كيف تواجه الضغوط
قلم:د.شريف عرفة
هل تشعر بالإرهاق دائما؟
هل تشعر بالإحباط بسرعة؟
هل تفقد -كثيرا- الرغبة في العمل؟
هل تشعر بالعصبية و الاستثارة بسرعة ؟
هل تفتقد وقت الفراغ و لا تجد وقتا كافيا للراحة ؟
لو كانت إجابتك على هذه الأسئلة بنعم , فأهلا بك في عالم ضغوط العمل.
الاحتراق النفسي burn out
هذا الموضوع ليس للشباب الفاضي الذي لا يجد شيئا يفعله.. بل هو للمشغولين و المهمومين
دائما بتحقيق أهدافهم و أحلامهم إلى الدرجة التي يسميها الخبراء : الاحتراق النفسي!
كثير من الناس يستنزفون طاقتهم حتى آخر قطرة.. يعودون إلى المنزل في ساعات متأخرة و
ينامون قليلا ليستيقظوا و يكرروا نفس الدورة من جديد.
يعتقد البعض أن هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل للحياة.. فالطالب المجتهد نقول عنه أنه "لا
ينام من كتر المذاكرة.." و المدير الناجح هو "اللي بيبات في المكتب!"
في حين ان هذه الأنماط ليست مثالية على الإطلاق , فالحقيقة ان هؤلاء أناس لا يعرفون كيف
يديرون وقتهم, و إرهاقهم هذا سيجعلهم يحققون نتائج سلبية!
هذه النظرة الخاطئة للنجاح تشجع الإنسان على أن يحترق نفسيا في سبيل النجاح في العمل..
دون مراعاة أية عوامل أخرى.
البيضة الذهبية
هل تعرفون قصة الدجاجة التي تبيض ذهبا ؟
في يوم من الأيام , استيقظ أحد المزارعين فوجد أن دجاجته قد باضت بيضة ذهبية.. ففرح جدا
و أخذ البيضة إلى السوق ليبيعها...و شعر بالسعادة و هو عائد غلى منزله في نهاية اليوم و
معه مبلغ كبير من المال.
و في اليوم التالي وجد نفس الشيء قد تكرر.. لقد باضت له الدجاجة بيضة ذهبية اخرى.. و
هنا فهم الحقيقة.. هذه الدجاجة تبيض كل يوم بيضة ذهبية.
راح المزارع يفكر.. إذا كانت الدجاجة تبيض ذهبا كل يوم, فلماذا لا يذبح الدجاجة و يفتح
بطنها, كي يحصل على كل الذهب مرة واحدة؟
و بالطبع لم يجد شيئا و ماتت الدجاجة و خسر كل الذهب!
لا "تحرق" الدجاجة !
يقول د.ستيفن كوفي أن كثير من الناس يقومون بما قام به هذا المزارع.. فأنت –مثلا- حين
ترهق جسدك و ذهنك و أعصابك أكثر من اللازم, فأنت بهذا كأنك تذبح الدجاجة التي تبيض لك
ذهبا.. من الأفضل أن تنتج كل يوم بيضة ذهبية واحدة بدلا من أن تحاول أن تحصل على
الذهب كله اليوم فتموت الدجاجة التي هي ذهنك و أعصابك و صحتك!
نمط الحياة اليوم, يشجع و يعلي من قيمة العمل و الاجتهاد و المثابرة.. و كل محاضراتي و
كتبي تدعو إلى هذه الفكرة.
لكن كأي نصيحة أخرى, المبالغة تكون ضارة.. فلو نصحتك بأن تكون كريما , فلا تنفق كل
مالك على الناس و تقعد عالحديدة .. و لو نصحتك أن تكون شجاعا فلا تلقي بنفسك في قفص
الأسود قائلا : أنا جدع !
الموضوع الذي نتكلم عنه هو (الفرامل) التي توقفك قبل أن تتجاوز الحد.. يجب ان تكون
ناجحا و مثابرا و ان تخلص في عملك و تضع و تنقذ خططك و التي تقربك من
أهدافك........و لكن..
لو كنت منهمكا جدا في العمل إلى الدرجة التي تجعلك لا ترى الأصدقاء و الأقارب و لا تجد
وقتا للراحة أو الهواية و بدأت تشعر بالإرهاق الذي يؤهلك للإصابة بقائمة طويلة من
الأمراض.. ففكر من جديد!
ان ترى شخصا انهمك في العمل إلى الدرجة التي جعلته بلا أصدقاء.. بلا زواج.. بلا راحة
بال أو استمتاع بالحياة.. و هو أكثر عرضة لأمراض القلب و تصلب الشرايين و ضغط الدم
و السكر بسبب الضغوط.
الأهم من النجاح : أن نتوقف قليلا و نستمتع بهذا النجاح..
و لكي نفعل هذا يمكننا القيام بهذه الافكار البسيطة:
1- غير الاعتقادات السلبية:
هل تؤمن أن الشخص الناجح لابد أن يكون مشغولا جدا؟
ربما تكون هذه الفكرة هي السبب الحقيقي الذي يدفعك لهذا النمط من الحياة.. فقد أقنعت عقلك
اللاواعي أن الانشغال الشديد من صفات الشخص الناجح , فاصبح هذا اسلوب حياتك بطريقة
لاواعية.. فكلما وجدت نفسك مشغولا جدا, كلما شعرت في داخلك أنك شخص ناجح و أنك
تسير في الطريق السليم!
غير افكارك السلبية.. و ضع صورة جديدة في مخيلتك لمثلك الأعلى الناجح.. فهو يجد وقتا
لكل شيء و مكتبه مرتب و تفكيره منظم و لديه وقت فراغ للاستمتاع بالحياة خارج نطاق
العمل.. بالتأكيد ستجد هذا النموذج وسط من تعرفهم أو يمكنك أن تجده.
2- راحة:
هل تغلق هاتفك المحمول (الخاص بالعمل) في يوم الإجازة؟
من المهم أن تخصص وقتا مقدسا للراحة..وقتا لا تفعل فيه أي شيء و لا تشغل بالك بأية
مشاكل.. خصص وقتا كافيا للنوم يوميا و لا تهمل هذا لأنه يؤثر جدا على أداءك طوال
اليومي.. مارس التأمل أو اليوجا , و إن كنت لم تقرأ ما كتبناه عنهما في مقالات سابقة,
فيكفيك التالي:
روق دماغك و ريح بالك و ماتفكرش في أي حاجة خالص! هذا ما يحاول ممارسي اليوجا
و التأمل فعله ببساطة.
3- الأكل:
ربما يحدث الارهاق بسرعة لأن العناصر الغذائية غير متوازنة.. يمكنك التنويع في مصادر
الغذاء بدلا من الاعتماد فقط على الكربوهيدرات كما نفعل غالبا, كما يمكن الاستعانة بمكملات
غذائية (فيتامينات) بعد استشارة الطبيب..لا مانع من هذا أبدًا.
4- التفكير:
لا تفكر في الاشياء الخارجة عن سيطرتك.. ركز فقط في الجانب الذي عليك إنجازه و دع
النتيجة تحدث وحدها بعد ذلك..
مثال:
من المهم أن تفكر و تشغل بالك بالامتحان كي يدفعك هذا للمذاكرة بإخلاص.. لكن بعد
الامتحان: لماذا تظل قلقا و تفكر في النتيجة ليل نهار؟ لقد أديت الجانب المطلوب منك بالفعل,
لكن التفكير بعد الامتحان (أو حتى مراجعة الامتحان) لن يفيدا شيئا!
و بالمثل يمكنك أن تفكر كثيرا في المقابلة الشخصية كي تستعد لها.. لكن بعد انتهائها ما فائدة القلق؟
هذا القلق قد يعيق حياتك و يجعلك عاجزا عن التركيز في نشاطات أخرى قد تكون ذات فائدة
حقيقية لك لو ركزت فيها.
ما أقصده هو: أن تتوقف عن التفكير في الأشياء التي فات أوانها أو التي ليست في يدك..
و ركز فقط في الأشياء التي في إمكانك فعلها... أو بمعنى آخر: اعمل اللي عليك و سيب
الباقي على ربنا.
5-إدارة الوقت:
قد يكون وقتش مشحونا طوال الوقت نتيجة لسوء تنظيم الوقت. يمكنك هنا أن تقوم باشياء
متعددة منها:
-للعمل وقت محدد:
بعد انتهاء فترة العمل الرسمية لا تسمح لنفسك بالتفكير – مجرد التفكير- في العمل و مشاكله
و همومه.. فهذه التفاصيل مكانها في مكتبك فلا تأخذها معك في المنزل.
-التفويض:
لا تقم بكل شيء بنفسك.. هناك من يمكنه أن ينوب عنك في هذا (مثال: فاتورة التليفون ممكن
البواب هو اللي يدفعها لو وقتك ضيق!)
الأولويات:
قم بالأهم أولا و الذي يدرّ عليك أكبر نفع ممكن على المدى البعيد.. لا تنشغل بصغائر الأمور
التي تعطل وقتك و لن تفيدك كثيرا.
احذر المقاطعات: كثير من الناس يقاطعونك أثناء العمل أو تجد اتصالات هاتفية غير مهمة
تشتت تركيزك.. ضع نظاما واذحا لإبعاد الناس عنك وقت العمل.. و لاحظ أن الذي يكلمك
وقت العمل , يفعل هذا لأنه وجدك تشجعه على هذا السلوك, و تترك عملك ببساطة لتتحدث معه.
6-التركيز:
اعرف ما هو هدفك و اسع إليه.. هذه أول خطوة كي تبعد عن نفسك الأنشطة التي تشتتك
و تضيع وقتك و لن تصب في اتجاه تحقيق هدفك في النهاية.. فلو كنت تريد أن تكون مديرا
ناجحا –مثلا- فلا تضيع وقتك في انشطة وظيفية أخرى تستنزق وقتك وتركيزك و اهتمامك
و لن تصل بك إلى هذا الهدف في النهاية.
7-الرفاهية:
متى ذهبت للسنيما آخر مرة ؟
ما هي آخر مسرحية شاهدتها ؟
متى سافرت في إجازة للاستجمام؟
من المهم أن نركز في الرفاهية على عكس ما هو شائع في ثقافتنا من احتقار وسائل التسلية..
و من فضلك لا تقل لي (يا عم محدش معاه فلوس للحاجات دي!) لأن المسرحيات في
الهناجر و الأحداث الثقافية و العروض الموسيقية في الساقية و مراكز الثقافة و كذلك
المعارض الفنية......إلخ كلها أشياء لن تكلفك الكثير.. لو قررت الاستمتاع بوقتك فهذا ما
ستفعله.. حتى و إن كان الجلوس في المنزل و قراءة كتاب لطيف أو مقابلة الأصدقاء
و الحديث في كلام فارغ !
يمكننا أن نتكلم كثيرا عن اهمية إدارة الضغوط , بدلا من الاستسلام ببساطة للاحتراق النفسي.
من المهم أن نعرف جيدا أن الأهم من النجاح هو: الاستمتاع بهذا النجاح..
لأننا نعيش في الدنيا مرة واحدة فقط.. فلماذا لا تكون اروع حياة ممكنة؟