئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِما صَبَرواُ) سورة الفرقان: 75 و أخرج الترمذي من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( إن الجنة لغرفاً يُرى ظهورها من بطونها، و بطونها من ظهورها)) فقام أعرابي فقال: يا رسول الله لمن هي ؟ قال: (( لمن طيَّب الكلام، و أطعم الطعام، و أدام الصيام، و صلى بالليل و الناس نيام)). و في الصحيحين من حديث أبي سعد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدُّرِّيّ)) و عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (( أدخلتُ الجنةَ فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت: لمن هذا القصر ؟ قالوا: لشاب من قريش، فظننت أني هو ، فقلت: و من هو ؟ قالوا: لعمر بن الخطاب )) و في الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى و أبي هريرة و عائشة: (( أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه و سلم: هذه خديجة، أقرئها السلام من ربها، و أمرَه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب (القصب ههنا قصب اللؤلؤ المجوف) لا صخب فيه و لا نصب)) أما أشجار الجنة و بساتينها و ظلالها.قال تعالى
وَ أَصحابُ الْيمينِ ما أَصْحابُ اليَمينْ ، في سِدرٍ مَّخضُودٍ، وَ طَلْحٍ مَّنْضودٍ و ظِلٍّ مَّمدودْ، وَماءٍ مَّسْكوبٍ، وَفاكِهَةٍ كثيرةٍ، لا مَقْطوعَةٍ ولا ممنوعةٍ) سورة الواقعة: 27-33
و قال تعالى
فِيهما فَاكهةٌ و نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ)سورة الرحمن: 68.
و في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله و سلم قال : (( إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرءوا إن شئتم و (و ظِلٍّ مَّمدودْ).
و عن ابن عباس قال: (( نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر و كَرْبُها ذهب أحمر و سعفها (جريد النخل) كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم و حللهم، و ثمرها أمثال القلال و الدلاء أشد بياضاً من للبن و أحلى من العسل و ألين من الزبد)).
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في حادي الأرواح:
فإن سألت عن أرضها و تربتها فهي المسك و الزعفران، و إن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن. و إن سألت عن حصائبها فهو اللؤلؤ و الجوهر. و إن سألت عن بنائها فلبنة من فضة و لبنة من ذهب.و إن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا و ساقها من ذهب و فضة لا من الحطب و الخشب.و إن سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد و أحلى من العسل.و إن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقاق الحلل. و إن سألت عن أنهارها فأنهارُ من لبن لم يتغير طعمه و أنهار من خمر لذة للشاربين و أنهار من عسل مصفى. و إن سألت عن طعامهم ففاكهة بما يتخيرون، و لحم طير مما يشتهون. و إن سألت عن شرابهم فالتسنيم و الزنجبيل و الكافور. و إن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب و الفضة في صفاء القوارير. و إن سألت عن خيامها و قبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام. و إن سألت عن إرتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا يكد تناله الأبصار. و إن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير و الذهب. و إن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق مفروشة في أعلى الرتب. و إن سألت عن وجوه أهلها و حسنهم فعلى صورة القمر. و إن سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث و ثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر. و إن سألت عن سمعاهم فغناء أزواجهم من الحور العين و أعلى منه سماع صوت الملائكة و النبيين، أعلى منها خطاب رب العالمين.و إن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب إن شاء الله مما شاء تسير بهم حيث شاءوا من الجنان.و إن سألت عن حليهم و شارتهم فأساور الذهب و اللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان.و إن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون. و في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (( إن أول زمرة يدخلون الجنة: على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشدِّ كوكب دُرِّيّ في السماء إضاءة، لا يبولون، و لا يَتَغَوَّطون، ولا يَتفُلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، و رشحهم المسك، و مجامرهم الألوَّة لألنوج عود الطيب – أزواجهم الحور العين، على خلق رجُلٍ واحدٍ على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء)) أما إن سألت عن أزواج أهل الجنة يأتيكم الجواب من رب الجنة جل و علا: فقال سبحانه
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسَانٌ، فَبِأيْ آلاءِ رَبّكُمَا تُكذِّبانِ، حُورٌ مَّقْصوراتٍ فِي الخِيامْ، فَبِأيْ آلاءِ رَبّكُمَا تُكذِّبانِ،لمْ يَطْمَثِْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ ولا جانٌ، فَبِأيْ آلاءِ رَبّكُمَا تُكذِّبانِ، مُتََّكِئينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ و عَبْقَرِيٍ حِسَانٍ، فَبِأيْ آلاءِ رَبّكُمَا تُكذِّبانِ، تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذي الجلال و الإكرامِ(سورة الرحمن: 70-78 .
فيهن خيرات حسان حور مقصورات في الخيام لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان .. هذه هي زوجتك من الحور العين في الجنة أيها المؤمن الصادق.ففي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
(( لروحه في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا و ما فيها، و لقاب قوس أحدكم في الجنة أو موضع قيد – يعني سوطه- خير من الدنيا و ما فيها، و لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما و لملأته ريحاً، و لنصفيها (يعني: خمارها) على رأسها خير من الدنيا و ما فيها))أنظروا أيها الشباب الموحد.. يا أهل الطاعات .. يقول المصطفى صلى الله عليه و سلم: (( لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما من نور وجهها ووضاءتها و لملأته ريحاً..)) الله أكبر.. و في البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( و لكل واحد منهما زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحُسن، لا إختلاف بينهم و لا تباغض، قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة و عشياً))
أما زوجتك في الدنيا، زوجتك المؤمنة التقية الطاهرة العفيفة.
أما زوجتك إن كانت من أهل الجنة..استمع..اعلم أن الزوجة المؤمنة من أهل الدنيا يكون جمالها في الجنة يفوق جمال الحور العين، و أنتم سمعتم وصف الحور العين.. فأي حال ستكون عليها زوجتك إن كانت من أهل الجنة؟! يفوق جمالها جمال الحور العين!!! لماذا ؟ لأنها هي التي صامت لله، و قامت لله، و هي التي حاربت الشهوات، و صبرت على الأذى و البلاء فاستحقت من الله أن يكافئها.
قال تعالى
إِناَّ أَنْشَأْناَهُنَّ إِنشاءً، فَجَعلْنَاهُنَّ أَبْكاراً، عُرَباً أَتْراباً) سورة الواقعة: 35-37
قال البخاري: عُرباً: جمع عروب.. و العرب: المتحببات إلى أزواجهن هكذا قال في كتاب بدء الخلق من جامعه الصحيح باب ما جاء في صفه الجنة و أنها مخلوقة. ((إِناَّ أَنْشَأْناَهُنَّ)) قال الحافظ ابن كثير: أي أعدناهن في النشأة الأخرى في الجنة بعدما كن عجائز رمصاً صرف أبكاراً عرباً أي بعد الثيوبة عُدْنَ أبكاراً عرباً متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة و الظرافة و الملاحة.
أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت: يا رسول الله ادعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، فَوَلَّتْ – المرأة- تبكي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( أخبروها أنها لا تدخلها و هي عجوز، إن الله يقول: )إِناَّ أَنْشَأْناَهُنَّ إِنشاءً، فَجَعلْنَاهُنَّ أَبْكاراً، عُرَباً أَتْراباً(سورة الواقعة: 35-37.
ثم ساق الحافظ: عن الحسن عن أمه عن أم سلمه قالت
( قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى: ((عُرَباً أَتْراباً)) قال: هن قُبِضن في الدار الدنيا عجائز رمصاً شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عُربا متعشقات محببات و (( أتراباً)) على ميلاد واحد قلت: يا رسول الله نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة- قلت يا رسول الله: و بم ذلك؟ قال:
(( بصلاتهن و صيامهن و عبادتهن لله عز وجل، ألبس الله وجوههن النور و أجسادهن الحرير، بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلى مجامرهن الدر و أمشاطهن الذهب، يقلن نحن الخالدات فلا نموت أبداً، و نحن الناعمات فلا نبأس أبداً، و نحن المقيمات فلا نظعن أبداً،و نحن الراضيات فلا نسخط أبداً، طوبى لمن كنا له و كان لنا، قلت يا رسول الله : المرأة تتزوج زوجين و الثلاثة و الأربعة ثم تموت فتدخل الجنة، و يدخلون معها ، من يكون زوجها؟؟ قال : يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقاً فتقول: يارب إن هذا كان أحسن خلقاً معي فزوجنيه، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا و الآخرة)).
و في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
(( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤةٍ واحدة مُجَوَّفَة طولها ستون ميلاً، فيها أهلون (يعني زوجات) يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً)) و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (( قيل يا رسول الله هل نصل إلى نساءنا في الجنة؟ فقال: إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء)).
ربما يقفز الآن في ذهن أحد أحبابنا سؤال ألا و هو: و هل يطيق ذلك؟ فاسمع ما جاء في سنن الترمذي.من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (( يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا و كذا من الجماع، قيل يا رسول الله: أو يطيق ذلك؟ قال صلى الله عليه و سلم: يُعْطى قوة مائة))
أحبتي في الله.. إن نعيم الجنة لا يحده حدود و لا يفتر الإنسان عن ذكر نعيم الجنة ولا يمل الإنسان من سماع نعيم أهل الجنة فتنافسوا عليها يا أهل الإيمان.. يا أهل الطاعات. قال الله عز و جل:
( إِنَّ الأبْرارَ لَفي نَعيمٍ، عَلىَ الأرائِكِ يَنظُرونَ، تَعْرفُ في وُجوهُهِمْ نَضْرَةَ النَّعيمِ، يُسْقَونَ مِن رَّحيقٍ مَّختومٍ، خِتامُهُ مِسْكٌ و في ذلِكَ فَلْيَتَناَفَسِ المُتنافِسونَ)سورة المطففين: 22-26 .
أيها الأحبة: بقي أن نعرف أدنى أهل الجنة منزلاً و آخر من يدخل الجنة ففي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم: (( سأل موسى ربه: من أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال: هو رجل يجيء بعد ما دخل أخل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب كيف و قد نزل الناس منازلهم و أخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقال: ذلك لك و مثله و مثله و مثله و مثله فيقول في الخامسة: رضيت رب، فيقول: لك هذا و عشرة أمثاله، و لك ما اشتهت نفسك و لذت عينك، فيقول: رضيت رب.))
قال: يارب فأعلاهم منزلة ؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي و ختمت عليها فلم تَرَ عين و لم تسمع أذن و لم يخطر على قلب بشر، و مصداقه في كتاب الله (فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُمْ مّنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)سورة السجدة: 17. هذا أدنى أهل الجنة منزلاً : فمن هو آخر الناس دخولاً الجنة؟! في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (( آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي على الصراط مرة و يكبو مرة و تسفعه (تلطمه و تضربه) النار مرة، فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فَتُرْفَعْ له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها و أشرب من مائها، فيقول الله تبارك و تعالى: يا ابن آدم لعلى إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يارب،و يعاهده أن لا يسأله غيرها، و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها، ثم تُرفَعْ له شجرة هي أحسن من الأولى.. فيقول يارب أدنين من هذه لأشرب من مائها و أستظل بظلها لا أسألك غيرها ، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها؟فيقول: لعلي إن أدنيتك منها أن تسألني غيرها فيعاهده أن لا يسأله غيرها و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها و يشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين. فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، و ربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول يارب أدخلنيها.فيقول: يا ابن آدم ما يرضيك مني، أيرضيك أن أعطيك الدنيا و مثلها ؟ قال: يارب أتستهزئ مني و أنت رب العالمين)) فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقالوا : مم تضحك يا رسول الله؟ قال: (( من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ بي، و أنت رب العالمين، فيقول : لا أستهزئ بك و لكني على ما أشاء قادر))
أحبتي في الله...
اعلموا علم اليقين إن نعيم الجنة الحقيقي ليس في لبنها و لا في خمرها و لا في حريرها و ل في عسلها و لا في قصورها و لا في صورها و لكن نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه ربها: (وجوهٌ يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة ) سورة القيامة: 22- 23 و قال تعالى: (و الذين أحسنوا الحسنى و زيادة)و الحسنى هي الجنة و الزيادة هي التمتع بالنظر إلى وجه رب الجنة جل وعلا.
يقول ابن القيم رحمه الله: هذا و إن سألت عن يوم المزيد و زيارة العزيز الحميد و رؤية وجهه المنزه عن التمثيل و التشبيه، كما ترى الشمس في الظهيرة و القمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النَقْلُ فيه. و ذلك موجود في الصحاح و السنن و المسانيد، من رواية جرير و صهيب و أنس و أبي هريرة و أبي موسى و أبي سعيد.
فاستمع يوم ينادي المنادي؟ : يا أهل الجنة إن ربكم تبارك و تعالى يستزيركم فحيَّ على زيارته، فيقولون: سمعاً و طاعة، و ينهضون إلى الزيارة مبادرين،حتى إذا أنتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، و جمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك و تعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور و منابر من لؤلؤ و منابر من زبرجد و منابر من ذهب و منابر من فضة، و جلس أدناهم – و حاشاهم أن يكون فيهم دنيء – على كثبان المسك ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم و اطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا و يثقل موازيننا و يدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟
فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله و تقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم و قال يا أهل الجنة سلام عليكم، فلا تُرَد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت ياذا الجلال و الإكرام.فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم و يقول:يا أهل الجنة، فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب و لم يروني؟ فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة : قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني.
و في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( إن الله عز و جل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك و سعديك، و الخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: و مالنا لا نرضي يا ربنا و قد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون: و أي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)) و عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (( إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدُكُم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا. ألم تدخلنا الجنة، و تنجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك و تعالى)) زاد في رواية – ثم تلا هذه الآية: (و الذين أحسنوا الحسنى و زيادة)سورة يونس: 26
اللهم اجعلنا منهم بفضلك و كرمك يا أرحم الراحمين.. أحبتي في الله.. هذه هي الجنة .. والحديث عن الجنة طويل و كل ما سمعتموه اليوم إنما هو قطرة من محيط و إنما هو قليل من كثير ..لماذا ؟ لأن الجنة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.. و هذا كله ما هو إلا تقريب للمعاني و يعجبني هذا الكلام الذي قاله أحد العلماء حينما أستقبل في قصر من قصور الضيافة بأمريكا و انبهر الناس من حوله بهذا البناء و الإعجاز فقال لهم هذا العالم: هذا إعداد البشر للبشر فما بالكم بإعداد رب البشر ، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله وحده و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. و أشهد أن سيدنا و حبيبنا محمد عبده و رسوله اللهم صلي و سلم و زد وبارك عليه و على آله و أصحابه و أتباعه و على كل من سار علي طريقته و استن و اقتفي أثره إلى يوم الدين..
أما بعد:
فيا أيها الأحبة الكرام: هذا قليل من كثير عن الجنة لأنه لا يعلم حقيقة الجنة إلا ربها و إلا من رآها بعينيه صلى الله عليه و سلم فألا من مشمر للجنة؟! من منكم سيشمر عن ساعديه ليفوز بهذه العروس الغالية ((ألا أن سلعة الله غالية إلا أن سلعة الله الجنة))
يا من تطلبون الجنة بغير عمل..يا من تطلبون الجنة بغير صلاة.. يا من تطلبون الجنة بغير قيام ليل.. يا من تطلبون الجنة و أنتم على معصية الله جل وعلا.. يا من تطلبون الجنة بالذنوب و الشبهات و الشهوات..
أين أنتم من الطاعات؟
أين أتنم من قيام الليل لرب الأرض و السموات؟
أين أنتم من قراءة القرآن؟
أين أنتم من عمارة بيوت الله عز و جل؟
أين أنتم مما يقربكم إلى الجنة؟!!
يا من تتشدقون بالكلمات و تزعمون أنه لم يدخلنا ربنا الجنة فمن يدخلها؟؟
انتبهوا و اعلموا فإنه ما أقل حياء من طمع في جنة الله و لم يعمل بطاعة الله ولا بشرع رسول الله صلى الله عليه و سلم.. إن طالب الجنة لا ينام.. إن طالب الجنة لا ينام..
و اعمل لدار غدٍ رضوان خازنهـا .... و الجار أحمد و الرحمن ناشيـها
قصورها ذهب و المسك طينتـها .... و الزعفران حشيش نابت فيـها
أنهارها لبن مصفى و من عسـل .... و الخمر يجري رحيقاً في مجاريـها
و الطير تجري على الأغصان عاكفةً .... تسبح الله جهراً في مغانيـــها
فمن يشــتري الدار في الفردوس .... بركعة في ظلام الليل يحييــها
فيامن تطلبون من الله الجنة.. و يا مَنْ تسألون الله الجنة.. أعلموا أن الإيمان ليس بالتمني و لكن الإيمان ما وقر في القلب و صدقة العمل.. فلن تفوز بالجنة إلا أن عملت بعمل أهل الجنة.
و اعلموا أن الإيمان قول و عمل ..قول باللسان و تصديق الجنان و عمل بالجوارح و الأركان.
أخوتى فى الله ...هذه هى الجنة كيف وجدتها ؟ وكيف وجدت الدنيا ؟