الاسم / أحمد عبدالنبي علي الدين محمد
المجموعة رقم / 2
شعبة / علوم
دبلومة تربوية نظام العام الواحد
إن الإسلام قد حثَّ علي وحدة الصف الإسلامي في جميع تعاليمه من قرآن وسُنَّة وفي ما روي عن سِيَرِ الصحابة والتابعين ما يدل أيضاً علي ذلك حيث أن الإسلام ليس جماعات أسسها بشر وإنما هو جماعة واحدة أسسها سيد البشر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وحث علي وحدة المسلمين وتجلي لنا ذلك من خلال دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكذلك سيرة النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وتابع التابعين ونذكر في ما يلي بعضاً من ذلك :-
أولا :- نصوص القرآن الكريم:-
جاء التأكيد في القرآن الكريم على مراعاة هذا الأصل، ومن ذلك: قال ـ عز وجل ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ *وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.[آل عمران: 102 - 103] .
وقال ـ عز وجل ـ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَـجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْـجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.[هود: 118 - 119].
روى ابن جـــريـر عـن الحسـن في قــوله ـ تعالى ـ: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} «وأما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافاً يضرهم». وروى فيها عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: «خلقهم فريقين: فريقاً يرحم فلا يختلف، وفريقاً لا يرحم يختلف؛ وذلك قوله: فمنهم شقي وسعيد».
ثانيا :- نصوص السنة:
لقد تكررت الوصية في السنة بالاعتناء بالاجتماع ووحدة الصف، وتكرر النهي عن التفرق والاختلاف، ومما ورد في ذلك عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله يرضى لكم ثلاثا ً، ويكره لكم ثلاثا ً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ».
وعن الحارث الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها..... الحديث وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمسٍ اللهُ أمرني بهن : السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ؛ فإنه من فارق الجماعة قَيْدَ شبرٍ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، إلا أن يرجع ...».
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: خطبنا عمر بالجابية فقال يا أيها الناس! إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يُستحلف، ويشهد الشاهد ولا يُستشهد ، ألا لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن».
وعن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « البركة في ثلاثة : في الجماعة ، والثريد ، والسحور ».
ثالثاً :- أن هذا مما بعث الله الأنبياء به :-
كان الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ دعاة لوحدة الصف وجمع الكلمة ، قال الإمام البغوي : « بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة».
وقد اختلف الأنبياء من قبل في الرأي ، فاختلف موسى وهارون : { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا بْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [ طه: 92 – 94 ]. ولو وقع مثل هذا الأمر في عصرنا فقد تجد من يتهم مثل هارون بأنه سكت عن إنكار الشرك الأكبر، وأن المسألة خلل في الاعتقاد وانحراف في المنهج....إلخ. وبغض النظر عن الأصوب من الاجتهادين فالخلاف حصل ، وعذر كل منهما الآخر.
كما اختلف الخضر وموسى ، واختلف سليمان وداود: { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِـحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْـجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78 - 79] ، واختلفا ـ عليهما السلام ـ في شأن المرأتين اللتين اختصمتا في الابن
واختلفت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في شأن قاتل المائة حين مات بين القريتين.
رابعا :- واقع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
لقد كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اعتناء بالغ بهذا الأمر، وكان الخلاف في الرأي يحصل بينهم، ومع ذلك كانت النفوس صافية نقية .
نقل الحافظ في الفتح عن القرطبي قوله: « مَنْ تَأَمَّلَ مَا دَار بَيْنَ أَبِي بَكْر وَعَلِيٍّ مِنْ الْمُعَاتَبَةِ وَمِنْ الاعْتِذَارِ وَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ مِنْ الإنْصَافِ عَرَفَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَعْتَرِفُ بِفَضْلِ الآخَرِ، وَأَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ مُتَّفِقَة عَلَى الاحْتِرَام وَالْمَحَبَّة، وَإِنْ كَانَ الطَّبْع الْبَشَرِيّ قَدْ يَغْلِب أَحْيَانًا لَكِنَّ الدِّيَانَة تَرُدُّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ».
عن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أسألها عن شيء فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئاً، إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشْقُق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به».
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذهبت أسب حسان عند عائشة ـ رضي الله عنه ـ فقالت: «لا تسبه؛ فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وها هو ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يثني على ابن الزبير رغم ما كان بينهما. قال ابن أبي مليكة : وكان بينهما شيء ، فغدوت على ابن عباس فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل حرم الله ؟ فقال: معاذ الله! إن الله كتب ابن الزبير وبني أمية محلين، وإني والله لا أحله أبداً، قال: قال الناس بايع لابن الزبير، فقلت: وأين بهذا الأمر عنه؟ أما أبوه فحواري النبي صلى الله عليه وسلم ـ يريد الزبير ـ وأما جده فصاحب الغار ـ يريد أبا بكر ـ وأمه فذات النطاق ـ يريد أسماء ـ وأما خالته فأم المؤمنين ـ يريد عائشة ـ وأما عمته فزوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ يريد خديجة ـ وأما عمة النبي صلى الله عليه وسلم فجدته ـ يريد صفية ـ ثم عفيف في الإسلام، قارئ للقرآن».
وفي حديث الإفك تعتذر عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن سعد ابن عبادة فتقول: « فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية».
وقد خالف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عمر بن الخطاب في مسائل بلغت المائة - كما ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين ـ ومع ذلك فحين أتى ابن مسعود اثنان أحدهما قرأ على عمر، والآخر قرأ على غيره، فقال الذي قرأ على عمر: أقرأنيها عمر ابن الخطاب، فجهش ابن مسعود بالبكاء حتى بلَّ الحصى بدموعه، وقال: اقرأْ كما أقرأك عمر؛ فإنه كان للإسلام حصناً حصيناً، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما أصيب عمر انثلم الحصن. وقال عنه عمر ـ رضي الله عنه ـ قولته المشهورة: « كنيف مُلِئَ علماً».
إنها النفوس التي صفت وتسامت على حظوظها، فلم يجد الهوى بينهم مكاناً، وحين يحصل بينهم ما يحصل بين البشر لا يمنعهم ذلك من العدل، ولا يقودهم إلى تتبع الزلات وملاحقة العثرات.
خامساً : الاجتماع من سمات أهل السنة وصفاتهم :-
من سمات أهل السنة الاجتماع والائتلاف، وهم من أشد الناس حرصاً عليه ودعوة له، كيف لا وهم الجماعة وهم السواد الأعظم.
قال الطحاوي رحمه الله: «ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً».
قال النووي حول حديث: « إن الله يرضى لكم ثلاثا » : « وأما قوله صلى الله عليه وسلم: « ولا تفرقوا » فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين ، وتآلف بعضهم ببعض ، وهذه إحدى قواعد الإسلام ».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «والخير كل الخير في إتباع السلف الصالح والاستكثار من معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيه ، والاعتصام بحبل الله ، وملازمة ما يدعو إلى الجماعة والألفة ، ومجانبة ما يدعـو إلى الخلاف والفرقة ، إلا أن يكون أمراً بيناً قد أمر الله ورسوله فيه بأمر من المجانبة فعلى الرأس والعين ، وأما إذا اشتبه الأمر: هل هذا القول أو الفعل مما يعاقب صاحبه عليه أو ما لا يعاقب؟ فالواجب ترك العقوبة».
سادسا :- مصالح الاجتماع لا تقارن بمفاسد الفُرْقَة :-
ثمة طائفة ممن يثيرون الفرقة يدفعهم لذلك الحرص والاجتهاد الخاطئ، ويسعون إلى تحقيق مصالح من تصحيح ما يعتقدون أن الآخرين أخطئوا وتجاوزوا فيه، لكن يغيب عنهم أن مصالح الاجتماع لا تقارن بالمفاسد الناشئة عن الافتراق والاختلاف.
عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التحدث بنعمة الله شكر وتركها كفـر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والجماعة بركة والفرقة عذاب».
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة ؛ فإنهما السبيل في الأصل إلى حبل الله الذي أمر به ، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة».
وأشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقال: «ولا سيما إذا آل الأمر إلى شر طويل وافتراق أهل السنة والجماعة؛ فإن الفساد الناشئ في هذه الفرقة أضعاف الشر الناشئ من خطأ نفر قليل في مسألة فرعية».