أبدأ بما نقله المقريزي عليه رحمة الله في كتابه الخطط والأثاروهو من اجمل ما قرأت في الكلام عن ام الدنيا مصر:
يقال: مصر متوسطة الدنيا قد سلمت من حرّ الإقليم الأوّل والثاني ومن برد الإقليم السادس والسابع ووقعت في الإقليم الثالث فطاب هواها وضعف حرّها وخف بردها وسلم أهلها من مشاتي الأهواز ومصايف عمان وصواعق تهامة ودماميل الجزيرة وجرب اليمن وطواعين الشأم وبرسام العراق وعقارب عسكر مكرم وطحال البحرين وحمى خيبر وأمنوا من غارات الترك وجيوش الروم وهجوم العرب ومكايد الديلم وسرايا القرامطة ونزف الأنهار وقحط الأمطار وبها ثمانون كورة ما فيها كورة إلا وبها طرائف وعجاب من أنواع البرّ والأبنية والطعام والشراب والفاكهة وسائر ما تنتفع به الناس وتدخره الملوك يعرف بكل كورة وجهاتها وينسب كل لون إلى كورة فصعيدها أرض حجازية حرّة حرّ العراق وينبت فيه النخل والأراك والقرظ والدوم والعشر وأسفل أرضها شامي يمطر مطر الشأم وينبت ثمار الشأم من الكروم والزيتون واللوز والتين والجوز وسائر الفواكه والبقول والرياحين ويقع به الثلج والبرد. وكورة الإسكندرية ولوبية ومراقيه براري وجبال وغياض تنبت الزيتون والأعناب وهي بلاد إبل وماشية وعسل ولبن
وهذا بعض مما ذكرمن كلام و دعاء بعض الأنبياء عليهم السلام لمصروسر تسميتها بأم البلاد:
دعاء نوح عليه السلام لها قال عبدالله بن عباس " دعا نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام أبو مصر فقال اللهم إنه قد أجاب دعوتى فبارك فيه و فى ذريته و أسكنه الأرض الطيبه المباركه التى هى أم البلاد و غوث العباد (ولذلك سميت مصر بأم البلاد) وهذا ما أورده أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم في كتاب (فتوح مصر وأخبارها)
قال عبدالله بن عمرو: لما خلق الله آدم مثل له الدنيا شرقها و غربها و سهلها و جبلها و أنهارها و بحارها و بنائها و خرابها و من يسكنها من الأمم و من يملكها من الملوك ،فلما رأى مصر رآها أرض سهلة ذات نهر جار مادته من الجنه تنحدر فيه البركه و تمزجه الرحمه ، و رأى جبلا من جبالها مكسوا نورا لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمه و فى سفحه أشجار مثمرة فروعها فى الجنه تسقى بماء الرحمه ، فدعا فى ان يدم فى النيل بالبركة ، و دعا فى أرض مصر بالرحمه و البر و التقوى ، و بارك على نيلها و جبلها سبع مرات . وقال : يأيها الجبل المرحوم ، سفحك جنه و تربتك مسك ، يدفن فيها غراس الجنه ،ارض حافظه مطيعه رحيمه ، لا خلتك يا مصر بركة ، و لازال بك حفظ ، ولا زال منك ملك و عزيا أرض مصر فيك من الخبايا و الكنوز ، و لك البر و الثروة ، سال نهرك عسلا ، كثر الله زرعك ، و در ضرعك ، و زكى نباتك ، و عظمت بركتك و خصبت ، و لا زال فيك يا مصر خيرا ما لم تتجبرى و تتكبرى ، أو تخونى ، فإذا فعلت لك عراك شر ، ثم يعود خيرك
. وجاءت هذه الرواية في كتاب الخطط والآثار للمقريزى ( أورده السيوطى جزء 1 ص 20 نقلا عن بن زولاق )
وقال السيوطي( وفي كتاب الخطط يقال ان في بعض الكتب الالهية (مصر خزائن الارض كلها فمن ارادها بسوء قصمه الله) وأما عن ما قاله نينا محمد صلى الله عليه وسلم فسأكتفي بالحديث الصحيح الذي ورد في صحيح مسلم عن أبي ذر رفعه: (إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً) ]
ذكر الصحابة لمصر رضى الله عنهم
عن كعب الاحبار مصر بلد معافاة من الفتن من ارادها بسوء كبه الله على وجهه
وعن ابي موسى الاشعري (اهل مصر الجند الشداد ما كادهم احد الا كفاهم الله مؤونته)
قال تبيع بن عامر الكلاعي فاخبرت بذلك معاذ بن جبل فاخبرني ان بذلك اخبره رسول الله عليه الصلاة والسلام
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك خير أجناد الأرض فقال :ولم يارسول الله قال لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة).
وهذا ما دار بين عمر بن الخطاب ووالي مصر عمرو بن العاص حيث كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عمرو بن العاص قائلا : أما بعد فإنى قد فكرت فى بلدك و هى أرض واسعه عريضه رفيعه ، قد أعطى الله أهلها عددا و جلدا و قوة فى البر و البحر ، قد عالجتها الفراعنه و عملوا فيها عملا محكما ، مع شدة عتوهم ن فعجبت من ذلك ، وأحب أن تكتب لى بصفة ارضك كانى انظر إليها ، و السلام .
فكتب إليه عمرو بن العاص قد فهمت كلامك و ما فكرت فيه من صفة مصر ، مع أن كتابى سيكشف عنك عمى الخبر ، و يرمى على بابك منها بنافذ النظر ، وإن مصر تربه سوداء و شجرة خضراء ،بين جبل أغبر و رمل أعفر ، قد أكتنفها معدن رفقها (أى عملها ) و محط رزقها ، ما بين أسوان إلى منشأ البحر ، فسح النهر(تدفقه) مسيرة الراكب شهرا ، كأن ما بين جبلها و رملها بطن أقب (دقيق الخصر)و ظهر أجب ، يخط فيه مبارك الغدوات ،ميمون البركات يسيل بالذهب ، و يجرى على الزياده و النقصان كمجارى الشمس و القمر ، له أيام تسيل له عيون الأرض و ينابيعها مامورة إليه بذلك حتى إذا ربا و طما و اصلخم لججه (أى اشتد) و اغلولب عبابه كانت القرى بما أحاط بها كالربا ، لا يتوصل من بعضها إلى بعض إلا فى السفائن و المراكب ، و لا يلبث غلا قليلا حتى يلم كأول ما بدا من جريه و أول ما طما فى درته حتى تستبين فنونها و متونها .
ثم انتشرت فيه أمه محقورة ( يقصد أهل البلاد الذين استذلهم الرومان ) ، قد رزقوا على ارضهم جلدا و قوة ،لغيرهم ما يسعون من كدهم (أى للرومان ) بلا حد ينال ذلك منهم ، فيسقون سها الأرض و خرابها و رواسيها ،ثم ألقوا فيه من صنوف الحب ما يرجون التمام من الرب ، فلم يلبث إلا قليلا حتى أشرق ثم أسبل فتراه بمعصفر و مزعفر يسقيه من تحته الثرى و من فوقه الندى ،و سحاب منهم بالأرائك مستدر ، ثم فى هذا الزمان من زمنها يغنى ذبابها ( أى محصولها ) و يدر حلابها ( اللبن ) و يبدأ فى صرامها ( جنى الثمر ) ، فبينما هى مدرة سوداء إذا هى لجة بيضاء ، ثم غوطة خضراء ثم ديباجة رقشاء ، ثم فضه بيضاء فتبارك الله الفعال لما يشاء ، و إن خير ما اعتمدت عليه فى ذلك يا أمير المؤمنين ، الشكر لله عز و جل على ما أنعم به عليك منها ، فادام الله لك النعمة و الكرامة فى جميع أمورك كلها و السلام .
و قد ذكر الكثيرون من المسلمين الأوائل و غبرهم من فضائل و صفات مصر و أهلها الكثير و الكثير ، و ما يناله حاكمها من البركه و الرزق و الخير ..
من كان بمصر من الأنبياءعليهم السلام
كان بمصر إبراهيم الخليل ، و إسماعيل ،و إدريس ، و يعقوب ، و يوسف ، و اثنا عشر سبطا . وولد بها موسى ، وهارون ، و يوشع بن نون ،و دانيال ، و أرميا و لقمان و كان بها من الصديقيين و الصديقات مؤمن آل فرعون الذى ذكر فى القرآن فى مواضع كثيره و قال على بن أبى طالب اسمه حزقيل ، و كان بها الخضر ، وآسيه امرأة فرعون و أم إسحاق و مريم ابنه عمران ، و ماشطه بنت فرعون . من مصر تزوج إبراهيم الخليل هاجر أم اسماعيل و تزوج يوسف من زليخا ، و منها أهدى المقوقس الرسول عليه الصلاه و السلام ماريا القبطيه فتزوجها و أنجبت له إبراهيم .
و يذكر أنه لما أجتمع الحسين بن على مع معاويه قال له الحسين : إن اهل حفن بصعيد مصر (وهذه القرية حاليا بمحافظة المنيا ) هى قريه مارية ام إبراهيم فاسقط عنها الخراج إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل رضي الله عنهاكراما لأم ابراهيم مارية القبطية .
المصدر: مما قرأت