الفصل التاسع: مساكن الجن
ولقد ذكرنا سابقاً أن الجن تسكن مع الناس في بيوتهم ويسمي هذا النوع بالعمار (والمفرد عامر) ويوجدون أيضا في مواضع النجاسات (( كالحمامات والحشوش (المراحيض) والمزابل والقمامات والمقابر،والشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين وتكون أحوالهم شيطانية لا رحمانية يأوون كثيرا إلى هذه الأماكن التي هي مأوي الشياطين وقد جاءت الآثار بالنهي عن الصلاة فيها لأنها مأوي الشياطين ،والفقهاء منهم من علل النهي بكونهما مظنة النجاسات ومنهم من قال :إنه تعب لا يعقل معناه والصحيح أن العلة في الحمام وأعطان الإبل ونحو ذلك مأوي الشياطين وفي المقبرة أن ذلك ذريعة إلى الشرك مع أن المقابر تكون أيضا مأوى للشياطين.
يقول الشيخ مصطفي الطير :وأكثر ما يوجد الجن في موضع النجاسات فعلي الإنسان أن يستعيذ بالله عند دخولها وينبغي أن يفعل ذلك عند دخول الأماكن المهجورة والمظلمة والصحاري والجبال وأماكن المياه لأن الجن تأوي إليها،ولابد للمسلم أن يكون قوي القلب والعقيدة واثق الرجاء في حفظ الله له ووقايته فمن أمل في الله خيرا وجده ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) "النحل:128 "وحبذا لو قرن الرجاء في الله بالذكر وقراءة القرآن ،فإن فيها مجتمع الخير كله لأن فيها تقوية الروح وشد أزرها ومتي قوية الروح عصمه الله بفعله من المكاره .العلاج الرباني ص22
وغالباً ما توجد الجن في مواضع النجسات :كالحشوش ،والمز ابل ،والحمامات ،ولذا نهي عن الصلاة في أعطان الإبل ونحو ذلك ،لأنهما مأوي الشيطان .لقط المرجان. جلال الدين السيوطي ص37
ويقول الشيخ وحيد عبد السلام بالي
( الجن يفضلون الأماكن الخالية من الإنس كالصحاري ومنهم من يسكن المزابل والقمامات ،ومنهم من يسكن مع الإنس ،ولذا كان يخرج رسول الله(r) إلى الصحراء فيدعوهم إلى الله ويقرأ عليهم القرآن ويعلمهم أمور دينهم وقد تكرر هذا كثيراً كما ثبت في البخاري ومسلم من حديث ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما ، ويسكنون المزابل والقمامات لأنهم يأكلون فضلات طعام الإنس ،كما ثبت عند مسلم من حديث ابن مسعود )).الوقاية ص18
روي أبو بكر بن عبيد في مكايد الشيطان:"ما من أهل بيت من المسلمين إلا في سقف بيتهم من الجن من المسلمين إذا وضع غداؤهم نزلوا فتغدوا معهم، وإن وضع عشاؤهم نزلوا فتعشوا معهم يدفع الله بهم عنهم ".الوقاية ص18
عن زيد بن أرقم أن رسول الله -" r " -قال:"إن هذه الحشوش محتضرة ،فإذا أتي أحدكم الخلاء ، فليقل اللهم إني أعوذ بك من الخبث و الخبائث "أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود.
قوله ((محتضرة ))أي يحضرها الجن، فإذا قال المختلي الدعاء احتجب عن أبصارهم فلا يرون عورته.لقط المرجان ص37
ويقول الشيخ مجدي محمد الشهاوي :"لذلك كان الرسول (r)إن دخل الخلاء (الحمام) قال ((بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "والخبث ذكور الجن والخبائث إناثهم لذلك يجب على المسلم أن يتعوذ من ساكني الحمامات (الجن)قبل أن يدخل وليس بعد دخوله أما إذا نسي ولم يتعوذ ودخل فيتعوذ بقلبه ولا يحرك لسانه تنزيهاً لاسم الله أن يذكر في هذه الأماكن"العلاج الرباني ص11
قلت:وقياساً على هذا القول وهو (( إذا نسي ولم يتعوذ ودخل فيتعوذ بقلبه ولا يحرك لسانه )) فإذا عطس الإنسان في الحمام فعليه أن يحمد الله بقلبه ولا يحرك لسانه 0 وكذلك إذا أراد أن يغتسل سواء للجنابة أو لغيرها وهو داخل الحمام فعليه أن يسمي بقلبه ولا يحرك لسانه وكذلك في كل الأمور التي تلزم عليه الذكر وصادف ذلك وجوده داخل الحمام فعليه أن يذكر بقلبه ولا يحرك لسانه .
وأخرج بن السني ،عن أنس :أن رسول الله " r " - قال : "إن هذه الحشوش محتضرة ،فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله "
عن على رضي الله عنه :أن رسول الله (r)قال:ستر ما بين أعين وعورات بني آدم إن دخل أحدهم الخلاء أن يقول بسم الله "رواه الترمذي.
قلت:لصحيحين من حديث أنس: كان رسول الله " r " إن دخل الخلاء قال :"اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "رواه سعيد بن منصور و في أوله ((بسم الله)).
قلت:ومعني قوله (زاد سعيد في أوله "بسم الله") أي زادها على الدعاء السابق حيث يكون الدعاء كذلك (( بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )).
ويقول الشيخ وحيد عبد السلام بالي:لقد سألت والمراحيض، هل تسكن في الخلاء؟ قال: لا قلت: ولكن ورد أن الجن تسكن الخلاء والمراحيض، قال:نعم ولكن هذا خاص بكفار الجن لأنهم يفضلون الأماكن النجسة، والمواطن القذرة. قلت: ولعل هذا الكلام صحيح ،فقد لاحظت أن كفار الجن يتضايقون من الروائح الطيبة خاصة رائحة المسك ،بينما الجن المسلمون يحبونها كمسلمي الإنس تماماً.الوقاية ص18
وقال الشيخ وحيد عبد السلام بالي :والجن تسكن الشقوق والجحور ،فقد روي النسائي بسنده عن قتادة عن عبد الله بن سرجس أن النبي (r)قال:"لا يبولن أحدكم في جحر "قالوا لقتادة : ما يكره من البول في الجحر ؟قال:يقال إنها مساكن الجن .الوقاية ص19
أخرج أبو بكر بن داود عن إبراهيم ،قال :لا تبل في فم البالوعة ،لأنه إن عرض منه شيء كان أشد في علاجه .لقط المرجان ص37 قلت : ولعله بهذا القول يريد أن الجن تسكن في فم البالوعة روي عن ابن الرفعة :قال الأصحاب يستحب ألا يدخل الخلاء حاسر الرأس ،حتى إذا لم يجد شيئا فليلق كمه عليها ،تخوفاً من الجن .لقط المرجان ص(39)
عن أبي هريرة :أن النبي-" r " نهي أن يتغوط الرجل في القرع. القرع هو:أن يكون في الأرض ذات الكلأ (العشب)فراغ من الأرض قيل:وما القرع ؟قال أن يأتي أحدكم الأرض وفيها النبات كأنما قمت مكانه ،فتلك مساكن إخوانكم من الجن ، قال الشيخ ولي الدين العراقي في (شرح سنن أبي داود ) : القرع بفتح القاف والراء وبالعين المهملة :هو البياض المتخلل بين الزرع كالقرع في الرأس .لقط المرجان ص(39)
قلت: وهذا الذي دائما نشاهده في الأراضي المزروعة بالنباتات حيث أنك تجد مكاناً فارغا من النباتات وفي هذه الأماكن الفارغة يسكن الجن.
وعن أبي جعفر محمد ابن على :أن حسناً وحسيناً دخلا الفرات وعلي كل واحد منهما إزاره ،ثم قالا:إن للماء سكانا ،وقال أبو نعمي في الشرح :قيل إن الماء بالليل للجن ،لا ينبغي أن يبال فيه ،ولا يغتسل ،خوفاً من آفة تصيب من جهتهم .لقط المرجان ص 38
وذكر مالك في(( الموطأ )) أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق ،فقال له كعب الأحبار :لا تخرج يا أمير المؤمنين ،فإن بها تسعة أعشار السحر،و فسقة الجن ،وبها الداء العضال .لقط المرجان ص38
يقول الشيخ محمد محمود عبد الله ((الجن يسكن هذه الأرض التي نعيش عليها ، ويكثر وجودهم في الأماكن الخربة والمهجورة ،وفي الفلوات وأماكن النجاسات ،كالحمامات والحشوش و المزابل ،وأكوام القمامة والقاذورات ،والمقابر ،لذا فإن السحرة التي تقترن بها الشياطين لابد لهم أن يأووا إلى هذه الأماكن الخربة ،ليتم اللقاء بينهم فيها ،و الاتفاق على الأعمال المشتركة التي تطلب إلى كل منهما ،من أجل ذلك توالت الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهي عن الصلاة في الحمامات لما فيها من النجاسات ،ولأنها مأوي للشياطين ،كما نهت من الصلاة في القبور ،لأنها ذريعة إلى الشرك ،وهي أيضا أماكن تأوي الشياطين إليها ويكثر وجودهم في الأماكن التي يمكنهم أن يفسدوا فيها ، كالأسواق وأماكن اللهو والغفلة .
وجاء في الهدي النبوي الشريف وصية غالية من الرسول الأعظم (r) لأحد الصحابة ؛قوله (r):" لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ،ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشياطين ،وبها نصب رايته" ((انظر التاج الجامع في أحاديث الرسول -" صلى الله عليه وسلم " ))0
والشياطين تبيت في كل البيوت الخربة ،ولا يلزم لذلك أن تكون خربة من السكان ،وإنما أقصد بالخربة الخربة من ذكر الله تعالي وقراءة القرآن ،الغافل أهلها عن التسمية (( بسم الله)) اللاهي أصحابها عن التعوذ بالله من همزات الشياطين ،مصدقاً لقوله عز شأنه {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ *وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }المؤمنون98،97فكل بيت غافل أهله فهو خرب ومأوي للشياطين ،كالبيت الخالي من السكان ، و الاستعاذة حصن من الشيطان ، والتسمية طرد لهم ،وهي بمثابة القاصم للشيطان ،لأن أشد ما يؤلمه ويصرعه هو ذكر الله جل وعلا،وقراءة القرآن فلا تكن من الغافلين اللاهين عن ذكر الله {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً }الكهف24 أسرار القرآن ص23 -24
قلت: والدليل على أن البيت الخرب من الذكر مأوي للشياطين هو قول الرسول –" r " - (إذا دخل الرجل فذكر اسم الله تعالي عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان :لا مبيت لكم ولا عشاء ،وإذا لم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان :أدركتم المبيت ،وإذا لم يذكر .اسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء ) رواه مسلم.
قلت : مضيفاً لقول الشيخ (أشد ما يؤلمه ويصرعه هو ذكر الله جل وعلا وقراءة القرآن ))وأيضاً اليقين بأن الله هو الحافظ وهو الواقي له من الجن وأن يملأ قلبه بالخوف من الله ،بدلا من أن يخاف من الجن ويتجنب دراسة أحوالهم ،وذلك لأني سألت كثيراً من أهل العلم لماذا لا تدرسون عالم الجن ؟ فيقولون نحن لا نريد أن ندخل في مشاكل معهم ،فيصيبوننا بالأذى ،وكأن هؤلاء نسوا أن الله هو الحافظ من كل سوء .
يقول الشيخ أبو عبد الرحمن بكر العسال ((أن الجن يعيش في كل مكان تقريبا فهو يعيش على سطح المياه وفي أعماقها ويعمرون الصحاري الكبيرة )) ويقول الشيخ مجدي محمد الشهاوي ( فالجن تسكن مع الناس في البيوت وغيرها من الأماكن فوق سطح الأرض أما ما يشاع على ألسنة الناس من أن الجن ((تحت الأرض ))فغير صحيح .العلاج الرباني ص12.
قلت: من الخير أن اختصر هذا التفصيل في نقاط محددة، ومنها تكون مساكن الجن هي:
1- فوق سطح الأرض مثلنا تماماً. 2- في البيوت مع الناس . 3- الحمامات . 4- الحشوش(المراحيض). 5-المزابل. 6-القمامات. 7- المقابر. 8- الأماكن المهجورة. 9-الصحاري. 10-الجبال. 11-الشقوق والجحور. 12-فم البالوعة . 13-البياض المتخلل بين الزرع . 14-أماكن المياه خاصة بالليل 15-يكثر الفسقة منهم في أرض العراق.
16-سطح المياه وأعماقها .
(بدليل الحديث الذي يذكر أن عرش إبليس على الماء ). وهذا حتى يتيسر لمن أراد العلم بأماكنهم فإنهم حولنا وفي كل مكان ،أما تري إلى من يسقط من مكان عال فإنه قد يصاب بالصرع ،أو من يسقط في الحمام أو غير تلك الأماكن قد يصاب بالصرع وذلك لأن الجن تسكن معنا على الأرض.