وسوسة الجن للإنس
قال الله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }الناس1 إلى آخر السورة ،قال القاضى أبو على :الوسواس يحتمل أن يكون كلاما خفيا يدركه القلب ،ويمكن أن يكون هو الذى يقع عند الفكرة ويكون منه مس وسلوك ودخول في اجزاء الإنسان ،خلافا لبعض المتكلمين في أنكارهم لسلوك الشيطان في أجسام الإنسان وزعموا أنه لايجوز وجود روحين في جسد واحد ،ويدل عليه قوله تعالى {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ }الناس5 وقوله ( )(أن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ،وانى خشيت أن يقذف في قلوبكم شيئا ) وقال ابن عقيل :كيف الوسوسة من إبليس وكيف وصوله إلى القلب ؟قيل :هو كلام خفي تميل إليه النفوس والطباع ،وقد قيل :يدخل في جسد بنى آدم لأنه جسد لطيف ويوسوس ،وهو ان يحدث النفس بالأفكار الرديئة .لقط المرجان صـ75
وأخرج ابن داود ،عن ابن عباس في قوله (الوسواس الخناس )،قال:مثل الشيطان كمثل ابن عرس واضع فمه على فم القلب فيوسوس إليه ،فإذا ذكر الله تعالى خنس ،وان سكت عاد إليه ،فهو الوسواس الخناس لقط المرجان صـ75
وأخرج ابن ابى الدنيا ،عن ابى الجوزاء قال :ان الشيطان لازم بالقلب ما يستطيع صاحبه ان يذكر الله ،أما ترونهم في مجالسهم واسواقهم ياتى على احدهم عامة يومه لايذكر الله الأحالفا والذى نفسى بيده ،ماله من القلب طرد الأقوله :لاإله الأالله ،ثم قرأ {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } الأسراء46) لقط المرجان صـ76
وأخرج ابن ابى داود عن الحجاج بن يوسف :أنه أتى برجل رمى بالسحر فقال له :أساحر أنت ؟قال :لا ،فأخذ كفا من حصا فعده ،ثم قال له :كم في يدى من الحصا ؟قال :كذا وكذا ،فطرحه ثم أخذ كفا آخر ولم يعده ،ثم قال له :كم في يدى ؟قال :لاأدرى اقال الحجاج :كيف دريت الأول ولم تدر الثانى ؟قال :ذاك عرفته أنت ،فعرفه وسواسك فأخبر وسواسي وهذا لم تعرفه أنت ،فلم يعرفه وسواسك ،فلم يخبر وسواسى ،فلم يعرفه . قلت : وهذه القصة قد وضحت لنا أمرمهم :-وهو عندما يذهب رجل إلى الدجال أو المشعوذ فإنهم يقولون قبل أن يتكلم معهم ،أنت اسمك كذا،ومن بلد كذا ،ومشكلتك كذا :فكيف ذلك ؟و الإجابة على ذلك يسيرة – إن شاء الله – وهو أن هذا الدجال والمشعوذ يعاشر الجن ويستخدمهم في مثل هذه الأشياء فبمجرد أن يأتيه أحد صاحب مشكلة ،يقول الدجال للجن الذى معه ان يسأل جن الرجل (القرين )عن اسم هذا الرجل واسم بلده ،ومشكلتة فتجد الإنسان عندما يسمع مثل هذا الكلام يعتقد أن هذا الدجال يعلم الغيب و(سره باتع )ولكن لو علم هذا المسكين كيف عرف هذا الدجال هذه الأشياء لبطل عجبه من هذا الدجال ،وازدآدمنه بعدا لأن هذا العمل يؤدى بالأنسان للكفر كما يقول رسول الله() (من أتى كاهنا،فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ()رواه أبوداود.
وبعض الناس لا يقاوم الوسواس إما لقلة علمه وإما لمس من الجن فيصبح مصابا به ويتمكن منه ،فإذا دخل الخلاء اخذ الشيطان يوسوس له بانه لم يطهر بعد فكلما استعمل الماء واد في استعماله وبالغ فيه ،يوسوس إليه الشيطان بانه لم يطهر ،فيظل هذا المسكين في الخلاء (الحمام)لفترة طويلة ،ثم بعد الخروج من الخلاء وقيامه بالوضوء يظل يغسل كل عضو أضعاف ما أخبرت به السنة الغراء ،ولايزال الشيطان يوسوس له بان لم يتم الوضوء بعد أو أنه لم يحسنه ويظل يتوضأ ويظل الشيطان يوسوس إليه حتى يحول حياته إلى جحيم من كثرة الشكوك وعدم الثقة في ما يفعله .
والعلاج من ذلك :-أنه عندما يدخل الخلاء ويقضى حاجته فعند استعمال الماء للاستنجاء يطبق حديث المصط في () (إذا بال احدكم فليمسح ذكره ثلاث مرات )سنن ابن ماجه
ولذلك فأنصحك ان تلتزم بما أمرك به رسول الله ()أن تمسح ذكرك بالماء ثلاث مرات فقط ولاتتبع الشيطان ،فان حدثك الوسواس بأنك لم تطهر وأنه من الممكن ان ينزل منك شئ،ف في هذه الحالة نفذ الذى ذكرته لك سابقا وهو المسح ثلاث مرات بالماء واضف إليه تبليل السراويل بالماء وهى سنة عن النبى ()حتى إذا شعرت ببلل ظننت ان هذا البلل من الماء الذى وضعته ،وان قلت : أليس من الممكن أن ينزل شئ بعد المسح بالماء ثلاثا وتبليل السراويل ؟أقول لك مطمئنا ما قاله شيخ الإسلام :البول كالبن في الضرع أن تركته قر وإن حلبته در وأعتقد أنك بذلك الكلام تيقنت أنه لايمكن أن ينزل منك شئ بعد اتباعك لما سابق ذكره
وعندما تخرج وتبدأ في الوضوء ،توضأ ثلاثا فقط وتكون كل واحدة من الثلاثة أنه بمجرد أن يمر عليها الماء وتمر يدك مع الماء تحسبها واحده ولاترجع يدك وتبدأ في الثانية بنفس الطريقة والثالثة كذلك وهكذا في كل الأعضاء
ويقول ابن القيم ((فمن أدرك التخلص من هذه البلية فليشعر أن الحق في اتباع رسول الله ( ) في قوله وفعله ،وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لاشك أنه على الطراط المستقيم ،وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته ،ويوقن أنه عدو له لايدعوه الى الخير ({إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }فاطر6 6)وليترك التعرج على كل ما خالف طريقة رسول الله ()كائنا ماكان ،فانه لا يشك ان رسول الله ()كان على الطراط المستقيم ومن شك في هذا فليس بمسلم ومن علمه فإلى أين العدول عن سنته ؟وأى شئ يبتغى العبد غير طريقته ؟ويقول لنفسه :ألست تعلمين أن طريقة رسول الله ()هى الطراط الستقيم ؟فإذا قالت له :بلى ،قال لها فهل كان يفعل هذا ؟فستقول :لا ،فقل لها :فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟وهل بعد طريق الجنة الأطريق النار وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشطان ؟فإن اتبعت سبيله كنت قرينه ،وستقولين {حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ }الزخرف38 ولينظر احوال السلف في متابعتهم لرسول الله ()فليقتد بهم وليختر طريقهم فقد روينا عن بعضهم أنه قال :لقد تقدمنى قوم لو لم يجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته )) (أغاثة اللهفان 142-143) قلت : و في النهاية فإن أمر الوسواس يحتاج لعلاجه علاجا لا يغادر سقما العلم الشرعي والفقه في الدين ،لأنه عندما ياتيه الوسواس ،فلن يتبعه لأنه يعلم أن ما يفعله هو الصحيح ،وكما يقول رسول الله -" صلى الله عليه وسلم "-((فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ))رواه الترمذى لأن الشيطان من العسير عليه ان يجد مدخلاً للفقيه ولكن الجاهل كله مداخل ،وعليه أيضا الإستعانة بالله رب العالمين والعزيمة الصادقة ،وأن يعلم أن النجاة في مخالفة الشيطان ،فإن قال لك لم تطهر فاعلم علم اليقين أنك طهرت ،لأن الشيطان عدو والعدو لاينصح ؟وكما يقول إبراهيم النخعى :إذا جاءك الشيطان في صلاتك وقال إنك مراء فزدها طولا وهذا إنما يكون لعلمه بأن مخالفة الشيطان هى المنجية ،والخلاصة عليك ان تلتزم بأربعة أشياء حتى ينتهى هذا الأمر – إن شاء الله – بلارجعة:- 1- الإستعانة بالله . 2-العلم الشرعى والفقه في الدين.
3-العزيمة الصادقة. 4- مخالفة الشيطان في كل شئ .