بسم الله الرحمن الرحيم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد
أولا: النهي عن الغلو والإطراء في مدحه صلى الله عليه وسلم:
الغلو: تجاوز الحد – يُقال: غلا غلوًا، إذا تجاوز الحد في القدر، قال تعالى: (لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) النساء: 171، أي تجاوزوا الحد.
والإطراء: مُجاوزة الحد في المدح والكذب فيه – والمراد بالغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم: مجاوزة الحد في قدره بأن يرفع عن مرتبة العبودية والرسالة ويجعل له شيء من خصائص الإلهية، بأن يدعى ويستغاث به من دون اللّه ويحلف به.
والمراد بالإطراء في حقه صلى الله عليه وسلم: أن يُزاد في مدحه – فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله تعالى: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم – إنما أنا عبد، فقولوا: عبد اللّه ورسوله»[1]، أي لا تمدحوني بالباطل ولا تجاوزوا الحد في مدحي كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام، فادَّعوا فيه الألوهية، وصفوني بما وصفني به ربي عز وجل، فقولوا: عبد اللّه ورسوله. «ولما قال له بعض أصحابه: أنت سيدنا: فقال: السيد اللّه تبارك وتعالى ولما قالوا: وأفضلنا وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان»[2]، وقال له ناس: يا رسول اللّه، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: «يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد اللّه ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني اللّه عزّ وجل»[3].
فقد كره صلى الله عليه وسلم أن يمدحوه بهذه الألفاظ: أنت سيدنا – أنت خيرنا – أنت أفضلنا – أنت أعظمنا، مع أنه أفضل الخلق وأشرفهم على الإطلاق – لكنه نهاهم عن ذلك ابتعادًا بهم عن الغلو والإطراء في حقه وحماية للتوحيد، وأرشدهم أن يصفوه بصفتين هما أعلى مراتب العبد، وليس فيهما غلو ولا خطر على العقيدة، وهما: عبد اللّه ورسوله، ولم يحب صلى الله علييه وسلم أن يرفعوه فوق ما أنزله اللّه عزّ وجلّ من المنزلة التي رضيها له، وقد خالف نهيه صلى الله عليه وسلم كثير من الناس، فصاروا يدعونه ويستغيثون به ويحلفون به ويطلبون منه ما لا يطلب إلا من اللّه كما يُفعل في الموالد والقصائد والأناشيد، ولا يميزون بين حق اللّه وحق الرسول صلى الله عليه وسلم.
يقول العلامة ابن القيم في النونية:
للّه حـق لا يـكـون لـغـيره … ولعبده حق هما حـقـان
لا تجعلوا الحقين حقًا واحدًا … من غير تمييز ولا قربان
ثانيًا: بيان منزلته صلى الله عليه وسلم:
لا بأس ببيان منزلته بمدحه صلى الله عليه وسلم بما مدحه اللّه به وذكر منزلته التي فضله اللّه بها واعتقاد ذلك. فله صلى الله عليه وسلم المنزلة العالية التي أنزله اللّه فيها، فهو عبد اللّه ورسوله وخيرته من خلقه. وأفضل الخلق على الإطلاق. وهو رسول اللّه إلى الناس كافة، وإلى جميع الثقلين الجن والإنس. وهو أفضل الرسل، وخاتم النبيين لا نبي بعده، قد شرح اللّه له صدره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب المقام المحمود الذي قال اللّه تعالى فيه: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) الإسراء: 79، أي المقام الذي يقيمه اللّه فيه للشفاعة للناس يوم القيامة ليريحهم ربهم من شدة الموقف، وهو مقام خاص به صلى الله عليه وسلم دون غيره من النبيين، وهو أخشى الخلق للّه تعالى وأتقاهم له، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن رفع الصوت بحضرته صلى الله عليه وسلم وأثنى على الذين يغضون أصواتهم عنده، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الحجرات2 : 5 . قال الإمام ابن كثير رحمه اللّه تعالى: هذه آيات أدَّب اللّه فيها عباده المؤمنين فيما يعاملون به النبي صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام. أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته، ونهى سبحانه وتعالى أن يدعى الرسول باسمه كما يدعى سائر الناس فيُقال: يا محمد. وإنما يدعى بالرسالة والنبوة فيُقال: يا رسول اللّه، يا نبي اللّه، قال تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) [ النور: 63، كما أن اللّه سبحانه وتعالى يناديه يا أيها النبي، يا أيها الرسول. وقد صلى اللّه وملائكته عليه، وأمر عباده بالصلاة والتسليم عليه فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب: 56، لكن لا يخصص لمدحه صلى الله عليه وسلم وقت ولا كيفية معينة إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة. فما يفعله أصحاب الموالد من تخصيص اليوم الذي يزعمون أنه يوم مولده لمدحه بدعة منكرة. ومن تعظيمه صلى الله عليه وسلم سنته واعتقاد وجوب العمل بها، وأنها في المنزلة الثانية بعد القراَن الكريم في وجوب التعظيم والعمل. لأنها وحي من اللّه تعالى. كما قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم: 4:3، فلا يجوز التشكيك فيها والتقليل من شأنها - أو الكلام فيها بتصحيح أو تضعيف لطرقها وأسانيدها أو شرح لمعانيها إلا بعلم وتحفظ، وقد كثر في هذا الزمان تطاول الجهال على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، خصوصًا من بعض الشباب الناشئين الذين لا يزالون في المراحل الأولى من التعليم، وصاروا يصححون ويضعفون في الأحاديث ويجرحون في الرواة بغير علم سوى قراءة الكتب وهذا خطر عظيم عليهم وعلى الأمة، فيجب عليهم أن يتقوا اللّه عز وجل، ويقفوا عند حدهم.
المصادر:
كتاب التوحيد ـ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
[1]- صحيح البخاري.
[2]- رواه أبو داود بسند صحيح.
[3]- رواه أحمد والنسائي .