قصة سيدنا أيوب هي نفس قصة زوجته الحبيبة السيدة “رحمة” التي صبرت وثابرت معه. وقصتهما معًا هي قصة الصبر والاحتمال وصلابة الإيمان وقوته، تلك القصة التي ذكرها لنا القرآن الكريم بشكل تفصيلي في سورة الأنبياء. وهذه القصة حُجة على أهل الصبر والبلاء في الدُنيا، فأيما إنسان ابتلاه الله تعالى وصبر، لن يكون بلاؤه ولاصبره مثل صبر سيدنا أيوب عليه السلام.
“إنّ قصة أيوب هي تذكِرة للعابدين والصابرين ليصبروا كما صبر، ولأنهم إذا ذكروا بلاء أيوب ومحنته وصبره؛ وطّنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا مثل أيوب، الذي يعتبر أفضل أهل زمانه”.
كان نبي الله أيوب مثالاً للعبد المؤمن الذي بسط الله له ولزوجه “رحمة” من الرزق والولد والمال والجاه الخير الكثير، ومع هذه النعم كانا الزوجين المؤمنين الرحيمين بالمساكين، العطوفين على المحتاجين، وكانا يكفلان الأيتام والأرامل ويصلحان بين الناس، ويبذلان في سبيل ذلك الجهد والمال الكثير.
أهل البلاء هم أهل الاجتباء:
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل”..
كما قال صلى الله عليه وسلم:
“يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه”..
لكن ليس معنى ذلك أن البلاء هو غضب من الله، أو أن طريق الإيمان هو طريق البلاء أو الشقاء لاقدر الله، فالعبد المؤمن يسرّي الله عنه ويهيؤه ويخفف عنه، فالله سبحانه وتعالى لا يُحمِّل النفس إلا وسعها.
أراد الله تعالى أن يختبر أيوب وزوجه، فبدأت سلسلة من المحن والابتلاءات تتوالى على هذا الرجل الكريم وزوجه.
فأمات الله لهما الأولاد والبنات، ويقال إنه كان لهم من الأولاد سبعة ومن البنات سبع.
وضاع منهما المال، وكان مالهما شاملاً متنوعًا، فكان منه العملات الفضية والذهبية، والماشية، والأرض والأغنام والقصور. فتوالت الأحداث والمحن تباعًا فماتت الأغنام، وبيع الذهب، وضاعت الأموال والأراضي والقصور، وضاق عليهما الرزق وذهب الجاه.
فوق كلّ ذلك ابتلي نبي الله أيوب بمرض جلدي نادر وشديد، فنحل جسده وتغير شكله، وساءت حالته ولم يعد يُرى منه شيء سليم إلا لسانه في الظاهر وقلبه في الباطن، فكان يذكر الله بلسانه، ويؤمن عليه قلبه.
وامتد بأيوب البلاء سنوات وسنوات، وكانت زوجته، التي اتفق بعض العلماء أن اسمها كان “رحمة”؛ وإن اختلف علماء آخرون في ذلك، كانت مثال الزوجة الصابرة المحتسبة التي لم تدخر جهدًا في خدمة زوجها والوقوف بجانبه بكل ماتملك، ومساعدته على الشفاء بكل الطرق.
ولمّا علم أيوب ذلك تألم أشد الألم لزوجته الحبيبة وما أصابها، والمعاناة الشديدة التي لاقتها من جراء مرضه، والصبر على الأذى والاحتياج الذي جعلها تبيع تاجها وزينتها (شعرها). هنالك دعا أيوب ربه وناجاه ورفع أكف الضراعة إلى المولى الجليل عزّ وجلَّ قائلاً: { أنّي مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين}. استجاب له ربه جلّ وعلا، وجعل له مغتسلاً وشرابًا فاغتسل في الماء الذي أمطره الله له، وجعل فيه سبحانه وتعالى معجزة الشفاء.
واغتسل سيدنا أيوب في هذا الماء المبارك، وبدأت علامات الشفاء تظهر على جسده مرة أخرى، وعوفي تمامًا، وعاد إليه شبابه وجماله وصحته.
جزاء الله للصابرين:
إن جزاء الله تعالى للصابرين ليس له حدود، وكيف لا وهو يرزق من يشاء بغير حساب؟ لقد وهب الله تعالى لعبده الصابر أيوب ضعف العدد الذي كان لديه من الأطفال والأولاد، وردّ عليه ماله وأوسع عليه رزقه وعوّضه خيرًا مما فقده مئات المرات، مما أسعده وملأ عليه حياته رغدًا.
الصابرة الوفية:
أما زوجته الكريمة السيدة رحمة فقد أرجع الله لها شبابها، وأنبت لها شعرها وضفائرها وعوّضها عن سنوات القحط والشقاء، وعادت إليها الخادمات، وشفى الله تعالى لها زوجها، وذهبت حياة الشقاء بلا عودة.
اتخاذ قرار العيش مع الوحدة، يعتبر تضحية كبيرة بالنسبة للمرأة، وذلك لأسباب هامة؛ أولها أنها بطبيعتها تحتاج إلى حماية الرجل لها في الحياة، والحرمان من هذه الحماية تضحية مرة، فالوحدة على حد وصف المئات من النساء هي مثل شرب السم، ولكن حتى للسم فوائد في نهاية المطاف، أما التضحية الأخرى فتكمن في أن الوحدة تحرم المرأة من ممارسة غريزة الأمومة على أرض الواقع.
وقالت الدراسة إنه مهما كان اتجاه السهم المرمي فإنه يخدش الهدف إن لم يحطمه، وهذا بالضبط يمثل لغة المخاطبة بين المرأة وقلبها، الوحدة سهم تطلقه الحياة وتجاربها، فإن لم يحطم قلب المرأة فإنه يخدشه، لكن تحمل الألم أفضل من المعاناة منه إلى ما لانهاية.