السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى وسلم وبارك على محمد واله وصحبه وسلم
المختصر الصحيح
عن الموت والقبر والحشر
جمع وترتيب
عبد الكريم محمد نجيب
رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبيه الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن سار على نهجهم واقتدى بهديهم إلى يوم الدين وبعد:
فإن الموت حقيقة لا ينكرها مؤمن ولا كافر, وحتى تُنال العبرة منه لا بد من الإحاطة بحقيقته وبما يسبقه وبما يتبعه أو بقدر كاف من ذلك.
وكنت فيما مضى أشهد مجالس العزاء وأسمع أسئلة وأجوبةً لا أرتاح لبعضها لعدم التأكد من صحتها, ممّا جعلني أشعر بالحاجة للوقوف على الصحيح والاقتصار عليه ونبذ ما سواه من أخبار الموت والحياة البرزخيّة والحشر واليوم الآخر حتى وقفت على كتبٍ عديدة في هذا الباب، من أشهرها كتاب «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للإمام القرطبي -رحمه الله- وهو من أجود ما كتب في الموضوع إلا أن مؤلفه لم يخرج الأحاديث والآثار الواردة فيه وتوسع في بعض أبوابه، وبالتالي فإن القارئ غير المتخصص لا يتمكّن من الإفادة الكاملة من الكتاب المذكور.
كما اطلعت على كتاب «الروح» للإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- فوجدته مثل سابقه يحوي عدداً كبيراً من الأحاديث غير المخرجة إضافة إلى أن كلاً من الكتابين كبير الحجم مما يجعل همم الكثيرين من أهل زماننا تقصر عن مطالعته ، و اطلعت على غيرهما مما تناول الموضوع فوجدت في معظمها التهاون في اختيار الصحيح من الأخبار في كل باب .
ولأهمية الموضوع عقدت العزم على الكتابة فيه مع ثقتي بأن أهل العلم -وما أكثرهم ولله الحمد- قد كتبوا وسيكتبون وبتوسع فيه .
وأما اليوم الآخر فهو يوم ينصف الله فيه المظلوم من الظالم، فهو يوم العدل والجزاء وقد دل عليه النقل من القرآن والسنة والإيمان به ركن من أركان الإيمان،كما دل عليه العقل لأن تكرار ما هو موجود ممكن ففي هذه الدنيا مظالم لا يعاقب الظالم فيها على ظلمه وإنما جعل الله يوم القيامة لذلك قال تعالى: فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم [محمد: 18]، وقال تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون [يس: 51]، النفخة هي النفخة الثانية نفخة البعث. ولقد تحدث العلماء عن أشراط الساعة وعن البعث بالتفصيل وأطالوا في ذلك فذكروا كل ما وصلهم من أحاديث وروايات وآراء ما صح منها وما لم يصح0 وإذا كان خاصة الناس يتمكنون من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف فإن ذلك ليس بوسع العامة, من أجل ذلك كتبت هذا البحث واقتصرت على الاستشهاد ببعض آيات الكتاب المبين وببعض ما صح عن رسول الله r.
والغاية من تقديم هذا الجهد المتواضع للمكتبة الإسلاميّة بعد التماس رضوان الله تعالى والتقرّب إليه بما أحتسبه عنده ، تنبيه القارئ إلى ما ينبغي على كلّ مسلم القيام به من الإعداد والاستعداد للرحيل بالعلم النافع والعمل الصالح قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
وقد اختصرت في ذلك ما وسعني الاختصار ليصبح البحث سهل التناول من قبل العامة أما الخاصة فيمكنهم الرجوع إلى ما كتبه السلف والخلف من المطولات،واكتفيت بذكر بعض أحاديث الصحيحين وبعض ما صح عند بقية علماء الحديث لأن كل ما في الصحيحين صحيح،لكنه ليس كل الصحيح. وإذا رأى هذا البحث النور وأعانني الله فسوف أكتب حول الجنة والنار وما فيهما من نعيم في الجنة وعذاب في النار لأنفع نفسي قبل غيري،فهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
عبد الكريم محمد نجيب
حلب 1/1/2002
[ 1 ]
النهي عن تمني الموت والدعاء به لضر نزل في المال والجسد
1- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به, فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي» أخرجه البخاري ومسلم.
2- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «لا يتمنين أحدكم الموت, إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً, وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب» أخرجه البخاري. ويستعتب: يرجع عن الإساءة ويتوب.
3- وعنه قال: قال رسول الله r: «لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه, إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله, وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراًً» أخرجه مسلم.
[ 2 ]
جواز تمني الموت والدعاء به خوف ذهاب الدين
قال الله عز وجل مخبراً عن يوسف u: توفني مسلماً وألحقني بالصالحين [يوسف: 101]، أي إذا جاء أجلي توفني مسلماً, أي تمنى الوفاة على الإسلام.
وقال تعالى مخبراً عن مريم: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً [مريم: 23]، وقد تمنت الموت لسببين:
الأول: لأنها خافت أن يُظن بها السوء في دينها وتُعير فيفتنها ذلك.
الثاني: لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والزور والنسبة إلى الزنا وذلك مهلك لهم.
4- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه» أخرجه البخاري ومسلم.
5- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين،وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» أخرجه مالك والترمذي.
[ 3 ]
ذكر الموت وفضله والاستعداد له
6- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أكثروا ذكر هادم اللذات»، يعني الموت. أخرجه النسائي وأحمد وابن ماجه والترمذي. وعن أبي سعيد الخدري t قال: دخل رسول الله r مصلاه فرأى ناساً يكثرون فقال: « أما أنكم لو أكثرتم من ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هادم اللذات»، أي لو أكثروا من ذكر الموت لشغلهم ذلك عن الكلام الكثير الذي لا فائدة منه.
7- عن أبي قتادة t قال: مُرَّ على النبي بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه»، قالوا يا رسول الله: ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: «العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله, والفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»، أخرجه البخاري ومسلم.
قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة, وقناعة القلب, ونشاط العبادة, ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة, وترك الرضى بالكفاف, والتكاسل في العبادة.
8- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت جالساً مع رسول الله r فجاء رجل من الأنصار, فسلم على النبي r فقال: يا رسول الله, أي المؤمنين أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقاً» قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لما بعده استعداداً أولئك الأكياس»، أخرجه ابن ماجه ومالك.
وقال السدي في قوله تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً [الملك: 2]، أي أكثركم للموت ذكراً واستعداداً وخوفاً وحذراً.
[ 4 ]
ما يذكر بالموت والآخرة ويزهد في الدنيا
9- عن أبي هريرة t قال: زار النبي r قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي،واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي،فزوروا القبور فإنها تذكر الموت» أخرجه مسلم.
وجواز زيارة الرجال للقبور متفق عليه, مختلف فيه للنساء, أما الشابات فحرام عليهن الخروج, وأما القواعد «العجائز» فمباح لهن, وجائز لجميع النساء إذا انفردن بالخروج عن الرجال, وأما الموضع أو الوقت الذي يخشى فيه الفتنة من اجتماع الرجال والنساء فلا يجوز ولا يحل, فبينا الرجل يخرج ليعتبر فيقع بصره على امرأة فيفتتن, وبالعكس فيرجع كل واحد من الرجال والنساء مأزوراً لا مأجوراً، والله أعلم.
من علاج القلوب القاسية:
1- الإقلاع عما هي عليه وحضور مجالس العلم والوعظ.
2- الإكثار من ذكر الموت(هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات).
3- مشاهدة المحتضرين وسكراتهم ونزعاتهم وصورتهم بعد مماتهم.
10- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «ليس الخبر كالمعاينة»، أخرجه ابن حبان وأحمد والبزار والطبراني والحاكم. أي أن معاينة ومشاهدة المحتضرين وزيارة القبور ومعاينة الدفن بعد تغسيل وتكفين الميت والصلاة عليه كل ذلك أبلغ وأنفع للاعتبار من سماع الأخبار دون المشاهدة.
[ 5 ]
ما يقال عند زيارة القبور، وجواز البكاء عندها
11- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: كيف أقول إذا دخلت المقابر؟ قال: «قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, ويرحم الله المستقدمين منا والمتأخرين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» وزاد في رواية: «أسأل الله لنا ولكم العافية» أخرجه مسلم.
12- وفي الصحيحين أنه u مرّ بامرأة تبكي عند قبر لها فقال لها: «اتقي الله واصبري» أخرجه البخاري ومسلم. ويظهر أن هذه المرأة كانت جزعة فخشي r عليها من النياحة وهي محرمة. أما البكاء فجائز لبكائه r لما زار قبر أمه، وحين مات ابنه إبراهيم والبكاء على الميت عند قبره حزناً عليه أو رحمة له مما بين يديه جائز كما أبيح البكاء حين موته.قال الإمام البخاري رحمه الله: يعذب الميت ببعض بكاء أهله «بالنياحة» إذا كان النوح من سنته لقول الله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم ناراً [لتحريم: 6]، وقال النبي r: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته»أخرجه البخاري ومسلم،فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: ولا تزر وازرة وزر أخرى [الأنعام:164 ]، أي يعذب الميت بالنياحة عليه إن أوصى بذلك قبل موته أو كان من عادة أهله وأقاربه أو غيرهم النياحة ولم ينههم عنها قبل موته أما بكاء الحزن على الميت أو الرحمة به مما سيلاقيه فمباح.
[ 6 ]
المؤمن يموت بعرق الجبين
13- عن بريدة t أن النبي r قال: «المؤمن يموت بعرق الجبين» أخرجه الترمذي وابن ماجه.
14- وفي حديث ابن مسعود t: «موت المؤمن بعرق الجبين،تبقى عليه البقية من الذنوب فيجازف بها عند الموت»، أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وقيل يعرق جبينه حياء من الله سبحانه لما اقترف من ذنوب.
[ 7 ]
سكرات الموت
وصف الله سبحانه وتعالى شدة الموت في أربع آيات هي:
الأولى: قوله الحق: وجاءت سكرة الموت بالحق [ق: 19]
والثانية: قوله الحق: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت[الأنعام: 93]
والثالثة: قوله الحق: فلولا إذا بلغت الحلقوم [الواقعة: 83]
والرابعة: قوله تعالى: كلا إذا بلغت التراقي [القيامة: 26]
15- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء, فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: «لا إله إلا الله إن للموت سكرات» ثم نصب يديه فجعل يقول: «في الرفيق الأعلى» حتى قبض ومالت يده. أخرجه البخاري.
16- وعنها قالت: ما أغبط أحداً بهون موت, بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله ، أخرجه الترمذي.
17- وعنها قالت: مات رسول الله وإنه لبين حاقنتي(1) وذاقنتي(2)، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي أخرجه البخاري.
أيها الناس: قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه, وحان للغافل أن يتنبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كؤوسه, وقبل سكون حركاته, وخمود أنفاسه, ورحلته إلى قبره, ومقامه بين أرماسه.
- قال العلماء رحمة الله عليهم: إذا كان الموت قد أصاب ويصيب الأنبياء والمرسلين والأولياء والمتقين فما لنا عن ذكره مشغولون؟! وعن الاستعداد له متخلفون؟! قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون
[ص: 67-68] وما جرى على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين له فائدتان:
إحداهما: أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه خفي خلا الشهيد فلا ألم لموته.
الثانية: ابتلاء الأنبياء والصالحين تكميل لفضائلهم ورفع لدرجاتهم وليس نقصاً في حقهم ولا عذاباً.
18- قال رسول الله r: «إن أشد الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل»، أخرجه البخاري وغيره.
[ 8 ]
الموت كفارة لكل مسلم
19- إنما كان الموت كفارة بسبب ما يلقاه الميت في مرضه من الآلام والأوجاع وقد قال r: «ما من مسلم يصيبه أذى, من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» أخرجه البخاري ومسلم.
20- عن عبيد بن خالد السلمي t عن النبي r: «موت الفجأة أخذة أسف للكافر» أخرجه أبو داود. وعن عائشة رضي الله عنها: «إنه راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر» أخرجه الترمذي.
[ 9 ]
حسن الظن بالله
21- عن جابر بن عبد الله t قال: سمعت رسول الله r يقول قبل وفاته بثلاثة أيام: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» أخرجه البخاري ومسلم.
22- عن أنس بن مالك t أن النبي r دخل على شاب وهو في الموت فقال: «كيف تجدك؟» فقال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي, فقال رسول الله r: «لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف» أخرجه ابن ماجه والترمذي.
23- عن وائلة بن الأسقع t أن رسول الله r قال: يقول الله في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» أخرجه أحمد.
وعلى العبد أن يجمع بين الخوف والرجاء ويكون الخوف أغلب في حال الصحة والرجاء أغلب في حال المرض وهو أن الله يرحمه ويتجاوز عنه ويغفر له وينبغي لجلسائه أن يذكروه بذلك.
[ 10 ]
تلقين المحتضر لا إله إلا الله
24- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
25- قال رسول الله r: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» أخرجه أبو داود وأحمد والحاكم. وفي رواية: «حرمه الله على النار».
وتلقين الشهادة للمحتضر سنة مأثورة فإن قالها ختم له بالسعادة،ولا يكثر من التلقين والإلحاح عليه إن قالها أو فهم ذلك عنه إن كان لا يستطيع الكلام والعبرة للقلب وتكون النجاة به وأما حركة اللسان وحده دون أن تكون ترجمة عما في القلب فلا فائدة فيها ولا عبرة عندها.
[ 11 ]
من حضر المحتضر فليتكلم بخير، وليدع له إن مات
26- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: «إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»، قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي r فقلت يا رسول الله: إن أبا سلمة قد مات فقال: «قولي: اللهم اغفر لي وله واعقبني منه عقبى حسنة»، قالت فقلت: فأعقبني الله من هو خير منه: رسول الله r، أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن.
27- وعنها قالت: دخل رسول الله r على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» فضج ناس من أهله, فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين, واخلفه في عقبه في الغابرين, واغفر لنا وله يا رب العالمين, وافسح له في قبره, ونور له فيه»، أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود.
ويستحب حضور الصالحين وأهل الخير حين موت الميت ليذكروه, ويدعوا له ولمن يخلفه ويقولوا خيراً فيجتمع دعاؤهم وتأمين الملائكة فينتفع بذلك الميت ومن يصاب به ومن يخلفه.
[ 12 ]
سوء الخاتمة،والعمل بالخواتيم
28- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار, وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة» أخرجه مسلم.
29- عن سهل بن سعد t، عن النبي r قال: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة, ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار, وإنما الأعمال بالخواتيم»، أخرجه البخاري ومسلم.
واعلم أن سوء الخاتمة- أعاذنا الله منها-لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه, وإنما تكون لمن كان له فساد في العقل, أو إصرار على الكبائر, وإقدام على العظائم, فينزل به الموت قبل التوبة.
30- عن سالم عن عبد الله قال: كان كثيراً ما كان النبي r يحلف: «لا ومقلب القلوب» أخرجه البخاري.
31- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي r يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك» فقلت: يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فهل تخشى؟ قال: «وما يؤمنني يا عائشة، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الجبار إذا أراد أن يقلب قلب عبده قلبه» .
فعلينا إخلاص العمل لله والبعد عن الرياء والتوكل على الله ليثبت قلوبنا على طاعته فهو حسبنا ونعم الوكيل.
[ 13 ]
رسل ملك الموت قبل الوفاة
32- عن أبي هريرة t عن النبي r قال: «أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة» أخرجه البخاري. أي لم يبق عذر لمن بلغ الستين من العمر. قال تعالى: وجاءكم النذير [فاطر: 37]، قيل: النذير هو القرآن،وقيل: الرسل إلى الناس, وقيل: هو الشيب عند كمال الأربعين, قال تعالى: وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك [الأحقاف: 15].
33- وفي الآثار النبوية: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة» أخرجه الترمذي.
فمن استمع إلى مواعظ ورثة الأنبياء «العلماء» وظهر الشيب في رأسه ووجهه وبلغ أربعين سنة ولم يتب ويستعد للدار الآخرة بالعمل الصالح فلا يلومن إلا نفسه إذا فاجأه الموت ولم يمهله ولم يقبل له عذر على ما فرط في جنب الله.
[ 14 ]
التوبة وشروطها
قال الله تعالى: ثم يتوبون من قريب [النساء: 17]، أي قبل معاينة ملك الموت. وقال تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [النساء:18]، أي لا تقبل التوبة بعد الغرغرة ومشاهدة المحتضر لملك الموت. وقال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [النور:31].
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً [التحريم: 8].
تفيد الآيتان أن التوبة فرض على المؤمنين, ولها شروط أربعة: الندم في القلب, وترك المعصية في الحال, والعزم على أن لا يعود إلى مثلها, وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى وخوفاً منه لا من غيره.ويجب الاعتراف بالذنب وكثرة الاستغفار الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان فقط فأما من قال بلسانه: أستغفر الله وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة بالكبائر.
روي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار. هذا قوله في زمانه فكيف في زماننا هذا الذي يُرى فيه الإنسان مكباً على الظلم حريصاً عليه لا يقلع عنه،والسبحة في يده زاعماً أنه يستغفر من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف, فهو ممن اتخذ آيات الله هزواً، وفي التنزيل: ولا تتخذوا آيات الله هزواً [البقرة: 231].
والتوبة النصوح هي رد المظالم واستحلال الخصوم أي الاعتذار منهم وطلب المسامحة وإدمان الطاعات. والذنوب التي يتاب منها إما حق لله، وإما حق لغيره .فحق الله تعالى يكفي للتوبة منه الترك،وبعضها الترك مع القضاء ،كالصلاة والصوم ومنها الترك مع الكفارة كالحنث في الأيمان. وأما حقوق العباد فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها فإن لم يوجدوا تصدق عنهم وإن كان الذي عليه الحق معسراً فعفو الله مأمول وفضله مبذول.أما إرضاء الخصوم فيكون برد عليهم ما غصبهم من مال، أو خانهم أو غلهم أو اغتابهم أو خرق أعراضهم،أو شتمهم،أو سبهم فيرضيهم بما استطاع ويتحللهم من ذلك أي يطلب منهم أن يسامحوه فإن انقرضوا ولهم عنده مال دفعه إلى الورثة فإن لم يعرف الورثة تصدق به عنهم واستغفر لهم بعد موتهم.
روي عن علي بن أبي طالب t أنه رأى رجلاً قد فرغ من صلاته وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك سريعاً فقال له:يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك تحتاج إلى توبة, قال يا أمير المؤمنين: وما التوبة؟
قال: اسم يقع على ستة معان:
1- على الماضي من الذنوب: الندامة.
2- وتضييع الفرائض: الإعادة, ورد المظالم إلى أهلها.
3- وإدئاب النفس في الطاعة كما أدأبتها في المعصية.
4- وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية.
5- وأن تزين نفسك في طاعة الله كما زينتها في معصيته.
6- والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
وينبغي تغيير حال المعصية بحال الطاعة، وذلك بتغيير اللباس باستبدال ما عليه من حرام بالحلال, وإن كانت ثياب كبر وخيلاء استبدلها بأطمار متوسطة, وتغيير المجلس: بترك مجالس اللهو واللعب واستبدالها بمجالس العلماء والذكر والفقراء والصالحين،وتغيير الطعام بأكل الحلال وترك ما فيه شبهة فضلاً عن ترك الحرام وتغيير النفقة بترك الحرام وكسب الحلال وتغيير الزينة بترك التزين في الأثاث والبناء واللباس والطعام والشراب وتغيير الفراش بالقيام بالليل عوض ما كان يشغله بالبطالة والغفلة والمعصية كما قال تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع [السجدة: 16]. وتغيير الخلق بأن ينقلب خلقه من الشدة إلى اللين ومن الضيق إلى السعة ومن الشكاسة إلى السماحة وتوسيع القلب بالإنفاق ثقة بالقيام على كل حال وتوسيع الكف بالسخاء والإيثار بالعطاء, وهكذا يبدل كل ما كان عليه كشرب الخمر بكسر الإناء سقي اللبن والعسل والزنا بكفالة الأرملة واليتيمة وتجهيزهما ويكون مع ذلك نادماً على ما سلف منه ومتحسراً على ما ضيع من عمره فإذا كملت التوبة بالخصال التي ذكرنا والشروط التي بينا تقبلها الله بكرمه كما قال تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى [طه: 82]، والأصل في التوبة الأحاديث الآتية:
34- حديث أبي هريرة t في الرجل الذي قتل مائة نفس ثم سأل: هل له من توبة؟ فقال له العالم: ومن يحول بينك وبينها انطلق إلى أرض بني فلان فإن بها ناساً صالحين يعبدون الله, فاعبد الله معهم, ولا تعد إلى أرضك فإنها أرض سوء، أخرجه مسلم وأحمد.
35- قال مغفل لابن مسعود رضي الله عنه: أسمعت رسول الله r يقول: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله عز وجل تاب الله عليه؟» فقال: نعم سمعته يقول: «الندم توبة» أخرجه ابن ماجه وأحمد.
36- عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» أخرجه البخاري ومسلم.
37- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة.
قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [النساء: 31].
دلت هذه الآية والحديث الذي قبلها على أن الذنوب كبائر وصغائر وأن الصغائر كاللمسة والنظرة نكفر باجتناب الكبائر مع إقامة الفرائض وذلك بوعده الصدق وقوله الحق, لا أنه يجب عليه ذلك. والكبائر هي الذنوب التي ورد الوعيد على مرتكبها باللعن أو الغضب أو النار في القرآن والسنة أو في أحدهما،وما عدا الكبائر فالذنوب صغائر ولا بد لتكفير الكبائر من التوبة منها والإقلاع عنها.
[ 15 ]
لا تخرج روح العبد حتى يبشر ويصعد بها
38- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان, فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج, ثم يعرج بها إلى السماء فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان بن فلان فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب, ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان, فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله تعالى, [أي فيها أمر الله وحكمه أي يذهب بها إلى عليين] فإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, اخرجي ذميمة وأبشري بجحيم وغساق وآخر من شكله أزواج, فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج, ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء, فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر» أخرجه ابن ماجه وأحمد.
39- عن عبادة بن الصامت t، عن النبي r قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» فقالت عائشة - أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت, فقال: «ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان من الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه.
[ 16 ]
تلاقي الأرواح في السماء،والسؤال عن أهل الأرض
40- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال الحديث وفيه: «فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا فإذا قال: أو ما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية» أخرجه النسائي. وفي الحديث أن الأموات يجهلون أحوال الأحياء ولا يدرون ما عملهم ولا متى أجلهم، أخرجه النسائي.
41- قال r: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف» أخرجه البخاري ومسلم. قيل هذا التلاقي، وقيل:تلاقي أرواح النيام والموتى،وقيل غير هذا والله أعلم.
[ 17 ]
نسبة الخلق والتصوير والوفاة للملك نسبة مجازية
قال تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها [الزمر: 42].
وقال تعالى: وهو الذي أحياكم ثم يميتكم [الحج: 66].
وقال تعالى: ولقد خلقناكم ثم صورناكم [الأعراف: 11].
وقال تعالى: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم [السجدة: 11].
وقال تعالى: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة [الأنفال:50].
وقال تعالى: توفته رسلنا [الأنعام: 61].
42- عن ابن مسعود t قال: حدثنا رسول الله r وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم بكون مضغة مثل ذلك, ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح» أخرجه البخاري ومسلم.
43- عن حذيفة بن أ سيد الغفاري قال: سمعت رسول الله r يقول: «إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وشعرها وجلدها ولحمها وعظامها, ثم يقول: أي رب أذكر أم أنثى؟ وذكر الحديث»، أخرجه مسلم...ونسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية لا حقيقية, وقد تم التشكيل والتصوير بقدرة الله تعالى وخلقه واختراعه إذ لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين وهكذا القول في الحديث: «ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح»، أي أن النفخ فيه سبب يخلق الله فيه الروح والحياة, وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره.
[ 18 ]
تحسين الكفن والإسراع بالجنازة وكلامها
44- عن جابر بن عبد الله t، عن النبي r قال: «إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه إن استطاع» أخرجه مسلم.
45- عن أبي سعيد الخدري t: كان النبي r يقول: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم, فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني, وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق» أخرجه البخاري. وصعق: أي مات.
46- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه, وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» أخرجه البخاري ومسلم.
والإسراع قيل معناه: الإسراع بحملها إلى قبرها في المشي وقيل: تجهيزها بعد موتها لئلا تتغير, والأول أظهر.
[ 19 ]
هل ينتفع الموتى بشيء من سعي الأحياء أم لا؟
ينتفع الموتى بسعي الأحياء بأمرين مجمع عليهما بين أهل السنة من الفقهاء وأهل الحديث والتفسير:
أحدهما: ما تسبب إليه الميت في حياته.
الثـاني: دعاء المسلمين واستغفارهم له والصدقة والصوم والحج مع التفصيل في الصوم والحج.
واختلفوا في قراءة القرآن والذكر. فجمهور السلف ومذهب أحمد وبعض أصحاب أبي حنيفة: الوصول. والمشهور من مذهب الشافعي ومالك: عدم الوصول.ولكل من الفريقين أدلته ولا مجال لذكرها هنا0
ونختم هذا الموضوع بأقوال أهل العلم بالصوم والحج عن الميت:
1- قال ابن عباس t: يصام عن الميت في النذر, ويُطعم عنه في قضاء رمضان, وهذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
2- قال أبو ثور وداود بن علي: يصام عنه في النذر والقضاء.
3- قال الأوزاعي وسفيان الثوري في إحدى الروايتين عنه: يُطعم عنه وليه, فإن لم يجد صام عنه.
4- قال الحسن: إذا كان عليه صيام شهر فصام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز.
5- والحج: عند الجمهور يصل ثواب العمل نفسه وعند بعض الحنفية يصل ثواب الإنفاق. وأدلة وصول ثواب الصدقة والصوم والحج كثيرة نكتفي بذكر دليل لكل عبادة تجنباً للإطالة في الأحاديث الثلاثة الآتية :
47- عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً أتى النبي r فقال يا رسول الله: إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم» أخرجه البخاري ومسلم.
48- وعنها أن رسول الله r قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» أخرجه البخاري ومسلم.
49- عن ابن عباس t أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي r فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله, فالله أحق بالقضاء» أخرجه البخاري.
[ 20 ]
يدفن العبد في الأرض التي خلق منها
50- عن مطر بن عكامش t قال: قال رسول الله r: «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة»أو قال: «بها حاجة» أخرجه الترمذي.
قال العلماء رحمة الله عليهم: والفائدة أن يتنبه الإنسان ويتيقظ للموت والاستعداد له بحسن الطاعة والخروج عن المظلمة, وقضاء الدين, وإتيان الوصية بما له أو عليه في الحضر, فضلاً عن أوان الخروج عن وطنه إلى سفر, فإنه لا يدري أين كتبت منيته من بقاع الأرض.
[ 21 ]
كل عبد يذر عليه من تراب حفرته
51- عن أبي هريرة t, قال: قال رسول الله r: «ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته» أخرجه أبو نعيم في الحلية، أي أن نطفة الإنسان تعجن بتراب البقعة التي سيدفن فيها.
[ 22 ]
ما يتبع الميت إلى قبره وما يبقى معه وهول المطلع
52- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «يتبع الميت ثلاث, فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» أخرجه البخاري ومسلم.
53- عن جابر بن عبد الله t قال: قال رسول الله r: «لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد, وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة» أخرجه أحمد والبزار.
قال أبو الدرداء t: «أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه, وغافل ليس بمغفول عنه, وضاحك بملء فيه لا يدري أأرضى الله أم أسخطه؟ وأبكاني فراق الأحبة محمد r وحزبه, وأحزنني هول المُطلع عند غمرات الموت, والوقوف بين يدي الله تعالى يوم تبدو السريرة علانية ثم لا يدري إلى الجنة أم إلى النار».
قال أنس بن مالك t: «ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن: أول يوم يجيئك البشير من الله تعالى إما برضاه وإما بسخطه, ويوم تعرض فيه على ربك آخذاً كتابك إما بيمينك وإما بشمالك, وليلة تستأنف فيها المبيت في القبر لم تبت فيه ليلة قط, وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة». وهول المطلع: عندما يطلع المحتضر على مقعده من الجنة أو النار وذلك عندما يرى ملك الموت.
[ 23 ]
القبر أول منازل الآخرة
54- عن هانئ بن عثمان قال: كان عثمان t إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي, وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله r قال: «إن القبر أول منازل الآخرة: فإن نجا منه أحد فما بعده أيسر منه, وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» أخرجه ابن ماجه.
55- عن جابر بن عبد الله t قال: نهى رسول الله r أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» أخرجه مسلم
56- وعنه أيضاً: نهى رسول الله r أن تجصص القبور, وأن يكتب عليها, وأن يبنى عليها, وأن توطأ» أخرجه الترمذي.
يكره تجصيص القبر لأن ذلك من المباهاة وزينة الحياة الدنيا والقبور منازل الآخرة, وليس بموضع للمباهاة, وإنما يزين الميت في قبره عمله
57- عن أبي الهياج الأسدي t قال: قال لي علي بن أبي طالب t: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله r؟ «أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته, ولا قبراً مشرفاً إلا سويته» أخرجه مسلم.
قال العلماء: يسنم القبر ليعرف كي يحترم, ويمنع من الارتفاع الكثير الذي كانت تفعله الجاهلية, فإنها كانت تعلي عليها, وتبني فوقها تفخيماً لها وتعظيماً.
وقال أحد الصالحين: أيها الناس إني لكم ناصح, وعليكم شفيق, فاعملوا في ظلمة الليل لظلمة القبر, وصوموا في الحر قبل يوم النشور, وحجوا تحط عنكم عظائم الأمور, وتصدقوا مخافة يوم عسير.
[ 24 ]
اختيار مكان الدفن وفضله في المدينة المنورة
58- عن أبي هريرة t قال: أُرسل ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام, فلما جاء صكه ففقأ عينه, فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت, قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه وقل له: يضع يده على متن جلد ثور, فله بما غطت يده بكل شعرة سنة, قال: أي رب, ثم مه؟ قال: ثم الموت, قال: فالآن, فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر, فقال رسول الله r: «لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر» أخرجه البخاري ومسلم.
59- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها, فإني أشفع لمن مات بها» أخرجه الترمذي.
قال العلماء رحمة الله عليهم: الأماكن لا تقدس أحداً ولا تطهره, وإنما الذي يقدسه من وضر الذنوب ودنسها التوبة النصوح مع الأعمال الصالحة.
أما لماذا أقدم موسى عليه الصلاة والسلام على ضرب ملك الموت فالجواب: «أخبر نبينا r أن الله تعالى لا يقبض روح موسى عليه الصلاة والسلام حتى يخيره» أخرجه البخاري وغيره...فلما جاءه ملك الموت بدون تخيير لطمه بدليل: لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت, اختار الموت واستسلم, والله بغيبه أعلم وأحكم.
[ 25 ]
ضغط القبر على صاحبه وإن كان صالحاً
60- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله r قال في سعد بن معاذ: «هذا الذي تحرك له عرش الرحمن وفتحت له أبواب السماء, وشهده سبعون ألفاً من الملائكة لقد ضُم ضمة ثم فرج عنه» أخرجه النسائي.
61- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: «إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ» أخرجه أحمد.
والقبر إما لحد أو شق واللحد: هو أن يحفر للميت في جانب القبر, إن كانت الأرض صلبة وهو أفضل من الشق لأنه الذي اختاره الله لنبيه r.
62- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله r, بعثوا إلى أبي عبيدة وكان يضرح كضريح أهل مكة, وبعثوا إلى أبي طلحة وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد, فبعثوا إليهما رسولين, قالوا: اللهم خر لرسولك, فوجدا أبا طلحة فجيء به, ولم يوجد أبو عبيدة فلُحد لرسول الله r، أخرجه ابن ماجة.
63- وعنه قال: قال رسول الله r: «اللحد لنا والشق لغيرنا» أخرجه ابن ماجه والترمذي.
[ 26 ]
الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه
قال الإمام البخاري رحمه الله: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته لقول الله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم ناراً [التحريم:6 ]، وقال النبي r: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته» فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: لا تزر وازرة وزر أخرى. وهو كقوله : وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ [فاطر : 18] ومعنى من سنته: أي من عادته كأن يوصي بالبكاء عليه، أو يعلم بأن أهله سيبكون عليه ولا ينهاهم0
[ 27 ]
الوقوف عند القبر بعد الدفن،والدعاء للميت بالتثبيت
64- عن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت, الحديث: وفيه: «فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شناً, ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها, حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي عز وجل» أخرجه مسلم. وقد أوصى t بأن لا تصحبه نائحة ولا نار، لأنهما من عمل الجاهلية ولنهي النبي r.
قال العلماء: ومن ذلك: الضجيج بذكر الله سبحانه وتعالى أو بغير ذلك حول الجنائز, والبناء على القبور, والاجتماع في الجبانات والمساجد والبيوت للقراءة وغيرها لأجل الموتى, وكذلك الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام والمبيت عندهم, كل ذلك من أمر الجاهلية ونحو منه الطعام الذي يصنعه أهل الميت اليوم في يوم السابع أو الثالث . وعلى الرجل أن يمنع أهله من فعل شيء من ذلك لقوله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم ناراً قال العلماء معناه: أدبوهم وعلموهم.
وقد أصبحت هذه الأمور عند الناس كالسنة لا يتركونها ومن حاول رد الناس إلى السنة وترك ما خالفها سخطوا عليه لأنه خالفهم ونهاهم عما اعتادوا عليه فالله يحسن تعويضه كما في الحديث الآتي:
65- عن ابن أبي موسى قال: أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته تصيح برنة,قال ثم أفاق,قال: ألم تعلمي - وكان يحدثها - أن رسول الله r قال: «أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق» أخرجه مسلم.
[ 28 ]
سؤال الملكين للميت
66- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «إن العبد إذا وضع في قبره, وتولى عنه أصحابه, إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد r؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله, فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً»، قال قتادة: وذُكر لنا أنه يفسح له في قبره أربعون ذراعاً, قال مسلم سبعون ذراعاً, ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون, ثم رجع إلى حديث أنس قال: أما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري, كنت أقول ما يقول الناس, فيقال: لا دريت ولا تليت, ويضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين»أخرجه البخاري. معنى ولا تليت (الأصل ولا تلوت) أي: لم تدر، ولم تتل القرآن.
67- عن أبي هريرة t عن النبي r قال: «إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشغوف, ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام! فيقال: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله, جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: لا, ما ينبغي لأحد أن يرى الله! فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً, فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله, ثم يفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها, فيقال له: هذا مقعدك.ويقال له: على اليقين كنت, وعليه مت, وعليه تبعث إن شاء الله تعالى. ويُجلس الرجل السوء في قبره فزعاً مرعوباً فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري, فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولاً فقلته, فيفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيه. فيقال له: انظر إلى ما صرفه الله عنك, ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً, فيقال: هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى» أخرجه ابن ماجه.
[ 29 ]
حديث البراء المشهور عن أحوال الموتى
68- عن البراء بن عازب t قال: خرجنا مع النبي r في جنازة رجل من الأنصار, فانتهينا إلى القبر ولما يلحد, فجلس رسول الله r مستقبل القبلة, وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض، فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً، فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر» مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ثلاثاً»، ثم قال: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه, كأن وجوههم الشمس ومعهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة, حتى يجلسوا منه مد البصر, ثم يجيء ملك الموت u حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة - وفي رواية المطمئنة - اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان, قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء, فيأخذها - وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء, وفتحت له أبواب السماء, ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم - فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن, وفي ذلك الحنوط - فذلك قوله تعالى: توفته رسلنا وهم لا يفرطون [الانعام :61] ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض, قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني - بها على ملك من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا, حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة, فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين, وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون [المطففون :19]فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده، قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول: ربي الله, فيقولان له ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام, فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله r, فيقولان له: وما أعلمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت, فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن, فذلك حين يقول الله عز وجل: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا [إبراهيم :27]فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد r. فينادي مناد في السماء, أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة, قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره, قال: ويأتيه - وفي رواية: يمثل له - رجل حسن الوجه حسن الثياب, طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك أبشر برضوان من الله, وجنات فيها نعيم مقيم هذا يومك الذي كنت توعده, فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير, من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير, فيقول: أنا عملك الصالح, فو الله ما علمتك إلا كنت سريعاً في إطاعة الله, بطيئاً في معصية الله, فجزاك الله خيراً ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله, أبدلك الله به هذا! فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة, كيما أرجع إلى أهلي ومالي, فيقال له: اسكن.
قال: وإن العبد الكافر - وفي رواية الفاجر - إذا كان في انقطاع من الدنيا, وإقبال من الآخرة, نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد, سود الوجوه, معهم المسوح من النار, فيجلسون منه مد البصر, ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس الخبيثة, اخرجي إلى سخط من الله وغضب, قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود - الكثير الشعب - من الصوف المبلول فتقطع معها العروق والعصب, فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء, وتغلق أبواب السماء, ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن لا تعرج روحه من قبلهم»,فيأخذها, فإذا أخذها, لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح, ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض, فيصعدون بها, فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا, حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له, ثم قرأ رسول الله r: لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط
[الأعراف: 40]فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين, في الأرض السفلى, ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم, ومنها أخرجهم تارة أخرى - فتطرح روحه من السماء طرحاً حتى تقع في جسده ثم قرأ: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق [الحج: 31] فتعاد روحه في جسده قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه.
ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان له ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه, فيقال: محمد! فيقول: هاه هاه لا أدري, سمعت الناس يقولون ذاك! فيقال: لا دريت ولا تلوت, فينادي مناد من السماء أن كذب, فأفرشوا له من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها, ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه - وفي رواية: ويمثل له - رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك, هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول: وأنت فبشرك الله بالشر, من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر, فيقول: أنا عملك الخبيث. فو الله ما علمت إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله, سريعاً إلى معصية الله, فجزاك الله شراً ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبلاً كان تراباً, فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً ثم يعيده الله كما كان, فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار فيقول رب لا تقم الساعة». تم الحديث بطوله أخرجه أبو داود والحاكم والطيالسي والآجري وأحمد والسياق له.