من دوافع الإيجابية:
من الجوانب التي تدفعنا إلى هذا الخير علم الإنسان بما يترتب من أجر وثواب على هذا العمل العظيم، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ] ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ]رواه الترمذي. انظر كم المسافة سيد ولد آدم وبين أدناكم.. هكذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم المقارنة.
و ليس المقصود مجرد العلم الذي لا ينفع صاحبه، فإن يقول: { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[3]} [سورة العصر] . فهذه أربع قضايا مهمة في هذه السورة مترابطة بعضها ببعض، لابد من القيام بها حتى تنجو من الخسارة { وَالْعَصْرِ[1]إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[2]} [سورة العصر] . فالمقصود أثر العالم على الأمة، أثره على الناس، ولن يكون له ذلك الأثر إن لم يكن عاملًا أولا بعلمه.
فالإنسان إذا علم بالأمور المترتبة على هذا العمل العظيم فإن ذلك يكون سببًا في أن يستهين بالصعاب التي ربما واجهها وهو يعمل هذا العمل، عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ]رواه الترمذي. فأي فضل هذا!
وهذا التعليم أحيانًا تقوم به بنفسك، وأحيانًا تكون سببًا في إيصال العلم والخير إلى الغير وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ]رواه مسلم. فلماذا لا تكون دليل خير؟
فقد يدعو الإنسان إلى شيء من الخير إعذارا إلى الله، ولكن قد يضعف الإنسان فلا يقوم بهذا العمل، فيلتقفه إنسان يسمع منك، فيقوم بهذا العمل أو الشيء الذي دعوت إليه، فيكتب لك الأجر كما عمله هو. بل الأمر أعظم من ذلك، ربما تكلم إنسان فاهتدى بسبب هذه الدعوة رجل أو امرأة، ثم أصبح هذا الإنسان داعية، أو ربما أصبح مجاهدًا في سبيل الله، أو ربما قتل شهيدًا في سبيل الله، فما من خير يحصل عليه إلا كتب لك منه مثله؛ لأنك أنت الذي دللته إلى الخير.
وهذا والله ما ينبغي أن نتنافس فيه، وأن تسعى في تحصيله، وأن يكون أحد الأهداف في حياه الإنسان، ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، لقد كان من أهم المهمات في حياته عليه الصلاة والسلام إنقاذ الناس من الظلام، هداية الناس { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا[6]} [سورة الكهف].
عائشة رضي الله تعالى عنها وقع في نفسها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مر به شدة كما مر به يوم أحد، فأخذت تسأل هل مر بك شيء أشد مما في يوم أحد، فذكر أن لا إلا ما حصل في الطائف، وليست القضية أنهم رموه بالحجارة، إنما أكثر ما أثر فيه عليه الصلاة والسلام هو عدم قبول دعوته، أثر فيه أنه لا يجد أرضا خصبة لـ لا إله إلا الله.
يقول بعض الصحابة:'رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لعشر سنين وهو في مكة يعرض نفسه على القبائل في المواسم'.
يمشي فيعرض عليهم دين الله لا يمل ولا يكل في كل مكان حتى في الأسواق.
وهو لنا أسوة، وهذا الدين أمانة في أعناق من بعده، وهكذا تسلسلت هذه المسئولية حتى وصلت إلينا، فإما أن نقوم بها كما ينبغي، وإلا فنحن نخشى على أنفسنا أن نخسر قبل غيرنا. وصلى الله على محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
المصدر : مفكرة الإسلام