هل للجن ثواب وعقاب ؟

هل للجن ثواب وعقاب ؟
اتفق العلماء علي أن كافر الجن معذب في الأخرة . قال الله تعالي {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإنس وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإنس رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إلا مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } الأنعام128[ وقال تعالي {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً }الجن15 وقال تعالي (({وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَ الإنس لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَ الأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الأعراف179
وأما مؤمنهم ففيه أقوال : أحدها : كونوا تراباً مثل البهائم . وهو قول أبوا حنيفة حكاه ابن حزم عنه . لقط المرجان 69
وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن ليث بن أبي سليم ، قال : ثواب الجن أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم كونوا تراباً . لقط المرجان 69

قال القاضي بدر الدين أبو عبد الله الشبلي الحنفي : اختلف العلماء في مؤمني الجن ، هل يدخلون الجنة علي أربعة أقوال :
القول الأول : إنهم يدخلون الجنة وعليه جمهور العلماء وحكاه ابن حزم في (الملل ) عن أبي ليلى وأبى يوسف وجمهور الناس : قال : وبه نقول .
القول الثاني : إنهم لا يدخلونها بل يكونون في ربضها يراهم الإنس من حيث لايرونهم وهذا القول مأثور عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد .
القول الثالث : أنهم علي الأعراف .
القول الرابع : الوقف . [ أى الوقوف عن الإجابة ]
واحتج أهل القول الأول بوجوه :
أحدها : العمومات .
كقوله تعالي {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ }ق31 وقوله تعالي {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَ الأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133 وقوله ()(( من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة )) رواه ابن حبان .
وقوله () (( من شهد أن لا إله إلا الله وحده)) لقط المرجان 69
لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ماكان من العمل )) رواه البخاري : عن عبادة بن الصامت .
وعن عثمان بن عفان- رضى الله عنه – قال : قال رسول الله -" صلى الله عليه وسلم "- (( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة )) رواه مسلم
فكما أنهم يخاطبون بعموميات الوعيد بالإجماع فكذلك يكونون مخاطبون بعموميات الوعد بطريق أولى. ومن أظهر حجة في ذلك قوله تعالي {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *فَبِأَيِّ الأء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }[الرحمن :46: 47] إلى آخر السورة والخطاب للجن و الإنس فامتن عليهم سبحانه وتعالى بجزاء الجنة ، ووصقهالهم ، وشوقهم إليها فدل ذلك على أنهمم ينالون ما أمتن عليهم به إذا آمنوا . وقد جاء في حديث أن رسول الله -" صلى الله عليه وسلم "- قال لأصحابه لما تلى عليهم هذه السورة (( الجن كانوا أحسن رداً وجواباً منكم ما تلوت عليهم من آية إلا قالوا : ولا بشئ من الأئك ربنا نكذب )) رواه الترمذى .
الوجه الثانى : ما استدل به ابن حزم من قوله {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَ الأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133، وبقوله تعالى حاكيا عنهم ومصدقاً لمن قال {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً }الجن13وقوله تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً }الجن1)) وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }البينة7إلى آخر السورة قال : صفة تعم الجن و الإنس عموماً لا يجوز البتة أن يخص منها أحد النوعين ، ومن المحال الممتنع أن يكون الله تعالى يخبرنا بخبر عام وهو لا يريد إلا بعض ما أخبرنا به ثم لا يبين ذلك وهو ضد البيان الذى ضمنه الله تعالى لنا ، فكيف وقد نص على أنهم من جملة المؤمنين الذين يدخلون الجنة ولا بد ؟!
الوجه الثالث : روي منذر وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن مبشر بن إسماعيل قال تذاكرنا عند ضمرة بن حبيب أيدخل الجن الجنة؟ قال :نعم. وتصديق ذلك في كتاب الله تعالي{ ِفيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{56} فَبِأَيِّ الأء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{57}
للجن جنيات وللإنس إنسيات قال الجمهور : فدل علي تأتي الطمث من الجن ، لأن طمث الحور العين إنما يكون في الجنة .
الوجه الرابع: قال أبو الشيخ :حدثنا إسحاق بن أحمد حدثنا عبد الله بن عمران حدثنا معاوية ،حدثنا عبدالواحد بن عبيد عن الضحاك عن ابن عباس قال (الخلق أربعة:فخلق في الجنة كلهم ،وخلق في النار كلهم ،وخلقان في الجنة والنار ، فأما الذي في الجنة كله فالملائكة ،وأما الذي في النار كله فالشياطين، وأما الذين في الجنة والنار فالأنس والجن لهم ثواب وعليهم عقاب ) .
الوجه الخامس:أن العقل يقوي ذلك وإن لم يوجبه . وذلك أن الله تعالي قد أوعد من كفر منهم وعصي النار ، فكيف لا يدخل من أطاع منهم الجنة وهو سبحانه وتعالي الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم الكريم .(الرد المبين .إبراهيم عبد العليم 20-22)
قال ابن كثير والحق أن مؤمنهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنة كما هو مذهب جماعة من السلف ، وقد استدل بعضهم لهذا بقوله عزوجل : {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ }الرحمن74 وفي هذا الأستدلال نظر ،وأحسن منه قوله جلا وعلا : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *فَبِأَيِّ الأء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }[الرحمن :46: 47] إلى آخر السورة فقد امتن علي الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ،وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولي أبلغ من الإنس فقالوا : ((ولا بشئ من الأئك ربنا نكذب فلك الحمد ))فلم يكن تعالي ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم)) (1)الوقاية ص 29
قال ابن تيمية رحمة الله تعالى (( وكافرهم – أى الجن – معذب في الأخرة باتفاق العلماء . وأما مؤمنهم فجمهور العلماء على أنه في الجنة .وقد روى أنهم يكونون في ربض الجنة يراهم الإنس من حيث لا يرونهم . وهذا القول مأثور عن مالك والشافعى وأحمد وأبى يوسف ومحمد . وقيل : إن ثوابهم النجاة من النار وهو مأثور عن أبى حنيفة )) لقط المرجان صـ259
وأخرج ابن أبى حاتم عن يعقوب قال : ابن أبى ليلى : للجن ثواب ، فوجدنا تصديق ذلك في كتاب الله {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } الأنعام132
وأخرج أبوالشيخ في (العظمة) عن خزيمة ، قال : سئل ابن وهب وأنا أسمع : هل للجن ثواب وعقاب ؟ قال ابن وهب : قال الله تعالى {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَ الإنس إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ }فصلت25 {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } الأنعام132وأخرج أبو الشيخ عن مغيث بن سمى قال : ما خلق الله من شىء إلا وهو يسمع زفير جهنم ، إلا الثقلين اللذين عليهم الحساب والعقاب .لقط المرجان صـ 70
وأخرج ابن أبى حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن ، قال : الجن ولد إبليس ، و الإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء مؤمنون ، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً فهو ولى الله تعالى ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراًفهو شيطان . لقط المرجان صـ 70
وقال الشيخ وحيد عبد السلام بالى (( اتفق العلماء سلفاً وخلفاً على أن كفار الجن سيد خلون النار واختلفوا هل مؤمنوهم سيد خلون الجنة ام لا ))؟
قال الحافظ (( على أربعة أقوال أحدهما ) نعم ، وهو قول الأكثر . ( وثانيهما ) يكونون في ربض الجنة وهو منقول عن مالك وطائفة .(وثالثها) أنهم أصحاب الأعراف . (ورابعها) التوقف عن الجواب في هذا )) الوقاية صـ29
قلت: :من الواضح أن رأى العلماء الذين قالوا أن مؤمنيهم يدخلون الجنة وكفارهم يدخلون النار هو الأصح و الأرجح نقلاً وعقلاً حيث يقول الله {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }الرحمن46 ففي هذا القول امتنان على الإنس والجن بدخول الجنة ، ومن المحال أن يمتن الله تعالى على أحد بشىء لن يعطه له ، ومن هنا فطالما امتن الله على الجن بأن المؤمن سيدخل الجنة إذن فالمؤمنون من الجن سيدخلون الجنة ك الإنس تماماً . وقوله تعالى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أنس قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ }الرحمن74 والطمث للحور العين لا يكون إلا في الجنة كما يقول الجمهور ، من هنا نستدل على أنهم يدخلون الجنة . وأما كفارهم فإنهم سيدخلون النار باتفاق العلماء والدليل قوله تعالى {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً }الجن15 وهذا يؤكد أن كافرهم سيدخل النار.
ولو نظرنا لهذا الأمر من جهة العقل لوجدناه يشير إلى دخولهم الجنة لأنهم مكلفون مثلنا تماماً فإذا كنا نحن ندخل الجنة عند الطاعة ويدخل الكافرون من الإنس النار ، وقياسا على هذا فإن طائعى الجن في الجنة والعصاة في النار. و في الواقع أن الخلاف بين العلماء على هل المؤمنون الجن يدخلون الجنة ؟ وهذا أمر لايحتاج إلى خلاف ولقد أثينا سابقاً أن المؤمنون من الجن سيد خلون الجنة . وأما العلماء الذين يخالفون هذا ( الرأى السابق ليس لهم دليل يعتمدون عليه حيث أنهم واجهوا أدلة النقل والعقل برأيهم الشخصي الذي يخلوا من الدليل علماً بأن هذه القضية تعتبر من الغيبيات التى ليس للرأى فيها مجالاً ، وإن من آرائهم أنهم يكونون على الأعراف وهذا لم يرد فيه الأحديث واحد قال عنه الذهبي : هذا حديث منكر ، وأما لمن قالوا أنهم في ربض الجنة ليس معهم أى دليل على ذلك القول ، فمن هنا أرى أن الخلاف في هذا الأمر خلاف لا داعى إليه ، حيث أن العلماء الأجلاء من السلف قد أثبتوا هذا الأمر بالدليل القاطع ، وأما غيرهم فليس معه دليل ، ومن هنا ننتهى إلى أن (( مؤمن الجن في الجنة ، وكافرهم في النار )) .
**ولكن دائماً يتبارد إلى ذهن الناس سؤال مهم كيف يعذب الجن بالنار مع أنهم قد خلقوا منها؟
قال أبوا الوفاء ابن عقيل في الفنون (( سأل سائل عن الجن ، فقال : الله تعالى أخبر عنهم أنهم من نار بقوله تعالى {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ }الحجر27 ، وأخبر أن الشهب تضرهم وتحرقهم فكيف تحرق النار النار ؟ فقال : الجواب وبالله التوفيق : اعلم أن الله تعالى أضاف الشياطين والجن إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين والفخار ، والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين ، وليس الأدمى طيناً حقيقية لكنه كان طينا ، كذلك الجان كان ناراً في الأصل )) الرد المبين صـ19
ويقول الشيخ إبراهيم عبد العليم عبد البر (( إن الجن خلقت من نار ، ولكن طبيعتها الأن ليست ناراً ، كما أن الإنسان خلق من طين ، ولكن طبيعته الأن ليست طينا )) الرد المبين (صـ 19)
عن أبى الدراء – رضى الله عنه – (( قال رسول الله () فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ، ثم قال : ألعنك بلعنة الله ثلاثاً ، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك ، قال : إن عود الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهى فقلت: : أعذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأفر ثلاث مرات ، ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة )) رواه مسلم .
وعن أبى السعيد الخدرى – رضى الله تعالى عنه – أن رسول الله () قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه فقرأ ، فالتبس عليه القراءة ، فلما فرغ من صلاته قال لو رأيتمونى وإبليس فأهويت بيدى فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الأبهام والتى تليها ، ولولا دعوة أخى سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سوارى المسجد يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وزبين القبلة أحد فليفعل )) رواه أحمد
ويقول الشيخ إبراهيم عبد العليم عبد البر (( والشاهد في الحديث : الأول : أنه لو كان الجن مازال على عنصره النار ،ما احتاج هذا الشيطان أن يأتى بشعلة من نار ، وكان يكفيه أن يمس الرسول () بيده أو بأى عضو من جسده حتى يحرقه. الثانى : أنه لو كان الجن نارا ، لما وجد له لعابا بارداً )) الرد المبين صـ20

بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا جدا اخي معاذ على المعلومات الجميلة ونسال الله ان يوفقك

والمزيد المزيد من التوفيق