الوصية السادسة :
احرص على أن تعلم أولادك الآداب الإسلامية منذ الصغر فإنهم ينشئون عليها ..
والآداب الشرعية متنوعة :
مثل آداب الطعام والشراب فيقول بسم الله قبل الأكل والحمد لله بعده ، ويأكل باليد اليمنى ..
وآداب المجالسة فيسلم عند الدخول والخروج ، ويحترم الكبير ..
ويلتزم بآداب الكلام فلا يكذب ولا يتلفظ بألفاظ بذيئة ..
وآداب الخلاء كذكر الله قبل الدخول ، وعدم استقبال القبلة أثناء قضاء الحاجة ..
وغير ذلك من الآداب ، وما ذكرته مجرد أمثلة فقط ..
فإذا أهملت تعليم ولدك الآداب الشرعية في صغره ..
هل تدري ما النتيجة ؟ سوف يتولى تأديبه غيرُك ، فيتعلم في الحضانة أن يأكل بالشوكة بيده اليسرى .. ويتعلم في الحضانة أن لا يغلق باب الخلاء ولا يستر عورته عند قضاء الحاجة .. ويتعلم في الشارع السب واللعن والكلام الفاحش ..
فـتــأمـل الفــرق بيت التـربيـتـين ...
حدثني أحد المشايخ الدعاة يبلغ من العمر خمسين سنة أنه ألقى محاضرة في أحد المراكز الإسلامية في إيطاليا وتكلم أثناء المحاضرة عن تربية الأولاد والمسئولية نحوهم .. وكان أغلب الحاضرين من العرب المغتربين ..
قال الشيخ :
وفجأة قام شيخ كبير قد تجاوز الثمنين وقطع محاضرتي .. وصاح بأعلى صوته وقال :
يا شيخ !! أريد أن أزوجك ابنتي !! تزوجها وخذها معك !! أرجوك !! يا شيخ !! يا شيخ !!
ثم بكى .. وبكى ..
فتعجبي منه لكنني لم أرد عليه ..
فلما انتهت المحاضرة دعوته إلىّ وشكرته على حسن ظنه بي ، وبينت له أنني لا أرغب في الزواج ، ثم سألته :
ما سبب حماسك وبكائك ؟ ومقاطعتك للمحاضرة ؟؟
فـقـال : يا شيخ ، نحن كنا أصدقاء أربعة أتينا إلى هذه البلاد مع أولادنا طلباً لحياة أفضل ، وكبر أولادنا وبدؤوا يتفلتون من أيدينا .. ومضت السنين ومات أصحابي فتنصَّر جميع أولادهم وأنا انظر ..
أما أنا فقد كبر الآن سني .. ورقّ عظمي .. واقتربت منيتي .. أنا خائف على ابنتي .. هي اليوم في المسجد .. وغداً لا أدري أين تكون ثم بكى .. وبكيتُ وبكى من حولنا ..
الوصية السابعة :
لا بدّ أن تتعاون مع أم أولادك وتجندها معك في تربيتهم ، وتزرع فيها الصبر والاحتساب ، فأحسن اختيار زوجتك ، واحرص على أن تكون مؤمنة متحجبة عفيفة ، ثم بعد الزواج احرص على ارتقاء إيمانها وزيادة معرفتها بالدين ، وشجعها على حضور المحاضرات والدروس الشرعية ، وقراءة الكتب النافعة واستماع الأشرطة المفيدة ..
فإن الأم إذا صلحت صلح الأولاد تبعاً لها ..
الوصية الثامنة :
أخي الكريم !! منذ كم سنة أنت مقيم هنا في بلاد الغربة ؟! بين الكفار الضالين !!
بعض المغتربين جاء إلى بلاد الغربة منذ عشر سنوات وبعضهم عشرين ، ولا أبالغ لو قلت إن بعضهم جاء منذ أربعين سنة .. سكن معهم في مساكنهم .. وخالطهم في وظائفهم .. وأسواقهم .. وشوارعهم .. ومطاعمهم ..
ولكن الأسئلة الكبيرة التي أريدك أن تجيب عليها بصراحة : من خلال هذه الإقامة الطويلة :
كم شخصاً أسلم على يدك خلال هذه السنوات ؟ .. بل كم شخصاً ناقشته عن الإسلام وأزلت ما في نفسه من شبهات أو سوء فهم عن الإسلام ؟ ..
كم كتاباً أو شريطاً في الدعوة إلى الإسلام وزعت ؟ ..
كم مسلماً مقصراً نصحت ؟ ..
وفي الجانب الآخر أسألك :
كم من الأموال جمعت ؟ .. وكم شقة اشتريت ؟..
وأعوذ بالله أن أسألك : كم معصية كبيرة قارفت ؟؟..
أيها الأخ الحبيب : إن أصحاب المذاهب الضالة الهدامة يعملون دائبين في الدعوة إلى مذاهبهم في دول أوربا وغيرها أكثر من بعض المسلمين ، فانظر إلى نشاط " شهود يهوه " .. ونشاط " الشيعة " .. وغيرهم .. مع أنك على حق وهم على الباطل .. { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحا } ..
كن مشعل هداية أينما كنت ، احمل معك الكتب والأشرطة الدعوية ولن تكلف إلا مبلغاً يسيراً يعوضك الله به خـيـراً ..
أحد المسلمين كان يعمل في شركة كبرى ويحدث نفسه بالدعوة دائماً لكنه يخجل ويتكاسل ، وفي يوم من الأيام أحيل إلى التقاعد أحد زملائه من الموظفين الكبار ، فعمل له أصحابه حفلة توديع ، وأحضر كل واحد من زملائه هدية يودعه بها ..
قال صاحبنا : واحترتُ ماذا أقدم له ؟! فتذكرت أن هذا الموظف يحب التحف والأواني الأثرية القديمة ، فاشتريت له تحفة جميلة وخبأت بداخلها كتاباً صغيراً عن الإسلام وكتبت عنواني عليه ، وغلفتها بغلاف جميل وأهديتها إليه مع بقية زملائي ..
ومضت الأيام ..
وبعد قرابة الشهرين فوجئت باتصال من صاحبي المتقاعد يبشرني بإسلامه .. ويخبرني أنه قرأ الكتاب كله .. ثم اشتاق أن يتعلم معلومات أكثر عن الإسلام فبدأ يبحث ويسأل حتى دخلت الهداية قلبه وأسلم .. والسبب الأول هو هذا الكتاب الذي خبأته له على استحياء ..
والعجيب أن صاحبي المتقاعد بدأ يلومني : لماذا حجبت عني الهداية طوال تلك السنوات ؟!
أيها المغترب الحبيب المبارك :
هل تعلم كيف دخل الإسلام إلى الهند وباكستان والصين وكثير من بلاد أفريقيا .. وغيرها من البلاد البعيد عن مهبط الرسالة ؟؟
لم يدخلها عن طريق الدعاة .. ولا عن طريق الجهاد .. ولا عن طريق المكاتبات .. ولا .. إنما دخلها عن طريق رجال مسلمين ليسوا علماء ولا دعاة ، تجار ذهبوا إلى هناك في تجارة .. ذهبوا ليشتروا البضائع ويبيعوا بضائعهم .. ذهبوا لا يريدون إى الدنيا والمال .. وماذا كانت النتيجة ؟؟
جمع الله لهم الدنيا والآخرة .. جمعوا الأموال .. وتأثر أهل تلك البلاد بالمسلمين .. رأوا صلاتهم .. وحسن تعاملهم .. فسألوهم عن الإسلام فأخبروهم ودعوهم إليه .. فأسلم ما لا يحصى عدده من الناس بسبب هؤلاء التجار ..
في الهند مائة مليون مسلم ، ومن كان سبب هدايتهم ؟!
وفي الصين أكثر من مائة مليون ، من كان سبب هدايتهم ؟!
وفي بلاد أفريقيا مئات الملايين ، ومن كان سبب هدايتهم ؟!
إنهم هؤلاء التجار الذين دخلوا هذه البلاد طلباً للدنيا فجمع الله لهم الحسنيين ..
أيها الأخ المسلم الموفق :
إن حالك لا يختلف كثيراً عن حال أولئك التجار ، هم جاءوا إلى تلك البلاد طلباً للدنيا ، وأنت جئت إلى هذه البلاد طلباً للراحة الدنيوية والعيش الرغيد والأمن على النفس والولد .. فلماذا لا تجمع الدنيا والآخرة !! كما فعلوهم .
أخي الكريم :
لعل الله كتب الهداية لأهل هذه البلاد على يدك أنت ومن معك من المغتربين ..
لعل الله قدّر عليكم من الظروف والمشاكل ما استجلبكم به إلى هذه البلاد لهداية هؤلاء ، فلماذا لا تكونون دعاة إلى ربكم .. { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ..
وليس الدعوة للكفار فقط بل للمسلمين المقصرين المذنبين .. فهم وإن وقعوا في المعاصي أو قارفوا الكبائر فلا يزال فيهم إيمان وحب للدين ورغبة في العودة إليه ..
قال أحد الدعاة :
ألقيت محاضرة في مركز إسلامي بإحدى الدول الأوروبية .. وبعد المحاضرة جاء إليّ شاب تنبعث منه رائحة الدخان ( السجائر ) وقد بدت عليه آثار المعصية .. فصافحني وقبلني بحرارة .. ثم طلب مني أن أخبره كيف يستطيع أن يذهب للجهاد في الشيشان .. قلت له : أنت تريد أن تجاهد ؟! قال : نعم .. قلت : أتدري ما الجهاد ؟ إنه قتل للنفس .. ومفارقة للأهل والأولاد .. فقال : أليس الجزاء الجنة ؟ قلت : بلى .. قال : كل شيء يهون ..
الوصية التاسعة :
كنت في أحد البلاد الأوربية ، وبعدما صليت التراويح وألقيت المحاضرة ، دعاني أحد الأخوة إلى منزله لتناول الشاي ..
وفي ذلك المجلس اجتمع معنا قرابة الثلاثين من الأخوة المغتربين ..
آثرت في البداية أن أستمع ولا أتكلم ..
بدأ الأخوة أحاديثهم ..
احتلال البلد الفلاني ..
وغزو البلد الآخر ..
وغلاء الأسعار ..
والضرائب ..
ثم اشتدّ النقاش .. وارتفعت الأصوات .. وضجّ الصياح ..
ثم تحول الأمر إلى سبّ وتقذيع ..
هذا حالهم .. أما حالي فهو أعجب وأغرب .. لأنني أول الأمر ظننت نفسي انتقلت إلى اجتماع هيئة الأمم المتحدة .
لكني بعدما تلفتّ حولي تذكرت أني لا أزال بين هؤلاء الأخوة .. فبقيت هادئاً ..
في البداية خجلت أن آمرهم بالسكوت .. وانتظرت أن تنخفض أصواتهم .. فلم يفعلوا ..
فلما طال الأمر التفتّ إلى الذي بجانبي وقلت : هل سيطول الحال هكذا ؟!!
فقال : ما رأيت شيئاً !! هم اليوم هادئووون !! إن موعدهم الصبح !! أليس الصبح بقريب ؟!!
ثم قال : هل تريد أن أسكتهم ؟
قلت : هل تستطيع ذلك ؟!! نعم أسكتهم .
فصاح بأعلى صوته : يا جماعة !! نريد أن نستفيد من الشيخ ، يا جماعة !! هدووووء ..
فخجلوا وبدأ بعضهم يسكت بعضاً ..
فقلت لهم : أسألكم سؤالاً :
كلكم تحفظون سورة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ } ؟
قالوا : نعم !!
فقلت : ما معنى { اللَّهُ الصَّمَدُ } ؟ فسكتوا !!..
قلت : كلكم تحفظون { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }
قالوا : نعم !!
فقلت : ما معنى { غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ؟ فسكتوا !! ..
فقلت : أيها الأخوة الأخيار !! لو اشتغلتم في مجلسكم هذا بتفسير آية .. أو قراءة حديث .. أو النقاش حول تربية أولادكم .. أو حل مشاكل بناتكم .. لكان خيراً لكم مما أنتم فيه ..
كم هي المجالس التي تجلسونها وينطبق عليها قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم ، إلا كان عليهم ترة يعني : ( حسرة وندامة ) فإن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم )) ( 9 ) ؟
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة )) ( 10 ) .
ثم قلت لهم : هذا تفسير ابن كثير موجود على الطاولة أمامكم ، فلماذا لا تستفيدوا منه ؟!!
كيف تريدون أن تنصروا هذا الدين ، وأن تدعوا الناس إليه ، وأنتم تجهلون المبادئ الأساسية من الدين ، لو سألتكم في بعض أحكام الصلاة ، أو الصيام لوجدت أكثرهم بها جاهلاً .. ثم دعوت لهم وختمت المجلس ..
وحدثني أحد الدعاة فقال : كنت في أمريكا في شهر رمضان ، وألقيت محاضرة باللغة العربية حول الأسرة وتربية الأولاد ووسائل الثبات على الدين ..
وما كادت المحاضرة تنتهي حتى قام أحدهم وسأل :
لماذا الحاكم الفلاني يفعل كذا وكذا ؟!!
فأجبته بلطف قائلاً أرجو أن تكون الأسئلة فيما يتعلق بموضوع المحاضرة ..
فقام آخر فقال : لماذا الدولة الفلانية تقاتل دولة كذا ؟!!
فاعتذرت عن الإجابة لأن الإجابة لا تفيدنا بشيء ..
فقام أحدهم متحمساً وقد ظن أنني خائف من الإجابة ، فقال :
يا شيخ !! لا تكن جباناً !! سيد الشهداء هو الذي يجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر .. فيقتله .. فاجهر بكلمة الحق وإن وصلت إلى سلطان فقتلك !! أفلا تريد أن تكون سيد الشهداء ؟!!
فقلت له : إذاً ما رأيك أيها الأخ الشجاع أن نجمع لك الآن ثمن تذكرة سفر ، وتعود إلى بلدك وتجهر بكلمة الحق عند الرئيس ( ... ) ، ليقتلك فتكون أول الشهداء !!! ونحن بعدك إن شاء الله ..
فضحك الجميع .. وأغرقوا في الضحك .. ثم ضج المسجد بالكلام والاعتراضات ..
فصحت بأعلى صوتي قائلاً :
يا جماعة !! أنا أحدثكم عن أمور تعيشونها يومياً وتقاسون آلامها ، وأنتم تشغلونا بأمور لو تكلمنا عنها عشر سنين لما استفدنا منها شيئاً ..
ثم رفعت صوتي أكثر ، وقلت :
من منكم يستطيع أن يمنع ابنته من الزنا ؟؟
من منكم يستطيع أن يمنع امرأته من اتخاذ صديق أو عشيق ؟؟
من منكم يستطيع أن يمنع ولده من شرب الخمر ؟؟ أو ارتكاب الفواحش ؟؟
من منكم يستطيع أن يلزم أولاده بالصلاة ؟
.. أو بالصوم ؟
.. أو بالعفة عن المحرمات ؟
.. أو بعدم الاختلاط ؟؟ ..
فسكتوا جميعاً ..
فقام أحدهم وقال : بصراحة يا شيخ : لا أحـد .. والله يا شيخ !! لا أحـد .. لو منعت ابنتي أو ولدي من شيء اشتكاني إلى الشرطة .. حتى زوجتي ..
فقلت : أيها الأخوة الكرام :
لن يسأل الله أحداً منكم يوم القيامة عن الحاكم الفلاني أو الدولة الفلانية .. ولا عن أسعار النفط ..وأين تصرف عائداته ..
ما ذا يفيدك الكلام في هذه الأمور ما دام أنه من باب معرفة الواقع المحيط بك ، أما الاشتغال بها وإثارتها في المجالس والمحافل فهذا غير مناسب لأبداً ، بل هو مجلبة للجدال والخصومات وأنتم في غنى عن ذلك .. لن يضركم الجهل بها يوم القيامة ..
لكن والله ليسألن كل منكم يوم القيامة عن أولاده وتربيتهم .. وبناته وصيانتهن .. وزوجته وحفظها .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله سائل كل راع عما استرعاه : أحفظ أو ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) ( 11 ) .
قال الشيخ : فلما سمعوا مني ذلك .. أنصتوا .. واستمعوا ..
أيها الأخ الحبيب :
احرص على طلب العلم .. وتعلم أحكام دينك .. بقراءة الكتب النافعة ، واستماع الأشرطة المفيدة ، ومجالسة طلاب العلم ، وحضور مجالس الذكر .. احذر أن يمرّ عليك يوم دون أن تستفيد فيه فائدة جديدة ..
سل نفسك : هل تتقن القرآن ؟ كم تمضي من الوقت يومياً في قراءة الكتب النافعة وكم تمضي في مشاهدة التلفاز ؟ ثم قارن بين الوقتين .. وسل نفسك .. ألا يستحق هذا الدين أن أبذل له أكثر وقتي تعلماً وتعليماً و دعوة ..
أيها الأخ المبارك : احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وكن مؤثراً فعّالاً ، إذا دُعيت إلى مجلس فخذ معك كتاباً نافعاً .. واقرأ عليهم ولو لمدة عشر دقائق .. عن فضل قيام الليل .. أو فضل ذكر الله تعالى .. أو فضل الصدقة .. أو غير ذلك .. ليكون مجلسكم تحفه الملائكة وتغشاه الرحمة .. ويذكركم الله فيمن عنده ..
أسأل الله تعالى أن يجعلك مباركاً أينما كنت .. آمين .
الوصية العاشرة :
إن الفراغ الكثير يؤدي إلى كثير من المفاسد .. من أعظمها : كثرة الكلام والقيل والقال .. فتجد أن كثيراً من الأخوة المغتربين يجتمعون في مجالس متعددة فيبدأ أحدهم في غيبة الآخر أو الانتقاص من عرضه .. أو التدخل في شئونه الخاصة .. أو تقديم اقتراحات وآراء في أمور شخصية دون أن يطلب منه ذلك .. وقد يكون الدافع إلى ذلك أحياناً الغيرة ..
وأحياناً تمتلئ القلوب ضغينة وحقداً .. وبغضاً وحسداً ..
أيها الأخ الحبيب :
كيف تريد أن نوحّد الأمة الإسلامية ونحن لم نستطع أن نوحّد صفوفنا المسلمة في بلد واحد ؟!! بل فرّقتنا الأحقاد والخلافات ..
إن صفاء النفس وسلامة الصدر على المسلمين عبادة من أعظم العبادات ، بل هي من صفات أهل الجنة { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } ..
وما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الناس أفضل ؟ فقال : (( كل مخموم القلب صدوق اللسان )) قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب . قال (( هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد )) ( 12 ) .
أحسن إلى المسلمين وإن أساءوا إليك .. واحلم عليهم وإن غضبوا عليك .. واجعل صدرك واسعاً لإخوانك المسلمين ..
وإنما الدنيا أيام معدودات ..
كثير من الناس يستطيع أن يتقرب إلى الله تعالى بصلاة وصدقة وصيام .. ولكن قليلاً منهم من يستطيع أن يتقرب إلى الله بصفاء سريرته على المسلمين .. فاحذر من أن يطلع الله تعالى على صدرك فيرى فيه غلاً وحسداً على المسلمين ..
الوصية الحادية عشرة :
انتبه .. احذر من الزواج من امرأة نصرانية .. نعم قد تقول لي إن ذلك جائز في شريعة الإسلام .. فأقول لك نعم هو جائز .. ولكن عند النظر فيما ترتب ويترتب على هذا الزواج من ضياع الأبناء – غالباً – وكثرة الخلافات بين الزوجين ، أو تخلي الزوج عن دينه ، حتى يصل إلى حال يكون تعلقه بالإسلام بمجرد الاسم فقط .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. فلا صلاة .. ولا دعوة إلى الله .. ولا حجاب لزوجته .. ولا محاربة للاختلاط .. ولا .. ولا ..
وكلّ هذا قد رأيته بنفسي – والله – عند رجال مسلمين أقدموا على الزواج من النصرانيات ثم بعدما ذهبت سكرة الزواج .. وفرحة الحياة الجديدة .. بدأ أحدهم يجني ثمار تسرّعه في الزواج من النصرانية ..
الوصية الثانية عشرة :
ما هو مصدر تلقي الدين إليك ؟! .. سؤال مهم .. لاحظت أن بعض الأخوة المغتربين يتتبعون الرخص .. ويفرحون بمن يفتيهم بما يوافق أهواءهم .. بل بعضهم إذا سمع فتوى توافق هواه .. طار بها فرحاً ومدح المفتي قائلاً : هذا هو الشيخ العالم .. هذا هو الشيخ الذي يفهم الواقع .. هذا الذي يعيش جراح المسلمين ..
يقول ذلك عن الفتوى وإن كانت تخالف الكتاب والسنة .. أو فيها تمييع للدين .. أو تساهل بالنصوص الشرعية .. أو تحايل للبحث عن الرخص والأقوال الضعيفة .. فالمهم أنها فتوى .. فتوى !!..
أيها المسلم الحبيب :
إن الله سيسألك يوم القيامة سؤالاً واحداً { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } .. لن يسأل عن الشيخ فلان ولا فلان .. وإنما عن اتباع الكتاب والسنة .. فقط ..
أعيد عليك السؤال المهم مرة أخرى : ما هو مصدر تلقي الدين بالنسبة إليك ؟!
هل كل من لبس جبة أو عمامة وظهر في القنوات الفضائية يكون مفتياً .. ويصلح أن يكون مصدراً لتلقي الدين ؟!
إن المقياس الذي ينبغي أن تحكم به على الشيخ المفتي هو أن تكون فتاواه موافقة للكتاب والسنة .. ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ..
قال الشيخ :
ألقيت محاضرة في أحد المراكز الإسلامية .. فجاء إليّ أحدهم وقال : يا شيخ لماذا تشدد في مسألة الاختلاط .. والشيخ الدكتور فلان في قناة ( ... ) يقول إن الاختلاط بين الرجال والنساء جائز في الولائم والحفلات إذا حسنت النية .. وكان نظر بعضهم إلى بعض بغير شهوة ؟!
وألقيت محاضرة في مكان آخر إلى أحدهم .. وقال : يا شيخ ما حكم الربا ؟
قلت : حرام !! بجميع صوره وأشكاله ..
فقال : إن الشيخ فلان في قناة ( ... ) يقول : إنه ضرورة من ضرورات العصر .. ولا بأس به ..
وجاء إليّ مستفتياً عن حكم المعازف والموسيقى .. ثم قال : قد أفتى الشيخ فلان أنها حلال ..
فلا تجعل دينك عرضة لكل من أراد أن ينتقصه أو يفسده عليك .. فإنك ستحاسب وحدك .. وتسأل وحدك
{ مــَاذَا أَجَبْـتُـمُ الْمُـرْسَلِينَ }
الوصية الأخيرة :
اذكر الوقوف بين يدي الله تعالى واعلم أن هذه الدنيا دار ممرّ لا مقرّ .. واسأل الله تعالى حسن الخاتمة ..
قال صاحبي :
كنت أدرس الطب في كندا ، ولا أنسى أبداً ذلك اليوم الذي كنت أقوم فيه بالمرور اليومي على المرضى في غرفة العناية المركزة في المستشفى ، ولفت انتباهي اسم المريض الذي في السرير رقم 3 ، إنه محمد ... أخذت أتفحص وجهه الذي لا تكاد تراه من كثرة الأجهزة والأنابيب على فمه وأنفه ، إنه شاب في الخامسة والعشرين من عمره مصاب بمرض ( الإيدز ) أُخل إلى المستشفى قبل يومين إثر التهاب حادّ في الرئة .. حالته خطرة .. جداً .. جداً .. اقتربت منه .. حاولت أن أكلمه برفق : محمد .. محمد .. إنه يسمعني لكنه يجيب بكلمات غير مفهومة .. اتصلت ببيته فردت عليّ أمه .. يبدوا من لكنتها أنها من أصل لبناني .. عرفت منها أن أباه تاجر كبير يمتلك محلات حلويات .. شرحت للأم حالة ابنها ، وأثناء حديثي معها بدأت أجراس الإنذار تتعالى بشكل مخيف من الأجهزة الموصلة بذلك الفتى مؤشرة على هبوط حادّ في الدورة الدموية ، ارتبكت في حديثي مع الأم .. صرخت بها : لا بدّ أن تحضري الآن ، قالت : أنا مشغولة في عملي وسوف أحضر بعد انتهاء الدوام ، قلت : عندها ربما يكون الأمر قد فات .. وأغلقت السماعة ..
بعد نصف ساعة أخبرتني الممرضة أن أم الفتى وصلت وتريد مقابلتي .. قابلتها .. امرأة في متوسط العمر لا تبدو عليها مظاهر الإسلام .. رأت حالة ابنها فانفجرت باكية .. حاولت تهدئتها وقلت : تعلقي بالله تعالى واسألي له الشفاء ، قالت بذهول : أنت مسلم ؟!!
قلت : الحمد لله !! قالت : نحن أيضاً مسلمون ،
قلت : حسناً .. لماذا لا تقفين عند رأسه وتقرئين عليه شيئاً من القرآن لعل الله أن يخفف عنه ..
ارتبكت الأم .. ثم انخرطت في بكاء مرير ..
وقالت : هاه ! القرآن ؟! لا أعرف !! لا أحفظ شيئاً من القرآن !!
قلت : كيف تصلين .. ألا تحفظين الفاتحة ؟!!
فغصت بعبراتها وهب تقول : نحن لا نصلي إلا في العيد منذ أن أتينا إلى هذا البلد ..
سألتها عن حال ابنها ، فقالت : كان حاله على ما يرام ، حتى تردّت بسبب تلك الفتاة ..
قلت : هل كان يصلي ؟
قالت : لا ، لكنه كان ينوي أن يحج في آخر عمره ( !! ) ..
بدأت أجهزة الإنذار ترتفع أصواتها أكثر وأكثر .. اقتربتُ من الفتى المسكين .. إنه يعالج سكرات الموت .. الأجهزة تصفّر بشكل مخيف .. الأم تبكي بصوت مسموع .. الممرضات ينظرون بدهشة .. اقتربت من أذنه وقلت : لا إله إلا الله .. قل لا إله إلا الله .. الفتى لا يستجيب .. قل لا إله إلا الله .. إنه يسمعني .. بدأ يفيق وينظر إليّ .. المسكين يحاول بكلّ جوارحه .. الدموع تسيل من عينيه .. وجهه يتغير إلى السواد .. قل لا إله إلا الله .. بدأ يتكلم بصوت متقطع : آه .. آه .. ألم شديد .. آه .. أريد مسكناً للألم .. آه آه .. بدأت أدافع عبرتي وأتوسل إليه قل لا إله إلا الله .. بدأ يحرك شفتيه .. فرحت .. يا إلهي سيقولها .. سينطقها الآن .. لكنه قال : ( I cant .. I cant ) أريد صديقتي .. أريد صديقتي .. لا أستطيع .. لا أستطيع .. الأم تنظر وتبكي .. النبض يتناقص .. يتلاشى .. لم أتمالك نفسي .. أخذت أبكي بحرقة .. أمسكت بيده .. عاودت المحاولة : أرجوك قل لا إله إلا الله . لا أستطيع .. لا أستطيع .. توقّف النبض .. انقلب وجه الفتى أسوداً .. ثم مات .. انهارت الأم .. وارتمت على صدره تصرخ .. رأيت هذا المنظر فلم أتمالك نفسي .. نسيت كلَّ الأعراف الطبية .. انفجراتُ صارخاً بالأم : أنت المسئولة .. أنت وأبوه .. ضيعتم الأمانة ضيعكم الله .. ضيعتم الأمانة ضيعكم الله .. { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ..
أخي المغترب :
تأمل في حال هذا المسكين .. وماذا لو كان ولدك أو ابنتك .. أو أخوك .. أو أنت .. نعم أنت فاحرص على طاعة الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ..
الجأ إلى الله تعالى في جميع أحوالك وسله العون والتوفيق في كل أعمالك .. سله صلاح الذرية { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ }..
وسله الثبات على الدين والنجاة من الفتن { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }..
احرص على ذكر الله تعالى في جميع أحوالك { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } .. واستشعر مراقبته إن دعتك النفس إلى معصية واعلم أنه يراك ويراقبك ..
ومجمل القول : اجعل بينك وبين ربك عز وجلّ علاقة خفية .. من قيام ليل .. أو صيام .. أو صدقة سرّ .. أو دعوة ونصح للناس .. فإن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة ..
أسأل الله أن يحفظك ويوفقك ..
وختاماً : أيها الأخ الحبيب .. أيها المسلم المغترب ..
هذه وصايا استخرجتها لك من مكنون نصحي .. سكبت فيها روحي .. وصدقتك فيها النصح والتوجيه ..
فلا يكن نصيبي منك أقل من دعوة لي بظهر الغيب تستنزل بها الرحمات لي ولك من أرحم الراحمين ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبك : محمد بن عبدالرحمن العريفي
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض
عضو لجنة أوربا في مؤسسة الحرمين الخيرية
1/2/1420هـ الموافق 4/5/2000م
ص.ب : 151597 – الرياض : 11775
البريد الألكتروني :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]