جامعة جنوب الوادي
كلية التربية
الدبلومة العامة التربوية نظام العام الواحد ( 2011 – 2012 )
الإسم : فاطمة علي محمود علي
القسم : لغة عربية
رقم المجموعة : ( 9 )
الموضوع : أهمية الإنفاق في الأعمال التطوعية
الدكتور : ياسر عبد الله
لابدّ أن معظم البالغين يحسون بمتعة العطاء، ولا أذيع سراً إن قلت إن مساعدة المحتاجين، أو تقديم الهدايا للأطفال، ورؤية الفرحة في أعينهم تمنح المرء ما لا يوصف من الحيوية، والسعادة، والرضا.
لا ينتبه الكثيرون في الواقع إلى أن شعور الإنسان بالسعادة يقل كثيراً حين يجبر على تقديم الهدايا، وأشعر بالحزن حقيقة لمن يهبون لشعورهم بالذنب، لا لرغبتهم في العطاء. لاشكّ أن الفعل واحد في كلتا الحالتين، ولكنّ المشاعر السلبية المرتبطة به في الأولى تقلل من متعة العطاء إلى حد كبير، إن لم يكن بالمطلق.
أحثكم على العطاء بقدر ما أمكنكم، ومتى ما أمكنكم، بسبب الحالة الذهنية التي يمنحكم إياها، ولا تظنوا أنني أحد من يعتنقون الفكرة القائلة بأن "جميع الأحلام تتحقق إن آمن المرء بها"، لأنّها سخيفة للغاية في نظري، ولكنني، ومما يدعو للسخرية، مقتنع بأن الإيمان القوي بالأشياء يساعد في تكوين الحالة الذهنية التي تمكن المرء من تحقيق ما يؤمن به. يمكن للعبارة السابقة في الحقيقة أن تصبح أكثر دقة إن أدخلنا عليها بعض التعديلات: أملكُ القناعة بأن إيمانك بهدف ما، واستعدادك للعمل بغية تحقيقه، والإستفادة من الظروف المتناغمة معه سيمكنك على الأرجح من بلوغه، وكل ما ترغب من الأهداف تقريباً.
قد تكون العبارة الثانية رونقاً، ولكنها أكثر دقة بكل تأكيد، وإن كان هدفك متمثلاً في العطاء ومشاركة الآخرين، فستتمكن من إيجاد السبل الكفيلة بتحقيقه في نهاية المطاف.
يتفق معظم الناس على أن مساعدة الآخرين مهمة للغاية، ويبدو أننا نشعر بمتعة أكبر حين نعطي الآخرين، ونساعدهم دون مقابل، ولكن ينبغي علينا، وإن حصلنا على ذلك المقابل، أن ندرك أن للعطاء ثمنه، وهو ما يضفي طابع التحدي على بذل الجهد، والوقت، والمال، والعواطف لمساعدة الآخرين.
* يبدو أننا نشعر بمتعة أكبر حين نعطي الآخرين، ونساعدهم دون مقابل.
هل سبق لك أن حاولت مساعدة أي من الأشخاص المكتئبين والمحبطين؟. إن رددت بالإيجاب فعليك أن تحذر في المرة المقبلة من إمكانية تأثرك بعواطفهم السلبية تلك، هو الثمن الناتج عن مساعدتهم في تلك الحالة. يمكن أن يأتي الثمن في الحقيقة بأشكال متعددة كالمال، أو الوقت، أو غيرهما من الأشياء، فانتبه إلى كلفة مساعدتك كيفما كانت.
لو إفترضنا أنك توافقني الرأي حول أهمية مساعدة الآخرين، فسيتعين عليك إدراج بند التعويض في خطة مساعدتك، فلو كنت تهب المال مثلاً، فلن تكون قادراً على القيام بذلك لفترة طويلة إن انتهى الأمر بإفلاسك. لاشكّ عندي أن معظم الناس يتفقون على ذلك، ولكنني أرى من وقت لآخر من يهبون ما لا طاقة لهم به من المال لشعورهم بالذنب حيال إمتلاك ما قد يظنه البعض كثيرا.
يمكن أن يعتبر معظم الناس إمتلاك الطائرات تبذيراً، وأعرف في الواقع مَن قد يقترحون بيع طائرتي، وإنفاق ثمنها في الأعمال الخيرية. يفتقد ذلك للموضوعية بشدة في نظري لأنني لو لم أكن عاشقاً للطيران، أو مندفعاً لإمتلاك الطائرات، لما كنت عملت يجد لتحقيق ذلك الهدف، ناهيك عن أنني أقوم من حين لآخر بنقل الأطفال من ذوي الإحتياجات الخاصة وعائلاتهم بالمجان إلى أماكن مختلفة لتلقي العلاج عبر برنامج "آنجل فلايت". لابدّ أنّكم تتفقون معي على أنه لن يكون باستطاعتي مساعدة أولئك الناس لو لم أكن أملك طائرة كبيرة بما يكفي لنقلهم، وميزانية تكفل لي القيام بتلك الرحلات، وأنني لن أستطيع متابعة الإنفاق على أعمال الخير، ومساعدة العائلات المحتاجة، إن لم أحافظ على الدخل الذي يمكنني من القيام بذلك.
* أعرف في الواقع مَن قد يقترحون بيع طائرتي، وإنفاق ثمنها في الأعمال الخيرية، الأمر الذي يفتقد للموضوعية بشدة في نظري.
ينطبق الأمر ذاته على العطاء العاطفي، فلو كنت توظف عواطفك ومشاعرك في مساعدة الآخرين، فسيتعين عليك تجديد طاقتك العاطفية. يقوم بعض الناس بذلك عن طريق التركيز على الأمور المحفزة والإيجابية في حياتهم، بما يكفي لتمكينهم من مساعدة الآخرين عاطفياً.
لو افترضنا، بناء على ما سبق، أن منح الممتلكات أو الأموال يستلزم العمل على جني المزيد منها، وأن العطاء العاطفي يتطلب القيام بما يكفل إغناءك، وتمكينك من الناحية العاطفية، فكيف سيكون بمقدورك إيجاد المزيد من الوقت لمساعدة الآخرين؟. لن تستطيع بكل تأكيد إيجاد المزيد من الوقت، بل بالأحرى تكريس ما هو أكثر أو أقل منه لأنشطتك المختلفة، وإعادة ترتيب أولوياتك.
أود – بالنظر إلى أنّ معظم الناس يدركون وجوب جني المزيد من المال، كي يتمكن المرء من منحه للآخرين – أود التركيز على المتطلبات الأخرى للإنفاق على ضوء ما أعتقده بوجوب اتسام المرء بشيء من الأنانية كي يكون واهباً جيداً.
ولا أخفي إعجابي في الحقيقة بما قالته المذيعة الشهيرة، والمليارديرة العصامية أوبرا وينفري بهذا الصدد: "املأ كأسك بحيث تفيض لمساعدة الآخرين".
- معلومة مفيدة: (نشكل حصيلة كل ما اختبرناه منذ ولادتنا حتى اللحظة).
يدرك المرء، حين يفكّر بهذه المقولة، كم هي ممكِّنة وذات مغزى لأصحاب الشخصيات العصامية والمنجزة، ويصبح حافز الإنسان، في الواقع، لمواصلة العمل بغية التقدم في حياته أقوى ما يكون حين ينبع عطاؤه من رغبته، لا شعوره بالذنب. يندفع الناس من تلقاء ذاتهم – حين يحفزون من قبل أهدافهم، ويدركون فوائد مساعدة الآخرين – للإنجاز بغية تحسين أوضاعهم، وإفادة الآخرين منها، وهو ما يحقق الخير للجميع، ولكن ذلك يتطلب ما هو أكثر من المال في الحقيقة.
* إن لم تقم بما يمكِّنك، ويغنيك، ويحفزك، ويعوضك، حين تنفق وتساعد الآخرين، فسيتم استنزافك في النهاية بكل تأكيد.
أعرف الكثير من الآباء الذين يبذلون كل ما في وسعهم، ويضحون بالغالي والنفيس في سبيل إسعاد عائلاتهم، وأطفالهم على وجه الخصوص. تتمثل مشكلة أولئك، حسب إعتقادي، في أنهم لا يوازنون ما يمنحونه لعائلاتهم بما يملكونه، وينبغي عليهم تعويضه، ولعلهم يعتبرون سعيهم ذلك كواجب يتحتم عليهم الوفاء به، ولكن نجاحهم في إيجاد السبل الكفيلة بتعويض مواردهم المبذولة يمكن أن يمنحهم المزيد لتقديمه لعوائلهم، دون أن يستنزفهم ذلك يومياً. يشعر معظم هؤلاء الآباء، لسوء الحظ، بالذنب إن سمحوا لأنفسهم بأخذ بعض الوقت بعيداً عن أطفالهم أو أعمالهم لتجديد حيويتهم، وتنشيط أذهانهم، ولكن ذلك يظل أفضل من إهمالهم لحياتهم العائلية والمهنية في نظري.
إن لم تقم بما يمكِّنك، ويغنيك، ويحفزك، ويعوضك، حين تنفق وتساعد الآخرين، فسيتم استنزافك في النهاية بكل تأكيد.
يؤدي السماح لأنفسنا بالوصول إلى هذه المرحلة، دون إستعادة السيطرة، إلى جعلنا أكثر عرضة لجميع التأثيرات السلبية من حولنا، وقابلية للسماح لها بشغل حيز من تفكيرنا، وعجزاً عن التخلص منها بكل تأكيد.
هل تعرف ما الذي ينبغي عليك فعله إن أردت ملأ كوبك أولاً؟. حسناً، يتعين عليك، إن أردت مواصلة الإستمتاع بما تجزله من عطاء، أن تأخذ بعض الوقت لإراحة نفسك قليلاً، بالنظر إلى ما يحققه ذلك من فائدتين: أولاً، التوقف لإلتقاط الأنفاس، والإحساس بمتعة اللحظة، مع ما يمثله ذلك من متعة بحد ذاته. ثانياً، الإبتعاد عما يستنزف مواردنا، وتجديدها كي نتمكن من الإستمرار في مساعدة الآخرين، دون الشعور بأنها تبدد طاقاتنا، أو ما يعني الحرص على جني المزيد كي نستطيع إعطاء المزيد.
ستتمكن، إن أتقنت الموازنة بين ما تعطيه وتأخذه، من الإستمرار فيما تقوم به، وحماية نفسك من الإستنزاف، علاوة على ما ستشعر به من رضا في حياتك.
ابحث عما يملاً كوبك في كل لحظة، مثلما أفعل يومياً، حيث أحاول القراءة لبعض الوقت، وقيادة السيارة بنفسي قبل ذهابي للعمل – دون تشغيل مذياعها – لحاجتي إلى الهدوء المطبق كي أتمكن من التفكير، علاوة على التواجد الدائم مع الناس في العمل، أو المحاضرات، أو المقابلات. أحب مخالطة الناس ومساعدتهم، ولكن الجانب المهني من شخصيتي يحتاج لأن يملأ أيضاً، ولا يمكنكم تصوّر ما يحققه لي التمتع ببعض الهدوء بين فترة وأخرى، لأنه يجدد طاقتي دون أي كلفة تذكر على الصعيد المادي.
ماذا عنك عزيزي القارئ؟ ربما تجدد طاقتك عبر السير، أو القيام ببعض التمارين، أو قراءة الجريدة في فناء منزلك بينما تحتسي القهوة، فافعل كل ما من شأنه تجديد طاقتك كي تتمكن من مساعدة الآخرين.
احرص على ملء كوبك بمجرد إدراكك لماهية ما ينشطك ويمدك بالطاقة، ولا تنس أننا لا نقوم بذلك من أجلنا فحسب، بل لإمتلاك القدرة على مساعدة الآخرين أيضاً. إعمل على إغناء نفسك كي تغني حياة الآخرين من حولك.
* احرص على ملء كوبك بمجرد إدراكك لماهية ما ينشطك ويمدك بالطاقة.
لاشكّ أن مَن يملكون الكثير قادرون على إعطاء الكثير. لقد كان بإمكان آندرو كارنيغي، رجل الصناعة الأمريكية في القرن التاسع عشر، أن يصبح أوّل ملياردير في تاريخ الولايات المتحدة لو لم يهب تسعين بالمئة من ثروته على امتداد ثمانية عشر عاماً، وقد رد بحبور لا يخلو من الإستخفاف على سكرتيره حين حذره من إستنزاف ثروته قائلاً: "أسعدتني بسماع ذلك، فحدثني عنه دوما!". شهدت الحقبة ذاتها أيضاً جون دي. روكفللير، أحد أغنى رجال العالم في حينه، والمتبرع بسبعمئة وخمسين مليون دولار من ثروته الخاصة.
المصدر: كتاب لا تدع الآخرين يحتلون رأسك