الانفاق فى الاسلام
من صور سماحة الإسلام ومن صورة وسطيته ما يكون في باب الإنفاق، الواجب والمشروع والمحرم، فالإنفاق هو: بذل المال فيما يرضي الله سبحانه وتعالى على سبيل الإلزام والتطوع، ووسطية الإسلام في هذا واضحة ظاهرة، يتبين ذلك من خلال أوجه الإنفاق، فالإنفاق على نوعين:
إنفاق واجب: ويراد به إنفاق الإنسان فيما افترضه الله عليه، وألزمه بأدائه، وبناءً عليه فإن هذا الإنفاق يشمل ما يلي:
1- إنفاق الإنسان على نفسه، وعلى من تلزمه نفقته كالزوجة والأولاد، والوالدين والأقارب بشروط ذكرها الفقهاء رحمهم الله، قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق: 7]، وقال سبحانه: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} [الإسراء: 26]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقبة، ودينارٌ تصدقتَ به على مسكين، ودينارٌ أنفقتَه على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلك) رواه الإمام مسلم.
2- ويشمل أيضًا الزكاة، التي فرضها الله تعالى على عباده، ممن توافرت فيهم شروط وجوبها، قال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103].
3- وأيضًا الكفارات، وما يجب على المسلم بسبب الحنث في اليمين، والظهار، والقتل الخطأ، قال سبحانه: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89].
4- وكذلك أيضًا في القتل العمد إذا طلب ولي القتيل، إذا طلبوا الدية، فالإسلام حث على العفو وعلى الصفح، أن يعفو ولي القتيل عن دية قتيلهم، يبتغون ما عند الله تبارك وتعالى، وهذا هو العفو الكامل، والعفو الناقص أن يعفو عن قتله، إذا كان قتلاً عمدًا، هذا عفوًا ناقص إن أخذوا الدية، فإن عفوا عنه وعن الدية؛ فهذا هو العفو الكامل الذي رغب فيه الإسلام.
5- ويشمل الإنفاق الواجب أيضًا النذر، وهو ما أوجبه المكلَّف على نفسه من الطاعات، وقد امتدح الله تعالى الموفون بالنذر، قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان: 7]، فالوفاء بالنذر واجبٌ على حسب تفصيل ذكره أهل العلم مما دلت عليه الأدلة ولكن مع هذا يقال أنه يُكره ابتداءً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (النذر لا يأتي بخير؛ إنما يستخرج من البخيل) فيقال لهذا الشخص الذي يريد أن ينذر، إن شفي مريضي فعليَّ كذا، أو إن قدم الغائب فعليَّ كذا وكذا، فنقول له: لماذا تُلزِم نفسك بشيء ما ألزمك الله به، إن أردت الخير، إن أردت التبرع فانطلق من نفسك، ولا تلزمها بشيء ما ألزمك الله به، ولا تتوقع ولا يكن في ذهنك أنك عندما تضع هذا النذر أنه سيقرب شيئًا، أو سيحقق مقصودًا، هذا لن يقع، كل هذه الأمور بقضاء الله وقدره، وسلاحك في هذا الأمر هو الدعاء وصدق اللجأ إلى الله تبارك وتعالى، مع بذل الصدقات التطوعية ونحو ذلك، لكن أنْ تلزم نفسك بالنذر هذا ما جاء في دليل ولا جاء فيه ترغيبٌ، إنما الترغيب إذا ألزمتَ نفسك فعليك الوفاء، واحتسب الأجر عند الله -عزَّ وجل- كما قال سبحانه وتعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان: 7].
6- ومن النفقات الواجبة أيضًا: زكاة الفطر لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نخرج زكاة الفطر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب"، هذا هو النوع الأول وهو الإنفاق الواجب.
النوع الثاني: الإنفاق التطوعي: وهو نفقات يؤديها المرء تبرعًا من تلقاء نفسه، لم يوجبها عليه الشرع، وهذا بخلاف النظريات الأخرى التي تلزم الإنسان جزءًا من ماله في أبواب الخير، أو أنها تهبِّط هذه الأعمال وتذمها وتحثه على أن يستأثر بالمال دون غيره، ونظرة الإسلام نظرةُ وسط، يحثُّ على الإنفاق، ويحثُّ على التطوع، ولكن دون أن يضيِّع نفسه أو يضيِّع أهله كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع مَن يعول)، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
وأبواب الإنفاق التطوعي كثيرة ومتنوعة منها: الصدقات العامة، والهبات، والهدايا، والإنفاق على الأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم، كفالة الأيتام، والأرامل، وسد عوز المحتاجين، سداد الديون عمن أثقلتهم ونحو ذلك، وضوابط الإنفاق القواعد العامة التي جاءت في قول الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء: 29]، وقوله تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} [الإسراء: 26]، فالإنفاق وسط لا أن يجعل الإنسان يده مغلولة إلى عنقه، وهذا بيان لبخله وشدة تمسِّكه بالمال، وبل وشُحِّه على نفسه، فضلًا عن غيره، ولا أن يبذر ويضيَّع أمواله، ثم لا يبقى له ولأسرته شيءٌ من ذلك، ولذلك ذكر أهل العلم جملة من الضوابط في الإنفاق، فمنها:
أن يكون الإنفاق في الحلال وأن يبتعد عن الحرام، فإذا علم الإنسان أنَّ المال مال الله وأن الله استخلفه فيه قال -جل وعلا-: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]، فأضيف المال هنا إلى الله -عز وجل-، وقال سبحانه: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7]، فالمال مال الله، وأنت أخي مستخلفٌ في هذا المال، فإنَّ من الواجب عليه أن يرعى في إنفاقه الأوجه المشروعة، والطيبة من المباحات، قال سبحانه: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157]، وقال -جلَّ وعلا-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32] ، ويدرك أنه محاسبٌ على هذا المال، من جهة الاكتساب والإنفاق كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن تزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) رواه الترمذي.
أحمد محمد بدوي
دبلوم العام الواحد
تجارة