موقفنا من الاستهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سؤال:
كلنا سمع بما قام به الغربيون من الاستهزاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسخرية منه ، فما هو موقفنا من ذلك ؟ وكيف ندافع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لقد ساءنا وساء كلّ مسلم غيور على دينه ما قام به هؤلاء السفهاء المجرمون
من الاستهزاء بنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أفضل من وطئت قدماه الثرى ،
وهو سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه .
وهذه الوقاحة ليست غريبة عنهم ، فهم أحق بها وأهلها .
ثم هذه الجريمة النكراء – مع أنها تمزق قلوبنا ، وتملؤها غيظاً وغضباً ،
ونود أن نفدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنفسنا -
إلا أنها مع ذلك مما نستبشر به بهلاك هؤلاء ،
وقرب زوال دولتهم ، قال الله تعالى : ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) الحجر/95 ،
فالله تعالى يكفي نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المستهزئين المجرمين ،
وقال تعالى : ( إِنَّ شَانِئَكَ – أي : مبغضك - هُوَ الأَبْتَرُ ) الكوثر/3 ، أي : الحقير الذليل المقطوع من كل خير .
وقد كان المسلمون إذا حاصروا أهل حصن واستعصى عليهم ،
ثم سمعوهم يقعون في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسبونه ،
يستبشرون بقرب الفتح ، ثم ما هو إلا وقت يسير ،
ويأتي الله تعالى بالفتح من عنده انتقاماً لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
"الصارم المسلول" (ص 116-117) .
وشواهد التاريخ كثيرة على هلاك وفضيحة المستهزئين بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم ماذا ينقم هؤلاء من سيد البشر محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟!
ينقمون منه أنه دعا إلى توحيد الله تعالى ، وهم لا يؤمنون لله بالوحدانية .
ينقمون منه أنه عَظَّمَ ربه تبارك وتعالى ، ونزهه عما يقوله هؤلاء المفترون ،
وهم ينسبون إليه الصاحبة والولد .
ينقمون منه أنه دعا إلى معالي الأخلاق ، وترك سفاسفها ،
ودعا إلى الفضيلة ، وسد كل باب يؤدي إلى الرذيلة ،
وهم يريدونها فوضى أخلاقية وجنسية عارمة .
يريدون أن يغرقوا في مستنقع الشهوات والرذيلة ، وقد كان لهم ما أرادوا !
ينقمون منه أنه رسول الله !! والله تعالى هو الذي اصطفاه على الناس برسالته ووحيه .
ودلائل نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من أن تحصر .
ألم يسمعوا عن حادثة انشقاق القمر ؟ أم لم يسمعوا عن نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم مرات ومرات ؟
أم لم يسمعوا عن آيته الكبرى ، هذا القرآن الكريم ، كلام رب العالمين ،
الذي حفظه الله تعالى فلم تمتد إليه يد العابثين المحرفين ،
أما كتبهم المنزلة على أنبيائهم فتلاعبوا بها أيما تلاعب ،
( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة/79 .
بل من أعظم الأدلة على صدق نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
بقاء دينه هذه القرون الطويلة ظاهراً منصوراً ،
وقد كان أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته دائماً إلى ظهور وعلو على أعدائه ،
وحكمة الله تعالى تأبى أن يُمَكِّن كاذباً عليه وعلى دينه من العلو في الأرض هذه المدة الطويلة ،
بل في كتبهم التي كتمها علماؤهم وحرفوها أن الكذاب (مدعي النبوة)
لا يمكن أن يبقى إلا ثلاثين سنة أو نحوها ثم يضمحل أمره .
كما ذكر عن أحد ملوكهم أنه أتى برجل من أهل دينه ( نصراني )
كان يسب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويرميه بالكذب ،
فجمع الملك علماء ملته ، وسألهم : كم يبقى الكذاب ؟
فقالوا : كذا وكذا ، ثلاثين سنة ، أو نحوها ، فقال الملك ،
وهذا دين محمد له أكثر من خمسمائة سنة ، أو ستمائة سنة
[ يعني : في أيام هذا الملك ] ، وهو ظاهر مقبول متبوع ، فكيف يكون هذا كذابا ؟؟ ثم ضرب عنق ذلك الرجل !!
"شرح العقيدة الأصفهانية" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ألم يعلموا أن كثيراً من عقلائهم وملوكهم وعلمائهم لما وصلت إليهم
دعوة الإسلام بيضاء نقية لم يملكوا إلا الإقرار بصحة هذا الدين ،
وعَظَّموا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكثير منهم أعلن الدخول في الإسلام .
فقد أقر ملك الحبشة النجاشي بذلك ، ودخل في الإسلام .
ولما أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً إلى هرقل ملك الروم يدعوه فيه إلى الإسلام
أقرّ هرقل بصحة نبوته ،
وهمّ أن يُعلن إسلامه وتمنى أن يذهب إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ويكون خادماً عنده ، إلا أنه خاف على نفسه من أهل ملته ، وبقي على الكفر ومات عليه .
ولم يزل الكثير من معاصريهم يعلن ذلك .
1- يقول مايكل هارت في كتابه "الخالدون مئة" ص13،
وقد جعل على رأس المئة نبينا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يقول :
"لقد اخترت محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول هذه القائمة ...
لأن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي " .
2- برناردشو الإنكليزي , له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطات البريطانية ، يقول :
" إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، وإنّ رجال الدين
في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب ، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً ،
لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل،
فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية ،
بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم،
لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها ".
3- ويقول آن بيزيت :
" من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم
ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل،
أحد رسل الله العظماء ".
4- شبرك النمساوي :
" إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها ، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون ، إذا توصلنا إلى قمّته " .
5- الدكتور زويمر (مستشرق كندي ) :
" إن محمداً كان مصلحاً قديراً ، وبليغاً فصيحاً ، وجريئاً مغواراً،
ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات ،
وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء " .
6- الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل يقول في كتابه " الأبطال " :
" لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب ، وأن محمداً خدّاع مزوِّر .
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ ، صادق العزم ، كريماً بَرًّا ، رؤوفاً ، تقياً ، فاضلاً ، حراً ، رجلاً ، شديد الجد ، مخلصاً ، وهو مع ذلك سهل الجانب ، ليِّن العريكة ، جم البشر والطلاقة ، حميد العشرة ، حلو الإيناس ، بل ربما مازح وداعب.
كان عادلاً ، صادق النية ، ذكي اللب ، شهم الفؤاد ،
ذكياًّ ، سريع الخاطر ، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ، ممتلئاً نوراً ،
رجلاً عظيماً بفطرته ، لم تثقفه مدرسة ، ولا هذبه معلم ، وهو غني عن ذلك" .
7- ويقول جوته الأديب الألماني : " "إننا أهل أوروبه بجميع مفاهيمنا ،
لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ،
وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان ،
فوجدته في النبي محمد ، وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد" .
فإن كان ذلك كذلك فإن من واجب العالم كله – ولا محيص لهم عن ذلك –
أن يجعل عظمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخلق جميعًا فوق كل عظمة،
وفضله فوق كل فضل، وتقديره أكبر من كل تقدير ،
ويجب على العالم أجمع أن يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه خاتم أنبياء الله الكرام .
ونحن نغتنم هذه الفرصة وندعو هؤلاء إلى الإسلام ، فإن ما اقترفته أيديهم الآثمة لا يمحوه إلا الإسلام ، فإن عاندوا وكابروا وأصروا على ما هم عليه فليبشروا بعذاب النار خالدين فيها أبداً ، قال الله تعالى : ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) المائدة/72 ،
وقال تعالى : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/85 .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم (153) .