أفضل أيام الدنيا.. عشر ذي الحجة
بقلم: الشيخ عبد العزيز رجب
بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله.. اللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
فهذه هي أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة قد أقبلت، والحنين إلى زيارة بيت الله الحرام قد طغى، والاشتياق إلى الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف على عرفات قد زاد، وزيارة المسجد النبوي والصلاة في الروضة الشريفة قد هيج المشاعر والعواطف.
لو كنت فيهم وقد طافوا وقد وقفوا أحسست أن قرار الأرض يرتجف
قوافل في جلال النور زاحفة فيها الملائكة الأبرار قد زحفوا
سارت ملائكة الرضوان بينهم وخالطوهم كأنداد فما اختلفوا
دعاؤهم لجناب الله منطلق فلا يرد على باب ولا يقف
فدوا لنا أيها الحجاج راحتكم وأدر كونًا فقد أودى بنا التلف
فماذا نفعل لننال في هذه الأيام المباركة الأجر العظيم؟، وما هو الأجر العظيم الذي وعد الله عباده الصالحين المتزوِّدين بالطاعة في هذه الأيام المباركة؟
فضل العشر الأوائل من ذى الحجة
1- الله سبحانه وتعالى أقسم بها
فقال: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)﴾ (الفجر)، وقد جاء في تفسير هذه الليالي العشر ما جاء عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والفجر وليال عشر"، قال: "العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر" (أخرجه النسائي في سننه الكبرى ( 6/ 515 رقم: 11672)، والحاكم (4/ ص 245 رقم: 7517)، وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وفي تاريخ البخاري عن: عبد الله بن الزبير، قال: " ليالٍ عشر، العشر الثماني، وعرفة، والنحر" (رواه البيهقي(5/304 رقم 3468).
2- أنها الأيام المعلومات
والتي جاءت في قوله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (الحج: من الآية 28).
قال ابن عباس: "أيام العشر"، والتي يشرع فيها ويستحب الإكثار من ذكرالله تعالى.
3- أفضل أيام الدنيا
فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر"، يعني: عشر ذي الحجة، قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟، قال: "ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه في التراب "، وذُكر عرفة، فقال: "يوم مباهاة ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: عبادي شعثًا غبرًا ضاحين، جاءوا من كل فجٍّ عميق يسألون رحمتي، ويستعيذون من عذابي ولم يروا، فلم نر يومًا أكثر عتيقًا وعتيقة من النار" أخرجه البزار كما في كشف الأستار (2/28 ، رقم 1128)، قال الهيثمي (4/17): رجاله ثقات.
4- فيها كثير من مناسك الحج:
مثل المبيت بمزدلفة يوم الثامن من ذي الحجة، والوقوف بعرفات يوم التاسع من ذي الحجة، والهدي ورمي الجمرات والحلق أو التقصير، والطواف يوم العاشر من ذي الحجة.
5- اجتماع أمهات العبادة فيها:
قال الحافظ ابن حجر: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره (فتح الباري- 2/462).
ما يستحب فعله في هذه الأيام
1- أداء الحج والعمرة لمن استطاع
وهو أفضل الأعمال في هذه الأيام؛ حيث هي عبادة هذا الوقت الحقيقية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (أخرجه: البخاري (2/629، رقم 1683)، ومسلم (2/983، رقم 1349).
2- الاجتهاد في العمل الصالح:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِن عمل أفضل من عمل فى هذه الأيام العشر"، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع منه بشيء" أخرجه: أحمد (2/167 ، رقم 6559) ،والترمذي(3/130 رقم 757) وقال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب.
وروي عنه أنه قال: "لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر"؛ كنايةً عن القراءة والقيام.
3- الإكثار من الذكر:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أفضل عند الله ولا العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير وذكر الله، وإن صيام يوم منها يعدل بصيام سنة، والعمل فيهن يضاعف سبعمائة ضعف" (أخرجه: البيهقي في شعب الإيمان (3/356، رقم 3758)، وأحمد (2/75 رقم 5446 )، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح وهذا إسناد ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وبقية رجال إسناده ثقات رجال الشيخين.
4- التكبير فيهن:
وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما، قالوا: وكان عمر يكبِّر في قبته بمنى؛ فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون، ويكبِّر أهل السوق حتى يرتج منى تكبيرًا (فتح الغفار- 5/379).
5- صيام التسعة الأولى لغير الحاج:
وهذا فعل كثير من الصحابة والتابعين، كالحسن وابن سيرين وقتادة، وأمَّا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط" (أخرجه: مسلم(3/157رقم 2846)، وابن خزيمة (3/293 رقم 2103).. قال النووي في "شرح مسلم" (3/245): "ليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحبابًا شديدًا، لا سيما التاسع منها، وهو يوم عرفة.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن صوم يوم عرفة قال: "يكفِّر السنة الماضية والباقية" أخرجه: مسلم (2/819، رقم 1162)، وأحمد (5/296، رقم 22588)، وعبد بن حميد (ص 97، رقم 194).
6- قراءة القرآن ولو ختمة واحدة:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفًًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف". أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/216)، والترمذي (5/175، رقم 2910) وقال: حسن صحيح غريب.
7- تجهيز الأضحية:
لقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 3)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسًا" (أخرجه الترمذي (4/83، رقم 1493) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (2/1045، رقم 3126)، والحاكم (4/246 ، رقم 7523) وقال: صحيح الإسناد.
ويسنُّ لمن أراد أن يضحِّي ألا يأخذ شيئًا من شعره أو أظفاره أو بشرته حتى يذبح أضحيته؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا" (أخرجه: مسلم- 6/83 رقم 5232)، والنسائي- 7/212 رقم 1639).
اللَّهُمَّ رَبَّ الْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشرٍ، رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ مُوسَى، فَرَرْنَا إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِنَا فَآوِنَا، وَتَائِبِينَ فَتُبْ عَلَيْنَا، وَمُسْتَغْفِرِينَ فَاغْفِرْ لَنَا، وَمُسْتَجِيرِينَ فَأَجِرْنَا، وَمُسْتَسْلِمِينَ فَلا تَخْذُلْنَا، وَهَارِبِينَ فَأَمِّنَّا، وَرَاغِبِينَ فتقبل منا.
وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
---------
* من علماء الأزهر الشريف.