الذاكرة والتعلم[/b]
إن مفهوم الذاكرة يشير الى الدوام النسبي لآثار الخبرة ومثل هذا الدوام دليل علـى حـدوث الـتعلم ( Learning ) لا بل شرط لا بد منه لاستمرار عملية التعلم واتقانها ، ولهذا فإن الذاكرة والتعلم يتطلب كـل منها وجود الاخر ، فبدون تراكم الخبرة المتعلمة ومعالجتها والاحتفاظ بها لا يمكن أن يكون هنـاك تعلـم ، وبدون التعلم يتوقف تدفق المعلومات عبر قنوات الاتصال المختلفة وتتحول الذاكرة عندئذ الى ذاكرة اجترارية مرضية ( Miller , 2000 )، فإذا كان التعلم يشير الى حدوث تغيرات أو تعديلات تطرأ على الـسلوك مـن جراء تأثير الخبرة السابقة المتعلمة والمكتسبة
فإن الذاكرة هي عملية تثبيـت هـذه التغيـرات والتعـديلات وحفظها وابقائها جاهزة للاستخدام عند اللزوم ( Kruger & Dunning , 1999 ) ، وهكذا تجمع العديد من الدراسات والبحوث المعاصرة للذاكرة والتعلم ( Andersen ,etall , 2004؛ Singhal , 2001 ؛ Dennis 2002 , ) على أن العوامل التي تؤثر في التذكر والاحتفاظ والاسترجاع هي نفسها التي تؤثر في التحـصيل والاكتساب ، كما أن الشروط التي تسهل التعلم هي نفسها التي تيـسر الاحتفـاظ ، وأن مـستويات التـذكر والاسترجاع هي نفسها مستويات التعلم من وجهة النظر المعرفيـة ، ويـرى البـاحثون أن نظـام معالجـة المعلومات لدى الانسان يمكن أن يستخدم استراتيجيتين مختلفتين للافادة في مجال الـتعلم والـذاكرة وهمـا :
استراتيجية المعالجة المتسلسلة ( Serial – Processing ) ، حيث يقوم الفرد بمعالجة مثير تعليمي محـدد ومرغوب فيه في كل لحظة من لحظات المعالجة ، ويتجاهل المثيرات الاخرى غير الهدفيـة ، واسـتراتيجية المعالجة المتوازية ( Parallel – Processing ) ، وتشير الى ترميز المثيرات المتزامنة جميعها في وقـت واحد ، ثم الاحتفاظ بالمثير الهدفي واهمال المثيرات الاخرى ( Woolfolk , 1993 ) .
من هنا ، يتبين أن التعلم والذاكرة هما مصطلحان متداخلان وفي كثير من الاحيان متطابقـان ، وان كل منهما يستخدم ليعبر عن الاخر ويقاس بواستطه ويدلل عليه ، ولهذا أصبحا مترادفين تقريباً ، فحين يضع المعلم اختباراً لقياس تحصيل طلبته في موضوع ما فإن ما يعمله في حقيقة الامر هو قيـاس عمليـة التـذكر والاسترجاع عند هؤلاء الطلبة في نفس الوقت ، وان الدرجة التي يحصل عليها الطالب على هـذا الاختبـار ليست فقط مؤشراً على تحصيله في هذا الموضوع ، وإنما مؤشر أيضاً على قدرته على تذكر المعلومات التي استطاع على الاحتفاظ بها في ذاكرته والمتعلقة بهذا الم يـرى وولفولـك ( Woolfolk , 1993) أن معرفـة الطالـب لمـا يـسمى المعرفـة الفوقيـة ( Metacognitive ) يساعده في تنظيم ذاكرته الفوقيـة ( Metamemory ) وتنـشيطها ( Promoting memory ) ايضاً ، وهذا يسهل عليه عملية التخطيط للدراسة وذلك باستخدام طرق وأساليب معرفية تطبيقية مهمة تساعد على تخزين المعلومات واسترجاعها عند اللزوم ، وهذه الطرق والاساليب عديدة ومتنوعة منها :
1. الحفظ : ويتطلب ذلك عادة من الطالب جهد ووقت كبيرين ونادراً ما يكون سهل الاستخدام في العديد من المواضيع المتعلمة وبخاصة لدى طلبة الجامعة .
2. التنظيم[/size] ( Organization ) : ويقوم عن طريق تقسيم المادة الدراسية الى اجـزاء صـغيرة يعـاد وصفها ووضعها في شكل ذي معنى ، وصياغتها من جديد في علاقتها مع المعلومات الاخرى .
[size=16] 3. التصور الذهني ( Mental Visualization ) : وهي عملية تخزين المعلومات في الذاكرة علـى هيئة صور وأشكال ( الجانب الايمن من الدماغ ) ، وعلى هيئة كلمات وأفكار ( الجانب الايسر من الدماغ ) ، وبذلك يمكن بهذه الاستراتيجية استثمار الدماغ بشكل كامل أذا استطاع الطالـب تنظـيم المعلومات والافكار باساليب تسهل عملية توظيف نصفي الدماغ بشكل متكامل .
4. : المراجعة المنظمة ( Revision ) : عملية تعلمية يقوم خلالها الطالب بإعادة كل ما درسه للتأكـد من مستوى قدرته على استيعابه وتذكره للمادة الدراسية بشكل مترابط وفعـال ، إذ تعتبـر عمليـة المراجعة من العمليات التي تقاوم النسيان ، وللمراجعة نوعان أو شكلان هما : المراجعـة الفوريـة ( Immediate review ) وتكون بعد انتهاء الطالب من عملية الدراسـة مباشـرة ، والمراجعـة اللاحقة ( Later review ) وتتم على فترات متفاوتة ( يومين ، اسـبوع ، اسـبوعين ، شـهر ، شهرين ) بعد دراسة المادة وفهما .
5. التسميع الذاتي الذهني ( Mental rehearsing ) وهي محاولة الطالب استذكار ما درسـه جهـراً وبشكل متكرر دون النظر الى المادة الدراسية ( غيباً ) مما يؤدي ذلك الى ترسيخ الافكـار المهمـة وتحويلها من الذاكرة قريبة المدى الى الذاكرة بعيدة المدى .
6. مساعدات ( معينات) التذكر ( Mnemonic ) : وتقوم هذه الطريقة على اساس ربط المادة التعليمية أو الجزء الجديدة منها مع المعلومات المعروفة جداً ، باستخدام آليات التلخيص ( Summarizing ) ، والتدوين ( Taking notes ) ، وقد اصبح استخدام مساعدات التذكر معروفاً وشائعاً لدى الطلبـة وطلاب الجامعة بشكل خاص ، وتعتبر هذه الآلية من فنون الدراسة القائمة على الفهم والاسـتيعاب ذات فائدة عظيمة لمساعدة الطالب على استرجاع المعلومات وقت الامتحان ، وقد بدأ السيكولوجيون والتربويون يعطون اهمية لهذه الاستراتيجية من حيث أنها تعتبر نقلة مهمة في تحسين عملية التعلم ، وقد اقترحت أساليب وتقنيات عديدة يمكن استخدامها كمـساعدات للتـذكر ( Woolfolk , 1993؛ : أهمها ( Oren , 2000 ؛ Berliner , 1998
نظريات تفسير دوام الذاكرة 1
.- 1-نظرية مستويات التجهيز أو المعالجة في الذاكرة ( Levels – of – Processing
) : ورائدا هذه النظرية هما كريك و لوكهارت ( Craik & Lockhart , 1972 ) حيث ذهبت هذه النظرية الى ان البيانات المقدمة كدليل على وجود منظومات معدة للتخزين يمكن تفسيرها بنفس الدرجـة من الجودة في ضوء مستويات المعالجة أو التجهيز ، وتعتمد على مفهوم واسع الانتشار والتقبل وهو ان الادراك يتضمن التحليل السريع للمثيرات عند عدد من المـستويات أو المراحـل مـن المعالجة : حيث يتم في المرحلة الاولى تحليل المثيرات الى سمات حسية كـالخطوط والزوايـا والترددات والسعات ، ثم يلي ذلك العمل على المزاوجة بين هذه المثيرات في مقابل التمثيلات أو الصور المخزنة مسبقاً وهو ما يعـرف بـالتعرف علـى الـنمط ( Pattern recognition ) لإستخراج المعاني من بين هذه العلاقات المتزاوجة ، وفيما بعد في المرحلة الاخيرة يتم التعمـق في تجهيز العلاقات من خلال اطلاق العنان للترابطات او التداعيات أو الصور المعتمـدة علـى الخبرة السابقة للفرد ، وذهب كريك ولوكهارت في تفسيرهما لبقاء المثيرات في الذاكرة بناء على نتائج هذه التحليلات الادراكية العميقة ومدى بقائها في الـذاكرة ، فالمـستويات الأعمـق مـن العلاقات تنتج آثاراً أكثر دواماً من تلك المستويات الاقل عمقاً ، وبذلك ، فإن المحـدد الأساسـي لطول فترة الاحتفاظ بالمعلومات تبعاً لهذه النظرية هو العمق الذي تم تجهيـز ومعالجـة هـذه المعلومات عنده ، وكلما إزداد عمق التجهيز والمعالجة المطلوب للمعلومة كلما طالت فترة تذكر هذه المعلومة
2-والـسيمانتية الذاتية الذاكرة نظرية .
2 يرى كويليان ( Quillian , 1975 ) صاحب هذه النظريـة ان الـذاكرة الذاتيـة تـشير الـى المعلومات التي يتم تذكرها منسوبة الى الذات الشخصية للفرد ، فهي ذاكرة المعلومات المرتبطة بالسيرة الذاتية أو الشخصية ويتم ترميزها مكانياً وزمانياً ، أما الذاكرة الـسيمانتية فهـي علـى العكس من ذلك تمثل مخزن المعلومات المنظمة التي يتم تجهيزها ومعالجتها وتدور حول اللغـة والعالم من حولنا والخبرات العامة التعليمية والتربوية ، وتخزن المعلومات السيمانتية وتنظم على شكل شبكة ( Network ) من المسارات أو العلاقات المرتبطة بأحد أنـواع الـشبكات عديـدة ومتنوعة التنظيم ، وأحد هذه الشبكات المهمة التي حظيت باهتمام الباحثين هي الشبكة الهرمية أو الهيراركية ( Hierachial Network) ،
وفكرة هذه الشبكة ان المعلومات تنظم فـي الـذاكرة تنظيماً هرمياً تبعاً للفترة الزمنية البعيدة أو القريبة ، وقد استخدمت هذه النظرية مؤخراً لبرمجـة الحاسب الالكتروني اعتماداً على الافتراض النظري ان النظائر المفهوماتية للكلمات يتم تمثيلهـا كوحدات مستقلة تربطها شبكة من المعلومات على اساس أن ذلك يـوفر نـوع مـن الاقتـصاد المعرفي ( Cognitive economy ) في معالجة البيانات وتخزينها في الذاكرة
-3نظرية المجموعـة ( Set Theoretic )
: صاحب هذه النظرية هو ماير ( Meyer , 1970 ) حيث تفترض هذه النظرية أن الفئات تمثل في الذاكرة كمجموعات ( Setes) من المعلومـات ، وقد انشئ هذا الاتجاه ليفسر الطريقة التي يحكم بها الافراد على ما إذا كانت الجمـل المتـصلة لفئات مشتركة من الاشياء كالنبات والحيوان أو الاثاث صحيحة أم خاطئة ، باستخدام نوعين من العلاقات أسمها ماير : المثبـت العـام ( Universal Affirmative ) ، والمثبـت الخـاص ( Particular Affirmative ) ، وبناءاً على ذلك فقد ميز ماير نوعين من فئات المجموعـات في العلاقات تقوم على اساس العلاقة بين المسند اليه والمسند وهما :
الفئة الفرعية ( Subset ) ، والفئة الرئيسة ( Suoerset ) ، علماً بأن لكل منهما بعض العناصر التي لا تنتمي لأي منهما وتسمى بعلاقة التداخل ( Overlap ) ، في حين بعض الفئات لم يكن بينها أي عناصر مشتركة وتسمى علاقة الانفصال ( Disjoint ) ، ومن هنا ، فأن تخزين البيانات والقدرة على الاحتفـاظ بها لفترة من الزمن واسترجاعها عند اللزوم يعتمد تبعاً لهذه النظرية على الطريقة التـي يمكـن اتباعها لبناء علاقات في مجموعات من البيانات الفرعية والرئيسية على اساس خصائص معينة للمسند اليه والمسند ( Schoenfeld , 1988 ) . 4
الاسم/مروة عبدالحميد صالح حسن احمد
الدبلوم الخاص
قسم اصول التربية
[/size]