(مصافحة النساء حرام).
والقصة هي إني كنت جالسا مع شابين من إحدى المدارس الثانوية المختلطة فقال أحدهم :أنى أحب فلانة (باسمها)،
وقال الآخر :وأنا أحب فلانة (باسمها)ولكنى لا أستطيع أن أعلمها إني أحبها ،
فقال له الأول:إذا رأيتها (صافحها)ثم ملس بإصبعك الإبهام على يدها فسوف تفهم هي أنك تحبها.
و في هذا الوقت كنت في بداية دراستي لأحكام الدين وكنت منبهراً بتشريعات الدين وعندما سمعت الكلام السابق صدمت وقلت :هل من المعقول أن يكون في الإسلام ثغرة ينفذ منها الفسقة إلى محارم الدين مستخدمين في ذلك تشريعات الدين – وهذا عندما كنت أظن أن المصافحة حلال – ولكنى صممت على مواصلة الدراسة حتى أصل إلى الحق مهما كان .
وهذا الأمر عليه أدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء .
1-الدليل من القرآن :
و هذا الدليل مأخوذ بالقياس وهو قول الله تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30
والقياس ليس عملا عشوائياً وإنما له نظام معين وهو(قياس الفرع على الأصل لعلة مشتركة بينهما). فمثلا :الخمر أصل حيث ورد فيها نصوص صريحة بتحريمها وذلك لعلة وهى تغيب العقل . فإذا أردنا حكم الدين في المخدرات فنقوم بقياس الفرع وهى المخدرات على الأصل وهى الخمر فتجد العلة مشتركة بينهما وهى تغيب العقل بالنسبة لمفعول الشيئين فتحرم المخدرات كما حرمت الخمر لاشتراكهما في العلة .
وكذلك الحال في الآية السابقة ،فالنظر أصل ورد فيه نص صريح والعلة التي فيه إثارة الشهوة .
فإذا أردنا حكم الدين في المصافحة فتقوم بقياس الفرع وهى المصافحة على الأصل وهو النظر فنجد العلة مشتركة وهى إثارة الشهوة بالنسبة لمفعول العملين فتحرم المصافحة كما حرم النظر لاشتراكهم في العلة.
وأيضا شيء آخر إذا كان النظر وهو من على بعد قد حرمه الله فكيف بالمصافحة التي يكون بمقتضاها تلامس الأيدي بين رجل و امرأة أجنبيين وما بال إن كان شابين ،ولو تحريت في هذا لسمعت كثيرا من أقوال الشباب منهم من يتحاكى بنعومة يد فلانة ومنهم ببياضها ورقة ملمسها وليس من الضروري أن يصلك الكلام فإنه يكون حديث سمر بين الشباب الذي تاه عن ربه وأبتعد عن منهج الله ولذلك فأوصى كل راع أن يحفظ ما استرعاه الله عليه
إن الرجال الناظرين إلى النساء ****مثل السباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها ****أكلت بلا عوض ولا أثمـان
فالله الله يا ولى أمر المرأة في نسائك ومحارمك فإنك مسئول أحفظ بنتك وأختك وزوجتك.
2 ـ الدليل من السنة
عن معقل بن يسار أن النبي (r)قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من يمس امرأة لاتحل له )قال الألباني :سنده جيد.
قال رسول الله (r) : (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى ،مدرك ذلك لا محالة ،فالعينان زناهما النظر ،و الأذنان زناهما الاستماع ،واللسان زناه الكلام ،واليد زناها البطش ،والرجل زناها الخطا ،والقلب يهوى ويتمنى ،ويصدق ذلك الفرج ويكذبه) رواه مسلم .
وقالت السيدة عائشة
ما مست يد رسول الله (r)يد امرأة إلا امرأة يملكها ) يملكها :أي يملك نكاحها .
ولقد جاءت النساء في المبايعة و مددن أيديهن لمصافحة النبي (r)فأبى وقال
إني لا أصافح النساء )رواه الترمذي.
قلت: فهذه ثلاثة أحاديث توضح أن المصافحة حرام ولو كانت غير ذلك لصافح رسول الله النساء عند البيعة ولكن فعله سنة يجب على المسلمين أن يتبعوها فإنه (r)ترك المصافحة فالواجب على المسلمين من باب إتباع النبي أن يتركوا هذا الفعل .
3-أقوال العلماء:
وبالتحريم قال جمهور علماء المذاهب الأربعة وغيرهم . المذهب الحنفي : يقول صاحب الدر مختار
لا يحل مس وجه المرأة وكفيها وإن أمِنَ الشهوة )
المذهب المالكي : يقول الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الدردير (لا تجوز مصافحة المرأة ولو متجالة [عجوز] ).
المذهب الشافعي : يقول أبو زرعة : (يحرم مس الأجنبية )و كذلك قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر العسقلاني .
المذهب الحنبلي : قال محمد بن عبد الله بن مهران (أن أبا عبد الله –يعني الإمام أحمد بن حنبل – سُئل عن الرجل يصافح المرأة ؟ قال :لا ،وشدد فيه جداً .قلت :فيصافحها بثوبه ؟قال :لا )
وقال الشيخ محمد سلطان المعصومي : (إن مصافحة النساء الأجنبيات لا تجوز ولا تحل ،سواء مع شهوة أولا ، وسواء كانت شابة أولا ).
قلت :وهناك من يستحل المصافحة إذا وضعت المرأة على يدها ثوب أو غيره ،فأقول لهؤلاء :هل يجوز لرجل أن يمس خد امرأة فإن قالوا :لا .
فأقول لهؤلاء :فلو وضعنا على خدها ثوب أوغيره هل يجوز للرجل أن يمسه ، فإن قالوا :لا .
فأقول وكذلك يد المرأة فهي جزء من جسدها ،فإذا كان الشرع يقول لمسها حرام فكذلك لو وضعنا على اليد حائل فأيضاً اللمس حرام مثل حكم الخد تماماً إذا وضع عليه حائل .
ومن الناس من يقول أنه يصافح بدون شهوة وبنية صافية فهل هذا حرام ؟
أقول : نعم حرام لأن الإسلام حرم الفعل نفسه وهو المصافحة ولم يقل لك أن الشعور بشهوة بعد المصافحة حرام أو النية غير صافية حرام بل قال لك المصافحة حرام فإن أردت النجاة فلا تصافح كما نهاك النبي (r) بذلك إذن لا تجوز المصافحة مهما كان شعورك لأن المحرم هو المصافحة وليس الشعور الناتج بعدها .
ومن الناس من يقول الأعمال بالنيات وهذا شيء خطير وفهم قبيح لهذا الحديث الصحيح حيث استحلوا الحرام به ومن المؤسف أن كثير من أئمة المساجد قد وقعوا في مثل هذا المأزق ،فعندما تقول لأحد الناس أن المصافحة حرام يقول لك الأعمال بالنيات ؟ فهذا الحديث مقصود به أن العمل الذي تقوم به عندما يكون موافقا للكتاب والسنة فإنك إذا فعلته فسوف يحاسبك الله على قدر نيتك أي هل أنت تفعل هذا العمل لله أم لغير الله وذلك هو ما يطابق نص الحديث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) أي إنما الأعمال تحسب عند الله بالنيات وإنما يأخذ كل إنسان ما نواه فإن نوى بعمله وجه الله نال الثواب وإن نوى غيره نالته الحسرة والخسران ولو أكمل الناس الحديث فسوف يجدوا أن الرسول الله (r)قد أعطانا مثالا يشرح لنا به ما أراده بقوله من الحديث فقال :
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ،ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )وهذا المثال الذي قاله لنا رسولنا الكريم وضح لنا المقصود فقال (فمن كانت هجرته إلى الله)أي قصد الله بهجرته فهجرته إليه يحاسبه الله عليها وقوله (من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها )أي من هاجر قاصدا الدنيا أو النكاح فهجرته إلى ما هاجر إليه ، والهجرة ذاتها حلال شرعا ولكن نيته من الهجرة هي التي وضحت ثوابه من عدمه .
وكذلك الأمر إذا أردنا القول عن المصافحة فإذا نظرنا إليها وجدناها محرمة فهي بذلك قطعت السبيل عن النظر إلى النية في هذه الحالة ويقول الفقهاء (النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد ،والنية الفاسدة تفسد العمل الصالح )فإذا كانت نيتك صالحة ننظر إلى عملك فنجده المصافحة وهو حرام شرعا أي أنه عمل فاسد إذن فإذا طبقنا القاعدة (النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد )فمن هنا ننتهي إلى أن نيتك الصالحة لا تصلح عملك لأنه فاسد في حكم الدين.
وتوجد شبهة أخرى يتعلل الناس بها وهي مسألة أن (المصافحة لا تنقض الوضوء ) وبناءً عليها يقولون بجواز المصافحة.!!!
قلت : وبالله التوفيق .هناك فرق بين حكم المصافحة في الإسلام وأثر المصافحة على الوضوء، بمعنى أني لو سألتك عن حكم الكذب في الإسلام؟ بالطبع ستقول: حرام. ولكن لو سألتك عن أثر الكذب هل ينقض الوضوء ؟ لو فكرت جيداً لكانت الإجابة:لا، فهل معني هذا أن الكذب حلال ؟!!!
ومن هنا أعتقد أنه زالت الشبهة الشيطانية في هذا الموضوع التي طالما تعلل بها من يريد أن يتبع هواه بغير علم ،فإن الشريعة قد نصت على حرمة المصافحة ، أما أثر المصافحة على الوضوء فهذه مسألة قد اختلف فيها الفقهاء وهي مشروحة في كتب الفقه.
يقول الشيخ وحيد عبد السلام بالى: (أعلم أخي المسلم أنه لا يجوز للمسلم أن يصافح امرأة أجنبية منه وهذا الحكم يشمل المرأة المحرمة تحريما مؤقتا أيضا ).
قلت:وتفصيلاً لقول الشيخ عبد السلام بالى: أن تحريم النساء ينقسم إلى نوعين:-
تحريم مؤبد وتحريم مؤقت:
التحريم المؤبد:وهي المرأة التي لا تحل لك ولن يحل لك الزواج منها مثل الأم و الأخت والعمة والخالة الخ.....
التحريم المؤقت:وهي المرأة التي حرمت عليك لسبب ما فإن زال السبب زال التحريم مثل أي امرأة متزوجة وأخت زوجتك وعمتها وخالتها الخ......
فإن قلت: من أصافح ؟ أقول لك تصافح كل من هم تحريمهم أبدى أما من هم تحريمهم مؤقت فحكمهم كالمرأة الأجنبية لا تجوز مصافحتهم أيضا أي أن كل من يجوز لك أن تتزوجها لا يجوز لك مصافحتها.