التنشئة الاجتماعية
مقدمة
عملية التنشئة الاجتماعية من أهم العمليات تأثيراً على الأبناء فى مختلف مراحلهم العمرية، لما لها من دور أساسي في تشكيل شخصياتهم وتكاملها، وهي تعد إحدى عمليات التعلم التي عن طريقها يكتسب الأبناء العادات والتقاليد والاتجاهات والقيم السائدة فى بيئتهم الاجتماعية التى يعيشون فيها، وعملية التنشثة الاجتماعية تتم من خلال وسائط متعددة، وتعد الأسرة أهم هذه الوسائط، فالأبناء يتلقون عنها مختلف المهارات والمعارف الأولية كما أنها تعد بمثابة الرقيب على وسائط التنشئة الاخرى، ويبرز دورها- الأسرة - فى توجيه وإرشاد الأبناء من خلال عدة أساليب تتبعها فى تنشئة الأبناء، وهذه الأساليب قد تكون سويه أو غير ذلك وكلا منهما ينعكس على شخصية الأبناء وسلوكهم سواء بالإيجاب أو السلب .
وإذا كانت الأسرة من خلال دورها، كأهم وسيط من وسائط التنشئة تسهم فى تشكيل سلوك الأبناء، فأنه لا يمكن انكار دور المناخ الاجتماعى الذى تعيش فيه الأسرة سواء أكان مجتمعا محليا أومجاورة سكنية وما يتسم به من بعض الصفات والخصائص والثقافة الفرعية التى تميزه عن غيره من سائر المجتمعات ، والتي يكون لها –فى اعتقاد الباحث – تأثير لا يقل أهمية عن دور الأسرة على افرادها بمعنى :أن المناخ الاجتماعي يسهم بما لا يدعوا للشك فى تبنى أساليب معينة فى التنشئة الاجتماعية تختلف من مكان لآخر باختلاف الثقافة الفرعية للمجتمع إلى جانب المستوى التعليمى وثقافة الوالدين داخل الأسرة .
وعليه فان سكان المناطق العشوائية وان كانوا خليطا غير متجانس الا أنهم يتسمون ببعض الخصائص التى لا تتواجد فى مجتمعات أخرى، وقد أدى ذلك إلى اتسامها بالعديد من الثقافات،الامر الذى قد ينتج عنه ظهور العديد من أساليب التنشئة الاجتماعية التى تتبعها الأسرة فى تنشئة الأبناء فى تلك المناطق، يضاف إلى ذلك أن هذه المناطق تعتبر مناخا جيداً لتنامى البؤر الاجرامية والانحرافات بمختلف أشكالها، بما يؤثر بطريقة أو بأخرى على سكان تلك المناطق بصفة عامة والنشء بصفة خاصة، هذا من ناحية، وتبنى الأسر لأساليب تتواءم مع مختلف الثقافات الوافدة إلى تلك المناطق – فى اعتقاد الباحث-بما يعكس طبيعة أسرهم، مما يؤدى بالبعض من الأبناء إلى الانخراط فى تلك البؤر الاجرامية كنتيجة لبعض الأساليب الخاطئة فى التنشئة ، ويعد ذلك اهداراً للثروة البشرية التى يجب استثمارها لتقدم وازدهار المجتمع، وهناك العديد من الدراسات التى تناولت المناطق العشوائية بالبحث والدراسة، إلا أنه رغم ثراء وغزارة تلك الدراسات التى أجريت حول المناطق العشوائية، فإنها تخلو من الابحاث التى تتناول أثر أساليب التنشئة الاجتماعية فى تلك المناطق على انحراف الأبناء، الأمر الذي دفع الباحث لاجراء دراسته فى موضوع "أساليب التنشئة الاجتماعية وعلاقتها بالسلوك الانحرافى فى المناطق العشوائية" .
يعتبر موضوع التنشئة الاجتماعية من المواضيع الهامة التي تناولها الباحثون في مجال علم النفس والاجتماع سواء من ناحية المضامين أو الأساليب ، نظراً لأهمية هذا الموضوع في إعداد الأجيال القادمة التي ستحافظ على استمرارية وجود المجتمع مادياً ومعنوياً .
والتنشئة الاجتماعية :
هي عملية يكتسب الأطفال من خلالها الحكم الخلقي والضبط الذاتي اللازم لهم حتى يصبحوا أعضاء راشدين مسئولين في مجتمعهم . ( حسين رشوان ، 1997 ، ص153 ) وهي عملية تعلم وتعليم وتربية ، تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى إكساب الفرد (طفلاً فمراهقاً فراشداً فشيخاً) سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة ، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي ، وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية .
وتسهم أطراف عديدة في عملية التنشئة الاجتماعية كالأسرة و المدرسة و المسجد والرفاق و غيرها إلا أن أهمها الأسرة بلا شك كونها المجتمع الإنساني الأول الذي يعيش فيه الطفل ، والذي تنفرد في تشكيل شخصية الطفل لسنوات عديدة من حياته تعتبر حاسمة في بناء شخصيته . ( حامد زهران ، 1977 ، ص213 )
التنشئة الاجتماعية هي سيرورة مستمرة ومتغيرة على امتداد الحياة، بحيث إنها تهدف إلى الاندماج الاجتماعي النسبي والمتوالي من لدن الفرد، وباعتبارها ،من جهة أخرى، بمثابة وسيلة لاكتساب الشخصية من خلا استيعاب طرائق الحركة والفعل اللازمة( معايير وقيم وتمثلا ت اجتماعية...) من أجل تحقيق درجة من التوافق النسبي عبر سياق الحياة الشخصية والاجتماعية للفرد داخل تلك الحياة المتغيرة باستمرار.(المصطفى حدية بن الشيخ ،2006)
ويهدف التنشئة الاجتماعية إلى إكساب الأفراد في مختلف مراحل نموهم(طفولة،مراهقة، رشد، شيخوخة) أساليب سلوكية معينة،تتفق مع معايير الجماعة وقيم المجتمع،حتى يتحقق لهؤلاء التفاعل والتوافق في الحياة الاجتماعية في المجتمع الذي يعيشون فيه.وعملية التنشئة الاجتماعية تتم من خلال عمليات التفاعل الاجتماعية، فيتحول الفرد من كائن بيولولوجي إلى كائن اجتماعي،مكتسبا الكثير من الاتجاهات النفسية والاجتماعية عن طريق التعلم والتقليد،مما يطبع سلوكه بالطابع الاجتماعي.
ويقوم المجتمع من خلال عملية التنشئة الاجتماعية بدور هام في تشجيع وتقوية بعض الأنماط السلوكية المرغوب فيها والتي تتوافق مع قيم المجتمع وحضارته...في حين يقاوم ويحبط أنماط أخرى من السلوك غير المرغوب فيها...(د.خليل ميخائيل عوض،1982).
وغالبا مايتم الخلط بين التنشئة الاجتماعية(socialisation) والتطبيع(conformisation) والإخضاع(soumission) والتثاقف(acculturation)، و لرفع اللبس عن تداخل مفهوم التنشئة الاجتماعية مع المفاهيم المشار إليها، يمكننا تدقيق تعريف التنشئة الاجتماعية اكثر حسب المقاربات السوسيولوجة والنفسية والثقافية التالية:
- المقاربة السوسيولوجية:
عرف هذا المفهوم(التنشئة الاجتماعية) عدة مقاربات متفاوتة خلال التطور التاريخي للمجتمعات الغربية،وخصوصا الأوربية؛في مرحلة الستينيات،مرحلة النمو،حيث كانت التطورية تحتل مكانة متميزة، من خلال التركيز على الفرضية الفيبيرية(نسبة لعالم الاجتماعweber)،التي تقول إن النمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي مرتبط بالتنشئة الاجتماعية،أي،بالقيم والتمثلات المستبطنة من طرف الفرد.وكانت أغلب الدراسات ذات النزعة الاجتماعية المهتمة بالتنشئة الاجتماعية، تعتمد المقاربة المقارنة؛كما ظهرت بعض التخصصات في هذا المجال كالتنشئة السياسية التي كانت الموضوع المفضل للدراسات والبحوث.
وفي سنوات السبعينيات،كان اهتمام البحوث منصبا حول منظور جديد يعتبر عملية التنشئة الاجتماعية"كمفتاح" للمحافظة والصيانة والاستمرارية،من خلال أجيال الطبقات المتعاقبة،وبصفة خاصة من خلال الفوارق الاجتماعية.ولذلك انصبت المقارنات والدراسات حول الجماعات الاجتماعية(الطبقات الاجتماعية،الأنماط السوسيو مهنية، الجنس...).
بعد ذلك،في الأعمال الجديدة حول التنشئة الاجتماعية،كان هناك توجها لتقطيع مجالات تحليلها إلى عدة مجموعات صغرى(sous-groupe) مثل الأسرة،المدرسة، السكن،فضاء اللعب...حيث تم دراسة تأثيرات التنشئة الاجتماعية حسب خصوصيات الأمكنة أو الأمكنة المؤسساتية،ومن خلال مصطلحات الإدماج والتثاقف،وترسيخ التمثلات الذهنية والضوابط والمعايير الاجتماعية.
- المقاربة النفسية:
التنشئة هي عملية تعلم الحياة الاجتماعية،أي هي الوسيلة التي بواسطتها يكتسب الفرد المعايير والمعارف ونماذج السلوك والقيم التي تجعل منه فاعلا في مجتمع محدد.كما تعمل التنشئة على إدماج النظام الاجتماعي من طرف الفرد وجعله كجزء من شخصيته والتعبير عن هويته.
المقاربة الثقافية:
يذهب التيار الثقافي إلى ان بنية الشخصية تخضع للثقافة التي تميز مجتمعا بأكمله.والثقافة تعني بصفة خاصة نسق/منظومة قيم المجتمع.فالبنسبة لكاردينر(Kardiner)،كل نسق سوسيو- ثقافي تقابله شخصية قاعدية ما(personnalité de base).وعموما،بالنسبة للثقافيين،التنشئة الاجتماعية هي العملية التي بواسطتها ينقل كل مجتمع قيمه للأجيال اللاحقة، ويفترضون أن القيم وباقي عناصر النسق الثقافي تستدمج من طرف الفرد،وتشكل نوعا من البرمجة التي تضبط بطريقة ميكانيكية سلوكه.(Haddiya El moustafa, 1988 )
أساسيات التنشئة الاجتماعية:
1.
ثمة مقومات لا بدّ منها لعمليات تنشئة اجتماعية على النحو المرغوب فيه. أولها، التفاعل الاجتماعي بين المرء والمحيطين به، والمحرك الأول لهذا التفاعل هو حاجات الإنسان. فالوليد البشري يكون عاجزاً عن إشباع حاجته إلى الطعام والراحة والنوم؛ فهو مضطر إلى التفاعل مع الآخر لإشباعها. وكلمّا حقق الإنسان درجة أعلى من النمو، تعددت حاجاته وتشعبت، فازداد اضطراراً إلى التفاعل الاجتماعي. فإذا كانت حاجات الوليد الأساسية حاجات فسيولوجية فإنها ستتحول، كلّما كبر، إلى حاجات اجتماعية، تتمثل في التواد والتعاطف، ثم اللعب والتعلم، ثم الزواج وتكوين الأسرة، ثم ممارسة دور سياسي في المجتمع. إن الإنسان، بصفته كائناً اجتماعياً، لا بد من حكم تفاعله مع الآخرين درجة واضحة من الاتساق، الذي لا يتأتّى إلا بالتزام عدد من المحكات المسيرة للسلوك.
2.
أمّا المقوم الثاني، فهو الدافعية؛ إذ إن حاجات المرء المستثارة، تولّد لديه توتراً، يسعى إلى التخلص منه؛ فيعمد إلى بعض الأداءات، التي تبلغه هدفاً معيناً، يخفض توتره. والسلوك الذي يحقق ارتياحاً، يميل الشخص إلى تكراره، بينما يرغب في تجنّب السلوك، الذي يؤدي إلى إيلامه وإيذائه؛ ويتحقق الارتياح، إذا أشبع حاجاته، التي تحركه وتوجهه.
ويمثل الإرشاد والتوجيه المقوم الثالث للتنشئة. فتوجيه الصغار إلى أساليب التعامل الاجتماعي السليم، وتوجيه المراهقين والراشدين إلى كيفية تحقيق التفاعل العام الناجح، يسهم في عملية التنشئة الاجتماعية. ومصداق ذلك أطفال الشوارع، الذين فقدوا الإرشاد والتوجيه؛ ما تترتب عليه آثار أخلاقية واجتماعية سيئة. ومما يدعم أهمية التوجيه والإرشاد، أن الشخص يولد، وهو خلو من الهاديات، التي تحدد كيفية تعامله مع الأشخاص والأشياء والمواقف؛ ومن ثًم، تكون التنشئة هي الوسيلة، التي تزوده بتلك الهاديات.
تُعَدّ مطاوعة السلوك ومرونته هما الأساس الرابع للتنشئة؛ إذ إن السلوك قابل للتشكيل والتعديل، حتى يتكيف مع المواقف وما يمر به الإنسان من خبرات. وتقترن مرونة السلوك بقدرة الجهاز العصبي على التعديل، الذي يجعل من الممكن تعلّم الخبرات الجديدة وتسجيلها؛ استناداً إلى تَيْنِك المرونة والمطاوعة. إلا أن المرء يولد بعدد من الإمكانات: البدنية والعقلية، لا ترى النور، ولا تمارس بالفعل، إلا من خلال المرور بخبرات معينة من طريق التنشئة.
أهداف التنشئة الاجتماعية :
ـ غرس عوامل ضبط داخلية للسلوك وتلك التي يحتويها الضمير و تصبح جزءاً أساسياً ، لذا فإن مكونات الضمير إذا كانت من الأنواع الإيجابية فإن هذا الضمير يوصف بأنه حي ، وأفضل أسلوب لإقامة نسق الضمير في ذات الطفل أن يكون الأبوين قدوة لأبنائهما حيث ينبغي ألا يأتي أحدهما أو كلاهما بنمط سلوكي مخالف للقيم الدينية و الآداب الاجتماعية .
ـ توفير الجو الاجتماعي السليم الصالح و اللازم لعملية التنشئة الاجتماعية حيث يتوفر الجو الاجتماعي للطفل من وجوده في أسرة مكتملة تضم الأب والأم والأخوة حيث يلعب كل منهما دوراً في حياة الطفل .
ـ تحقيق النضج النفسي حيث لا يكفي لكي تكون الأسرة سليمة متمتعة بالصحة النفسية أن تكون العلاقات السائدة بين هذه العناصر متزنة سليمة و إلا تعثر الطفل في نموه النفسي ، والواقع أن الأسرة تنجح في تحقيق النضج النفسي للطفل إذا ما نجحت في توفير العناصر التالية :
ـ تفهم الوالدين وإدراكهما الحقيقي في معاملة الطفل وإدراك الوالدين ووعيهما بحاجات الطفل السيكولوجية والعاطفية المرتبطة بنموه وتطور نمو فكرته عن نفسه وعن علاقته بغيره من الناس وإدراك الوالدين لرغبات الطفل ودوافعه التي تكون وراء سلوكه وقد يعجز عن التعبير عنها . (إقبال بشير وآخرون ،1997 : ص63 )
ـ تعليم الطفل المهارات التي تمكنه من الاندماج في المجتمع ، والتعاون مع أعضاءه والاشتراك في نواحي النشاط المختلفة وتعليمه أدواره ، ما له وما عليه ، وطريقة التنسيق بينهما وبين تصرفاته في مختلف المواقف ، وتعليمه كيف يكون عضواً نافعاً في المجتمع وتقويم وضبط سلوكه .
أهمية التنشئة الاجتماعية:
أ. اكتساب المرء إنسانيته:
من طريق التنشئة، يتعلم الإنسان اللغة والعادات والتقاليد والقِيم السائدة في جماعته، ويتعايش مع ثقافة مجتمعه. أمّا إذا رُبِّي شخص في الغابات، فإن سلوكه وطباعه، سيكون لها شأن آخر؛ فلقد عثر العلماء على حالات لأطفال ربَّتهم الحيوانات (كالقردة) في الغابات، فشابه سلوكهم سلوكها؛ فلم يتسموا بأيٍّ من مظاهر التواد نحو الإنسان، ولا الابتسام، ولا الخجل من العري، ولا الخوف من الطلق الناري؛ كما كانوا يتناولون الطعام كالحيوانات. ولكن، بعد أن تعهد العلماء قِلَّة منهم بالتربية في وسط إنساني، استطاعوا ارتداء الملابس بأنفسهم، والتمييز بين الحار والبارد، والناعم والخشن. كما نمت لديهم انفعالات جديدة، كالود نحو الممرضة القائمة على رعايتهم؛ حتى إن أحدهم كان يبكي، ويصدر أصواتاً، تدل على الحزن، عند غيابها. وبدأو يتعلمون اللغة والحديث.
ب. اكتساب المجتمع صفات خاصة:
يتولى رجال إحدى القبائل مسؤوليات أُسَرية، تشبه الدور الاجتماعي للنساء في المجتمع العربي: إعداد الطعام، ورعاية الصغار. وتضطلع نساؤها بمسؤوليات، تشبه الدور الاجتماعي للرجال في مجتمعنا، مثل: الصيد والدفاع عن الأسْرة. وينطبق المبدأ نفسه على المجتمعات الشرقية، قياساً بالمجتمعات الغربية؛ فلكلٍّ منها خصائصه، التي تميزه عن غيره. وتكون التنشئة الاجتماعية مسؤولة عن رسوخها، والمحافظة عليها، ونقلها من جيل إلى آخر.
ج. تساعد التنشئة الاجتماعية على توافق الشخص ومجتمعه:
يسهم تعلم المرء لغة قومه وثقافتهم في اقترانه بعلاقات طيبة بأبناء مجتمعه وموافقته إياهم. فلقد بينت إحدى الدراسات، أن جماعة معينة، داخل المجتمع الأمريكي، عزلت نفسها عنه، ودربت أبناءها على أعمال العصابات والسطو؛ ما جعلهم عاجزين عن موافقة المجتمع.
د. توجد التنشئة الاجتماعية بعض أوجُه التشابه بين المجتمعات المختلفة:
(1) تتداخل عدة جماعات فرعية، لتنتظم في مجتمع إنساني، يقترن فيه بعضها ببعض بعلاقات مختلفة، وبدرجات متفاوتة.
(2) تسعى المجتمعات الإنسانية إلى تحقيق بعض الأهداف العامة، مثل المحافظة على كيانها واستقرارها وتماسكها.
(3) تنظم الجماعات أنشطة أبنائها، لتحقيق أهدافها العامة، وأهدافهم الخاصة.
(4) يتولى الراشدون تدريب الصغار على الأدوار الملائمة لمجتمعهم.
(5) تستهدف التنشئة، أساساً، خلق الشخصية المنوالية للمجتمع، أيْ الشخصية التي تجسد ثقافته؛ إذ توجد إطاراً مشتركاً يحدد ملامحه المتميزة.
وظائف التنشئة الاجتماعية:
الوظيفة الأساسية للتنشئة الاجتماعية هي نمو الفرد اجتماعياً بحيث يتكيف مع المجتمع ويتشرب عاداته وسلوكياته ويصبح عضواً منتمياً إليه موالياً له. وتتحقق هذه الوظيفة من خلال النقاط التالية:
. اكساب الفرد ثقافة المجتمع-1
من وظائف التنشئة اكساب الفرد اللغة، العادات، التقاليد، أنماط السلوك السائدة، القيم الخاصة بالمجتمع وبذلك تتحدد هويته الاجتماعية ويتحول إلى كائن اجتماعي حاملاً لثقافة المجتمع... قادراً على نقلها بعد ذلك للأجيال الأخرى كما نقلت إليه... ثم يقوم أفراد المجتمع بتطوير هذه الثقافة والإضافة إليها أو الحذف منها لتساير التقدم الانساني في كل عصر....
2- اشباع حاجات الفرد
فما تحويه الثقافة (عادات - سلوكيات – أفكار...) يجب أن يشبع حاجات الفرد وطموحه ورغباته حتى يكون منسجماً مع نفسه وأفراد مجتمعه. وإذا لم تلبي التنشئة حاجات الفرد المعرفية والوجدانية والمهارية في ظل الثقافة السائدة في المجتمع تظهر هناك فجوة بين الفرد وبين مجتمعه، حيث يميل بعض الأفراد إلى العزلة والاغتراب والانطواء وحتى الهجرة....
التكيف مع الوسط الاجتماعي -3-
وهى عملية تكيف الفرد مع الوسط المحيط به سواء أكانت الأسرة أو مكان العمل أو جماعة الرفاق (الشلل – التقليعات ...)
تحقيق عملية التطبيع الاجتماعي -4
ترتبط عملية التطبيع الاجتماعي بالدور الوظيفي الذي يلعبه الفرد في المجتمع أو بالوظيفة التي يشغلها. فكل وظيفة أو منصب يكون هناك قيم وسلوكيات وعادات أقرها المجتمع تحكم هذه الوظيفة وعلى كل من يشغل هذه الوظيفة أن يكتسبها (المدرس – الطبيب – الممرضة – الجندي ...). وبذلك فإن التطبيع الاجتماعي يرتبط بنمط السلوك المرغوب والمتوقع من أى فرد يشغل وظيفة معينة.
آليات التنشئة الاجتماعية
تستخدم الأسرة آليات متعددة لتحقيق وظائفها في التنشئة الاجتماعية ، وهذه الآليات تدور حول مفهوم التعلم الاجتماعي الذي يعتبر الآلية المركزية للتنشئة الاجتماعية في كل المجتمعات مهما اختلفت نظرياتها وأساليبها في التنشئة ، ومهما تعددت وتنوعت مضامينها في التربية .
و للتنشئة خمس آليات هي :
* التقليد /
فالطفل يقلد والديه ومعلميه وبعض الشخصيات الإعلامية أو بعض رفاقه .
* الملاحظة /
يتم التعلم فيها من خلال الملاحظة لنموذج سلوكي وتقليده حرفياً .
* التوحد /
يقصد به التقليد اللاشعوري وغير المقصود لسلوك النموذج .
* الضبط /
تنظيم سلوك الفرد بما يتفق ويتوافق مع ثقافة المجتمع ومعاييره .
* الثواب والعقاب
استخدام الثواب في تعلم السلوك المرغوب ، والعقاب لكف السلوك غير المرغوب .( خلدون النقيب ، 1985 : ص62 )
أشكال التعلم المؤثرة في التنشئة الاجتماعية:
ومنها،التعلم المؤثر:
حيث النمط السلوكي المتعلم يكون متبوعا بتدعيم،ليكون موافقا للمعايير والقيم المرغوب فيها.
التعلم المباشر:
وهو عبارة عن توجيه مخطط ومقصود للسلوك وممارسة
التدعيم؛التعلم العرضي:
وهو نتيجة لتعلم و تدعيم غير مباشرين و مقصودين؛ آثار العقاب: استعمال العنف لتلافي أنماط السلوك غير المرغوب فيها؛
التعلم من النماذج:
وهو عبارة عن تقليد ومحاكاة لأنماط ونماذج سلوكية معينة؛ التقمص:وهو تقليد لأنماط سلوكية وأدوار اجتماعية معينة .
صفات وخصائص التنشئة الاجتماعية :
- تعتبر التنشئة الاجتماعية عملية تعلم اجتماعي يتعلم فيها الفرد عن طريق التفاعل الاجتماعي أدواره الاجتماعية والمعايير الاجتماعية التي تحدد هذه الأدوار ، ويكتسب الاتجاهات والأنماط السلوكية التي ترتقيها الجماعة ويوافق عليها المجتمع .
- عملية نمو يتحول خلالها الفرد من طفل يعتمد على غيره متمركز حول ذاته ، لا يهدف من حياته إلا إشباع الحاجات الفسيولوجية إلى فرد ناجح يدرك معنى المسؤولية الاجتماعية وتحولها مع ما يتفق مع القيم والمعايير الاجتماعية .
- أنها عملية مستمرة تبدأ بالحياة ولا تنتهي إلا بانتهائها .
- تختلف من مجتمع إلى آخر بالدرجة ولكنها لا تختلف بالنوع .
- التنشئة الاجتماعية لا تعني صب أفراد المجتمع في بوتقة واحدة بل تعني اكتساب كل فرد شخصية اجتماعية متميزة قادرة على التحرك والنمو الاجتماعي في إطار ثقافي معين على ضوء عوامل وراثية وبيئية . ( عبد الله الحولي ، 1982 : ص18 )
ومن خصائص التنشئة أيضاً أنها تاريخية : أي ممتدة عبر التاريخ ، وإنسانية يتميز بها الإنسان دون الحيوان ، وتلقائية أي ليست من صنع فرد أو مجموعة من الأفراد بل هي من صنع المجتمع وهي نسبية أي تخضع لأثر الزمان والمكان ، وجبرية أي يجبر الأفراد على إتباعها ، وهي عامة أي منتشرة في جميع المجتمعات .
شروط التنشئة الاجتماعية :
1ـ وجود مجتمع :
الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الجماعة فهو منذ أن يولد يمر بجماعات مختلفة فينتقل من جماعة إلى أخرى محققاً بذلك إشباع حاجاته المختلفة ، والمجتمع يمثل المحيط الذي ينشأ فيه الطفل اجتماعياً وثقافياً ، وبذلك تتحقق التنشئة الاجتماعية من خلال نقل الثقافة والمشاركة في تكوين العلاقات مع باقي أفراد الأسرة بهدف تحقيق تماسك المجتمع. وللمجتمع عدة معايير وملامح مميزة له وتتمثل : بالمعايير والمكانة والمؤسسات والثقافة .
2ـ توفر بيئة بيولوجية سليمة :
توفير البيئة البيولوجية السليمة للطفل يمثل أساس جوهري وذلك لأن عملية التنشئة الاجتماعية تكون شبه مستحيلة إذا كان الطفل معتلاً أو معتوهاً ، خاصة وأن هذه المشكلة ستبقى ملازمة ودائمة تميزه عن غيره ، وبالرغم من ذلك فإن المجتمع ملزم بتوفير كافة الوسائل التي من شأنها تسهيل عملية التنشئة الاجتماعية لهذه الفئة من الناس ، فمن الواضح أن الطبيعة البيولوجية للإنسان تكون وتشكل الجسم ، وهي بذلك لها أثر كبير في التنشئة الاجتماعية ولا يمكن عزل العوامل البيولوجية عن الواقع الاجتماعي .
3ـ توفر الطابع الإنساني :
وهو أن يكون الطفل أو الفرد ذو طبيعة إنسانية سليمة ، وقادراً على أن يقيم علاقات وجدانية مع الآخرين ، وهذا الشئ الذي يميز الإنسان عن غيره من الحيوانات وتتألف الطبيعة الإنسانية من العواطف ، وتعتبر المشاركة هي أكثر العواطف أهمية ، وهي تدخل في عواطف أخرى كالحب والكراهية والطموح والشعور بالخطأ والصواب ، والعواطف الموجودة في العقل الإنساني تكتسب عن طريق المشاركة ، وتزول بفعل الانطواء وهنا يأتي دور التنشئة الاجتماعية في دفع الإنسان إلى المشاركة الفعالة في واقعه الاجتماعي المحيط به .
العوامل المؤثرة في التنشئة الاجتماعية :
العائلة هي أول عالم اجتماعي يواجهه الطفل ، وأفراد الأسرة هم مرآة لكل طفل لكي يرى نفسه والأسرة بالتأكيد لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية ، ولكنها ليست الوحيدة في لعب هذا الدور ولكن هناك الحضانة والمدرسة ووسائل الإعلام والمؤسسات المختلفة التي أخذت هذه الوظيفة من الأسرة ، لذلك قد تعددت العوامل التي كان لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية سواء كانت عوامل داخلية أم خارجية ، وسوف نعرض هذه العوامل من واقع مجتمعنا الفلسطيني الذي نعيشه:
أولاً : العوامل الداخلية :
1- الدين
يؤثر الدين بصورة كبيرة في عملية التنشئة الاجتماعية وذلك بسبب اختلاف الأديان والطباع التي تنبع من كل دين ، لذلك يحرص كل دين على تنشئة أفراده حسب المبادئ والأفكار التي يؤمن بها .
2- الأسرة :
هي الوحدة الاجتماعية التي تهدف إلى المحافظة على النوع الإنساني فهي أول ما يقابل الإنسان ، وهي التي تساهم بشكل أساسي في تكوين شخصية الطفل من خلال التفاعل والعلاقات بين الأفراد ، لذلك فهي أولى العوامل المؤثرة في التنشئة الاجتماعية ، ويؤثر حجم الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية وخاصة في أساليب ممارستها حيث أن تناقص حجم الأسرة يعتبر عاملاً من عوامل زيادة الرعاية المبذولة للطفل .
3- نوع العلاقات الأسرية :
تؤثر العلاقات الأسرية في عملية التنشئة الاجتماعية حيث أن السعادة الزوجية تؤدي إلى تماسك الأسرة مما يخلق جواً يساعد على نمو الطفل بطريقة متكاملة .
4-الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة :
تعد الطبقة التي تنتمي إليها الأسرة عاملاً مهماً في نمو الفرد ، حيث تصبغ وتشكل وتضبط النظم التي تساهم في تشكيل شخصية الطفل ، فالأسرة تعتبر أهم محور في نقل الثقافة والقيم للطفل التي تصبح جزءاً جوهرياً فيما بعد .
5-الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة :
لقد أكدت العديد من الدراسات أن هناك ارتباط إيجابي بين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطفل وبين الفرص التي تقدم لنمو الطفل ، والوضع الاقتصادي من أحد العوامل المسئولة عن شخصية الطفل ونموه الاجتماعي .
المستوى التعليمي والثقافي للأسرة -6
يؤثر ذلك من حيث مدى إدراك الأسرة لحاجات الطفل وكيفية إشباعها والأساليب التربوية المناسبة للتعامل مع الطفل .
7- نوع الطفل (ذكر أو أنثى) وترتيبه في الأسرة :
حيث أن أدوار الذكر تختلف عن أدوار الأنثى فالطفل الذكر ينمى في داخله المسئولية والقيادة والاعتماد على النفس ، في حين أن الأنثى في المجتمعات الشرقية خاصة لا تنمى فيها هذه الأدوار ، كما أن ترتيب الطفل في الأسرة كأول الأطفال أو الأخير أو الوسط له علاقة بعملية التنشئة الاجتماعية سواء بالتدليل أو عدم خبرة الأسرة بالتنشئة وغير ذلك من العوامل . ( عبد الخالق عفيفي ،1987 : ص27 )
ثانياً : العوامل الخارجية :
1- المؤسسات التعليمية :
وتتمثل في دور الحضانة والمدارس والجامعات ومراكز التأهيل المختلفة .
2- جماعة الرفاق :
حيث الأصدقاء من المدرسة أو الجامعة أو النادي أو الجيران وقاطني نفس المكان وجماعات الفكر والعقيدة والتنظيمات المختلفة .
دور العبادة -3
مثل المساجد والكنائس وأماكن العبادة المختلفة .
4- ثقافة المجتمع :
لكل مجتمع ثقافته الخاصة المميزة له والتي تكون لها صلة وثيقة بشخصيات من يحتضنه من الأفراد ، لذلك فثقافة المجتمع تؤثر بشكل أساسي في التنشئة وفي صنع الشخصية القومية .
5- الوضع السياسي والاقتصادي للمجتمع :
حيث أنه كلما كان المجتمع أكثر هدوءاً واستقراراً ولديه الكفاية الاقتصادية كلما ساهم ذلك بشكل إيجابي في التنشئة الاجتماعية ، وكلما اكتنفته الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي كان العكس هو الصحيح .
6- وسائل الإعلام :
لعل أخطر ما يهدد التنشئة الاجتماعية الآن هو الغزو الثقافي الذي يتعرض له الأطفال من خلال وسائل الإعلام المختلفة وخاصة التليفزيون ، حيث يقوم بتشويه العديد من القيم التي اكتسبها الأطفال إضافة إلى تعليمهم العديد من القيم الأخرى الدخيلة على الثقافة الفلسطينية وانتهاء عصر جدات زمان وحكاياتهن إلى عصر الحكاوي عن طريق الرسوم المتحركة .
مؤسسات التنشئة الاجتماعية :
تتم عملية التنشئة عن طريق مؤسسات اجتماعية متعددة تعمل وكالات للتنشئة نيابة عن المجتمع أهمها الأسرة والمدرسة ودور العبادة ، وجماعة الرفاق ، ووسائل الإعلام ، ودور كل مؤسسة كما يلي :
- الأسرة :
هي الممثلة الأولى للثقافة ، وأقوى الجماعات تأثيراً في سلوك الفرد ، وهي المدرسة الاجتماعية الأولى للطفل ، والعامل الأول في صبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية ، فتشرف على توجيه سلوكه ، وتكوين شخصيته .
- المدرسة :
هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بوظيفة التربية ، ونقل الثقافة المتطورة وتوفير الظروف المناسبة لنمو الطفل جسمياً وعقلياً وانفعالياً واجتماعياً ، وتعلم المزيد من المعايير الاجتماعية ، والأدوار الاجتماعية .
- دور العبادة :
تعمل دور العبادة على تعليم الفرد والجماعة التعاليم والمعايير الدينية التي تمد الفرد بإطار سلوكي معياري ، وتنمية الصغير وتوحيد السلوك الاجتماعي ، والتقريب بين الطبقات وترجمة التعاليم الدينية إلى سلوك عملي .
- جماعة الأقران :
يتلخص دورها في تكوين معايير اجتماعية جديدة وتنمية اتجاهات نفسية جديدة والمساعدة في تحقيق الاستقلال ، وإتاحة الفرصة للتجريب ، وإشباع حاجات الفرد للمكانة والانتماء .
- وسائل الإعلام :
يتلخص دورها في نشر المعلومات المتنوعة ، وإشباع الحاجات النفسية المختلفة ودعم الاتجاهات النفسية وتعزيز القيم والمعتقدات أو تعديلها ، والتوافق في المواقف الجديدة .
الفرد والجماعة، أثناء التنشئة الاجتماعية
إن التنشئة الاجتماعية، ليست بالعملية اليسيرة؛ وإنما هي عملية معقدة، متشابكة العوامل، متداخلة التأثير. فإذا ما أخذت في الحسبان الخصال البيولوجية للنوع الإنساني؛ والطابع الوراثي الفريد للشخص؛ والجهاز المعرفي المتغير، الذي يتصل من خلاله الطفل الإنساني، أثناء نموه وارتقائه في بيئته، فإن عملية التنشئة الاجتماعية، لا يمكن أن تقتصر على غرس الاتباعية لمعايير الثقافة والبيئة. إن ثمة فارقاً كبيراً بين قصر التنشئة الاجتماعية على أنها نقل للثقافة، وبين كونها عملية، يصبح المرء من خلالها إنساناً
التنشئة الاجتماعية عملية هادفة. فإذا كان هدفها، في المراحل الأولى للحياة، هو إشباع حاجات المرء ومطالبه؛ فإنها تستهدف، في المراحل التالية، إشباع الحاجات، وإحداث نوع من التوازن والتوافق: الشخصي والاجتماعي، بينه وبين بيئته، ثم التحكم في مقوماتها وعواملها؛ بل يعمد إلى تحويل تلك العوامل والمقومات، من واقع ملموس، محسوس، إلى مدرَك مجرد، ورمز محدد، يمكن نقله وتناقله، في سهولة ويُسر. ولا يلبث أن يتعدى مرحلة التجديد والترميز هذه، إلى تنظيم هذه المدرَكات والرموز؛ موضحاً ما بينها من علاقات وروابط، وتشابه أو تناقض؛ مضمناً هذا التنظيم التعليل والسببية. وبذلك، يتكون قدر من الخبرة والمعرفة، يكون هو الوحدة، الحضارية والثقافية، للجماعة. ويتضح كذلك مما سبق أن المرء أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، لا يكون سلبياً متلقياً، بل إيجابياً مشاركاً
تنجم استمرارية عملية التنشئة الاجتماعية عن اقترانها بنمو المرء وتبلوُر مطالبه النمائية Developmental tasks ، وفقاً لكلّ مرحلة. ويعبّر المطلب النمائي عن حاجة معينة، يجب إشباعها، وإلا أُعِيق نمو الشخص. فإذا كان من مطالب النمو، في الطفولة، إشباع الحاجات الفسيولوجية الأساسية؛ فإن من مطالب المراهق الحاجة إلى تكوين فلسفة شخصية متسقة مع المجتمع؛ ومن مطالب الراشد الاضطلاع بالدور الوطني، والمسؤوليات والأدوار الاجتماعية، التي يجب أن يضطلع بها، ومن مطالب الشيخ التهيؤ للموت، وفقدان الشريك
ليست التنشئة الاجتماعية صراعاً دائماً، بين الفرد والجماعة؛ وإنما عملية أخذ وعطاء بينهما. فالجماعة تسعى إلى تشكيل الفرد، وإكسابه خصائص مجتمعه، وتشريبه ثقافته. وفي الوقت عينه، يسعى الفرد إلى تحقيق الانتماء إلى الجماعة، لكي يشعر بالأمن والانتماء والاحتماء النفسي. فإذا التزم قِيم جماعته ومعاييرها، حقق تكيفاً: شخصياً واجتماعياً، ناجحاً. أما إذا خرج عليها، مارست عليه الجماعة ضغوطاً، تردّه إلى الإطار العام، الذي يلائم أهدافها وتركيبها وبناءها وأصول الحياة فيها؛ لكي تحافظ على وحدتها واستمرارها
لما كان الفرد كائناً اجتماعياً يتفاعل مع مجتمعه، فإن التنشئة الاجتماعية، تشارك فيها هيئات ومؤسسات متعددة. فإذا كانت الأسرة هي الجماعة الأولى، التي تسهم في تنشئة الأشخاص، فإن للمؤسسات الاجتماعية، كالنوادي والرفاق؛ والدينية، كالجوامع والكنائس؛ والإعلامية، كالتليفزيون والصحافة والإذاعة، إسهاماتها المؤثرة في تنشئة أبناء المجتمع وأعضائه
تكوين الذات والتنشئة الاجتماعية:
ويقصد بتكوين الذات أن يكتسب الطفل سمات خاصة به تميزه عن باقي الأفراد أو تكون له ذات مختلفة عن ذوات الآخرين. ولا شك أن للوراثة دور هام في تكوين الذات لدى الأطفال. ويبدأ الطفل فترة تكوين ذاته عندما يدرك أن اسمه مختلف عن اسماء الآخرين ... ثم يتعلم تدريجياً كيف يستجيب للمؤثرات ويستكشف العالم ونظمه ... ثم تأتي مرحلة استخدامه للغة وهى هامة جداً حيث يشعر بأنه يستطيع أن يتفاعل مع الآخرين وينقل لهم أفكاره وحاجاته... وعندما يبدأ الطفل في التفكير مع نفسه تبدأ مرحلة جديدة من تكوين ذاته ويبدأ في تكوين شخصيته ومن خلال تفاعله مع أفراد الأسرة والمجتمع يكّون مخزوناً من المعلومات والمهارات تساعده على التكيف والتصرف مع المواقف المختلفة. فيتعلم الطفل كيف يبتعد عن السلوكيات التي لا تحقق له اشباعاً أو التي تحدث في نفسه ضرراً... ومع النمو اللغوي تزداد سرعة التنشئة الاجتماعية للطفل وتنمو ذاته.
اللغة وعملية التنشئة الاجتماعية:
تؤثر التنشئة الاجتماعية للطفل في قدرته على استخدام اللغة كوسيلة للحوار والتفاعل مع العالم المحيط ... الآباء والسماح للأبناء بالحوار والنقاش أو الطاعة وتنفيذ الأوامر ... قدرة الفرد على التعبير وتمكنه من اللغة ....
التطبيع الاجتماعي والأمان العاطفي:
الطفل في حاجة إلى الأمان والحب كحاجته للأكل والشرب... وهو في حاجة إلى المدح والثناء حتى يشعر بأنه مرغوب فيه وأن أفعاله ليست دائماً خاطئة. فالمعاملة القاسية والخوف الشديد من غضب الأب أو الأم أو صياحهما في وجه الطفل يولد لديه اضطراباً نفسياً يشعر معه الطفل بأنه غير قادر على التصرف ويبدأ شعوره بالقلق وعدم الأمان مما قد يؤدي إلى اضطراب سلوكه والجنوح إلى ارتكاب الخطأ...
والأم لها دور هام في حماية الطفل وتنشئته بطريقة صحيحة، فلا يجب أن يحرم الطفل من أمه بسبب عملها أو انشغالها مثلاً...
ويشعر الأطفال بالأمان كذلك عندما يتوافق الأب والأم في أقوالهم وما يطلبونه من أبنائهم....
اعداد الطلاب
1- محمد مبارك حسن محمود
2- ايمن حمدون ابو الدهب