بقلم: سمية مصطفى مشهور
التربية بالقدوة
المربي هو المثل الأعلى للطفل يُقلِّده من حيث يشعر أو لا يشعر.
- عليه أن يكون على مستوى القدوة، فمن السهل على المربي أن يُلقِّن الولد منهجًا تربويًّا ولكن من الصعب أن يستجيب الولد إذا كان المربي غير مطبقٍ لهذا المنهج على نفسه، وحتى لا يكون من الذين يقولون ولا يعملون.
مثال: إذا حضر أحد وسأل عن الأب وقال لابنه: قل له إنه غير موجود، فكيف يتعلم الولد الصدق؟!!، فهو قدوة بسلوكه لا بكلامه، فالأبناء إن وجدوا الأبوين صادقين سينشئون على الصدق.. فالأبناء في مراقبةٍ لهما صباح مساء.
- ينبغي للوالدين أن يربطا ابنهما بصاحب القدوة- صلى الله عليه وسلم- ويجعلونه قدوةً لهم جميعًا ﴿لَقَد كَانَ لَكَم فِي رَسُولِ الله أُسْوَةً حَسَنَةً لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَاليَوْمَ الأَخِِِر﴾، "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، وتكون سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- جزءًا من المنهج التربوي، سواء كان في المدرسة أم في البيت أو الصحيفة أو المذياع "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال.." منها "حب نبيكم" نجعله قدوةً في كل شيء.
- ينبغي على الأبوين تهيئة المدرسة الصالحة والرفقة الصالحة والمعلم الصالح (البيئة الصالحة) لتعين على حسن التربية أخذًا بالأسباب، وهذه الأمور يمكن للأبوين أن يوفراها قدر الإمكان لأبنائهما.
- بتربية الطفل الأكبر لأنه القدوة لأخوته، فإنهم يُقلدونه في كل شيء؛ فبصلاحه يُؤثِّر في إخوته.
- القدوة تكون في العبادات والأخلاق الفاضلة والكرم والتواضع والحلم والصفح والشجاعة والثبات والرحمة.
التربية بالعادة
﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (الروم: من الآية 30)، "كل مولود يولد على الفطرة" حديث.. أي التوحيد، ويقول ابن مسعود: "عودوهم الخير فإن الخير عادة"، حقًّا بالتلقين والتعويد يتحول الخير إلى عادةٍ سهلةٍ متأصلةٍ في النفس، مع توفير البيئة الصالحة والتربية الصالحة وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال..."، والأدب هنا التعود أي "عودوا".
يُخطئ مَن يقول إن الناس يولدون أخيارًا أو أشرارًا.. فهو باطل:
- شرعًا؛ لقوله تعالى ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾ (البلد).
- عقلاً.. لأن الله أرسل الرسلَ لتهدي الناس إلى الخير
- تجربةً.. انتقال بعض الناس من الشقاءِ إلى السعادة، من الكفر إلى الإيمان، والبذرة إذا وُضعت في تُربةٍ صالحة وتعهدتها بالماء نمت وترعرعت، كذلك الأبناء.
لذلك يجب حسن اختيار المعلمين والمربيين؛ لأن الأولاد سيعتادون ما يفعله المدرس أو المربي
التربية بالعادة في الكبار: (سن البلوغ فما فوق) منهج الإصلاح لهم:
1- الربط بالعقيدة: مراقبة الله تعالى له واستشعار عظمته في كلِّ الظروف والأحوال، فلا يكون عبدًا لشهواته؛ لأنه يُقوِّي في نفسه الإرادة الذاتية فيندفع لطاعة الله وينصلح حاله.
2- تعرية الشر: والنفور من الفساد وانفضاح الباطل؛ لأنها تؤدي بالفرد والمجتمع إلى أسوأ النتائج، وأن يكون عنده اطمئنان في نفسه بهجر الباطل والمنكر فيتركه عن قناعة.
- مثال: الخمر والمخدرات والسجائر و....إلخ.
3- تغيير البيئة: إذا استلزم ذلك فإنها عامل مؤثر كبير على الأولاد كتغيير السكن، المدرسة، مثل الهجرة من مكة إلى المدينة، الرجل الذي قتل مائة نفس، فسأل هل من توبة؟ فكان الجواب انطلق إلى أرض كذا.. فإن بها أُناسًا يعبدون الله ولا ترجع إلى قومك فإنها أرض سوء، حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم مَن يخالل".
التربية بالعادة في الصغار:
بالتلقين والتعويد؛ ويكون التلقين في الجانب النظري، والتعود في الجانب العملي.
سن الطفولة أكثر سن عنده قابلية للتلقين والتعويد؛ لذلك يجب أن نُركِّز على تلقين الطفل الخير وتعويده عليه منذ أن يعقل ويفهم "افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله"، وتعويده أن يؤمن في قرارةِ نفسه أن الخالق هو الله عندما ينظر إلى السماء أو إلى زهرة أو إلى المخلوقات.. وهذا هو الجانب العملي.
كذلك حديث الصلاة "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين..." تعليمه كيفيتها وملاحظتها حتى تصبح عادةً ويعملها برغبته فهي صلة بالله.. هذا هو الجانب العملي.
والطفل كالنبتة الصغيرة اللينة، يسهل إصلاحها، أما إذا جفَّت فيصعب بعد ليها.
أسلوب التعويد:
أ- التدرج في الأمور كالوضوء والصلاة.. إلخ.
ب- التشجيع بالكلمة الطيبة وإظهار الرضا على الولد فإنها تُؤثِّر في نفسه جدًّا.
جـ- منح بعض الهدايا أحيانًا وليس دائمًا حتى لا يعمل العمل كل مرة وينتظر الهدية.
د- الترغيب والترهيب.
التربية بالموعظة
وهي التذكرة بالنصيحة:
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)﴾ (الذاريات) النفس البشرية عندها استعداد للتأثر بما يُلقى إليها من كلام، وهذا الاستعداد مؤقت يلزمه التكرار فما بالنا بالصغار.
النصيحة المخلصة إذا وجدت نفسًا صافيةً فإنها أسرع للاستجابة وأبلغ في التأثير، فكيف بمَن وُلِدَ على الفطرة وقلبه طاهر ونفسه بيضاء، والموعظة وحدها لا تكفي إذا لم يكن هناك قدوة حسنة.
ويقول- صلى الله عليه وسلم-: "لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من حُمر النعم"، ويقول أيضًا: "مَن دلَّ على الخير فله مثل أجر فاعله"، فما بالنا إذا هدى الله أبناءنا للخير.
- عليكِ أختي الحبيبة عند تقديم الموعظة ألا تكون في هيئةِ أوامر جافة ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
- عليكِ بإظهار حبكِ وحرصكِ على المنصوح.
- التركيز على الأهم.. متى الساعة؟ لما سُئل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لسائله: "وماذا أعددت لها؟".
- عليكِ بالتنوع في أسلوب الوعظ بالقصة، مثلاً قصة الأبرص والأقرع والأعمى، وفي لحظة تأثرِ الطفل بالقصة يصبُّ المربى العبرةَ والعظةَ في مشاعر الطفل فيلتزم بالصواب.
- عليك بدمج الموعظة بالملاعبة لإذهابِ الملل ولتشويق نفس الطفل.
- مثلاً: عندما سأل جابر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكي يحمله على بعيرٍ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "إني حاملك على ولد ناقة"، و"هل تلد الإبل إلا النوق؟" فأفهمه الرسول أن الجمل وإن كان كبيرًا فهو ابن ناقة.
- وكذلك عن طريق طرح أسئلة على أصحابه أو إخوته لتثير انتباهه ثم يجيبها هو إذا لم يعرفوا.
- وأيضًا بالنداء المحبب مثل يا بني الحبيب مثل: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ (لقمان: من الآية 13).
- الاقتصاد بالموعظة مخافة السآمة، فقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- لا يُطيل خطبة الجمعة مخافة السآمة، فما بالنا بالصغار.
- أن تكون مؤثرة، ومن القلب، وليست كلامًا يخرج من اللسان حتى تكون أبلغ.
- أن تكون بضرب الأمثال، مثل الجليس الصالح والجليس السوء، المؤمن كالنحلة (نشيط)
- بالرسم والإيضاح ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ... ﴾ (الأنعام: من الآية 153)، وخطَّ الرسولُ بيده خطوطًا.. وما أكثر الوسائل التوضيحية.
- بالفعل التطبيقي، مثل وضوء النبي لتعليم أصحابه، وكذلك وضوء المربي لتعليم أبنائه، وكذلك أي شيء.
- بانتهاز المناسبات والفرص لتكون أكثر تأثيرًا (رمضان، عيد، مرض، وفاة).. يُستحب أن تجتمع الأسرة مرةً في الأسبوع مساء الخميس أو صباح الجمعة، مثلاً لقراءة القرآن أو الذكر أو التناصح والموعظة في جوٍّ من البهجة.
- وعلى المربي أن يعلم أنه إذا لم يتحقق ما يقول ولم يطبق ما يعظ به فلا أحد يقبل كلامه (القدوة).
التربية بالملاحظة
أي يُلاحظه ويُراقبه في كلِّ حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله واتجاهاته، إن رأى خيرًا شجَّعه وإن رأى شرًّا نهاه ويُبيِّن له العاقبة، ولا يغفل عنه وأن يتعهده ويهتم به في كلِّ جوانبِ التربية دينيًّا وصحيًّا وعلميًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا وخلقيًّا فهو مسئولٌ عن رعيته، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم: من الآية 6) أي بالأمر والنهي والمراقبة والملاحظة والملاحقة، ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه: من الآية 132)، حديث الرسول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال...".
ويلاحظ الجانب العملي للموعظة من وضوءٍ وصلاةٍ، وحسن خلق من صدقٍ وأمانة وحفظ اللسان حتى تؤتي الموعظة نتائجها بالملاحظة، وكل ما عوداه ووعظاه.. وهذه الملاحظة من الصغر في أثناء الطعام والكلام والأفعال والجلوس والنوم والعبادة والمذاكرة والخروج والدخول؛ وذلك يشمل جميع أبناءه في نفس الوقت، مثلاً الأم في المطبخ وتعلم أن ابنها يذاكر والآخر ذهب إلى مكان كذا، والابنة تعمل كذا.. فلا تغفل عنهم لحظةً وهم يشعرون بهذه المتابعة وهذا الحرص وأنه لمصلحتهم.
التربية بالقصة
فهي تسحر نفوس الأطفال، وتخدم الجانب النفسي والديني والعقلي والصحي والاجتماعي والبدني.. ولكن:
- يجب أن تكون خاضعةً للأغراض التي جاءت لتحقيقها، مثلاً الأمانة.. الصدق.. الشجاعة.. خاصةً في الجانب الذي ينقص ابنك.
- إذا كانت للتنفير من صفةٍ فلا تُعرض بطريقةٍ يتلذذ بها السامع أو المشاهد.. استخراج مواطن العبرة والعظة من القصة.
- وفِّرى لأبنائكِ ركنًا للقصص في المكتبة.. احكي لهم وهم صغار ثم يقرءوا هم بعد ذلك.
التربية بتفريغ الطاقة
يمكن تفريغ طاقة الأولاد أولاً بأول في عملٍ إيجابي بنَّاء بدلاً من أن تُنفق بلا غايةٍ أو تُنفق في التخريب؛ وبذلك تتحول الطاقة والحركة إلى ثمرةٍ نافعةٍ لنفسها ولغيرها.
فمثلاً: الطاقة البدنية تنفق في الرياضة كالسباحة وبعض الأعمال المنزلية، وطاقة الحب تنفق وتفرغ في حبِّ الله ورسوله والوالدين والمسلمين، وطاقة الكُرْه تُنفق في كره الشيطان والشر واليهود، والطاقة الفنية تُنفق في الأعمال الفنية النافعة المباحة.. وهكذا على الوالدين أن يُحسنا تفريغ طاقات أبناءهم فيما هو مفيد.
التربية بملء الفراغ
الفراغ مفسدة للنفس وسببٌ في التعود على العاداتِ الضارة التي يقوم بها الإنسان لملء هذا الفراغ.
إن الفراغ في هذا العصر ليس فراغَ الوقت فقط، ولكنه فراغ النفس والقلب والروح، فراغ القيم والمبادئ، وهذه هي المشكلة الكبرى، ولا أظنُّ أن الأسرةَ المسلمةَ توجد بها هذه المشكلة؛ لأنها تعلم مسئوليتها، وتحرص على حسنِ استغلال الوقت فيما يُفيد وأننا سنُحاسب عليه يوم القيامة.
فلتحرصي على شغل وقت فراغ ابنكِ كله (برنامج يومي) من اليقظةِ إلى المنام، ليس معنى ذلك استنفاد المخلوق واستهلاكه، فليس ذلك هدف الإسلام الذي أحلَّ الطيبات ﴿وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا﴾ (القصص: من الآية 77)، ولكن نشغله بأشياء معقولة مناسبة للطفل مثل العبادة وقراءة القرآن، وراحة في الظهيرة، وعمل منتج، وهواية مباحة، وسمر بريء، وتزاور وصلة رحم، أو نزهة جميلة، أو دروس إسلامية.
وهذه وسيلة من أنجح الوسائل، فإن النفس حين تُمنع (لتقويمها) من شيء، من رعايتها، فالوسيلة الصحيحة لملء فراغ هذه الرغبة هي إيجاد نشاط جديد لهذه الرغبة ذاتها أو لرغبةٍ سواها.
مثال: التليفزيون.. انتبهي أختي الحبيبة للأوقات التي تضيع أمام هذا الجهاز ناهيك عن المساوئ لبعض البرامج، فلا بد من الانضباط.. ماذا يُشاهد؟ وكم من الوقت؟ وإلا سيُفسد ما تعبت أنتِ في بنائه لأبنائكِ في سنوات.
التربية بالأحداث والمواقف
الناس كلهم عرضةً للأحداث سواء نتيجة تصرفات خاصة أو خارجة عن إرادتهم.
- فالمربي البارع الذي لا يترك الأحداث تذهب سدى، إنما يستغلها لتربية النفوس، والتربية بالأحداث تُثير النفس بكاملها مع تفاعل يكفي بصهرها، فهي حالة لا تحدث كل يومٍ في النفس، والمثل يقول "اضرب الحديدَ وهو ساخن فيسهل طرقه وتشكيله"، وإذا برد يصعب، فهي كالطابع يطبع في نفس الطفل بما لا يزول.
- ربط القلوب بالله في كل حادثٍ كحادث مرض، غرق، حادث طريق، حادث وفاة، حادث إسلامي تاريخي... إلخ).. ثم نأخذ العبرة من الحدث قبل أن يمضي.