وحده العمل الاسلامى
إن وحدة العمل الإسلامي أنشودة يتغنى بها المسلمون، وحلم يراود خيالهم، فعندما يذكر في المجالس والمحافل تهفو إليه القلوب، ونتذكر أيام أن كنا دولة واحدة وأمة واحدة، نتذكر عهد الراشدين، وأيام ما كان المسلمون أمة واحدة متحابة متآخية، نتذكر أيام الدولة الأموية.. أيام الدولة العباسية عندما كان يخاطب الرشيد السحابة التي يراها في السماء قائلاً لها: إمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك، وعندما كان الخليفة المسلم يتكلم بالكلمة فترتج الدنيا من تحت قدميه، وتطير في المشارق والمغارب ويكون لها صدى. وحدة العمل الإسلامي أمل عندما يذكر تتشقق له القلوب، وتشتاق إليه النفوس؛ ذلك أنه يذكرهم بأمجاد ماضية خالدة كانوا فيها أعزة، وعندما تفرقوا أصبحوا أذلة، وصاروا إلى الحال التي نراها ونشاهدها اليوم من آلام وأحزان وأوجاع ومآسي، وأصبح الأعداء يعبثون بنا كما يعبث اللاعبون بالكرة، ويسوموننا سوء العذاب، فيقتلون رجالنا ويسفكون دماءنا، ويهتكون أعراضنا لا بالآحاد ولا بالعشرات بل بالمئات تحت سمعنا وبصرنا ونحن لا نفعل شيئاً، ولا نحرك ساكناً، أطفال صغار ونساء ورجال ونحن لا نفعل شيئاً، ولا تتحرك بيوت الإسلام ولا ترتفع راية الجهاد، ولا ينادي المنادي: كي ننصر المسلمين ونزيل العار!
فرضية وحدة العمل الإسلامي
إن فرقة المسلمين بلاءٌ كبير، بلاء دونه كل بلاء، ووحدة المسلمين والعمل الإسلامي ليس أمراً مستحباً نأخذه متى ما شئنا، وندعه متى ما أردنا، إنه واجب إسلامي فرضه رب العزة تبارك وتعالى، فنجد في كتاب الله أن الله يتحدث عن هذه القضية مرة، وكأنها حقيقة مسلمة ليس فيها جدال لا في هذه الأمة فحسب، بل كل مؤمن وجد على ظهر هذه البسيطة منذ عهد آدم إلى آخر إنسان كلهم أمة واحدة، عندما تحدث الله عن الأنبياء من قبلنا، وذكر من شأنهم قال: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، وفي آية: فَاتَّقُونِ [البقرة:41]، ومرة يأمر الله بها ويقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، ومرة ينهى عن الفرقة والاختلاف كما في الآية السابقة، وكما في قوله تبارك وتعالى: وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم:31]، من الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:32]، ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ليصور حال المسلمين والمؤمنين في اجتماعهم ووحدتهم فيقول: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، تلك صورة المسلمين، المؤمن في الأمة كالخلية في الجسد، وتلك الخلايا مترابطة فيما بينها، فإذا ما شيك الإنسان بشوكة في أي جزءٍ من جسده أحس الجسد كله بالألم، وفي حديث آخر يصور المؤمنين كالبنيان المرصوص. إن وحدة المسلمين ووحدة العمل الإسلامي أمر قرره خالق الوجود تبارك وتعالى، الله رب العزة هو الذي قرر أن المسلمين شيء واحد، وأنهم جسد واحد، وقال فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ولا يمكن للمسلمين أن يعزوا إلا إذا اجتمعوا، ولا يمكن لهم أن يعزوا إلا بالإسلام، فقدر الله أن حملهم أمانة الرسالة، فإذا ما حيوا بهذه الرسالة وبلغوها للعالمين فإن الله سبحانه وتعالى سينصرهم ويؤيدهم، وإذا ما اختلفوا فإنهم كما أخبر الحق سيفشلوا، وتذهب ريحهم وقوتهم، ويتغلب عليهم أعداؤهم، وآثار الفرقة في عالمنا اليوم واضحة ماثلة للعيان، فهذه الوحدة التي نادى بها الدين ليست كالوحدة العربية أو الأوربية، والأحلاف في (الكمنولث) البريطاني وغيرها من الوحدات التي يتحدث عنها الناس في الحديث والقديم، فهذه وحدة قائمة على أصول راسخة قوية، أولها: أننا على ملة إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.