الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم، رسول الله سيِّد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر.
اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير، إنك على كل شيءٍ قدير.
الاسلام دينٌ اجتماعي، فالإسلام يسعى إلى إصلاح الفرد، وفي الوقت نفسه يسعى إلى إصلاح المجتمع، لأنه لا صلاح للفرد إلا بصلاح المجتمع، ولا صلاح للمجتمع إلا بصلاح الفرد، هناك علاقةٌ ترابطيةٌ بين صلاح الفرد وبين صلاح المجتمع.
لذلك وجه الإسلام عنايةً فائقة إلى صلاح المجتمع لأن الإنسان لا يظهر معدنه الثمين ولا معدنه الخسيس إلا في جماعة، فمن خلال الجماعة يظهر كرمه، تظهر عفَّته، يظهر إنصافه، تظهر عدالته، يظهر بُخله، تظهر فرديَّته، تظهر أنانيته، تظهر غيريَّته، تظهر أثرته، إن خصائص الإنسان الخُلقية لا تبدو إلا في الجماعة.
لذلك كما أن الإسلام اتجه إلى إصلاح الفرد اتجه بالقدر نفسه وبالعناية نفسها إلى إصلاح المجتمع، ولا أدل على ذلك من أن العبادات التي هي محض اتصالٍ بين العبد وربه جعلها جماعية ؛ فالصلاة في المسجد تعدل سبعاً وعشرين ضِعفاً عن صلاة المسلم في بيته، عناية الإسلام بالجماعة من دلائلها أن الله سبحانه وتعالى فرض علينا صلاة الجمعة، وهي صلاةٌ اجتماعية لابد من أن تأتي إلى المسجد، ولابد من أن تستمع إلى الخطبة، ولابد من أن تلتقي بأخيك، ولابد من أن يكون المسلمون سواسيةً في بيت الله، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، ولا بين قويِّهم وضعيفهم، ولا بين من هو لامعٌ ولا من هو خافت، إنهم جميعاً على بساطٍ واحد وفي مرتبةٍ واحدة.
صلاة الجماعة في المسجد تؤكِّد حرص الإسلام على أن تلتقي بأخيك، لعلك تأخذ منه بعض الفضائل، ولعلك أن تعطيه بعض الفضائل، إما أن تأخذ منه وإما أن تعطيه، لعلك تجتمع بأخيك فتعينه على أمر دنياه، لعلك تجتمع بأخيك فتعينه على أمر آخرته، كأن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نكون مجتمعين، يريدنا أن نكون كالبُنيان الواحد، يريدنا أن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى، يريدنا أن نكون كالبنيان المَرصوص يشد بعضه بعضاً.
وحتى لو صلَّيت وحدك في البيت تخاطب ربك بما علَّمك من قراءة الفاتحة فتقول:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾
تخاطبه بضمير الجَمْع..
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾
أشياء طريفة في العبادات..
النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يصلي في المسجد خلف الصفوف منفرداً، فأمره أن يعيد الصلاة لماذا ؟ أن تقف وحدك في صف، أن تقف وحدك وراء الصفوف، هذا المظهر الإفرادي يوحي أنك منفصلٌ عن الجماعة، لذلك عليه الصلاة والسلام أمره أن يعيد صلاته، من صلى في المسجد خلف الصفوف منفرداً، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمره أن يعيد صلاته.
لذلك الحُكْمُ الفقهي: أن هذا الذي يأتي ليصلي وقد استكمل الصفوف عددها الكامل، يربت على كتف أحد المصلين، فيرجع معه ليصلي معه في صفٍ جديد، هذا ليشعرنا أن الله عز وجل يحبنا أن نكون مجتمعين.
إصلاح ذات البين تفضل نوافل العبادات، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾
الإسلام دينٌ اجتماعي، عدل ساعةٍ خيرٌ من عبادة ستين عاماً، عدل ساعة، أن تعدل بين اثنين، أن تكون منصفاً، أحكام الإسلام في عباداته، وفي معاملاته، وفي أخلاقه كلها تدور على أساسٍ اجتماعي، أما الفردية، والانزواء، والانسلاخ، والتقوْقُع، والهروب هذه كلها حالاتٌ مرضية ليست من الإسلام في شيء.
من مظاهر عِناية الإسلام بالحياة الاجتماعية أنه اعتنى بالأسرة، فجعل الزواج من سُنَّته، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( أشدكم لله خشيةً أنا ؛ أنام وأقوم أصوم وأفطر أتزوج النساء هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي ))
شعبــــــــة / 3 تجــــارة