(( التدليس:
أ - تعريفه ب - أقسامه ج - طائفة من المدلسين د - حكم حديث المدلس:
أ - التدليس:
سياق الحديث بسند؛ يوهم أنه أعلى مما كان عليه في الواقع.
ب - وينقسم إلى قسمين:
تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ.
فتدليس الإسناد : أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه من قوله أو يره من فعله، بلفظ يوهم أنه سمعه أو رآه مثل: قال، أو فعل، أو عن فلان، أو أن فلاناً قال، أو فعل، ونحو ذلك................. ))
الشرح
مثال: أحمد بن محمد، عاصر: عبد الله بن محمد، ولقيه.
إلا أن أحمد حدث عن عبد الله بحديث وفي الحقيقة لم يسمع أحمد الحديث من عبد الله مباشرة.
وقال: قال عبد الله، أو عن عبد الله.
فهذه الصيغ ( قال، عن ) توهم أن أحمد سمع الحديث من عبد الله، وفي الحقيقة هو سمعه من غيره بواسطة شخص آخر، إلا أن أحمد اسقط الواسطة التي بينه وبين عبد الله، وأوهم السامع بأنه سمع هذا الحديث من عبد الله بلفظ: ( قال ، أو ، عن ).
فمن ثبت عليه مثل هذا الصنيع، يطلقون عليه العلماء، مدلس.
ومثل هذه الحالة كثيرة في الرواة والأسانيد.
(( وتدليس الشيوخ : أن يسمّي الراوي شيخه، أو يصفه بغير ما اشتهر به فيوهم أنه غيره؛ إما لكونه أصغر منه، فلا يحب أن يظهر روايته عمن دونه، وإما ليظن الناس كثرة شيوخه، وإما لغيرهما من المقاصد.............................. )).
الشرح
ومن أقسام التدليس:
تدليس التسوية: وهو أن يسقط غير شيخه؛ لضعفه أو غيره، فيصير الحديث: ثقة عن ثقة.
وهذا النوع أشر أنواع التدليس.
ولا بد ممن عرف عنه هذا التدليس وهو تدليس التسوية؛ أن يصرح بالتحديث؛ عن شيخه وشيخ شيخه.
(( ج - والمدلسون كثيرون، وفيهم الضعفاء والثقات؛ كالحسن البصري، وحميد الطويل، وسليمان بن مهران الأعمش، ومحمد بن إسحاق والوليد بن مسلم، وقد رتبهم الحافظ إلى خمس مراتب:
الأولى - من لم يوصف به إلا نادراً؛ كيحيى بن سعيد.
الثانية - من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في "الصحيح"؛ لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى؛ كسفيان الثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة؛ كسفيان بن عيينة.
الثالثة - من أكثر من التدليس غير متقيد بالثقات؛ كأبي الزبير المكي.
الرابعة - من كان أكثر تدليسه عن الضعفاء والمجاهيل؛ كبقية بن الوليد.
الخامسة - من انضم إليه ضعف بأمر آخر؛ كعبد الله بن لهيعة.
د - وحديث المدلس غير مقبول إلا أن يكون ثقة، ويصرح بأخذه مباشرة عمن روى عنه، فيقول: سمعت فلاناً يقول، أو رأيته يفعل، أو حدثني ونحوه، لكن ما جاء في "صحيحي البخاري ومسلم" بصيغة التدليس عن ثقات المدلسين فمقبول؛ لتلقي الأمة لما جاء فيهما بالقَبول من غير تفصيل. )).
الشرح
المرتبة الثالثة: من أكثر من التدليس، فلم يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي.اهـ
هكذا جاء في كتاب الحافظ ابن حجر ( طبقات المدلسين صـ21. )
ومن ذكرهم من الأئمة في التدليس، على مراتب:
1- ومن هو مقبول الرواية؛ لأنه قد عرف عمن يحدث.
2- ومن هو مقبول الرواية؛ إذا كان الراوي عنه إمام معروف في الحديث، يتبع أحاديث الذي رمي بالتدليس.
مثل:
1- حميد الطويل: ورد أنه مدلس، وإنما تدليسه عن أنس، وقد سمع منه.
وأغلب أحاديثه التي يرويها عن أنس؛ إنما هي عن شيخه، ثابت البُّناني، كما حرره أئمة هذا الفن.
فهو مقبول الرواية عن أنس.
2- قتادة السدوسي: ورد أنه مدلس.
ولكن إذا حدث عنه، شعبة، فروايته مقبولة وإن لم يصرح بالتحديث.
عن شعبة: كنت أعرف إذا جاء ما سمع قتادة مما لم يسمع ; كان إذا جاء ما سمع قال: حدثنا أنس بن مالك، حدثنا الحسن، حدثنا مطرف، حدثنا سعيد.
وإذا جاء ما لم يسمع قال: قال سعيد بن جبير، قال أبو قلابة.اهـ
عن يحيى بن معين: أثبت الناس في قتادة سعيد بن أبي عروبة، وهشام، وشعبة، ومن حدث من هؤلاء بحديث، فلا تبالي أن لا تسمعه من غيره.اهـ [تهذيب الكمال]
وغيرهم، إلا أننا نقتصر بهذين المثالين.
وهكذا فلا بد من قراءة تراجم هؤلاء وأقوال العلماء فيهم، لكي لا تهدر روايتهم بالكلية؛ لأنهم مدلسين وأنهم لم يصرحوا بالتدليس، بل عليك الدقة في التحري والبحث؛ وبخاصة في هذا الشأن وهو علم الحديث وما يخصه من الإسناد والرواة والجرح والتعديل.
وممن ذكر: الوليد بن مسلم الدمشقي: قال الحافظ: ثقة ولكنه كثير التدليس والتسوية. [التقريب]
وقد أُلفت رسالة من ثلاثة مجدات بعنوان: (( القول النفيس في براءة الوليد بن مسلم من التدليس )) دراسة تطبيقية. تأليف: جابر الأنصاري. ط دار الغرباء الأثرية المدينة المنورة.
والرسالة موجودة عندي ولم أطلع عليها إلى الآن، وليس مبحثنا في هذه الرسالة، ولكني أحببت أن أنبه على أنه لا بد من التحري والتدقيق في دراسة علم الحديث، والله الموفق.
بيان تطبيقي، لأنواع التدليس السابقة.
فهذا إسناد حديث، جمع أنواع التدليس السابقة، التدليس وتدليس التسوية.
قال أبو الشيخ في كتابه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم(2/53): أخبرنا ابن أبي عاصم، نا هشام بن عمار، نا عيسى بن عبد الله، من ولد النعمان، عن مبارك، عن الحسن، عن أنس. [من غير ذكر المتن].
ولفظ (( نا )) الموجود في الإسناد، هي اختصار كلمة (( أخبرنا )).
حال الإسناد:
1- هشام بن عمار: صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح.
2- عيسى بن عبد الله: ضعيف.
3- مبارك بن فضالة: صدوق، يدلس ويسوي.
4- الحس البصري: ثقة فقيه، فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس.
فالآن فيه علل؛ ومن أهمها في موضوعنا:
1- مبارك بن فضالة: يدلس ويسوي.
فمبارك؛ على على القواعد الحديثية، لا يقبل حديثه حتى يصرح بالتحديث؛ والتحديث يقصد به (( حدثنا أو سمعت أو شاهدت )) وما شابهها من الحواس.
فلا بد أن يصرح بالتحديث عن شيخه؛ وهو الحسن؛ وشيخ شيخه؛ وهو شيخ الحسن.
وإن كان لا يوجد في الإسناد شيخ للحسن، لأنه شيخ الحسن ساقط.
فهذا تدليس التسوية.
2- الحسن البصري: مدلس.
فهنا لا بد من تصريح الحسن بالتحديث، وإلا فلا يقبل.
قال الإمام الذهبي: كان الحسن كثير التدليس، فإذا قال في حديث
(( عن فلان )) ضعف لحاجة....اهـ [الميزان]
فالفرق بين التدليس العادي وتدليس التسوية:
أن التدليس العادي: لا بد أن يصرح صاحبه بالتحديث، إلا ما استنثي بما سبق بيانه.
وتدليس التسوية: لا بد أن يصرح صاحبه بالتحديث عن شيخه وشيخ شيخه.
فيكون هذا الإسناد، ضعيف، لأسباب، عنعنة ابن فضالة والحسن البصري.