المسألة الأولى : في فضل العرب ولسانهم :
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية – رحمه الله – في » اقتضاء الصراط المستقيم « ( 1 : 419 ) : » فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة : اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ، عبرانيهم وسريانيهم ، روميهم وفرسيهم وغيرهم « .
ثم قال في ( 1 : 420 ) : » وأن قريشاً أفضل العرب ، وأن بني هاشم أفضل قريش ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق نفساً ، وأفضلهم نسباً « .
وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وإن كان هذا من الفضل . بل هم في أنفسهم أفضل ، وبذلك يثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفساً ونسباً ، وإلاَّ لزم الدور .
ولهذا ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها : هذا مذهب أئمة العلم ، وأصحاب الأثر ، وأهل السنة المعروفين بها ، المقتدى بهم فيها ، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها .
فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب ، أو طعن فيها ، أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة ، زائل عن منهج السنة ، وسبيل الحق .
وهو مذهب أحمد ، وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد ، وعبدالله بن الزبير الحميدي ، وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا ، وأخذنا عنهم العلم ، وكان من قولهم : إن الإيمان قول وعمل ونية . وساق كلامًا طويلًا .. إلى أن قال : ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ، ونحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حبُّ العرب إيمان ، وبغضهم نفاق ) . ولا نقول بقول الشعوبية ، وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ، ولا يقرون بفضلهم ، فإن قولهم بدعة وخلاف . ويروى هذا الكلام عن أحمد نفسه »
ثم قال في ( 1: 421 ) » وذهبت فرقة من الناس أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم , وهؤلاء يُسَمَّوْنَ الشعوبية ؛ لانتصارهم للشعوب ، التي هي مغايرة على جنس العجم . وهؤلاء يسمون الشعوبية ؛ لانتصارهم للشعوب ، التي هي مغايرة للقبائل كما قيل : القبائل : للعرب ، والشعوب : للعجم . ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب . والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق إما في الاعتقاد ، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس ، مع شبهات اقتضت ذلك . ولهذا جاء في الحديث : ( حب العرب إيمان وبغضهم نفاق ) .
ثم قال في ( 1 : 422 ) : » مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس ، ونصيب للشيطان من الطرفين ، وهذا محرَّم في جميع المسائل ، فإن الله قد أمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعاً ، ونهاهم عن التفرق والاختلاف ، وأمرهم بإصلاح ذات البين » .
ثم قال في ( 1 : 431 ) : » فإن الله تعالى خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها ، ثم خصَّ قريشاً على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة ، وغير ذلك من الخصائص ».
ثم قال في ( 1 : 447 ) : » وسبب هذا الفضل – والله أعلم – ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم . وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع ، وإما بالعمل الصالح ، والعلم له مبدأ ، وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة . والعرب هم أفهم من غيرهم وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة . ولسانهم أتم الألسنة بيانًا وتمييزًا للمعاني ، جمعًا وفرقًا ، يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع .. » .
وقال – رحمه الله - في » مجموع الفتاوى « ( 19 : 29 ) : » وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله اصطفى كنانه من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم . فأنا خيركم نفساً وخيركم نسبًا .
وجمهور العلماء على أن جنس العرب خير من غيرهم ، كما أن جنس قريش خير من غيرهم ، وجنس بني هاشم خير من غيرهم . وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) .
لكن تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كلُّ فرد أفضلَ من كل فرد ، فإن في غير العرب خلقاً كثيراً خيراً من أكثر العرب . وفي غير قريش من المهاجرين والأنصار من هو خير من أكثر قريش . وفي غير بني هاشم من قريش وغير قريش من هو خير من أكثر بني هاشم » .
وقال – رحمه الله - في » مجموع الفتاوى « ( 27 : 472) : » إن بني هاشم أفضلُ قريش ، وقريشًا أفضلُ العرب ، والعربُ أفضل بني آدم .
وقال في » مجموع الفتاوى « ( 15 : 431 ) : » فغلب على العرب القوة العقلية النطقية ، واشتق اسمُها من وصفها فقيل : عرب من الإعراب ، وهو البيان والإظهار ، وذلك خاصة القوة النطقية .. ولهذا كانت العرب أفضل الأمم ... » .
المسألة الثانية : اللغة العربية عند علماء الإسلام غير العرب :
أذكر ما يراه علماء الإسلام غير العرب من أن اللغة العربية أفضل اللغات وأكملها بالحياة والانتشار. ومن هؤلاء العلماء :
1 - أبو حاتم الرازي ( أحمد بن حمدان ) المتوفى سنة (322هـ ) صاحب كتاب » الزينة في الكلمات الإسلامية « عقد ( 1/ 60 – 66 ) فصلاً بعنوان » فضل لغة العرب « ذكر فيه أن لغات البشر كثيرة لا يمكن حصرها ، وأن أفضلها أربع : العربية ، والعبرانية ، والسريانية ، والفارسية ، وأن أفضل هذه الأربع لغة العرب ، فهي أفصح اللغات وأكملها وأتمها وأعذبها وأبينها ...
2 - أبو الحسين أحمد بن فارس المتوفى سنة ( 395 هـ ) قال في » الصاحبي « ( 16 ) : » باب لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها « مشيراً إلى قوله تعالى : ﴿ لتكونَ من المنذرينَ بلسان عربيٍّ مبين ﴾ ( الشعراء : 195 ) وقال أيضًا : » فلما خَصّ – جل ثناؤه – اللسانَ العربيََّ بالبيانِ عُلِمَ أن سائر اللغات قاصرةٌ عنه ، وواقعة دونه .
فإن قال قائل : فقد يقع البيانُ بغير اللسان العربي ، لأن كلَّ مَنْ أفْهَمَ بكلامه على شرط لغته فقد بَيَّنَ.
قيل له : إن كنتَ تريد أن المتكلّم بغير اللغة العربية قد يُعْرِبُ عن نفسه حتى يُفْهِمَ السامعَ مرادَه فهذا أخس مراتب البيان ؛ لأن الأبكم قد يدلُّ بإشارات وحركات له على أكثر مراده ثم لا يسمّى متكلمًا ، فضلاً عن أن يُسَّمى بَيِّنًا أو بليغًا .
وإن أردت أنَّ سائر اللغات تُبَيّنُ إبانةَ اللغة العربية فهذا غَلط .
3 - أبو منصور الثعالبي المتوفى سنة ( 430هـ ) قال في كتابه » فقه اللغة وسر العربية « ( 21 ) قال : » ومَنْ هداه الله للإسلام ، وشرح صدره للإيمان ، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أنّ محمدًا خيرُ الرسل ، والإسلام خير الملل ، والعرب خير الأمم ، والعربية خير اللغات والألسنة ، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة ، إذ هي أداة العلم .. « .
4 - أبو القاسم محمود الزمخشري المتوفى سنة ( 538 هـ ) قال في مقدمة كتابه » المفصل في علم العربية « : » اللهَ أحمدُ على أن جعلني من علماء العربية ، وجبلني على الغضب للعرب ، والعصبية ، وأبى لي أن أنفرد عن صميم أنصارهم وأمتاز ، وأنضوي إلى لفيف الشعوبية وأنحاز ، وعصمني من مذهبهم الذي لم يُجْدِ عليهم إلا الرشقَ بألسنةِ اللاعنينَ ، والمَشْقَ بأسِنَّة الطاعنين ... « .
المسألة الثالثة : اللغة العربية عند الغربيين :
أذكر ما يراه كُتّاب الغرب عن اللغة العربية الفصحى . ومن هؤلاء :
1 – قال كارلونلينو : » اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقًا وغنًى ، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها « .
2 – قال فان ديك ( الأمريكي ) : » العربية أكثر لغات الأرض امتيازاً . وهذا الامتياز من وجهين : الأول : من حيث ثروة معجمها . والثاني : من حيث استيعابها آدابها « .
3 – قال الدكتور فرنباغ ( الألماني ) : » ليست لغة العرب أغنى لغات العلم فحسب ، بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العدّ ، وإن اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا نحن الغرباء عن العربية وبين ما ألفوه حجابًا لا يتبين ما وراءه إلاَّ بصعوبة « .
4 – قال فيلا سبازا : » اللغة العربية من أغنى لغات العالم ، بل هي أرقى من لغات أوربا لتضمنها كلَّ أدوات التعبير في أصولها في حين أن الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة ، ولا تزال حتى الآن تعالج رمم تلك اللغات لتأخذ من دمائها ما تحتاج إليه « .
هذا ما أردت بيانه ؛ ليتضح لكل ذي عقل وقلب وعلم أن جنس العرب أفضلُ من جنس العجم ، وأن لسانهم أتمُّ الألسنة بياناً . هذا ما عليه أهل السنة والجماعة . كما أوضحته من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .