أعجبني تأكيد الدكتور عصام شرف في احد تصريحاته اهمية التعليم بوصفه حجر الزاوية في الإصلاح وتطور الدولة, وانه القضية الاولي التي يجب ان تكون المحور الاساسي للحركة والعمل في المرحلة القادمة.
والحق ان التعليم هو اساس المشكلة واساس الحل, فما جري في مصر علي مدي ثلاثين سنة مضت كان إفسادا للتعليم بمنهجية وتخطيط مسبقين, وشارك في هذا الإفساد خبراء أجانب ـ من امريكا تحديدا!
ونفذ هذا الإفساد وزراء ومسئولون من أعوان النظام البائد, وللاسف فقد أنفقت السلطة علي هذا الإفساد أموالا كثيرة من دم الشعب المصري البائس المسكين, كما تقاضي الفاسدون المفسدون المخربون, المعادون لله ورسوله والوطن والامة جميعا مكافآت تدفعها هيئات المعونة الأجنبية, في السنوات الثلاثين الماضية كتبت, كما كتب غيري عن فساد التعليم وإفساده.
انهيار التعليم كان أمرا مخططا ومقصودا, وهو ما نري معالمه سائدة في المدارس العامة من تفشي الدروس الخصوصية في كل المواد عدا التربية الدينية والتربية الرياضية, وفراغ المدارس الثانوية من الطلاب ـ خاصة طلاب الفرقتين الثانية والثالثة ـ علي مدي شهور الدراسة, وضعف المستوي العام في التعليم الاساسي لدرجة ان بعض الطلاب لايحسنون الكتابة ولا القراءة, ويضاف الي ذلك انكماش النشاط المدرسي او تلاشيه تماما.
والامر في الجامعة لايختلف كثيرا عن التعليم العام, فضعف الطلاب مسألة لااختلاف عليها, وكان للنظام الفصلي واختفاء النشاط الثقافي في الكليات النظرية خاصة ـ اثرهما في التكوين السلبي للطلاب, ويضاف إلي ذلك ضعف مستوي هيئات التدريس ومنح الماجستير والدكتوراة لذوي المستويات غير المؤهلة, وانشغال كثير من اعضاء الهيئات بالبحث عن الرزق بعد تدني المرتبات, وخروج العناصر المؤهلة من هيئات التدريس الي العمل في الخارج لسنوات طويلة بحثا عن عائد من الرزق يوفر لاصحابه حياة كريمة وفرصة لتوفير مصادر البحث ومراجعه.. وفي الوقت ذاته تحولت الجامعة الي لعبة بيد اجهزة الامن ترفع من تشاء الي المناصب الإدارية العليا, وتحرم من تشاء, واشتعلت الصراعات في الأقسام والكليات بين العناصر الضحلة علميا وسلوكيا, وغالبا ما تكون قد باعت نفسها للامن, وبين العناصر الاخري التي مازالت تتشبث بقيم الجامعة التي كانت, وصار التقرب الي الحزب الحاكم ورموزه امرا عاديا بين الاطراف التي باعت نفسها لاجهزة الامن, فالقرب من الحزب والامن يهيئ لمزيد من المناصب داخل الجامعة وخارجها.في الوقت نفسه كانت الخسارة الأكبر في مجال التعليم هي ضياع الهوية, وانهيار القيم الدينية والخلقية والوطنية, وصار الطالب في التعليم العام او الجامعي لايعرف شيئا عن دينه ولا أخلاق امته ولاقيم وطنه, وصار كائنا ماديا يأكل ويشرب ويستمتع بما يستمتع به الكائن الحي الذي لم يرق الي درجة الانسان الفاعل والمؤثر بفكره وعقله وإبداعه, فقد تم تحييده, ومنحه اجازة مفتوحة لايستطيع فيها ان يخدم وطنه وامته خدمة حقيقية إيجابية.
لقد ألغي تدريس التربية الإسلامية عمليا بعد ان صارت حصة واحدة في الاسبوع, وألغي تدريس التاريخ الإسلامي واقعيا, ولم تعد هناك تربية وطنية, ولاقومية, لان السلام المزعوم مع العدو يمنع الكلام حول تحرير القدس وفلسطين, وكان الغاء هذه المناهج, بالاضافة الي تفريغ مناهج اللغة العربية من الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة, ووقائع التاريخ المتعلقة بالفتوح الاسلامية, استجابة للتمرد الطائفي المجرم, وتنفيذا لإرادة العدو النازي اليهودي في فلسطين المحتلة, وقد امتدت عملية التفريغ الهمجية الي الاذاعة والتليفزيون والصحافة ونشاطات وزارة الثقافة, لدرجة ان بعض هذه النشاطات احتفلت بعدوان فرنسا علي مصر في حملة السفاح الاستعماري الصليبي عام8971 م, وعد القائمون علي هذه الاحتفالية الاحتلال الفرنسي علي مصر علاقات ثقافية!, ورصدوا لذلك ملايين انفقت تحت سفح الهرم في احتفال ماجن يهين مصر وشعبها وحضارتها ومقاومتها!
إفساد التعليم كان امرا مقصودا لخدمة التمرد الطائفي في مصر, والاحتلال النازي اليهودي في فلسطين المحتلة, فضلا عن القوي الاستعمارية, ويضاف الي ذلك ان هيمنة الولايات المتحدة علي مصر طوال ثلاثين عاما او يزيد أسست لبلورة نخب متوحشة في عداوتها للإسلام ولمستقبل مصر, مع انها تردد كثيرا مصطلحات الحرية والاستقلال والتطور والتقدم, وقد صنع كثير منهم فيما يسمي مراكز تطوير المناهج ما لم يفعله غلاة الغزاة الذين احتلوا مصر في القرون الماضية بتخريب مناهج التعليم وتحويلها الي أشتات لاتصنع هوية ولاتبني عقلا ولاتقيم فكرا.
وبصفة عامة فان انهيار التعليم بشقيه: العام والجامعي, يستلزم بعد الثورة التركيز علي النقاط التالية:
أولا: استعادة الهوية العربية الإسلامية, وإعادة مادة التربية الدينية, إسلامية ومسيحية, الي الامتحانات الجادة, واضافتها الي المجموع في الفرق جميعها, وكذلك التاريخ الإسلامي, وتاريخ مصر القديمة.
ثانيا: اعادة الاعتبار للغة القومية, وإعطاؤها أولوية قصوي خاصة في مرحلة التعليم الأساسي, فضلا عن وسائط الإعلام والتعبير.
ثالثا: إعداد مدرس المرحلة العامة إعدادا حقيقيا يقوم علي قبول الطلاب المتفوقين في كليات دار العلوم واللغة العربية والعلوم والفنون الجميلة في كليات التربية, بما لايقل التقدير العام للطالب عن جيد وجيدا جدا في مادة التخصص, للدراسة التربوية والعملية لمدة سنتين, يعين بعدها الطالب في إطار التكليف مقابل مرتب مجز, علي أن يتم التخلص من كل من يمارس عملا غير التدريس, أو يتعاطي العمل بالدروس الخصوصية.
رابعا: استقلال الجامعة ورفع مرتبات الاساتذة بما يحقق المستوي الكريم لحياتهم, ودفع مكافأة ثابتة سنويا للكتاب الجامعي, علي ان تتولي الجامعات طبع المقررات وتوزيعها علي الطلاب بأسعار محددة, ونزع فتيل الصراعات بين الاساتذة التي تدور حول المناصب الإدارية والجداول التدريسية والاساتذة العاملين وغير العاملين, فضلا عن وضع ضوابط واقعية للارتقاء بالبحث العلمي والترقيات ورفع المستوي العلمي لهيئة التدريس.
خامسا: تشجيع الهيئات الاهلية, خاصة الحركة الإسلامية علي إنشاء المدارس الأهلية ـ وليس الخاصة التي تبتغي الربح والتجارة ـ لتعويض القصور في المدارس الحكومية, وايضا ينبغي ان يتوقف السماح بإنشاء الجامعات الخاصة والاجنبية التي تحولت الي مؤسسات لها اهداف غير تعليمية بالدرجة الاولي, لتتقدم الجامعات الاهلية التي يسهم في انشائها جموع المواطنين, خاصة في المواقع الصحراوية او قليلة السكان.
خامسا: صار توحيد التعليم في المرحلة الاساسية امرا ضروريا, فوجود مدارس انجليزية او فرنسية او المانية او غيرها لم يعد مقبولا لبناء المواطنين المصريين, ويمكن ان يسمح للجاليات الاجنبية وحدها بانشاء مدارسها, اذا كانت هناك اعداد تقتضي ذلك, علي الا يدخلها مصريون مهما تكن الاسباب.