الانسان اجتماعي بطبعه، يحب الجماعة التي توافقه وترعاه، وتسأل عن شؤونه وتسدي إليه النصح والمعروف، ولا بدّ للإنسان في حياته من جماعة يعيش معها، فإذا ما افتقد الجماعة التي تأمره بالخير وتعينه على التقوى، تلفقته الجماعة التي تأمره بالمنكر، وتزين له الشرور والآثام، فينساق معها الى الذنوب والعصيان، ويهوي بسببها الى النار. وقد أخبرنا الله تعالى أن المجرمين يساقون الى النار كل مع جماعته ، وأن المؤمنين يحشرون الى الجنة كل مع زمرته، قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً.... وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً.... الزمر 71 »»73. وأمر سبحانه بالتزام الجماعة المؤمنة الصادقة فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة.
والإسلام باعتباره دين الفطرة فهو دين الجماعة، يأمر بها ويحث على التزامها، ويكره الفرقة والاختلاف، وينعي على الذين يشذون عن الجماعة ويفارقونها بأنهم يشذون الى أهوائهم الذي يسوقهم الى الانحراف والى الضلال المبين.
وقد جاء الإسلام، والعرب متفرقون لا تجتمع لهم كلمة فوحدهم على كلمة ووحدهم بعد فرقة، وجمع شملهم بعد عداوة، وجعلهم إخوة كالجسد الواحد بعد طول تشاحن واقتتال. ومنّ عليهم بذلك فقال سبحانه: وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً آل عمران 103.
ومن مظاهر الجماعة الخيّرة في الإسلام حضّه على إقامة العبادات مع الجماعة، فقد حضّ على صلاة الجماعة، وأكد على ضرورة حضورها، ورغب في عظيم فضلها فعن ابن عمر أن رسول الله قال: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة متفق عليه.
ووعد الذين يلتزمونها ويحافظون عليها بشهادة في الدنيا تنفي عنهم مرض النفاق، وبشهادة في الآخرة تحميهم من دخول النار، فعن أنس أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: من صلى أربعين يوما في جماعة لا تفوته فيها تكبيرة الإحرام كتب الله له براءتين: براءة من النفاق وبراءة من النار رواه الترمذي.
وجعل الفرقة في الصلاة علامة على التهاون بشأنها، وهي بدورها علامة على وجود عمل للشيطان وإستيلاء له على القلوب والأعمال، فعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية رواه أبو داود.
فللجماعة في الإسلام دور كبير، فالمسلم مطالب بالكتاب والسنة بأن يجتمع في صلاته المكتوبة مع إخوانه المسلمين في اليوم خمس مرات، والمسلمون يصلون صلاة جامعة أسبوعية كل جمعة، ولهم في العام صلاتان جامعتان في عيدي الفطر والأضحى، ويجتمع المستطيع منهم على عرفة سنوياً، وللمسجد في حياة المسلم دور كبير، والمعلقة قلوبهم بالمساجد مشمولون بظل الله حيث لا ظل إلا ظله يوم العرض عليه سبحانه وتعالى، والإسلام دين الجماعة بامتياز، يأمر بها ويحث على التزامها، ويحذر من الفرقة والاختلاف، والمسلمون موحدون إلى قبلة واحدة، يصومون في العام شهراً معا، غنيهم وفقيرهم، ومظاهر الجماعة في الإسلام كثيرة، وكان أكثر ما حضّ عليه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة، فأكد على ضرورة حضورها، ورغب في عظيم فضلها.
والدليل على أن إجماع الأمة حجة السنّة، فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن إجماع الأمة دليل شرعي، فمن ذلك ما روى أجلاء الصحابة كعمر بن الخطاب، وعبدالله بن مسعود وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان وغيرهم بروايات مختلفة الألفاظ متفقة المعنى في الدلالة على عصمة هذه الأمة عن الخطأ والضلالة، كقوله عليه السلام: (أمي لا تجتمع على الخطأ)، (أمتي لا تجتمع على الضلالة)، (لم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة)، (لم يكن الله ليجمع أمتي على الخطأ)، (سألت الله أن لا يجمع أمتي على الضلالة فأعطانيه)، وكقوله عليه السلام: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)، (يد الله على الجماعة ولا يبالى بشذوذ من شذ)، (من سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن دعوتهم لتحيط من ورائهم، وإن الشيطان مع الفذ وهو مع الإثنين أبعد)، (من خرج عن الجماعة وفارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، (من فارق الجماعة ومات فميتته جاهلية، عليكم بالسواد الأعظم)، (تفترق أمتي نيفاً وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ فرقة واحدة. قيل: يا رسول الله ومن تلك الفرقة؟ قال: هي الجماعة)، وكقوله عليه السلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يظهر أمر الله)، (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم خلاف من خالفهم)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى كثرة