السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر بعض ما جاء عن الدجال
97- عن أبي الدرداء t أن رسول الله r قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال»، وفي رواية: «من آخر سورة الكهف» أخرجه مسلم.
98- عن حذيفة بن اليمان t قال: قال رسول الله r: «الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار»، وعنه قال: قال رسول الله r: «لأنا أعلم بما مع الدجال منه معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركه أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض وليطأطىء رأسه فيشرب فإنه ماء بارد وأن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» أخرجه مسلم.
99- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» أخرجه البخاري ومسلم، وروي أيضاً: بيت المقدس وجبل الطور.
100- عن عمران بن حصين t قال: سمعت رسول الله r يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال»، وفي رواية: امرؤ بدل خلق» أخرجه مسلم، والحديث يدل على عظم خلقته.
101- عن حذيفة بن اليمان t قال: كنا عند رسول الله r فذكر الدجال فقال: «لفتنة من بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال ليس من فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تضع لفتنة الدجال فمن نجا من فتنة ما قبلها فقد نجا منها والله لا يضر مسلماً مكتوب بين عينيه كافر» حديث صحيح أخرجه البزار.
[ 48 ]
نزول عيسى عليه الصلاة والسلام
102- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية وليتركن القلاص فلا يسعى عليها وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون الناس إلى المال فلا يقبله أحد» أخرجه مسلم.
103- وعنه قال: قال رسول الله r: «كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ وفي رواية: «فأمكم منكم»، قال ابن أبي ذئب: تدري ما إمامكم منكم؟ قلت: تخبرني؟ قال: فأمكم بكتاب ربكم عز وجل وسنة نبيكم وعنه عن النبي r قال: «والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بنفج من الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما» أخرجه ابن ماجة.
104- وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام» أخرجه مسلم.
[ 49 ]
خروج يأجوج ومأجوج
105- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : «إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً, فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال: ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله فيرجعون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون سهامهم في السماء فيرجع إليها الدم الذي أحفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفاً في أقفائهم فيقتلهم»، قال رسول الله r: «والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً من كثرة ما تأكل من لحومهم» أخرجه ابن ماجه، ومعنى تشكر شكراً: تمتلئ ملئاً والنغف: نوع من الدواب.
[ 50 ]
خروج الدابة، ومن أين تخرج
قال تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم [النمل: 82]، أي وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان والعقوق والطغيان وإعراضهم عن آيات الله وتماديهم في المعاصي وهي دابة تعقل وتنطق ليعلموا أنها آية من قبل الله لأن الدابة في العادة لا تتكلم ولا تعقل0
قال ابن عمر وابن عمرو رضي الله عنهما: تخرج الدابة من جبل الصفا بمكة ينصدع فتخرج منه لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فينير وجهه وتكتب بين عينيه: مؤمن, وتسم الكافر فيسود وجهه وتكتب بين عينيه: كافر.وهذه الدابة تكلم الناس وتناظرهم وتقول من جملة كلامها: ألا لعنة الله على الظالمين, وخروجها حين ينقطع الخير, ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر, ولا يبقى منيب ولا تائب.
[ 51 ]
طلوع الشمس من مغربها
106- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها, والدجال, ودابة الأرض» أخرجه مسلم.
107- عن صفوان بن عسال المرادي t قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرته سبعين سنة لا يغلق حنى تطلع الشمس من نحوه» أخرجه الترمذي.
وأول الآيات: الخسوفات، ثم الدجال، ثم نزول عيسى u، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها.
108- عن حذيفة بن اليمان t قال: كنا جلوساً في المدينة في ظل حائط وكان رسول الله r في غرفة فأشرف علينا وقال: « ما يجلسكم؟ فقلنا: نتحدث.فقال في ماذا؟ فقلنا: عن الساعة. فقال: «إنكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات: أولها طلوع الشمس من مغربها, ثم الدخان,ثم الدجال, ثم الدابة، ثم ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج ويكون آخر ذلك ناراً تخرج من اليمن من حفرة عدن لا تدع أحداً خلفها إلا تسوقه إلى المحشر» حديث صحيح أخرجه القتبي في عيون الأخبار، وأخرجه مسلم بمعناه، وفي رواية حذيفة هذه وروايته عند مسلم، وحديث أنس عند البخاري، وحديث ابن عمرو عند مسلم جاءت هذه الآيات: الأشراط مجموعة غير مرتبة وليس الأمر كذلك بل كما ذكرنا: الخسوف فالدجال فنزول عيسى فيأجوج ومأجوج فخروج الدابة فطلوع الشمس من مغربها.
[ 52 ]
لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله
109- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله» أخرجه مسلم، وفي رواية أخرى: «لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله».
والمعنى: إذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين فيزول التوحيد من الأرض وينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا أحد يقول لغيره: اتق الله.
[ 53 ]
على من تقوم الساعة؟
110- عن عقبة بن عامر t قال: سمعت رسول الله r يقول: « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك» فقال عبد الله بن عمرو: أجل: «ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك، مسها كمس الحرير لا تترك نفساً في قلبها مثقال حبة من إيمان إلا قبضتها، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة» أخرجه مسلم
وفي حديث عبد الله بن مسعود:«لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس, من لا يعرف معروفاً, ولا ينكر منكراً, يتهارجون كما تتهارج الحمر» حديث صحيح.
قال الأصمعي: يتهارجون يقول: يتسافدون يقال: بات فلان يهرجها والهرج في غير هذا: الاختلاط والقتل، وهنا الزنى العلني كالحمر.
فائدة: يمكث الدجال في الأرض أربعين يوماً: يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم.
أما عيسى u فيمكث في الأرض بعد نزوله سبع سنين.
111- عن معاوية t قال: سمعت رسول الله r يقول: « إن من أشراط الساعة أن يقل العلم, ويظهر الجهل, ويظهر الزنا, وتكثر النساء, ويقل الرجال, حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم من حديث أنس.
112- عن أبي موسى الأشعري t، عن النبي r قال: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل بالصدقة من الذهب لا يجد أحداً يأخذها منه, قال: ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء» أخرجه مسلم، لأن الرجال يقتلون في الحروب وتبقى نساؤهم أرامل فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن ومصالح أمورهن من بيع وشراء وأخذ وعطاء ويكون معنى يلذن: يستترن ويتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة.
وهذا القول أرجح من القول الآخر وهو: إن لقلة الرجال وغلبة الشبق على النساء يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة كل واحدة تقول: انكحني انكحني.
113- قال رسول الله r: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر, وذراعاً بذراع, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» أخرجه البخاري، يعني فمن غيرهم. أي من الأشراط ظهور الفساد بين المسلمين.
تحدثنا فيما مضى عن أشراط الساعة والآن نتحدث - بعون الله - عن البعث والنشور.
[ 54 ]
انقراض الخلق،وذكر النفخ والصعق
114- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «ما بين النفختين أربعون» قالوا: يا أبا هريرة أربعين يوماً؟ قال: أبيت قالوا: أربعين شهراً قال: أبيت, قالوا: أربعين عاماً؟ قال: أبيت, ثم ينزل الله تعالى من السماء ماءً فينبتون كما ينبت البقل قال: «ليس من الإنسان شيء إلا يبلى, إلا عظماً واحداً»، وفي رواية: «لا تأكله الأرض أبداً» وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة» أخرجه مسلم، وقول أبي هريرة : أبيت فيه تأويلان: الأول: كان عنده علم من ذلك، والثاني: لم يكن عنده علم من ذلك, والأول أظهر ولم يبينه لأنه لم تُرهق لذلك حاجة لأنه ليس من البينات والهدى الذي أُمر بتبليغه.
قال تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله [الزمر: 68] أي إلا الشهداء أو الملائكة أو الأنبياء أو حملة العرش أو جبريل أو ميكائيل أو ملك الموت. فأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه: غشية, وأما صعق غير الأنبياء فهو موت. وأما قول النبي r لا تفضلوني على يونس بن متى: فإن يونس بن متى u ألقي في البحر فالتقمه الحوت, وصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ونادى: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ولم يكن محمد r حين جلس على الرفرف الأخضر وارتُقي به صُعداً حتى انتُهي به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام ناجاه ربه بما ناجاه به وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله من يونس u في ظلمة البحر.
[ 55 ]
يفنى العباد ويبقى الملك لله وحده
115- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «يقبض الله الأرض يوم القيامة, ويطوي السماء بيمينه, ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض» أخرجه البخاري ومسلم.
116- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «يطوي الله السماء يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى, ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله, ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» أخرجه مسلم.
[ 56 ]
النفخ الثاني للبعث في الصور
قال تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون [يس: 51] هي النفخة الثانية، وهي نفخة البعث وروي عن مجاهد أنه قال: للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح يا أهل القبور قاموا مذعورين عجلين ينظرون ما يراد بهم لقوله تعالى: ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وقد أخبر الله عز وجل عن الكفار أنهم يقولون: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا [يس: 52]، وعدد النفخات: نفختان, نفخة الفزع والصعق،ونفخة البعث وبين النفختين: أربعون سنة.
117- عن عبد الرحمن بن أبي عمرو t قال: «ما من صباح إلا وملكان يقولان: يا طالب الخير أقبل, ويا طالب الشر أقصر, وملكان موكلان يقولان: اللهم أعط منفقاً خلفاً, وأعط ممسكاً تلفاً» أخرجه البخاري مختصراً وأحمد.
[ 57 ]
يبعث كل عبد على ما مات عليه
118- عن جابر بن عبد الله t قال: سمعت رسول الله r يقول: «يبعث كل عبد على ما مات عليه» أخرجه مسلم.
119- عن عبد بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله r يقول: « إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم, ثم بعثوا على نياتهم» أخرجه البخاري ومسلم، ولفظ البخاري عنه قال: قال رسول الله r: «إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم».
120- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «النياحة على الميت من أمر الجاهلية, وإن النائحة إذا لم تتب قبل أن تموت فإنها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران, ثم يُعلى عليها بدرع من لهب النار» أخرجه ابن ماجه.
[ 58 ]
أين يكون الناس؟
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات
121- عن ثوبان t مولى رسول الله r قال: كنت قائماً عند رسول الله r فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد وذكر الحديث وفيه: فقال اليهودي فأين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله r: «هم في الظلمة دون الجسر» أخرجه مسلم.
122- عن عائشة tا قالت: سئل رسول الله r عن قوله تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: «على الصراط» أخرجه مسلم.
أي أن الأرض والسموات تبدل وتزال ويخلق الله أرضاً أخرى يكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر وهو الصراط.
[ 59 ]
أمور تكون قبل الساعة
لما نبأ النبي r بذكر الزلزلة التي تكون عند النفخة الأولى ذكر ما يكون في ذلك اليوم من الأهوال العظام ومن فزعها ما لا تطيق حمله النفوس، وهو قوله لآدم: ابعث بعث النار في يوم يشيب فيه الوليد, وتضع الحوامل, وتذهل المراضع, والزلزلة من أشراط الساعة وهي في الدنيا وقوله تعالى: ترونها للزلزلة أو للقيامة وقوله تعالى: وترى الناس سكارى أي من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب، وقد طلب إبليس النظرة والإمهال إلى يوم البعث والحساب أي طلب أن لا يموت لأن يوم البعث لا موت بعده فقد أنظره الله إلى النفخة الأولى حيث يموت الخلق كلهم. وكان طلب الإنظار إلى النفخة الثانية حيث يقوم الناس لرب العالمين فأبى الله ذلك عليه. وقال تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها هذه الزلزلة تكون بعد إحياء الناس وبعثهم من قبورهم لأنه لا يراد بها إلا إذعان الناس والتهويل عليهم.
[ 60 ]
الحشر ومعناه الجمع
123- عن أبي هريرة t عن النبي r قال: «يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين, واثنان على بعير, وثلاثة على بعير وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم حيث باتوا, وتقيل معهم حيث قالوا, وتصبح معهم حيث أصبحوا, وتمسي معهم حيث أمسوا» أخرجه البخاري ومسلم.
- قوله على ثلاث طرائق يحتمل: الأبرار والمخلطون والكفار، فالأبرار يؤتون بالنجائب, والمخلطون يشتركون في البعير, والكفار تحشرهم النار, فاعمل هدانا الله وإياك ليكون لك بعير خالص من الشركة.
124- عن أنس بن مالك t أن رجلاً قال يا رسول الله: الذين يحشرون على وجوههم, أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله r: «أليس الذي أمشاه على الرجلين قادراً أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟» قال قتادة حين بلغه: بلى وعزة ربنا. أخرجه البخاري ومسلم.
125- عن سهل بن سعد t قال: قال رسول الله r: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيه علم لأحد» أخرجه مسلم.
126- عن أبي ذر t قال: «إن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج, فوجاً راكبين طاعمين كاسين, وفوجاً تسحبهم الملائكة على وجوههم, ويحشر الناس فوجاً يمشون ويسعون, يلقي الله الآفة على الظهر فلا تبقى حتى إن الرجل لتكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها» أخرجه النسائي.
[ 61 ]
أحوال الناس بعد البعث وكيف يحشرون
إذا بعث الكفار للحشر فلهم خمسة أحوال:
- حال البعث من القبور: يكون الكفار بحواس وجوارح كاملة.
- السوق إلى موضع الحساب: يكونون بحواس وجوارح كاملة.
- حالة المحاسبة: يكونون بحواس وجوارح كاملة.
- السوق إلى جهنم: تسلب أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم.
- الإقامة في النار: وهذه الحالة تنقسم إلى بدو ومآل، فبدوها: أنهم يقطعون المسافة بين موقف الحساب وشفير جهنم عمياً وبكماً وصماً إذلالاً لهم تمييزاً عن غيرهم، ومآل حالهم: ترد الحواس إليهم ليشاهدوا النار وما أعد الله لهم فيها من العذاب ويروا ملائكة العذاب وكل ما كانوا به مكذبين, فيستقرون في النار ناطقين سامعين مبصرين. وينادى: يا أهل النار: خلود فلا موت وتسلب في ذلك الوقت أسماعهم, وقد تسلب الأبصار والكلام, لكن سلب السمع يقين: لأن الله تعالى يقول: لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون [الأنبياء: 100] ولكل حالة آية أو أكثر تدل عليها ولم نذكرها طلباً للاقتصار.
[ 62 ]
يحشر الناس حفاة عراة غرلاً
127- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قام فينا رسول الله r بموعظة فقال: « أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين, ألا وإن أول الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام, ألا وإنه يؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلى قوله: العزيز الحكيم [المائدة: 117-118] قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» أخرجه البخاري ومسلم.
128- عن معاوية بن حيدة t، عن النبي r في حديث ذكره قال: وأشار بيده إلى الشام فقال: «ههنا إلى ههنا تحشرون ركباناً ومشاةً وتجرون على وجوهكم يوم القيامة, على أفواهكم الفدام, توفون سبعين أمة, أنتم خيرهم على الله وأكرمهم على الله, وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه».
وفي رواية أخرى ذكرها ابن أبي شيبة: «وإن أول ما يتكلم من الإنسان فخذه وكفه» أخرجه البخاري والترمذي...
معاني الكلمات: غرلاً: غير مختونين. النقى: الدقيق الحواري. عفراء: بيضاء تضرب إلى الحمرة قليلاً. الفدام: مصفاة الكوز أو الإبريق أي منعوا الكلام حتى تتكلم أفخاذهم تشبيهاً بالفدام على الإبريق.
[ 63 ]
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه
129- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله r يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً» قلت: يا رسول الله, الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلي بعض؟ قال: يا عائشة, الأمر أشد من أن ينظر بعضهم لبعض» أخرجه مسلم.
130- عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي r قال: «تحشرون حفاة عراة غرلاً»، فقالت امرأة: أيبصر بعضنا أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: «يافلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» أخرجه الترمذي.
[ 64 ]
يوم القيامة في سور التكوير، والانفطار، والانشقاق
- من أسماء يوم القيامة: يوم العرض
131- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله r : «من حوسب يوم القيامة عُذب»، قالت فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله: فسوف يحاسب حساباً يسيراً»؟ [الانشقاق: 8]، فقال: «ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب» أخرجه البخاري ومسلم.
- ومن أسماء يوم القيامة: يوم الحساب
يروى عن علي بن أبي طالب t أنه سئل عن محاسبة الله للخلق فقال: «كما يرزقهم في غداة واحدة كذلك يحاسبهم في ساعة واحدة».
132- عن أبي هريرة t قال: سأل الناس رسول الله r هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله r: «هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟»، قالوا: لا، قال: «فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس في سحابة»، قالوا: لا، قال: «فو الذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما»، قال: «فيلقى العبد فيقول: أي عبدي قل: ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع؟ فيقول: بلى, فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا, فيقول: إني أنساك كما نسيتني, ثم يلقى الثاني فيقول له: ويقول هو مثل ذلك بعينه ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول: يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك, وصليت, وتصدقت, وصمت, ويثني بخير ما استطاع, قال: فيقول: ههنا إذاً ثم يقول: الآن نبعث شاهداً عليك فيقول في نفسه من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه, ويقال لفخذه: انطقي فتنطق فخذه, ولحمه, وعظامه, بعمله وذلك ليعذر في نفسه, وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه, وقد قال الله تعالى: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [الإسراء: 14] أي: حاسباً, فعيلاً بمعنى فاعل» أخرجه مسلم.
- ومن أسماء يوم القيامة: يوم السؤال
133- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي r قال: «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته, والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم, والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه, والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه, ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته» أخرجه البخاري ومسلم.
- ومن أسماء يوم القيامة: يوم القضاء وهو أيضاً يوم الحكم والفصل
134- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد» أخرجه مسلم.
[ 65 ]
من أهوال يوم القيامة
135- عن المقداد بن الأسود t قال: سمعت النبي r يقول: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل»، قال سليم بن عامر ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين قال: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق, فمنهم من يكون إلى كعبيه, ومنهم من يكون إلى ركبتيه, ومنهم من يكون إلى حقويه, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً» قال: وأشار رسول الله r بيده إلى فيه.أخرجه مسلم والترمذي وزاد قوله: تكحل به العين فتصهرهم الشمس.
136- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعاً وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو آذانهم» أخرجه البخاري ومسلم.
137- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي r: «يوم يقوم الناس لرب العالمين» قال: «يوم يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه» أخرجه البخاري والترمذي.
[ 66 ]
ما ينجي من أهوال يوم القيامة
138- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» أخرجه مسلم. وقد ينجي منها كلها ما جاء في الحديث الآتي:
139-عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: «حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر, قال: قال الله عز وجل: أنا أحق بذلك منك, تجاوزوا عن عبدي» أخرجه مسلم.
140- عن أبي قتادة t أنه طلب غريماً له فتوارى عنه, ثم وجده فقال: إني معسر, قال: آلله؟ فقال: آلله, قال: فإني سمعت رسول الله r يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» أخرجه مسلم.
141- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه»، أخرجه البخاري ومسلم، معنى في ظله: أي في ظل عرشه...جاء هكذا مفسراً في الحديث.
142- عن حذيفة t عن النبي r أن رجلاً مات فدخل الجنة, فقيل له: ما كنت تعمل؟ فقال: «أما ذكروا ما ذكر, فقال: إني كنت أبايع الناس, فكنت أنظر المعسر وأتجاوز في السكة أو في النقد فغفر له» فقال له أبو مسعود t: وأنا سمعته من رسول الله r» أخرجه البخاري ومسلم.
143- عن كعب بن عمرو t أنه سمع رسول الله r يقول: «من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله» أخرجه مسلم.
[ 67 ]
الشفاعة العامة لأهل المحشر
144- عن أبي هريرة t قال: أتي النبي r يوماً بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة فقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم, فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبونا أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه, وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته, نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى نوح, فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح, أنت أول الرسل إلى الأرض وسماك الله عبداً شكوراً, اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي: نفسي نفسي, اذهبوا إلى إبراهيم, فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وذكر كذباته, نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى موسى, فيأتون موسى فيقولون: يا موسى, أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها, نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى, أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه, فاشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولم يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً، نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد r فيأتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء, وغفر الله لك ما تقدم وما تأخر, اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي, ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد غيري من قبلي ثم قال: يا محمد, ارفع رأسك, وسل تعطه واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي, فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى»، وفي البخاري: «كما بين مكة وحمير» أخرجه البخاري ومسلم.
[ 68 ]
الشفاعة العامة لأهل الموقف هي المقام المحمود
145- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «إن الناس يصيرون يوم القيامة جثياً كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان,اشفع,يا فلان,اشفع,حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي r فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» أخرجه البخاري.
146- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر،وما من نبي يومئذ آدم وما سواه إلا تحت لوائي ,وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال: فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون: أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك فيقول: أنا أذنبت ذنباً فأهبطت به إلى الأرض ائتوا نوحاً فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات,ثم قال رسول الله r: ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول: إني قد قتلت نفساً ولكن ائتوا عيسى فيقول: إني عُبدت من دون الله ولكن ائتوا محمداً r فيأتوني فأنطلق معهم»، قال ابن جدعان قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله r قال: «فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال: من هذا؟ فيقال محمد فيفتحون لي ويرحبون فيقولون: مرحباً،فأخر ساجداً لله فيلهمني من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك وهو المقام المحمود الذي قال الله فيه: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً [الإسراء: 79]»، قال سفيان: ليس عن أنس إلا هذه الكلمة: فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها... أخرجه الترمذي.
فيفزع الناس ثلاث فزعات: ذلك والله أعلم عندما تزفر النار ثلاث زفرات.
أقوال في المقام المحمود:
الأول: أنه الشفاعة العامة للناس يوم القيامة كما تقدم.
الثاني: إخراجه طائفة من النار.
شفاعات نبينا r يوم القيامة:
الأولى: وهي العامة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من الهول.
الثانية: إدخال قوم الجنة بغير حساب.
الثالثة: في جماعة من أمته استوجبوا النار بذنوبهم حتى لا يدخلوها.
الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين من أمته حتى يخرجوا منها.
الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها.
السادسة: شفاعته r لعمه أبي طالب للتخفيف عنه.
[ 69 ]
أسعد الناس بشفاعة النبي r
147- عن أبي هريرة t قال: قلت يا رسول الله, من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث, أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه» أخرجه البخاري.
[ 70 ]
العرض وتطاير الصحف ومن نوقش الحساب عُذب
حديث عائشة في البخاري وقد تقدم برقم: 131
148- روي عن رسول الله r: «أن الناس يُعرضون ثلاث عرضات يوم القيامة, فأما عرضتان: فجدال ومعاذير, وأما العرضة الثالثة: فتطاير الصحف, فالجدال لأهل الأهواء يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر الكريم إلى آدم وإلى أنبيائه ويقيم حجته عندهم على الأعداء, ثم يبعثهم إلى النار, فإنه يجب أن يكون عذره عند أنبيائه وأوليائه ظاهراً حتى لا تأخذهم الحيرة»، ولذلك قيل عن رسول الله r: «لا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، ولا أحد أحب إليه العذر من الله, والعرضة الثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر يخلو بهم فيعاتبهم في تلك الخلوات من يريد أن يعاتبهم حتى يذوق وبال الحياء ويرفض عرقاً بين يديه ويفيض العرق منهم على أقدامهم من شدة الحياء, ثم يغفر لهم ويرضى عنهم» حديث صحيح، أخرجه ا لترمذي الحكيم في الأصل السادس والثمانين.
فتخيل نفسك وأنت بين يدي ربك وفي يدك صحيفتك مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل منكسر والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك فكم من بلية كنت نسيتها تذكرتها الآن وكم من سيئة أخفيتها ظهرت الآن وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص قد رُد عليك في ذلك الموقف وأُحبط وكان أملك فيه عظيماً فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك. فأكثر من الطاعة لتعطى كتابك بيمينك فتكون من الفائزين وابتعد عن المعاصي حتى لا تعطى كتابك بشمالك فتكون من الخاسرين.
- ما يسأل عنه العبد وكيفية السؤال؟
قال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره [الزلزلة 7- 8].
149- عن أبي برزة الأسلمي t قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن علمه ما عمل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟» أخرجه الترمذي.
150- عن معاذ بن جبل t قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟» أخرجه الترمذي.
151- عن ابن عمر tما قال: سمعت رسول الله r يقول في النجوى: «يدنى المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه - أي يستره من الخلائق - فيقرره بذنوبه, فيقول هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف, قال فيقول: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم, قال: فيعطى صحيفة حسناته, وأما الكفار والمنافقون, فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله» أخرجه البخاري، وقال في آخره: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين [هود: 18].
152- عن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وتخبأ كبارها, فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ثلاث مرات, قال: وهو يقر ليس ينكر قال: وهو مشفق من الكبائر أن تجيىء قال: فإذا أراد الله به خيراً قال: أعطوه مكان كل سيئة حسنة, فيقول حين طمع: يا رب إن لي ذنوباً ما رأيتها ههنا, قال: فلقد رأيت رسول الله r ضحك حتى بدت نواجذه, ثم تلا: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات أخرجه مسلم.
153- عن ابن مسعود t أنه قال: «ما ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة» وهذا مأخوذ من حديث النجوى, ومن قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة»أخرجه مسلم.
154- عن أبي هريرة t: «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة» أخرجه مسلم، وروي: «من ستر على مسلم عورته, ستر الله عورته يوم القيامة».
[ 71 ]
الله تعالى يكلم العبد ليس بينه وبينه ترجمان
155- عن عدي بن حاتم t قال: قال رسول الله r: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم, وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة»، وزاد في رواية: «ولو بكلمة طيبة» أخرجه البخاري والترمذي.
فالعاقل من استعد لذلك اليوم فتزود بالعمل الصالح حيث لا ينفع درهم ولا دينار فمن ثقلت موازينه بالحسنات فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فأمه هاوية.
[ 72 ]
القصاص يوم القيامة بين الناس
156- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» أخرجه مسلم.
157- وعنه أن رسول الله r قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم, وإن كان له عمل صالح أخذه منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» أخرجه البخاري.
158- وعنه أن رسول الله r قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, قال: إن المفلس من أمتي, من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي قد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل انقضاء ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» أخرجه مسلم.
159- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «من مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته, ليس ثَم دينار ولا درهم, من ترك ديناً أو ضياعاً فعلى الله ورسوله» أخرجه ابن ماجه.
فما أشد فرح بعض الناس اليوم بالمضمضة بأعراض المسلمين وأخذ أموالهم, وما أشد حسرتهم غداً عندما يأخذ حسناتهم الخصوم عندما يقف الظالم والمظلوم على بساط العدل والعاقل من عمل الصالحات كما قال عمر بن الخطاب t: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا, وحساب النفس يكون بالتوبة وتدارك التقصير في فرائض الله وبرد الحقوق إلى أهلها أو التحلل «المسامحة» منهم.
[ 73 ]
أول من يحاسب أمة محمد r
160- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي r قال: «نحن آخر الأمم وأول من يحاسب يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون» أخرجه ابن ماجه وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما: «فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غراً محجلين من آثار الوضوء فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها» أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده بمعناه.
[ 74 ]
أول ما يحاسب عليه من الأعمال، وما يقضى فيه
161- عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: « أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.
162- وعنه أن رسول الله r قال: «أول ما يحاسب عليه العبد: الصلاة وأول ما يقضى بين الناس: الدماء» أخرجه النسائي.
163- عن علي بن أبي طالب t أنه قال: «أنا أول من يجثو يوم القيامة بين يدي الرحمن للخصومة» أخرجه البخاري, يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه الثلاثة من كفار قريش في غزوة بدر. قال أبو ذر: وفيهم نزلت: هذان خصمان اختصموا في ربهم [الحج: 19].
164- عن حذيفة t أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده, فلما قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليت ولو مت مت على غير سنة محمد r» أخرجه البخاري.
- على المسلم المحافظة على الفروض من إتمام ركوع وسجود وحضور قلب فإن غفل عن شيء من ذلك اجتهد في نفله ولا يتساهل فيه ومن لا يحسن صلاة الفرض فلن يحسن النفل لتهاون الناس فيه ونقره كنقر الديك وإذا كانت الصلاة بهذه الصفة دخل صاحبها في معنى قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة والتضييع للصلاة هو عدم مراعاة حدودها من وقت وطهارة وتمام ركوع وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها, ولا يمتنع من القيام بها في وقتها وغير وقتها, وأما من تركها أصلاً فهو كافر.
[ 75 ]
شهادة أعضاء الكافر والمنافق عليهما
165- عن أنس بن مالك t قال: كنا عند رسول الله r، فضحك، فقال: «هل تدرون مما أضحك»؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «من مخاطبة العبد ربه, يقول: يا رب, ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً, قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله, قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل» أخرجه مسلم.
166- وعنه أن النبي r قال: «يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً كنت تفتدي به؟ فيقول: نعم, فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك» أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: بدل «قد كنت»: «كذبت قد سئلت ما هو أيسر من ذلك».
أول ما يتكلم من الإنسان فخذه يحتمل وجهين:
الأول: زيادة في الفضيحة والخزي لأنه كان في الدنيا يجاهر بالفواحش.
الثاني: لمن جحد ما في كتابه فاستحق من الله الفضح والإخزاء.
والناس يوم القيامة ثلاث فرق:
1- فرقة لا يحاسبون أصلاً وهي من المؤمنين.
2- فرقة تحاسب حساباً يسيراً وهي من المؤمنين.
3- فرقة تحاسب حساباً عسيراً يكون منها مسلم وكافر.
والقيامة مواطن: فموطن يكون فيه سؤال وكلام وموطن لا يكون فيه ذلك. قال تعالى: فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [الحجر: 92]، وقال تعالى: ولا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [الرحمن: 39].
[ 76 ]
شهادة الأرض بما عمل عليها وشهادة المال على صاحبه
167- عن أبي سعيد الخدري t، عن النبي r أنه قال: «إن هذا المال خضر حلو, ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل- أو كما قال رسول الله r - وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة» أخرجه مسلم.
168- قال رسول الله r: «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة» أخرجه مالك وابن ماجه.
فكر أيها المسلم بأنك مشهود عليك في فعلك ومقالك وأعظم الشهود هو الله سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية.
[ 77 ]
سؤال الله للأنبياء وشهادة هذه الأمة لهم بالتبليغ
169- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r قال: «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة, وأكثر من ذلك فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون لا فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فتدعى أمة محمد r فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون أخبرنا نبينا r بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه, قال: فذلك قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً» أخرجه ابن ماجه.
[ 78 ]
عقوبة منع الزكاة والغلول والغدر
170- عن أبي هريرة t قال: قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول وعظم أمره، ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة, يقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح, يقول يا رسول الله: أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاًً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك» أخرجه البخاري ومسلم.
هذا عن الغلول وهو أخذ المجاهد من الغنيمة قبل قسمتها فهو وإن كان له سهم منها فلا يجوز له أن يأخذ سوى الحصة المخصصة له بعد القسمة كما لا يجوز للموظف ولا لغيره الأخذ من مال الدولة سوى ما خصص له من راتب ونحوه كما لا يجوز استخدام سيارات الدولة – أثناء أو بعد الدوام- للأغراض الخاصة.
171- عن ابن عمر t قال: قال رسول الله r : «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان» أخرجه البخاري ومسلم.
172- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : «ما من صاحب ذهب ولافضة لايؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل
يا رسول الله فالإبل ؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم ورودها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً ، تطؤه بأخفافها ، وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها ،رد عليه أخراها ،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ....الخ » أخرجه مسلم.
أي أن الله سبحانه يجمع الفضيحة مع العذاب لكل من مانع الزكاة والغال والغادر.أجارنا الله وجميع المسلمين من هذه الذنوب ومن غيرها وأعاننا على طاعته إنه سميع مجيب.
[ 79 ]
حوض النبي r
172- عن أنس بن مالك t قال: بينا رسول الله r ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا: ما أضحك يا رسول الله؟ قال: «نزلت علي آنفاً سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر, فصل لربك وانحر, إن شانئك هو الأبتر، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم, قال: فإنه نهر وعدنيه ربي, عليه خير كثير, وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم, فيختلج العبد فأقول: يا رب, إنه من أمتي فيقال: ما تدري ما أحدث بعدك» أخرجه مسلم.
173- عن أبي ذر t قال: قلت يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ، آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل» أخرجه مسلم.
174- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورِق، وريحه أطيب من المسك، كيزانه كنجوم السماء، من ورد فشرب منه لم يظمأ بعده أبداً» أخرجه البخاري.
يشخب: يسيل. الورق: الفضة. والصحيح أن للنبي r حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر في الجنة وكلاهما يسمى كوثراً.
175- عن أنس t عن النبي r قال: «ليردن عليَ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقال لي: لا تدري ما أحدثوا بعدك» أخرجه البخاري.
قال العلماء رحمة الله عليهم أجمعين كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه.
176- عن ا بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r : «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» أخرجه الترمذي.
177- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله r: «إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم, وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم» أخرجه مسلم.
- أيها القارئ الكريم: ينبغي أن لا يخطر ببالك أو يذهب بك الوهم إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة على مساميه هذه الأقطار أو في المواضع التي تكون بدلاً من هذه المواضع في هذه الأرض وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم, ولم يُظلم على ظهرها أحد قط.
[ 80 ]
ما جاء في الميزان وأنه حق
قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً [الأنبياء: 47].
وقال تعالى: ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم [الأعراف: 9], [المؤمنون: 103]، الآية في الأعراف والمؤمنين.
قال العلماء: إذا ا