بقلم: نبيل جلهوم
قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)﴾ (الحج).
أما من أقوال الحبيب المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" (رواه البخاري).
"الحجاج والعمار وفد الله؛ إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم" (صحيح الجامع).
"تعجلوا إلى الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" (رواه أحمد والترمذي).
ومن أقوال صحابة الرسول:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يُحال بينكم وبينه".
وقد أردت هنا أن أتعرَّض فقط لسلوكيات وأخلاقيات تربوية يجب أن يمارسها الحاج في رحلته العظيمة؛ لعل الله ينفع بها وتكون معالم على طريق الحجيج.
إليك أخي الحاج:
(1) اجتهد من الآن في تعلُّم مناسك الحج كي تؤديها بشكل صحيح بعيدًا عن كل شبهة وحرج.
(2) احرص على إخلاص النية لله تعالى، وأرِ ربك من نيتك خيرًا تجد منه كل الخير.
(3) كن ليِّن الجانب في التعامل مع الجميع ممن تعرفه ومن لا تعرفه من داخل الحملة أو من خارجها، واجعل من نفسك نموذجًا للحجاج يحتذون به.
(4) اجعل البسمة والبشاشة تعلو وجهك الطيب، واستخدم في كل شيء الألفاظ الإسلامية المعروفة في المناسبات المختلفة؛ ليتعلم الناس منك، مثل: جزاكم الله خيرًا.. بارك الله فيك.. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.. لابأس طهور إن شاء الله، وغيره.
(5) إيثار الغير في المطعم والمشرب والغطاء، والصعود للحافلات والنزول، ودخول الحمام والوضوء، وسائر الأمور.
(6) ما دمت قادرًا، وطلب منك غيرك أن توكَّل عنه في الرمي فاقبل ذلك بمجرد العرض عليك؛ ففي ذلك نفع كبير للناس وأنت منوطٌ بك دائمًا أن تكون نافعًا لغيرك؛ فهو الإسلام بعينه.
(7) جاهد نفسك أن تجعلها آخر من ينام، وآخر من يشرب، وآخر من يركب، وآخر من يتألم، تفانَ في خدمة الآخرين بروح وأداء للدرجة التي تترك الأثر العظيم في نفوس الناس حتى بعد الحج.
(8) استشعر دائمًا أن سيد القوم خادمهم، وأن مساعدتك للغير ابتغاء المثوبة والأجر تُعلي شأنك عند الله وعند الناس.
(9) امنح دائمًا اهتمامًا كبيرًا بالحجاج أصحاب العوائل والمصطحبين لأطفال.
(10) لاتترك أبدًا مجالاً يحتاج إلى إرشاد ونصح وتعليم وموعظة إلا تطرقه؛ لينتفع بك الغير ولتبلِّغ عن حبيبك المصطفى ولو آية؛ فأنت شامة وعلامة، بالبنان دائمًا يُشار نحوك.
(11) تذكَّر قول أم المؤمنين في وصفها للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما سئلت كيف كان؟ فوصفته بقولها: كان قرآنًا يمشي على الأرض.
(12) أسرع في إعطاء المسكنات للمتألمين وإسعاف المصابين، وكن في ذلك على جهازية تامة وعالية.
(13) تفقَّد باستمرار أصحاب الأعذار والاحتياجات الخاصة والعجزة والمسنين، دون أن يطلبوا منك ذلك، واستشعر أن في ذلك زكاةً لشبابك وصحتك.
(14) اجعل فقرات يومك متنوعةً مشوّقةً، ولا تجعل الوقت يضيع منك في الأحاديث الجانبية والدنيوية، فأنت في عبادة وفرصة مع الرب كبيرة قد لا تتكرر.
(15) اجعل هدفك النهائي من الحج هو إرضاء ربك بالعودة بحج مبرور وذنب مغفور وتجارة مع ربنا لن تبور، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، والرجوع من الحج كيوم ولدتك أمك.
(16) لا تنس الحجاج الصغار وإشركهم في أعمالك وراحتك، ولا تقل إنهم صغار؛ فكم من صغار سبقوا كبارًا في الفهم والعلم والأدب، أشركهم بحب وتعرَّف على الأبناء والآباء، وكل من يقابلك؛ فإن أساس ديننا الحب والتعارف.
(17) التزم دائمًا وبكل تمام في الأداء بكل ما كلفك به متعهد الحملة، وإن أردت الاجتهاد فلا بأس من أخذ رأيه ومشورته، لكن احترام رأيه إنجاحٌ لحملته وعمله وبرنامجه، وكن سريع الاستجابة والتلبية.
(18) كن على جهازية تامَّة بمساعدة غيرك إذا طلب منك ذلك، بل وقدِّم المعونة والمساعدة، حتى إن لم يطلبوها، ما دامت الأمور تستدعي ذلك.
(19) احذر دائمًا إبليس، ولا تعطِ له فرصةً ليوقعك في حبائله: السمعة، الرياء، الغضب، الشهرة، السب، الشتم، الألفاظ البذيئة، وخلافه من محبطات الأعمال.
(20) ابذل جهدًا كبيرًا في الدعاء والإلحاح على الله والتضرع، ورتِّب حاجاتك التي تريد من الله قضاءها، وكن على ثقة ويقين بأنه لن يخذلك وسيستجيب لك.
(21) اعلم وتذكَّر دائمًا أنك يجب أن تكون في أجمل هيئة وأناقة، ليس في المظهر فحسب، بل في الأقوال والأفعال أيضًا، فأنت رمز، والرمز يجب أن يشار إليه بالبنان.
(22) انتبه إلى سلوكياتك دائمًا، وغيِّر فيها غير المرغوبة، وكن أكثر تفاعلاً وفاعلية في داخل مجتمع الحجاج، واجعل من أدائك للحج بدايةً حقيقيةً لصلاح نفسك وإصلاحها وتغييرها لكل ما هو جميل وحسن.
(23) عندما ترغب في التحدث للغير من الحجاج، حدِّد جيدًا من أين ستبدأ وكيف تنتهي؟ ولا تكن ثرثارًا ومضيعًا لوقتك؛ فالوقت هو الحياة، وتذكَّر أنك في فرصة عبادية روحانية عظيمة قد لا تتكرر بعد ذلك، فانتهزها ولا تضيِّع جزءًا من وقتك دون فائدة.
(24) لا تنتظر في جميع أعمالك تجاه الغير شكرًا من أحد، ويكفيك الأجر من الفرد الصمد.
(25) اعلم أن إكرام الله لك بالحج هو فرصةٌ عظيمةٌ لتكون مسلمًا جديدًا، ترجع من حجك كيوم ولدتك أمك، معافًى من ذنوبك، ممحيةً سيئاتك، يباهي بك ربك ملائكته، فاحمده دائمًا على ذلك وهنيئًا لك باختيار الله لك؛ لتكون من حجاج بيته الواقفين بعرفات الطوافين بكعبته.
(26) كن مؤدبًا ومهذبًا ومتواضعًا عندما تتحدث مع الحجاج أو مع شيوخك وأساتذتك، واعلم أنه إذا كان لكل داء دواء يعالج به فإن الحماقة أتعبت من يداويها.
(27) اجعل كلامك كله شهدًا وعسلاً، طيبًا؛ فالكلمة الطيبة صدقة، تنشرح لها الصدور وتمتص بها متاعب القلوب.
(28) كن مع الحجاج، بل والناس جميعًا كالشجر، يقذفه الناس بالحجر ويهديهم هو بأحلى الثمر.
(29) احذر العُجب برأيك ونفسك، واحذر تسفيه آراء الآخرين؛ فإن ذلك من أكبر الرذائل الخبيثة التي ابتُليت بها المجتمعات المختلفة، عافانا وإياك الله منها.
(30) تجنَّب الخلافات الشخصية بينك وبين الحجاج، وضع دائمًا في مخيلتك قول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال: من الآية 1).
(31) إيَّاك وكثرة الجدل؛ فإن المراء لا يأتي بخير، وتذكَّر قول الحبيب المصطفى: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًّا".
(32) لا تغضب من أي حاج؛ فالغضب لهيب من نار تشتعل في قلب الإنسان، وهو حالة ضعف تصيب الإنسان وليس حالة قوة "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
(33) إن أحسنت في الحج فاحمد الله، وإن أسأت فاستغفر الله، فما كان من توفيق فيه فالفضل لله وحده لا لنفسك.
خاتمة
أخي الحاج..
اعلم أن الخير يسكن في قلوب العابدين وأن الحق يسكن في قلوب العارفين، وأن الجمال يحيا في قلوب المحبين، وأن هؤلاء جميعًا يحيون ويسكنون ويعيشون في نور الله المبين.
فكن من العابدين.. العارفين.. المحبين.. تكن حيًّا في نور الله المبين..
حجًّا مبرورًا.. وذنبًا مغفورًا.. وسعيًا مشكورًا.. وتجارة لن تبور.