بقلم: ربيع عبد الباقي
من بواعث الاطمئنان وانشراح الصدور الحبُّ في الله والحبُّ لله، ولا يذوق حلاوة الحب في الله إلا من عاشه قولاً وفعلاً، وتذوَّق ثمارَه ولمسَها وعاينَها في حياته وحياة الآخرين.. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان..". منها "وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله"، أي أن تحب أخيك لله وفي الله، لا سعيًا ولا طمعًا في منفعة مادية، وإنما غرض الحب هو الحب في الله ذاته؛ لأنك ترى فيه الاستقامة والطاعة لله، فتحبه لأجل ذلك، وترى في نفسك أن ذلك مما يحصل به على حلاوة الإيمان، فيتذوق المسلم حلاوة الإيمان الذي جمعه وأخيه المسلم.
وسائل الوصول لمحبة الله
ولتحصيل محبة الله تبارك وتعالى وسائلُ وشروطٌ لا بد للعبد أن يحقِّقَها وصولاً لحب الله تبارك وتعالى، منها:
* الإحساس بالعبودية لله.. فإنك عندما تفعل شيئًا أو تقول قولاً، فإنما هو لله وفي الله، تستحضر فيه دائمًا قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ) (الذاريات: 56) فهذه آية عظيمة لو عقلها الإنسان وأدى متطلباتها أي حقَّقها في حياته قولاً وعملاً لتحصَّل على محبة الله.
* أيضًا أن يستحضر المسلم قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ) (الأنعام: 162)، نعم.. كل حياة المسلم ومماته لله رب العالمين، كل أعمال المرء هي لله، لا لغير ذلك، فإن كانت لغير ذلك لم يحصل منها إلا على الغرض من فعلها، كالمرء يخطب المرأة لجمالها لا لدينها، هنا لا يحصل من ذلك إلا على جمالها وكذا سائر الأعمال.
* أن يجعل المرء جميع أعماله- وإن كانت أعمالاً لا ترتبط بأداء فرائض أو الامتناع عن نواهٍ- كلها وجميعها لله، فالمسلم عندما يبحث عن عمل لا بد أن يستحضر النية بأن يكون هذا العمل لله، كيف ذلك وهو عِمَل للحصول على مال؟ كيف يكون لله؟! أقول: تستحضر يا أخي أنك عندما تذهب لأداء عمل لأجل الحصول على مال هذا المال تؤدي به فريضة الإنفاق على من تعول، وتحدث نفسك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول" هنا يصبح بحثك عن عمل وحصولك على العمل هو لله، رغم تقاضيك أجرًا مقابل هذا العمل.
أيضًا عندما تؤدي هذا العمل عليك أن تؤديه بإتقان، لا رهبةً من صاحب العمل، ولا رغبةً في زيادة الأجر، وإنما لأن مقتضيات الأمانة تفرض عليك إذا عملت عملاً أن تتقنه، فيكون ذلك لله ويأتي منه زيادة الأجر والبركة فيما تحصَّل عليه من أجر، ولنعلم قوله- صلى الله عليه وسلم-: "أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل".
فالمؤمن عندما يبغض شخصًا فإنما يبغضه لله؟ كيف ذلك؟ كأن يأتي هذا الإنسان المعاصي قولاً أو فعلاً، فميزان الحب والبغض عند المؤمن هو الحب لله والبغض لله.
* أداء الفرائض.. يروي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة "يقول الله تعالى: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلى من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به..".
* الإكثار من النوافل كما تقدم في الحديث.. يُروَى أن الجنيد سُئل عن المحبة فأطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال: "عبد ذاهب عن نفسه منفصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبه أنوار هيبته، وصفا شربه من كأس ودّه و.. فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرَّك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله".
من ثمار الفوز بمحبة الله
* أن يحبه أهل السماء والأرض.. يروي لنا البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حب الله العبد دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض"، وقوله صلى الله عليه وسلم: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلى من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به..".
* يظلهم الله في ظله يوم القيامة.. ولذلك يقول الله تعالى يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟! اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"، وقوله تعالى: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ".
فهذه المحبة لهؤلاء المتحابين والمتباذلين والمتزاورين والمتواصلين والمتناصحين والمتجالسين، فهؤلاء كلهم على منابر من نور، يغبطهم بمكانهم النبيُّون والصديقون والشهداء والصالحون، وذلك لمكانتهم من الله عز وجل
تحياتى لكم،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،