السؤال:
أنا الآن أجد مضايقة كبيرة من جميع الناس، وأصبحت انطوائية وأجد نفسي شبه مظلومة من أهلي وصبرت، ولكن أصبح الآن ينفذ صبري وأريد أن أتزوج؛ فادعوا لي.. الآن هل أستمر في الصبر علما بأن لا أحد يصدق مصارحتي!
الجواب:
أختنا الكريمة: بداية أحب أن تكوني أكثر تفاؤلا وانشراحا، حتى تستطيعي أن تنجحي في حياتك وفي علاقاتك سواء مع أفراد أسرتك أو مع أفراد المجتمع.
- فبالنسبة لما تتعرضين إليه من مضايقات كثيرة من جميع الناس، فهذا يبعث لطرح سؤال مهم جدا عليك وهو: لماذا يتضايق الناس منك هل لأجل صراحتك؟ أم لأسلوبك في المصارحة، أم لأسباب أخرى لا علاقة لها بصراحتك، إنما بقضايا أخرى؟
إذا ينبغي عليك أن تتأكدي أولا من السبب الحقيقي أو من الأسباب التي تعرضك لمثل هذه المضايقات، حتى يكون وصف العلاج ناجعا، وأيا كان السبب فحله في: أن تسعي لتكسبي محبة الناس ومودتهم بطرق مختلفة، وهذا يحتاج منك لصبر ومجاهدة، كما يحتاج إلى أسلوب معين في الخطاب، أسلوب ليس موحدا يشمل جميع الناس سواء، بل يختلف من شخص لآخر، فمخاطبتك للصغير ليس كمخاطبتك للكبير، ومخاطبتك للرجل ليس كالمرأة، وخطاب فئة الشباب ليس كخطاب فئة الكهول أو الشيوخ، وخطاب أهل العلم ليس كخطاب عوام الناس، وخطاب أهل المدينة ليس كخطاب أهل البادية وهكذا، وهنا أقدم لك مجموعة من النصوص وهي مفيدة في بابها، توجهنا إلى أن نخاطب الناس على قدر عقولهم وفهمهم ووعيهم..ففي صحيح البخاري عن علي موقوفا: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله)، ونحوه ما في مقدمة صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)، وروى البيهقي في الشعب عن المقدام بن معدي كرب مرفوعا: (إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يعزب عنهم ويشق عليهم)، وصح عن أبي هريرة حفظت عن النبي صلي الله عليه وسلم وعاءَيْنِ: فأما أحدهما فَبَثثْتُهُ، وأما الآخر فلو بثثتُه لقُطع هذا البلعوم)، فمحادثة الناس ومخاطبتهم لها أصول ولها ضوابط نتأدب بها ونتحلى بحُلاها، لأن الناس معادن شتى، وطبائع مختلفة، وشعوبا وقبائل منها ما يحتاج الرفق ومنها ما يحتاج الشدة، وحريٌّ بنا استعمال كل في موطنه، وحري بنا ان نتعلم جميعا من مدرسة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهج أسلوبه في تعليم الناس، وتوجيههم ودعوتهم.
- أما عن معاملة أهلك وشعورك بظلمهم لك، فأرى أن الأهل ربما يخطئون في تصرفاتهم أو في أسلوب معاملتهم لأبنائهم، ولكن تظل الأسرة والأهل هم أكثر الناس إخلاصا وصدقا في محبة أولادهم وذويهم، وبناء على هذا حاولي أن تتخلصي من فكرة أنهم يظلمونك، فقد تكوني تتوهمي هذا وهو بخلافه، وحتى لو كان صحيحا، أين دورك في المحافظة والدفاع على حقوقك؟ حاوريهم وناقشيهم ولا تكثري عليهم في كل ألأوقات من العتاب والشكوى والتذمر، استخدمي حكمتك وكلمتك الطيبة وابتسامتك الصادقة في وجوههم، ليستقبلوا صراحتك بنفس راضية، لا يمكن أن تجني الثمار وأنت لم تجاهدي في اختيار التربة والأرض الصالحة للزراعة، ثم رعاية النبات وسقيه وزرعه لغاية ما ينمو ويكبر ويخضر ويثمر، فتعاملي مع أهلك على هذا الأساس وتقربي منهم وارضيهم في غير معصية لتكسبي محبتهم ورعايتهم، وتحمليهم على شدتهم وعلى ظلمهم لوجه الله أولا ثم لأنهم أقرب الناس لنفسك ولقلبك ولصلة الدم التي تربطك بهم..
-وأهم نصيحة أقدمها لك في النهاية، أنت الآن لست متزوجة وستقدمين إن شاء الله على حياة جديدة فأهِّلي نفسك لمواجهة الشدائد بالتعود على رحابة الصدر، والصبر على الأذى والمحن والمظالم، حتى تستطيعي أن تقاومي حياة جديدة مع شخص لن يكون فردا من أهلك، ولن يكون أحن عليك من أهلك، ولن يقبل صراحتك بسهولة، إلا إذا كنت تمتلكين أسلوبا تقنعينه به، وتفرضين وجودك عليه، بما تحملينه من الحق وبطريقة مرضية.
- ختاما واصلي جهادك في الحياة مع الناس والمجتمع والأهل بقوة إرادة وبصبر، وبعزيمة وهمة عالية، واجهي حياتك كما هي، وقاومي الأشياء التي تضرك وتضايقك بالسعي لإصلاحها وتغييرها لا بالانطواء والعزلة، تعلمي أن الحق لا يدرك بالشدة كما لا يدرك بالصمت، إنما بالإصرار والنضال للحصول عليه ولو استغرق ذلك عمراً.
أسأل الله العلي القدير أن يصلح حالك، ويزين أيامك بالحياة الطيبة الكريمة، ويرزقك الزوج الصالح الذي يخشى الله فيَبَرَّكِ وتبرينه.