بقلم: د. أحمد عبد الهادي شاهين
خير الشهور وأفضلها:
لقد فضَّل الله- سبحانه وتعالى- الشهور والأيام والليالي بعضها على بعض، ففضل شهر رمضان على بقية الشهور، رغم أنه ليس من الأشهر الحرم؛ وذلك لأن الله فضَّل نهاره بالصيام، وليله بالقيام، وصيام رمضان ركن من الأركان الخمسة الذي هو معلوم من الدين بالضرورة.
وقد فضَّل الله ذلك الشهر على بقية شهور السنة فعن أبي هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "قد جاءكم شهر رمضان، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم"(1). وفي رواية للإمام أحمد- قال: "وينادي منادٍ: يا باغي الخير أبشر، ويا باغي الشر أقصر، حتى ينتهي رمضان" (2). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا أجتنبت الكبائر" (3).
د. أحمد عبد الهادي شاهين
رمضان شهر الصيام:
ومن الفضائل التي خص الله بها شهر رمضان دون سائر الشهور أن الله أوجب صيام نهاره، قال تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة: من الآية 185).
وفي حديث "بُني الإسلام على خمس" قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "وصيام رمضان..." (4). وفي حديث طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- "أن رجلاً سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أخبرني عما فرض الله عليَّ من الصيام؟ قال "شهر رمضان"، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: "لا، إلا أن تتطوع" (5). وقال- صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (6).
ومن مزايا الصوم أنه هو العبادة الوحيدة التي تقع بين العبد وربه، ففي الحديث القدسي عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، وللصائم فرحتان يفرحهما عند فطره وعند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" (7).
والجزاء من جنس العمل، فلما كان الصوم يجعل المسلم يشعر بالظمأ كافأه الله يوم القيامة بأن جعل له بابًا من أبواب الجنة يسمى (الريان) جعل خصيصًا للصائمين.
وفي الحديث: "إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" (8).
والصيام مدرسة تربوية، يتربى فيها المسلم على فضائل الإسلام، ومكارم الأخلاق.
1- يتعلم المسلم الصبر بالامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، فتقوى إرادته على تحمل المشاق ومصاعب الحياة.
2- يتعلم المسلم المواساة، والشعور بحالة الفقراء والبائسين، فيواسيهم بماله، فيكفل الغني الفقير، والقوي الضعيف.
3- يتعلم الانضباط والأدب في الحياة خلال العمل الجماعي؛ حيث يصوم المسلمون في كل قطر في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، فيكونون كالجسد الواحد والبنيان المرصوص.
رمضان شهر القيام:
لقد خص الله ليالي شهر رمضان بفضيلة القيام، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (9).
ولقد ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه في الغالب لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، وفي بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة وليس في رمضان حد محدود للقيام، ولما سئل- صلى الله عليه وسلم- عن قيام الليل قال: "مَثْنَى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة تُوتر له ما قد صلى" (10).
ولكن الأفضل هو الغالب الذي كان عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو إحدى عشرة ركعة مع الطمأنينة والخشوع والإخلاص وحضور القلب، وصدق الرغبة في التقرب إلى الله- عز وجل- وقد قال- صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" (11).
رمضان شهر القرآن:
ومن خصائص شهر رمضان أن أول شيء نزل من القرآن نزل في رمضان، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185).
فيستحب للمسلم أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، وقد كان جبريل- عليه السلام- يدارس النبي- صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان، والعام الذي توفي فيه النبى- صلى الله عليه وسلم- عرض عليه جبريل- عليه السلام- القرآن الكريم مرتين.
وفي الحديث عنه- صلى الله عليه وسلم- قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أيْ رب، منعته الطعام والشراب والشهوة بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أيْ رب منعته النوم فشفعني فيه، قال: فيشفعان"(12).
ويستحب عند تلاوة القرآن وسماعه ما يأتي:
1- الإنصات.
2- التدبر.
3- حضور القلب.
4- ترك الشواغل.
5- استشعار عظمة الكلام والمتكلم.
6- الترقي من حال إلى حال.
7- الاستشعار بأن كل آية إنما تخاطبك أنت وحدك.
رمضان شهر الصدقة (زكاة الفطر):
من مزايا شهر رمضان أنه تقع فيه عبادة زكاة الفطر، وهي صدقة واجبة على كل مسلم عنده ما يزيد عن قوت يوم وليلة، يخرجها عن نفسه وعمن يعول.
ويخرج المسلم زكاة الفطر بنية التقرب إلى الله لمساعدة الفقراء والمساكين فقط، وإغنائهم عن ذل السؤال في يوم العيد، وهي أيضًا طهارة للصائم من اللغو والرفث الذي لا يسلم منه أحد، وتزكية له من التعلق بحب المال والدنيا، والسنة إخراجها حبوبًا، وأجاز الفقهاء إخراجها قيمة (أي: مالاً)، أيهما كان أفضل لمصلحة الفقير.
وفي الحديث عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للفقراء والمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود بسند حسن.
شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر:
خص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بأن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)﴾ (القدر). وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)﴾ (الدخان).
وقال- صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (13).
وكان- صلى الله عليه وسلم- يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه أيضًا بتحريها في العشر الأواخر من شهر رمضان، وخاصة الليالي الفردية وأرجى الليالي ليلة السابع والعشرين؛ لما روي عن أبي بن كعب- رضي الله عنه- قال: (والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين، وكان أبي يحلف على ذلك ويقول بالآية والعلامة التي أخبرنا بها رسول الله أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها) (14).
وفي الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وافقْتُ ليلة القدر، ما أقول؟ قال "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (15).
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام، وصالح الأعمال.
------------------
* الهوامش:
1- الحديث أخرجه الإمام النسائي والبيهقي، عن أبي هريرة هريرة- رضي الله عنه-. وذكره الألباني في تمام المنة وقال منقطع لكنه صحيح لغيره.
2- الحديث أخرجه الإمام أحمد بإسناد جيد. والإمام الترمذي وقال غريب (682) عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.
3- الحديث أخرجه الإمام مسلم (233). عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.
4- الحديث أخرجه الإمام البخاري (8). عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-.
5- الحديث أخرجه الإمام البخاري (1891). عن طلحة بن عبيد الله التميمي- رضي الله عنه-.
6- الحديث أخرجه الإمام البخاري (38) عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.
7- الحديث أخرجه الإمام البخاري (1904) عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.
8- الحديث أخرجه الإمام البخاري (1797).
9- الحديث أخرجه الإمام البخاري (38) عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.
10- الحديث أخرجه الإمام الشافعي في الأم 8/486 عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنه-.
11- الحديث أخرجه الإمام البيهقي في السنن الكبرى 7/78 عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-.
12- الحديث أخرجه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب 2/107 عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنه-.
13- الحديث أخرجه الإمام البخاري (38) عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.
14- الحديث أخرجه الإمام أبو نعيم في الحلية 4/207 عن أبي بن كعب- رضي الله عنه-.
15- الحديث أخرجه الإمام الألباني في صحيح ابن ماجة 3119 عن عائشة- رضي الله عنها.