إعداد: جمال عبد الغفار بدوي
في كتابه المعنون: (الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز) يروي عبد الغني التابلسي المُتوفَى 1143هـ قصته مع قصب السكر الذي رآه بمصر، بعدما كان يسمع عنه، يقول:
".. وسرنا إلى بولاق فدخلنا تكية الكلشنية في وسط السوق بقرب بحر النيل، وصعدنا إلى ذلك المجلس السامي الذي تطل جوانبه على تلك الجهات المطلقة، ونحن في غاية الحظ والسرور، وقعدنا في جانب تلك المشرقة.. وجيء لنا بقصب السكر الذي يمصُّونه مصًّا، وهي بلطائف الحلاوة قد اختصَّا..
فأنشدنا الشيخ زين العابدين- حفظه الله تعالى- هذين البيتين لبعضهم:
نزلتم على القصب السكريِّ نزول الرجال يريدون نهبه
يجزُّ كجز رقاب العِدَا ومصٍّ كمصِّ شفاه الأحبة
فقلنا على البديهة من النظام، ما يناسب هذا المقام:
قصب السكر في مصر له لذة تنشِئ سُكْرَ الطرب
لم يزل يمتصُّه آكله راشفًا مما حلا في شنب
سابقًا فاكهة الشام به كيف لا يسبق حاوي القصب!"
ويلاحظ التورية اللطيفة بين قصب السكر ومصطلح قصب السبق.
وقال النابلسي أيضًا عن قصب السكر:
ورأينا في (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) لجلال السيوطي- رحمه الله تعالى- قال: أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: ثلاثة أشياء دواء للداء الذي أعيا الأطباء أن يداووه: العنب ولبن اللقاح وقصب السكر، ولولا قصب السكر ما أقمت بمصر".
وقال القائل وأجاد:
تحكيه سمر القنا ولكن تراه في جسمه طلاوة
وكلما زدته عذابًا زادك من ريقه حلاوة
ولنا في هذا المعنى من النظام بحسب ما يقتضيه المقام:
من ذا الذي من قصب السكرِ وحبه يصحو ولم يسكرِ
قوموا بنا ننهب أيامه في مصر من ذا من هواه بَرِي
كأنه وهو بأيدي الورى مدَّ به البائع للمشتري
مثل أنابيب زجاجٍ صفَّت مملوءة من عسلٍ أشقرِ"