لقد أكدت النصوص الإسلامية -القرآن الكريم والسنة الشريفة- على أهمية الإنفاق في سبيل الله وضرورته، وذلك لما له من أثر إيجابي فاعل في بناء المجتمع الفاضل، وإشاعة أجواء العزة والكرامة، والقضاء على حالات الفقر والعوز..نعم؛ الإنفاق إنما هو منطلق كل خير وبركة، وقد أضحى قيمة حضارية لا يمكن نكرانها.
مع ذلك تجد هنالك من يجادل في هذه الحقيقة، ويقول: مادام لله ملك السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير، فلماذا يأمرنا بالإنفاق؟
يقول ربنا عز وجل عن مثل هؤلاء: (واذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين) [يس/47].
كل ذلك تبريرا لتخلفهم عن الحق، وسعيا للتملص من المسؤولية. ولكن المؤمنين يدركون غنى الله تعالى، وأنه إنما فرض الإنفاق ليبتلي عباده ويستأديهم ميثاقه بالطاعة له.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (أسهروا عيونكم، وأضمروا بطونكم، واستعملوا أقدامكم، وأنفقوا أموالكم، وخذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم، ولا تبخلوا بها عنها، فقد قال تعالى: (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم). فلم يستنصركم من ذل، ولم يستقرضكم من قل. استنصركم وله جنود السماوات والأرض، واستقرضكم وله خزائن السماوات والأرض وهو الغني الحميد. وانما أراد ان يبلوكم أيكم أحسن عملا، فبادروا بأعمالكم تكونوا من جيران الله في داره).
نعم؛ انه تعالى لا يحتاج إلينا، ولا لأحد من خلقه، وإن ما نملك من شيء فهو من فضله ورزقه. ودعوته لنا إلى الانفاق في صالحنا؛ فبالإنفاق في سبيله نعالج مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونزكي أنفسنا، وفي الآخرة أجر وثواب عظيمان. فلنستمع لندائه ولنستجيب دعوته:- (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا)
إنه لا يريدنا ان ننفق كل أموالنا في سبيله، إنما يريد بعضها. فالقرض هو الاقتطاع، ولعل في الكلمة إشارة إلى الصعوبة التي يواجهها الإنسان عند الانفاق، والتي تشبه القرض. أو ليس يريد مخالفة هواه وحبه للمال؟
إذن فليتحمل، وليعلم انه في صالحه دنيا وآخرة.
وربنا جل وعلا لا يريد أي إنفاق، انما الإنفاق الحسن. ولا يكون كذلك إلا إذا اشتمل على المواصفات التالية:
1- أن يكون من المال الحلال. قال أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: (انفقوا من طيبات ما كسبتم) فقال: (كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية، فلما أسلموا أرادوا ان يخرجوها من أموالهم فيتصدقوا بها، فأبى الله عز وجل ان يخرجوا إلا من أطيب ما كسبوا).
2- أن يكون مخلصا لوجه الله تعالى، وقد قال جل وعلا: (إنما يتقبل الله من المتقين). أما إذا أنفق الإنسان تزلفا إلى الطاغوت، أو طمعا في منصب، أو رئاء الناس ولهثا وراء الشهرة والسمعة.. فهذا ليس قرضا حسنا، انما هو سيء يستوجب العقاب، لأنه قد يكون طريقا إلى الفساد والإفساد في المجتمع.
3- ان يصيب الإنفاق موارده المشروعة، فيكون الإنسان أقرض الله بالفعل.
ولا يخفى ان هناك الكثير من المشاريع الخيرية تنتظر العون الذي يصيرها واقعا على الأرض، وزوجة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله خديجة بنت خويلد عليها السلام أسوة حسنه لنا، إذ وهبت ما تملكه من أموال طائلة وثروة كبير للإسلام إبتغاء مرضاة الله تعالى وجهادا في سبيله. واذا كانت هذه المسؤولية (مسؤولية الإنفاق) تقع على الأمة فردا فردا، فإنها لا ريب تتركز في الذين أنعم الله عليهم بالثروة، وهم مطالبون امام الله والأمة والتاريخ ان يتحملوا مسؤوليتهم، ويؤدوا واجبهم في الصراع الحاسم بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال..
وليطمئن كل منفق ان إنتصار الحق لن يكون في صالح الأمة وحسب، بل في صالحه هو شخصيا أيضا، وان المال الذي ينفق منه لن ينقص، بل سيبارك الله فيه.
(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه وله اجر كريم)
في مقابل شكر الإنسان لربه، وتصرفه الحسن في نعمه يشكره الله. ونحن نعلم كم تكون العطية كثيرة إذا امتدت بها يد الكريم من الناس، ولكننا لا نستوعب سعتها ونوعيتها إذا كانت من عند رب العالمين الذي وسعت رحمته كل شيء.
كل هذا يدعونا إلى ان لا نقبض أيدينا عن الإنفاق في سبيل الله، لننال بذلك الأجر الكريم، وعلى رأسه رضى الله تعالى، ومن ثم حياة طيبة هانئة.