كيف تكون ايجابيًا ؟
أولاً : من معانى الايجابية
هل الذنوب والمعاصى تؤثر على ايجابية الفرد ؟
هل ضعف الثقة بالنفس تؤثر على ايجابية الفرد ؟
هل الانشغال بالدنيا يؤثر على ايجابية الفرد ؟
هل الانفصال عن واقع الأمة يؤثر على ايجابية الفرد ؟
هل الجهل يؤثر على ايجابية الفرد ؟
هل الجمود وعدم التطوير يؤثر على ايجابية الفرد ؟
بالتأمل فى هذه الأسئلة ، نجزم من مشاهد الدين ووقائع الشخصيات وحركة الحياة ، أنها تؤثر تأثيرًا مباشرًا على ايجابية الفرد ، والسبب واحد في أنها تشكل حياة الشخص ، بحيث يكون : شخص المعصية , أو شخص الضعف , أو شخص اللامبالاة بالآخرين ، أو شخص الجهل , أو شخص الجمود .
1ـ فالذنوب والمعاصى : تجلب الفتور ، وتوهن العزائم وتحجب عن المعالى ، وتدعو إلى القعود ، وتصرف الفرد عن الخير ، يقول بعض السلف : ( لا نعرف أحدًا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنبه ) ، فمن اشتغل بأعراض الناس ابتعد عن الذكر ، ومن اشتغل بالغناء لا يجد لذة فى القرآن ، ومن اشتغل بالذنوب لا أنيس له .
2ـ وضعف الثقة بالنفس : أو قل ضعف الإرادة مثل كلمة : ( لا أستطيع ) ـ ( صعب ) ـ ( ليس مستواى ) ، مما يضعف إرادة الإنسان ، وهو المفطور على العمل والسعى والتنافس والمسارعة ، يقول تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض } آل عمران : 133 ، ويقول تعالى : { وفى ذلك فلينافس المتنافسون } المطففين : 26.
3ـ الجهل : هذا السلاح الفتاك بالإنسان ، الذى يجعله عدوًا لنفسه ، فأساس العمل عامة العلم ، وأساس العمل الصالح كذلك العلم ، حتى يكون بعيدًا عن البدعة ، وأساس القول الصحيح أيضاً علم ، حتى لا يقع صاحبه فى المحظور ، وأساس المشاكل كلها من الجهل ، فالعلم هو حسن التصرف وأساس النجاح فى الحياة ، يقول تعالى : { قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الزمر : 9 .
ويقول تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة : 11 .
4ـ أما الجمود : بمعنى عدم تطوير المهارات المطلوبة للحياة والعمل ، فهو انطماس وعمى عن الكنوز التى خلقها الله فى كل منا ، فهو للأسف لا يكتشفها وبالتالى لا يستخدمها ، وذلك فى كافة مجالات الحياة : فى الرياضة والفن والكتابة والتأليف والخياطة والديكور والطبخ ومخاطبة الناس والخطابة والشعر والأدب والرسم والتنمية والتربية والتخطيط .
حيث لا فرق بين موهبة وأخرى ، ما دامت منضبطة بالشرع ، وقد أنعم الله بها على الإنسان ، المهم أن نكتشفها ونطورها , سواء كانت ثقافية أو علمية أو فكرية أو اجتماعية ، خاصة فى مرحلة الشباب .
5ـ الانشغال بالدنيا : بمعنى الانقطاع التام لها ، ولذلك كانت دعوة النبى صلى الله عليه وسلم , على من انشغل بها عن الله , فيقول : [ تعس عبد الدينار ، تعس عبد الخميصة ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ] ، فحياته كلها تعاسة لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم عليه ، فهو فى حقيقته ليس انشغال فقط بالدنيا ، بل انزواء وابتعاد عن كل صور الايجابية السابقة ، والعجيب أنه يبدأ بالانشغال بشيء واحد ، ويجر غيره , فربما كانت سيارة فينشغل الفرد لإحضارها وغيرها ، أو ملبسًا فينشغل لجمع الملابس بأنواع مختلفة , وهكذا ...
6ـ الانفصام عن واقع الأمة : فلا يعرف الفرد مصاب المسلمين فى أمته ، ولا يستشعر آلامهم ولا يعى قضايا أمته ، ولا يدرك أدنى مسئولية له تجاه ذلك ، فهو مقطوع الصلة ، منزوع الاهتمام ، خارج دائرة أمته ، وهذا ما يجتهد الخصوم لتحقيقه ، ليتسنى لهم العيش فى أمتنا , ونهب ثرواتها , وسرقة مقدراتها فى غفلة من أبنائها .
وللخروج من هذه السجون ، وكسر هذه القيود ، وتحطيم هذه الأغلال ، كان سؤالنا المطروح : كيف تكون ايجابيًا ؟
ولكن قبل أن نخوض الأمواج ، ونبحر فى محيطات الايجابية ، أو نحلق فى سمائها ، هذه وقفه قصيرة ، قبل الرحلة ، نتعرف من خلالها ، على معالم الرحلة , وأسرارالسفر ، فهل أنتم مستعدون ؟! .
وأول البداية : من معانى الايجابية :
1ـ فى اللغة
نقول : ( أوجبه إيجابيًا ) بمعنى : ( لزمه وألزمه ) ، والإيجاب بمعنى القبول ، وعلى هذا فالإيجابية تتضمن : الإلزام والالتزام ، أو بالمعنى العصرى اليوم , كما قال أهل التخصص : ( إيجاب المرء على نفسه , ما ليس بواجب ، لهمة عالية ، ورغبة عارمة فى البذل والعطاء ) .
ومصطلح ( الإيجابية ) و ( السلبية ) ، فى حياتنا اليومية كثيراً ما نستعمله إذا توفرت معاني معينة , فنقول :
( المحادثات إيجابية ) ، ( النتائج كانت إيجابية ) ، ( العمل الإيجابى ) .
والايجابية كمصطلح يعنى التلبية والاستجابة ، والطاعة والمسارعة إلى الخير ، يقول تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) الأنفال : 24 ، وبالجمع بين المعنى اللُغوى والإصطلاحى , اتفق العلماء على أنها واجبة ، وعليه فالإيجابية ضرورة شرعية وحياتية بمعنى الاستقامة فى الحياة .
وصوّر القرآن الايجابية , بمعنى الاستجابة , ثم دعوة الغير للاستجابة ، كما فى موقف الجن الايجابيين , الذين استمعوا إلى القرآن , فقالوا لقومهم : { يا قومنا أجيبوا دعى الله } الأحقاف : 31 .
ثانياً : الايجابية = الطاقة
فالايجابية تشحذ الهمم ، وتوظف الطاقات ، وتذكى الطموح ، ودافعة للعمل ، ودافعة للبذل ، وتحسن انتهاز الفرص ، وهي استثمار جيد للواقع ، فلماذا لا نساوى إذن الايجابية بالطاقة ؟ , وهل هي فعلاً كذلك ؟ تعال نرى :
1ـ تشحذ الهمم :
يقول ابن قيتبة : ( ذو الهمة إن حطّ ، فنفسه تأبى إلا علوًا ، كالشعلة من النار يٌصوبها صاحبها ، وتأبى إلا ارتفاعًا ) ، ولذلك همة المؤمن أبلغ من عمله ، يقول صلى الله عليه وسلم [ من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشة ] .
فبقدر ما تتعنى تنال تتمنى :
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها
تنال إلا على جسر من التعب
فكبار الهمم لا ينقضون عزمهم ، ولا يندمون لحظة ، ولا يضرهم قلتهم ، ولا يرضون إلا معالى الأمور .
2ـ توظيف الطاقات :
فالأمة فى حاجة إلى كل عطاء مهما كان قليلا ، ولذلك فالايجابية تعمل على توظيف هذه الطاقات وبالتالى تختفى فى جسد العطاء لأمتنا هذه الصور المتخلفة : قصر العطاء فى جانب واحد ، أو توظيف الطاقات فيما تجيده الإدارة التربوبة دون النظر إلى طاقات المربين ، أو نسخ كربون من القيادات حتى ولو كانت ضعيفة .
فليس هناك من سبيل لإتقان فن توظيف الطاقات , إلا فيما تحسن أن تعطى هى فيه ، ولا يكون ذلك إلا بالايجابية ، فلنا قدوة فى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يوظف طاقة حسّان الشعرية ، وفنون الجهاد عند خالد بن الوليد ، وحفظ القرآن كأبى بن كعب ، ولم يطالب أحدًا منهم بأن يتقن طاقة الآخر , أو يمتلك مهارة غيره .
3ـ تذكية الطموح :
الحياة تمضى ولا تتوقف ، والفائز من قام بدوره , فى تقبل قدر الله والإيمان به ، فهو فى سباق ومبادرة ومسارعة ، فهذا الطموح ينسيه ما فى الماضى من جروح ، حيث ينطلق بايجابية لتحقيق حلمه فى الحياة ، كواقع ملموس ، وباستثمار كل لحظة ، ليكون فى تقدم دائم ، فيحق له أن يذوق طعم النجاح , ولذة الطموح .
4ـ دافعة للعمل :
فالايجابية هى التى تكوّن فى الفرد إرادة العمل ، بل إنجاز العمل بإتقان ، لحديث النبى صلى الله عليه وسلم : [ إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ] ، فالايجابية تعتبر وقود العمل لدى الإنسان ، وطاقة للسعى ، فالأقدارلا ترتب لنا شئون الحياة ، والسنن الالهية لا تقبل المحسوبية أو المحاباة ، فدرجة كل إنسان بسعيه , ونسبة سمو عمله فى الحياة بايجابية .
5ـ دافعة للبذل :
والبذل هو الدرجة التى تعلو العمل ، وهى ترجع إلى إيجابية الإنسان ، وهذه الدافعية لا تتحقق إلا بالتوازن والاعتدال ، ففى اليابان مثلا عندما زادت ساعات العمل عن حدّها تحولت الايجابية إلى موت ، ففى إحصائية تقول : إن 10 % من الذكور البالغين الذين يموتون فى كل عام , يقتلون أنفسهم بكثرة العمل .
والبذل المتوازن هو ما توفر فيه أمران ، الأول : دوافع السلوك , والثانى : دوافع القلب ، أما دوافع السلوك ، فهي التى أمر بها الاسلام فى قوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } البينة : 5 ، أما الأمر الثانى : فهو طهارة القلب من أمراضه ، فالبذل بما وقر فى القلب وليس فى السلوك ، يقول صلى الله عليه وسلم : [ إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم , ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] رواه مسلم ، فرب عامل ليس له من عمله إلا الجهد والتعب .
6ـ انتهاز الفرص :
قول الإمام على رضي الله عنه : ( الفرصة تمر مر السحاب , فانتهزوا فرص الخير ) ، فاللحظة الايجابية هي التى يتخذ فيها الفرد ، اغتنام الفرصة ، وهى التى تغير حياته إلى الأفضل ولا ينساها ، والايجابية تعنى انتهاز فرص الخير ، فهى الصالحة والممتدة ، فبعد أن تستوثق من ذلك , فلا تتردد فى اغتنامها ، ولا تتهرب من مواجهة الصعاب , وتحمل المسئولية .
والبعض يسمى لحظة الايجابية هذه : ( النظرة الايجابية ) للحياة ، فمن الواجب على الفرد ، أن ينظر إلى الحياة بطريقة ايجابية ومتفاءلة حتى يستطيع أن يتطور ويتقدم وينتج الأفضل ، فالحياة جميلة وحلوة ورائعة .
7ـ استثمار الواقع :
هو جزء من التخطيط , كأسلوب علمى للانتفاع بالواقع , الذى يعيش فيه الفرد والمجتمع ، من أجل تحقيق أهداف معينة فى فترة زمنية محددة ، ومن ثم فهو يتضمن عدة عمليات واقعية : بدءاً من تحديد الأهداف ، ومروراً باختيار الأنشطة ، إلى عملية التنفيذ ، ومن هنا يأتى دور الايجابية فى استثمار كل لحظة من الواقع ، سواء كانت فى التخطيط أو التنفيذ .
ويطلق البعض على ( استثمار الواقع ) : ( فقه الواقع ) بمعنى : فهم وإدراك الأمر الواقع أى الحادث والحاصل , أو ما يجدٌّ من أحداث ووقائع ، وبذلك فالمعنى الاصطلاحى لفقه الواقع : فهم النوازل والمتغيرات الجديدة فى حياة الأفراد والمجتمعات ، وفق أحكام الشريعة الإسلامية .
وبهذه الايجابية يترسخ هذا الفهم في النفس , نحو الإفادة وحسن الاستثمار .
وأخيرًا :
وللاستثمار الجيد فإن طاقاتنا تحتاج إلى إمكانات ايجابية ، حتى تنطلق فى الحياة ، ونلخصها فى : عمل يمنع الكسل ، وحيوية تمنع السليبة ، وعطاء يمنع الشح , ومبادرة تمنع القعود .