تكوين مفهوم الذات وتطوره:
يبدأ مفهوم الذات في التكوين منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها الطفل باستكشاف أجزاء جسمه، وإن تكون هذا المفهوم عملية مستمرة ما دام الفرد مستمراً في اكتشاف الأمور الجديدة في عملية النمو، وهي تؤدي إلى تغيير في مفهوم الذات لدى الفرد. فالذات تنمو عبر الزمن، ويتعلق نموها بالأدوار المتنوعة التي يلعبها الفرد طوال حياته. هذه الأدوار التي تهيئ له الفرصة لأن يكتشف (من هو)، وأن يتصرف بالشكل الذي يريد أن يكون عليه. فالشخص من خلال نشاطاته يختبر قدرته ويقيمها، فيكتشف من أنه قادر على أداء بعض الأعمال بطريقة جيدة، وأنه يكتسب رضا وتقدير الآخرين. وهذا النجاح المتكرر يدفع بالفرد لأن ينمي صورة صادقة عن نفسه. وبذلك تبدأ في الظهور صور عديدة محددة للمظاهر الشخصية، والتي تجتمع في نهاية الأمر لتتكون منها صورة كاملة عن الذات، وكلما تقدم الشخص في العمر، يرسخ اكتمال الصورة التي حصل عليها عن نفسه، فيحاول جاهداً المحافظة عليها وتعزيزها من خلال الأنشطة، خصوصاً تلك التي تتعلق بالمستقبل كالدراسة والمهنة والزواج ويرى (البورت)، أن الطفل خلال السنوات الثلاث الأولى من عمره، يُخرج إحساسه بذاته حيز الوجود في صورة ثلاثة اتجاهات، وهي: الإحساس بالاستمرار (كيان الذات)، والإحساس بالزهو، ثم تقدير الذات، ثم يتحول الطفل إلى طفل متمركز الذات في سن 4 ـ 6 سنوات. فهو يرى أن العالم موجود له، وحوله فقط لإشباع حاجاته هو. ومن هذه المرحلة يظهر بعدان آخران للذات، وهما: امتداد الذات Extention of Self ، وصورة الذات self Image. فهو في هذه المرحلة يبدأ بالتعرف على بداية أو عناصر صورة الذات وخصوصاً عندما نطلق عليه (ولد هادئ ـ شقي). وبدخول الطفل إلى المدرسة من 6 ـ 12 سنة فإن الإحساس بكيان الذات وصورة الذات وامتداد الذات، تتأكد بصورة أكثر وضوحاً وفاعلية.وفي فترة المراهقة تعتمد صورة الذات عند المراهق على أقرانه. فطريقة ملبسه وحديثه تماثل نفس معايير أقرانه. وهو يبحث عن حب فتاة كطريقة لاختبار صورة الذات لديه ومفهوم الذات هنا يتعدل، ويعاد تنظيمه حيث تحدث تغيرات كثيرة داخلية وخارجية تؤدي إلى أن يصبح مفهوم الذات أكثر تأثيراً، وغير مستقر، ويعاد تكامله ويزداد تكامل الذات مع النمو. وهذه المرحلة تدعى بمرحلة الإدراك الانتقالي أو العابر للذات، فمفهوم الذات هنا يتذبذب كثيراً وتتصادم الدوافع الداخلية للذات بالدوافع الخارجية عنها
إن تأييد الافتراضات التي تشرح على التوالي تطور وظائف مفهوم الذات تعتبر نظريات خاصة بالإدراك الحسي والعلاقات الشخصية، من ثم فهذه النظريات التي تتصل بالعلاقات الشخصية تشرح تطور مفهوم الذات. فالمفهوم الذاتي يختار أو يحدد الإدراك الذي ينشأ عنه التعلم والسلوك حيث إن مفهوم الذات يمكن استنتاجه من السلوك وحيث أن السلوك هو كل ما نلاحظه، فكيف يمكننا أن نفسر ظاهرة أن بعض الطلبة يقومون بمحاولات جديدة تتسم بالثقة بينما البعض الآخر يخشى ذلك.
وكذلك لماذا يمكن للطلبة أن يتقبلوا الرسوب دون خوف، بينما البعض الآخر يخشونه؟ وسوف نخطئ التصور إذا نظرنا إلى شخص ما نظرة صحيحة وإيجابية على أن لديه مفهوم ذاتي متكامل حتى يأخذ في اعتباره ما قد يتعرض له من فشل أو خبرات سلبية أخرى ذلك لأن خيبة الأمل والفشل لا مناص منهما على أية حال فالشخص الذي بمقدرته أن يتصرف إزاء منغصات الحياة بطريقة فعالة فهو ذلك الشخص الذي يتمتع في الأصل بتنظيم إيجابي في حياته. فعندما يوازن الأمور يحس بأن لديه القدرة الكافية على مواجهة تحديات الحياة وذلك لما يتوفر لديه من عزيمة تعينه على مواجهة تحديات الحياة بنجاح مما يجعله جديراً بالتقدير والاحترام. وهذه نواحي لا يمكن تفسيرها كما يحلو لك مثل قولك «لقد فشلت» و «ليس أنني فاشل». عند ملاحظة سلوك الطلبة فالمرء لا يجد صعوبة في التأثر بالقوة الداخلية الموجهة للسلوك التي حددناها سلفاً لمفهوم الذات. وهذا لا يعني أن هذه العملية تختلف بين طالب وآخر ونحن في الحقيقة لا نعتقد هذا ولكننا إلى حد ما أن هذه العملية هي نفسها تماماً بالنسبة لجميع الطلبة. وهي تعتبر أيضاً وكذلك السمة التي تميز بين مفهوم ذاتي صالح ومفهوم ذاتي واهم ضاحل.
اهمية الانفاق
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينـزلان فيقول أحدهما : " اللهم أعط منفقاً خلفا "، ويقول الآخر " اللهم أعط ممسكاً تلفا".
وقال العلماء : هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك بحيث لا يذم ولا يسمى سرفا والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا .
الاسلام دين جماعة
للجماعة في الإسلام دور كبير، فالمسلم مطالب بالكتاب والسنة بأن يجتمع في صلاته المكتوبة مع إخوانه المسلمين في اليوم خمس مرات، والمسلمون يصلون صلاة جامعة أسبوعية كل جمعة، ولهم في العام صلاتان جامعتان في عيدي الفطر والأضحى، ويجتمع المستطيع منهم على عرفة سنوياً، وللمسجد في حياة المسلم دور كبير، والمعلقة قلوبهم بالمساجد مشمولون بظل الله حيث لا ظل إلا ظله يوم العرض عليه سبحانه وتعالى، والإسلام دين الجماعة بامتياز، يأمر بها ويحث على التزامها، ويحذر من الفرقة والاختلاف، والمسلمون موحدون إلى قبلة واحدة، يصومون في العام شهراً معا، غنيهم وفقيرهم، ومظاهر الجماعة في الإسلام كثيرة، وكان أكثر ما حضّ عليه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة، فأكد على ضرورة حضورها، ورغب في عظيم فضلها.
وجوب صلاة الجماعة
ونحن لسنا بصدد الحديث عن آراء الفقهاء في فرضية صلاة الجماعة، ولكنا نؤكد أن الأدلة على وجوب صلاة الجماعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة كثيرة جداً، وأن المسجد هو أهم موقع تقام فيه صلاة الجماعة، وهو المكان المخصص للقاء المؤمنين، والمسجد مع القرآن سيشكوان إلى الله تعالى يوم القيامة هجرانهما واعتزال الناس عنهما، وما ذلك إلا لضعف الإيمان بالله وقلة النظر لليوم الآخر، حيث عمارة المسجد دليل على صدق وكمال إيمان العبد وعدمه، قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة: 18) وقال: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة: 43)، قال ابن كثير في تفسيره: “واستدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب صلاة الجماعة”، وهو نص في وجوب صلاة الجماعة ومشاركة المصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها لاكتفى بقوله في أول الآية: (وأقيموا الصلاة)، وقوله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً) (النساء: 102)، ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله أوجب أداء الصلاة في الجماعة في حالة الحرب، فهي في حالة السلم أولى، ولو كان أحد يسامَح في ترك صلاة الجماعة، لكان المصافون للعدو، المهددون بهجومه عليهم أولى بأن يسامح لهم في تركها.
مِنْ سُنَنِ الْهُدَى
وصلاة الجماعة من سنن الهدى، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفّ) رواه مسلم وروي أيضا عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
مضاعَفة الأجر
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم وحرض المؤمنين على الجماعة وروى مسلم في صحيحه في باب فَضْلِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ وَبَيَانِ التَّشْدِيدِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا عَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً”، وقال صلى الله عليه وسلم: “أتاني الليلة آتٍ من ربي، قال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في الكفّارات والدرجات، ونقل الأقدام للجماعات، وإسباغ الوضوء في السَّبَرات، وانتظار الصلاة، ومَن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه” (رواه أحمد والترمذي وصحَّحه الألباني)، وفيما رواه البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم: “صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صلاته فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصلاة لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الملائكة تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مصلاه اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صلاة مَا انْتَظَرَ الصلاة”.
ولم يستثن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمى من صلاة الجماعة، وبعدما رخص له في عدم إتيان الجماعة بسبب افتقاده لقائد يقوده إلى المسجد، عاد وألزمه بها ما دام يسمع الأذان، ونجد في باب (يَجِبُ إِتْيَانُ الْمَسْجِدِ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: “أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ”.
وكما رغبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة رهبنا من تركها، وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات فقال: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بالصلاة فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رجلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ”، كما جاء في رواية البخاري، وفي رواية مسلم: “إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ”.
صور مشرقة
ويجمع صحابة رسول الله رضوان الله عليهم على وجوب صلاة الجماعة كما ذكر ذلك ابن القيم عن غير واحد من الصحابة كعلي وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وابن عباس وأبي موسى الأشعري، وذكر أنه لم ينقل عن صحابي واحد خلاف ذلك، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: “لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، قيل: ومن جار المسجد؟ قال: من سمع الأذان”، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: “لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصا مذاباً خيرٌ له من أن يسمع النداء ولا يجيب”، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “من سمع المنادي فلم يجب لم يُرِد خيراً لم يُرَد به خير”.
وقد حافظ المسلمون على هذه الشعيرة المباركة على مدى الأجيال، وسطر سلفنا الصالح صوراً مشرقة في المحافظة على صلاة الجماعة، وقد بلغ من محافظة السلف على حضور الجماعات أنهم كانوا يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، ويعزون سبعا إذا فاتتهم الجماعة، وهذا سعيد بن المسيّب يقول: ما أذن مؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد، وقال حاتم الأصم: فاتتني الصلاة في الجماعة فعزاني أبو إسحق الباري وحده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الناس.
وكان الربيع بن خيثم يقاد إلى الصلاة وبه الفالج فقيل له: قد رُخِّصَ لك، قال: “إني أسمع “حي على الصلاة” فإن استطعتم أن تأتوها فأتوها ولو حبواً”، وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه (أي يحتضر) فقال: خذوا بيدي فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات.
وكان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى، وسئل عبد الرحمن بن مهدي عن الرجل يبني بأهله أيترك الجماعة أياماً؟ قال: لا، ولا صلاةً واحدةً، وقال عدي بن حاتم: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء، وكان إبراهيم بن ميمون أحد المحدثين يعمل صائغاً يطرق الذهب والفضة فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء وضعها ولم يردها، وروي عن الأعمش أنه كان قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، وقال إبراهيم التيمي: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه.
فهل نترك الجماعة بعد كل ما ذكرناه؟!