فاطمه الزهراء مصطفى عبد ا عضو جديد
عدد المساهمات : 16 تاريخ التسجيل : 15/04/2013 العمر : 35
| موضوع: ما هو الدين السبت 27 أبريل 2013 - 21:16 | |
| مفهوم الدين
هدف هذا الكتاب، هو عرض ودراسة العقائد الإسلامية التي يصطلح عليها بـ (أصول الدين)، ومن هنا كان لزاما
علينا أن نوضح وبايجاز لفظة "الدين" والألفاظ المناسبة لها، وذلك - وكما ذكر في علم النطق - لأن مرحلة البحث
عن "المبادى التصورية" (التعريفات) متقدمة على مرحلة البحث عن سائر المسائل.
الدين كلمة عربية، ذكرت في اللغة بمعنى الطاعة والجزاء. وأما في الاصطلاح فتعني: الإيمان بخالق الكون
والإنسان، وبالتعاليم والاحكام العملية الملائمة لهذا الإيمان، ومن هنا أطلقت كلمة اللادينيين على اولئك الذين لا
يؤمنون بالخالق إطلاقا، بل يؤمنون بالصدفة والاتفاق في خلق الظواهر الكونية، أو انها معلولة للتفاعلات المادية
والطبيعية. أما كلمة المتدينين، فتطلق على أولئك الذين يؤمنون بخالق الكون، وإن اختلطت معتقداتهم وممارساتهم
وطقوسهم الدينية ببعض الانحرافات والخرافات والأساطير، وعلى هذا الأساس تنقسم الأديان التي يؤمن بها البشر إلى
الأديان الحقة، والباطلة. والدين والحق عبارة عن المبدأ الذي يشتمل على المعتقدات الصحيحة المطابقة للواقع،
والتعاليم والاحكام التي يدعو إليها تملك رصيدا كافيا لصحتها واعتبارها.
*اصول الدين وفروعه:
يظهر جليا من هذا التوضيح الذي ذكرناه للمعنى المصطلح لكلمة الدين، أن الدين يتألف من قسمين رئيسين:
1 - العقيدة أو العقائد التي تمثل الأساس والقاعدة له.
2 - التعاليم والأحكام العملية الملائمة لذلك الأساس أو الاسس العقائدية، والمنبثقة في واقعها من تلك الأسس.
ومن هنا كان من المناسب، أن يسمى قسم العقائد من الدين بـ "الاصول" وقسم الأحكام العملية بـ "الفروع"، كما
استخدم علماء المسلمين هذين المصطلحين في مجال العقائد والأحكام الاسلامية.
الرؤية الكونية والايديولوجية إن ألفاظ الرؤية الكونية، والايديولوجية، استعملت في معان متقاربة، ومن معاني
الرؤية الكونية أنها عبارة عن "مجموعة من المعتقدات والنظرات الكونية المتناسقة حول الكون والإنسان بل وحول
الوجود بصورة عامة". ومن معاني الايديولوجية أنها عبارة عن "مجموعة من الآراء الكلية المتناسقة حول سلوك
الانسان وأفعاله".
وعلى وضوء هذين المعنيين، يمكن أن يعتبر النظام العقائدي والاصولي لكل دين هو رؤيته الشاملة، ونظام أحكامه
العملية الكلية ايديولوجيته، وبذلك يمكن تطبيقهما على اصول الدين وفروعه، ولكن يلزم التأكيد على أن مصطلح
الايديولوجية لا يشمل الأحكام الجزئية، كما أن مصطلح الرؤية الكونية، لا يشمل المعتقدات الجزئية.
والملاحظة الاخرى هي: أن الايديولوجية تستخدم أحيانا في معنى عام بحيث يشمل الرؤية الكونية.
الرؤية الكونية الإلهية والمادية نلاحظ بين الناس الكثير من أنواع الرؤى الكونية، ولكن يمكن تقسيمها جميعا على
أساس الإيمان بما وراء الطبيعة وانكاره إلى قسمين جامعين:
1 - الرؤية الكونية الالهية،
2 - والرؤية الكونية المادية.
وكان يطلق في الأزمنة السابقة على من يتبنى الرؤية الكونية المادية اسم "الطبيعي" و "الدهري" وأحيانا
"الزنديق" و "الملحد"، وأما في عصرنا فيطلق عليه "المادي".
وللمادية مذاهب واتجاهات عديدة، أشهرها في عصرنا "المادية الديالكتيكية" التي تمثل البعد الفلسفي للماركسية.
واتضح مما سبق أيضا، أن مجال الرؤية الكونية لا يتحدد بحدود المعتقدات الدينية، لأن كلمة "الرؤية الكونية"
شاملة للمعتقدات الإلحادية والمادية، كما أن كلمة الايديولوجية لا تختص بالأحكام والتعاليم الدينية فحسب.
*الأديان السماوية واصولها :
اختلف علماء الأديان والاجتماع ومعرفة الأمم والأجناس في تفسير نشأة الأديان المختلفة، أما الرأي الإسلامي
المستفاد من المصادر الإسلامية في هذا المجال فهو: ان الدين ولد مع الإنسان على البسيطة، إذ أن الإنسان الأول
على الأرض وهو آدم عليه السلام كان نبي الله، وداعيا للتوحيد، وأما الأديان المشركة، فإنها وجدت نتيجة التحريفات
والتشويهات والعمل بالأهواء والاذواق والمطامع الفردية والجماعية.
الأديان التوحيدية، وهي الأديان السماوية الأصلية الحقيقية، تشترك في ثلاثة اصول كلية: الإيمان بالله الواحد،
والإيمان بالحياة الأبدية لكل إنسان في عالم الآخرة ونيل الجزاء على الأعمال التي مارسها في الحياة الدنيوية،
والإيمان ببعثة الأنبياء والرسل المبعوثين من الله تعالى لهداية الناس لما فيه كما لهم النهائي، وسعادتهم في الدنيا
والآخرة.
وهذه الاصول الثلاثة تمثل في واقعها الأجوبة الحاسمة على الأسئلة الرئيسية التي تطرح على الإنسان الواعي: من
هو خالق الوجود ومبدأه؟ ما هو مصير الحياة؟ ما هو السبيل لمعرفة النظام الأفضل للحياة؟ أما النظام الذى يمكن
التعرف عليه من طريق الوحي فيمثل الايديولوجية المنبثقة في واقعها من الرؤية الكونية الإلهية.
وللمعتقدات الأصلية لوازم وملزومات، وتوابع وتفاصيل، تؤلف بمجموعها النظام العقائدي للدين، والاختلاف بين هذه
المعتقدات كان السبب في ظهور الأديان والفرق والنحل والمذاهب الدينية المختلفة، فالملاحظ ان الاختلاف في نبوة
بعض الأنبياء الإلهيين، وتعيين الكتاب المعتبر والمعتمد عليه، كان السبب الرئيس في الاختلاف بين الدين اليهودي
والمسيحي والإسلام، ونجم منه الكثير من الاختلافات الاخرى في العقائد والاعمال، بحيث لايتلاءم بعضها مع
المعتقدات الأصلية، امثال الاعتقاد بالثالوث المسيحي الذي لا يتلائم مع التوحيد، وإن حاول المسيحيون تبرير هذه
العقيدة وتوجيهها، وكذلك الاختلاف في تعيين الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهل يلزم تعيينه وتنصيبه
من الله تعالى أم من الناس، كان السبب الرئيس في الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة في الإسلام.
إذن، فالتوحيد والنبوة والمعاد، تمثل العقائد الأساسية لكل الأديان السماوية، ولكن هناك معتقدات أخرى نشأت اما من
تحليل هذه المعتقدات أو انها من توابعها، يمكن أن نعتبرها من العقائد الأصلية أيضا، ولكن وفق اصطلاح خاص،
فمثلا يمكن أن نعتبر الإيمان بوجود الله: "الأصل الأول" والإيمان بتوحيده: "الأصل الثاني" والاعتقاد بصل النبوة
من اصول جميع الاديان، والاعتقاد بنبوة خاتم النبيين اصلا آخر من اصول الدين الاسلامي، وبعض علماء الشيعة
اعتبر العدل - وهو من المعتقدات المتفرعة من التوحيد - أصلا مستقلا، و (الامامة) وهي من لواحق النبوة أصلا
آخر، وفي الواقع ان استعمال كلمة "الأصل" في مثل هذه المعتقدات خاضع للاصطلاح والمواضعة ولا مجال للبحث
والنزاع حوله.
إذن فكلمة "اصول الدين" يمكن استعمالها في معنيين، عام وخاص، الاصطلاح العام: ما يقابل "فروع الدين" وقسم
الأحكام، ويشمل كل العقائد المعتبرة. والاصطلاح الخاص: يختص بالمعتقدات الأساسية. ويمكن أن نطلق "اصول
الدين" بصورة مطلقة دون تخصيصها بين معين على العقائد المشتركة بين جميع الأديان السماوية، أمثال الأصول
الثلاثة (التوحيد، النبوة، المعاد)، أما لو أضفنا إليها بعض الأصول الأخرى، فنطلق عليها "اصول الدين الخاصة".
وكذلك باضافة بعض المعتقدات المختصة بمذهب معين أو فرقة معينة، نطلق عليها "اصول الدين والمذهب" أو
"اصول العقائد لمذهب معين".
| |
|
فاطمه الزهراء مصطفى عبد ا عضو جديد
عدد المساهمات : 16 تاريخ التسجيل : 15/04/2013 العمر : 35
| موضوع: رد: ما هو الدين السبت 27 أبريل 2013 - 21:18 | |
|
توصلنا مما سبق إلى أن أساس الدين هو الإيمان بوجود إله خالق للكون، وأن الفارق الرئيسي بين الرؤية الكونية
الإلهية والرؤية الكونية المادية هو في وجود هذا الإيمان وعدمه.
ومن هنا، فالقضية الاولى التي تطرح نفسها للباحث عن الحقيقة، وعليه قبل كل شئ التوصل للإجابة الصحيحة عنها
هي: هل الله موجود أم لا؟ ولأجل التوصل للجواب عن هذا التساؤل - وكما ذكرنا في الدرس السابق - يجب علينا
استخدام العقل، للتوصل إلى النتيجة والإجابة الحاسمة اليقينية، سواء كانت النتيجة إيجابية أم سلبية.
وفي حالة كون النتيجة موجبة، يبحث بعد ذلك في المسائل المنبثقة منها: (التوحيد، العدل، وسائر الصفات الإلهية)،
وعلى تقدير كون النتيجة سالبة تثبت النظرة الكونية المادية، ولاحاجة معها للبحث في سائر المسائل المتعلقة بالدين.
*المعرفة الحضورية والحصولية
يمكن أن يتصور نوعان لمعرفة الله، أحدهما: المعرفة الحضورية والآخر: المعرفة الحصولية. والمعرفة الحضورية تعني: أن يتعرف الإنسان على الله من طريق نوع من الشهود الباطني والقلبي من دون توسط
المفاهيم الذهنية.
ومن البديهي، أن من يملك هذا الشهود الشعوري (النابه أو الواعي) بالنسبة لله تعالى - كما يدعيه كبار العرفاء -
لايحتاج معه إلى الاستدلال والبرهان العقلي، ولكن - وكما ذكرنا سابقا - ان مثل هذا العلم الحضوري والشهودي
غير ممكن للفرد العادي وقبل أن يقوم بمهمة تربية نفسه وبنائها واجتياز مراحل السير والسلوك العرفانية، وأما
المراتب الضعيفة لهذه المعرفة وإن وجدت عند الأفراد العاديين أيضا، ولكن بما أنها غير شعورية وواعية، ولذلك
لاتكفي لوحدها في التوصل إلى رؤية كونية شعورية وواعية.
والمعرفة الحصولية تعني: ان يتوصل الإنسان من خلال بعض المفاهيم الكلية امثال (الخالق الغني العالم بكل شئ
والقادر على كل شئ) الى معرفة ذهنية بمعني (يبي) عن الله تعالى ليؤمن بوجود مثل هذا الموجود المتعالي في
حدود هذه المعلومات (بأنه خالق الكون) ثم يضيف إليها معلومات حصولية أخرى، ومن خلال ذلك كله يتوصل إلى
نظام عقائدي متناسق (الرؤية الكونية).
وما يحصل بالمباشرة من البحوث العقلية ومعطيات البراهين الفلسفية، هو هذا العلم الحصولي، ولكن حين يتوفر
ذهن الإنسان على هذه المعرفة الحصولية، يمكنه أن يتوصل من خلالها إلى المعرفة الحضورية الشعورية الواعية.
*المعرفة الفطرية
كثيرا ما نواجه هذه العبارة في أحاديث أئمة الدين والعرفاء، والحكماء "معرفة الله فطرية" أو "الإنسان بالفطرة
يعرف الله". ولأجل التعرف على المعنى الصحيح لهذه العبارة يجدر بنا أن نوضح لفظة "الفطرة". الفطرة كلمة
عربية، ومعناها (نوعية الخلقة) والامور التي يمكن أن تسمى "فطرية" (اي منسوبة للفطرة) هي الامور التي
تقتضيها خلقة الموجود بحيث كانت خلقة الموجود وطبيعة خلقه فحسب السبب في وجودها. ومن هنا يمكن أن نلاحظ
ثلاث مميزات للأمور الفطرية:
1 - إن الامور الفطرية لكل نوع من الموجودات مشتركة في أفراد ذلك النوع كلها، وإن اختلفت كيفية وجودها في
الأفراد: ضعفا وشدة.
2 - الامور الفطرية ثابتة دائما على امتداد التاريخ، ولا يمكن لفطرة موجود أن يكون لها اقتضاء معين في مرحلة
زمنية، بينما لها اقتضاء آخر في مرحلة زمنية أخرى.
3 - الامور الفطرية بما أنها فطرية، وتقتضيها خلقة الموجود، لذلك لاتحتاج في وجودها إلى التعليم والتعلم، وإن
احتاجت الى التربية والتعليم في تقويتها وتنميتها، أو في توجيهها وهدايتها.
ويمكن تقسيم الامور الفطرية في الإنسان إلى مجموعتين:
أ - المدركات الفطرية التي يمتلكها كل إنسان من دون حاجة إلى تعلم.
ب- الميول والرغبات الفطرية التي تقتضيها خلقة كل فرد.
ومن هنا فإذا ثبت أن لكل فرد نوعا من معرفة الله، لايحتاج معه إلى التعلم، أمكن أن نسمية بـ "معرفة الله
الفطرية". وإذا ثبت وجود نوع من الميل إلى الله وإلى عبادته في كل إنسان أمكن أن نسميه "عبادة الله الفطرية" أو
"التدين الفطري".
وقد أشرنا في الدرس الثاني إلى أن الكثير من المفكرين، اعتبروا التدين والميل إلى الله والدين من الخصائص
النفسية للإنسان وأطلقوا عليه "الشعور الديني، والعاطفة الدينية" ونضيف هنا، أن معرفة الله قد اعتبرت ايضا من
مقتضيات الفطرة الإنسانية، ولكن كما لايكون الدافع الفطري لعبادة الله من الدوافع الشعورية، كذلك الدافع الفطري
لمعرفة أيضا معرفة غير شعورية.
بحيث تغني الأفراد العاديين عن البحث العقلي حول معرفة الله.
ولكن يلزم أن لانغفل عن هذه الملاحظة: بما أنه توجد في كل فرد درجة - وإن كانت ضئيلة - من المعرفة
الحضورية الفطرية لهذا الايمان، لذلك يمكن لكل أحد، مع يسير من التأمل والاستدلال، أن يؤمن بوجود الله، ويحاول
بالتدريج تنمية معرفة الشهودية اللاشعورية وتقويتها ليوصلها إلى مراحل شعورية.
والحاصل أن معرفة الله الفطرية تعني: أن قلب الإنسان يعرف الله، وأن في عمق روحه توجد أمكنيات وبذور
المعرفة الشعورية بالله، تصلح للنمو والاشتداد، ولكن هذه الإمكانات الفطرية في الأفراد العاديين ليست بتلك القوة التي
تغنيهم تماما عن التفكير والتأمل والاستدلال العقلي.
| |
|
فاطمه الزهراء مصطفى عبد ا عضو جديد
عدد المساهمات : 16 تاريخ التسجيل : 15/04/2013 العمر : 35
| موضوع: رد: ما هو الدين السبت 27 أبريل 2013 - 21:20 | |
|
طرق معرفة الله
هناك طرق عديد ومختلفة لمعرفة الله تعالى، تذكر في مختلف الكتب الفلسفية والكلامية، وفي أحاديث أئمة الدين،
وكذلك في الكتب السماوية. وهذه الأدلة والبراهين مختلفة فيما بينها في جوانب عديدة: فمثلا قد استفيد في بعضها من
مقدمات حسية تجريبية، بينما في جوانب عديدة: فمثلا قد استفيد في بعضها من مقدمات حسية تجريبية، بينما يتألف
بعضها من المقدمات العقلية البحتة، وبعضها يستهدف إثبات وجود الله الحكيم بصورة مباشرة، بينما البعض الآخر
يستهدف إثبات موجود لا يحتاج في وجوده الى موجود آخر أي "واجب الوجود" وعلى ضوء هذا الدليل لابد من
الاعتماد على أدلة وبراهين أخرى لإثبات صفاته تعالى.
ويمكن أن نشبه من زاوية ما، الأدلة على وجود الله بالطرق والجسور المنصوبة على نهر كبير ليعبر عليها إلى
الضفة الاخرى، فبعضها كالجسور الخشبية البسيطة نصبت على النهر ليتمكن الشخص الخفيف المؤونة من العبور
عليها والوصول سريعا إلى غايته، بينما بعضها كالجسور الصخرية الطويلة، التي تتمتع بقوة أكبر، ولكنها تطيل
المسافة، وبعضها كالطرق الحديدية الصبعة المتعرجة والملتوية، التي تمر عبر التلال والسهول والأنفاق الكبيرة، التي
صنعت للقطارات الثقيلة.
والإنسان الذي يملك ذهنية بيطة، يمكنه التعرف على ربه من خلال الطرق البسيطة جدا، ثم يأخذ في عبادته
وطاعته، أما الذي يحمل في ذهنه الكثير من الشبهات الثقيلة، فعليه العبور من الطريق الصخري، وأما الذي يحمل
أحمالا كثيرة وثقيلة، من الشبهات والوساوس فلا بله أن يسلك الطريق المنصوب على قواعد وأسس محكمة ومتينة،
وإن وجدت في الطريق تحديات والتواءات ومصاعب وتعرجات.
ونحن هنا نشير إلى الطريق السهل الميسر لمعرفة الله، وبعد ذلك نتعرض لبعض الطرق والأدلة المتوسطة، وأما
الطرق والأدلة الصبعة التي تعتمد على معالجة وفهم الكثير من الاسس والمرتكزات الفلسفية، فإنها لاولئك الذين
يشوب أذهانهم الكثير من الشبهات، أو انهم يهدفون الى مواجهة الشبهات، وانقاذ الضالين والمنحرفين.
*خصائص الطريق السهل
الطريق والدليل السهل لإثبات وجود الله تعالى يتمتع بميزات وخصائص، أهمها مايلي:
1 - إن هذا الطريق لا يحتاج إلى مقدمات صعبة معقدة وفنية، ويمكن عرضه بلوب ميسر واضح في هذا المجال،
ومن هنا يمكن لجميع الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية فهمه واستيعابه،
2 - إن هذا الطريق يوجه الإنسان بصورة مباشرة إلى الله الخالق العالم القادر، خلافا للكثير من البراهين والأدلة
الفلسفية والكلامية التي تثبت في البداية موجودا يتسم بنه واجب الوجود. لذلك كان من الضروري الاعتماد على أدلة
اخرى لإثبات علمه وقدرته وحكمته وخالقيته وربوبيته وسائر صفاته.
3 - إن مهمة هذا الطريق، ودوره - قبل كل شئ - هو إيقاظ الفطرة، والأخذ بيد المعرفة الفطرية إلى عالم الوعي
والشعور، ولو تأمل الإنسان في مفردات هذا الطريق، لعاش حالة عرفانية، وكأنه يشاهد يد الله في إيجاد الظواهر
والحوادث الكونية وتدبيرها، تلك اليد التي تعرفها الفطرة في عمق ذاتها.
ومن أجل هذه الخصائص والمميزات، اختار قادة الدين ورواد الأديان السماوية هذا الدليل لعرضه على الناس،
ودعوا الجميع إلى السعي في هذا السبيل، خصوا بعض أتباعهم الخواص باليب وأدلة أخرى، أو استخدموها في
احتجاجاتهم وحوارهم مع العلماء الملحدين أو الفلاسفة الماديين.
الآيات الواضحة
ان هذا الطريق السهل لإثبات وجود الله تعالى، يتمثل في التأمل في آيات الله وشواهده ودلائله التي يحفل بها هذا
العالم العريض، وكما يعبر عنه القرآن الكريم بـ "التفكر في الآيات الإلهية" وكأن كل واحدة من الظواهر الكونية في
الارض والسماء وفي وجود الإنسان، دليل وآية على مقصود منشود، ومطلوب معروف، وتهدي مؤشر القلب بتجاه
مركز الوجود الحاضر في كل زمان ومكان.
إن هذا الكتاب الذي بين يديك هو آية ودليل عليه، ألا تتعرف بقراءته على وجود مؤلف عالم وهادف؟ فهل احتملت
يوما أن هذا الكتاب وجد نتيجة مجموعة من التفاعلات والمؤثرات المادية دون أن يكون له مؤلف هادف؟ أليس من
الحماقة والغباء أن يعتقد أحد بن دائرة المعارف التي تحتوي على مئات الأجزاء الضخمة قد وجدت نتيجة انفجار
نشب في منجم معدني وبعد ذلك تحولت ذراتها المتطايرة الى حروف، واصطدمت صدفة واتفاقا ببعض القطع
الورقية، فوجدت هذه الكتابات، ثم اجتمعت هذه الأوراق بطريق الصدفة، لتكون هذه الأجزاء المجلدة تجليدا منسقا
ومنظما؟!
ولكن الإيمان بالصدفة العمياء في تفسير نشوء الكون الهائل الكبير، بكل ما يحمل من أسرار وحكم معروفة وغير
معروفة، أكثر غباء وحماقة آلاف المرات من تفسير الكتاب كظاهرة ظهرت صدفة!
أجل. كل نظام هادف، دليل على منظم هادف، ونحن نشاهد هذه الأنظمة الهادفة في أرجاء الكون كله، فإنها جميعا
تؤلف نظاما شاملا، وتدل على خالق حكيم أوجدها، وهو دائما وأبدا يواصل إدارتها وتدبيرها. أن غصن الورد الذي
يفرع في حديقة، من بين التراب والسماد، بلوان زاهية مختلفة ورائحة عطرة، وشجرة التفاح التي تخرج من بذرة
صغيرة، لتثمر كل عام أعدادا كثيرة من التفاح ذي الألوان الزاهية، والروائح العطرة والطعم الشهي، وسائر الأشجار
المختلفة، بشكال وألوان وخواص مختلفة. وذلك البلبل المغرد الذي يتنقل على غصون الزهور، والفرخة التي تفقس
البيضة وتخرج لتنقر الأرض، والعجل الوليد الذي يرتضع من ثدي امه، والحليب الذي امتلأ به ثدي الام، واعد
لإرضاع الوليد الجديد. كلها أدلة عليه. حقا إنه لتوافق عجيب، وتدبير مدهش، في ظهور الحليب في أثداء الامهات
متزامنا تماما مع ولادة بنائهن!
والأسماك التي تجتاز كل عام الكيلومترات لأول مرة، لتضع البيض، والطيور البحرية التي تعرف أو كارها من بين
كل النباتات البحرية الكثيرة، ولم يتفق لها أن تخطئ ولا مرة واحدة، وأفواج النحل التي تخرج كل صباح من خلاياها
وبعد أن تطوي المسافات الطويلة للاستفادة من الورود العطرة، تعود ليلا إلى خلاياها، كلها آيات عليه.
والأعجب من ذلك، أن النحل والبقر والشياه، تدر في كل مرة لبنا أو عسلا أكثر مما تحتاجه، ليستفيد منه الإنسان،
هذا المخلوق المتميز الاستثنائي! ولكن الإنسان الجاحد، يتنكر للمنعم عليه، ويجادل فيه ويحاربه! وفي هذا البدن
الإنساني، تلاحظ أكثر آثار التدبير الحكيم دهشة وإعجابا، حيث يتألف البدن من أجهزة متناسقة، وكل جهاز يتألف من
أعضاء متناسبة، وكل عضو يتألف من ملايين الخلايا الحية الخاصة، مع أنها كلها نشأت من خلية واحدة هي الخلية
الام، وكل خلية مشتملة على مواد لازمة بنسب ومقادير معينة، وقد وضع كل عضو في الموضوع المناسب له من
البدن. والنشاطات الهادفة لأعضائه وأجهزته، أمثال استنشاق الأوكسجين بواسطة الرئة، ونقله بوساطة كريات الدم
الحمراء، وصنع الكبد للسكر بالمقدار الضروري، وترميم الأنسجة المصابة واستبدال التالفة بخلايا جديدة، ومحاربة
الجراثيم والميكروبات والأعداء التي تهاجمها بوساطة الكريات البيض، وإفراز الغدد المتعددة للهرمونات المختلفة،
والتي لها دور كبير في تنسيق الفعاليات الحياتية للبدن و. كلها شواهد عليه.
فمن الذي أقام هذا النظام المدهش العجيب، الذي لم يتمكن آلاف العلماء على امتداد عشرات القرون المتمادية من
اكتشاف أسراره وافتضاضها؟ وكل خلية تمثل نظاما صغيرا هادفا، وكل مجموعة من الخلايا تؤلف عضوا من
الأعضاء وتشكل نظاما هادفا اكبر، وهذه المجاميع من الانظمة الكثيرة المختلفة المعقدة تؤلف النظام الكلي الشامل
الهادف للبدن، ولا ينتهي الأمر بذلك، فإن هذه الأنظمة التي لاتعد ولا تحصى من الكائنات الحية وغير الحية، تؤلف
نظام الكون الكبير، الذي لاتسبر أغواره، وهو عالم الطبيعة، يديرها الإله الواحد بتدبيره الحكيم بكل نظام وتناسق
وانسجام (ذلكم الله فأنى تؤفكون).
ومن البديهي انه كلما ازداد علم البشر واتسع، واكتشف أكثر القوانين والعلاقات بين الظواهر الطبيعية تبينت أسرار
وحكم الخلق أكثر، ولكن التدبر والتفكير حول هذه الظواهر البسيطة والدلائل الواضحة النيرة يكفي للقلوب الطاهرة
غير الملوثة.
| |
|
فاطمه الزهراء مصطفى عبد ا عضو جديد
عدد المساهمات : 16 تاريخ التسجيل : 15/04/2013 العمر : 35
| موضوع: رد: ما هو الدين السبت 27 أبريل 2013 - 21:26 | |
|
المقدمة
إن التوحيد في التأثير الاستقلالي من المعارف القيمة والتي لها تأثير كبير في تربية الناس وبناء شخصيتهم كما أشرنا
لهذه الفكرة في الدرس السابق، ومن هنا أكد القرآن الكريم عليه كثيرا ووفر بتعابير وأساليب مختلفة، الأرضية
المناسبة لفهمه الصحيح والسليم، ومن جملة هذه التعابير إناطة كل الظواهر بإذن الله ومشيئته وإرادته وقضائه وقدره.
والفهم الصحيح السليم لهذا الموضوع، يحتاج إلى رشد عقلي وفكري، وكذلك يحتاج إلى التعليم والتفسير الصحيحين
له، واولئك الذين حرموا الرشد العقلي اللازم، أو لم يحاولوا الاستفادة والاقتباس من تعاليم الائمة المعصومين،
والمفسرين الحقيقيين للقرآن الكريم، عرضت لهم الكثير من الانحرافات والشبهات، ففسروا ذلك بحصر كل تأثير
وعلية بالله تعالى، وإنهم - خلافا لصراحة الكثير من الآيات القرآنية المحكمة - نفوا أي تأثير وعلية للأسباب
والوسائط، واعتقدوا بأن "عادة" الله جرت بأن يوجد الحرارة عقيب وجود النار، أو انه يوجد الشبع والارتواء بعد
أكل الطعام وشرب الماء، وإلا فليس للنار أو الطعام أو الماء أي تأثير في وجود الحرارة أو الشبع أو الارتواء
والنتائج الخطيرة والسيئة لمثل هذا الانحراف الفكري إنما تتضح فيما لو درسنا آثارها في مجال الأفعال الاختيارية
للانسان ومسؤوليته، فإن نتيجة هذا اللون من التفكير، تتمثل في اسناد افعال الانسان لله تعالى بصورة مباشرة، ونفي
فاعلية الإنسان وتأثيره في افعاله، نفيا مطلقا، وفي هذه الحالة لا يكون أي أحد مسؤولا عن أفعاله.
وبعبارة اخرى: إن من النتائج الخطيرة والمضلة لهذا الانحراف الفكري، هو القول بجبرية الإنسان، ونفي المسؤولية
عنه، وهو يعني نفي أهم خاصة وميزة للإنسان، وعبثية وعدم فائدة كل الأنظمة التربوية والأخلاقية والقانونية
والحقوقية، ومنها النظام التشريعي الإسلامي.
ذلك لاننا لو سلبنا الاختيار عن الإنسان على أي فعل من أفعاله، لما بقي موضوع للمسؤولية والوظيفة والأمر
والنهي والتكليف والجزاء والثواب والعقاب، بل لا ستلزم عبثية النظام التكويني وعدم غائيته، ذلك ان الهدف من خلق
عالم الطبيعة - كما تدل عليه الآيات الكريمة 48 والأحاديث الشريفة والبراهين والأدلة العقلية - هو الإعداد وتوفير
الأرضية الملائمة لخلق الإنسان، ليتوصل من خلال فعالياته وممارساته وافعاله الاختيارية وعبادته، وعبوديته لله
تعالى، إلى أرفع الكمالات الإمكانية، ومقام القرب الإلهي ليكون مؤهلا لإفاضة الألطاف والإمدادات الإلهية الخاصة
عليه، أما لو رفضنا اختيار الإنسان وأنكرنا مسؤوليته، فلا يكون مستحقا للحصول على الثواب والنعم الخالدة
والرضوان الالهي، وبذلك سينتقض الهدف من الخلق وينهار، ليتحول نظام الخلق إلى مسرح كبير يلعب فيه الناس
دور الدمى التي تتحرك وتلعب أدوارها بون إرادة واختيار، وتحدث فيها بعض الحركات والافعال بون ارادة منها،
ولكن بعد ذلك سوف ينال البعض العقاب والمذمة، وينال البعض الآخر الثواب والثناء!
إن أهم العوامل التي أدت إلى اتساع هذا الاتجاه الخطير والمنحرف، هو المطامع السياسية للحكومات الجائرة
المجرمة، لتوجه وتبرر بمثل هذه المعتقدات تصرفاتها ومواقفها المنكرة، ولتفرض على الشعوب غير الواعية الإذعان
لسلطانها وتقبل حكوماتها، دون أن تتحرك الجماهير المسحوقة للثورة والانتفاضة بوجه هذه السلطات المجرمة وحقا
يلزم علينا أن نعتبر الجبرية أهم عامل في تخدير الشعوب.
وهناك من تنبه لنقاط الضعف في هذا الاتجاه، ولكن بما أنهم لا يملكون الرشد العقلي والقدرة الفكرية على التوفيق
بين التوحيد الكامل ونفي الجبرية، ولم يحاولوا الاقتباس من تعاليم أهل بيت العصمة والطهارة (لام الله عليهم
أجمعين)، فقد اتجهوا إلى الاعتقاد بالتفويض، وقالوا بخروج الأفعال الاختيارية للإنسان عن نطاق الفاعلية الإلهية،
وابتلوا هم أنفسهم بنوع آخر من الأمراض والانحرافات الفكرية، وحرموا من المبادئ والتعاليم الإسلامية، ومعطياتها
السامية.
ولكن اولئك الذين كانوا يملكون الاستعداد والرشد الفكري الكافي الذي يؤهلهم لإدراك هذه المعارف، وفهمها،
وتعرفوا على المعلمين والمفسرين الحقيقيين للقرآن الكريم، وانتهلوا منهم، فإنهم حفظوا من الإصابة بمثل هذه
الأمراض والانحرافات فمن جهة: اعتقدوا بن فاعليتهم الاختيارية مستمدة من القدرة التي منحها الله تعالى لهم،
وبترتب المسؤولية عليها، ومن جهة اخرى: أدركوا التأثير الاستقلالي الإلهي في مرتبة أعلى وأسمى فتوصلوا من
خلال ذلك الى مطيات هذه المعرفة المثمرة.
ونجد في الأحاديث التي وصلتنا من أهل بيت النبي (ص) أحاديث قيمة ومثمرة في هذا المجال، وقد ذكرت في كتب
الحديث في الأبواب المعنونة بعنوان الاستطاعة ونفي الجبر والتفويض، وكذلك في أبواب الإذن والمشيئة والإرادة
والقضاء والقدر الإلهي وهناك بعض الأحاديث نهي فيها بعض الأفراد غير المؤهلين عن الخوض في مثل هذه
المسائل الدقيقة، والبحوث الصعبة، حتى لا يصيبهم الانحراف والاشتباه.
أجل. إن لموضوع الجبر والاختيار أبعادا وجوانب مختلفة، والبحث فيها جميعا لا يتلاءم وهذا الكتاب، ولكن لأجل
أهمية هذا الموضوع وخطورته، نحاول البحث في بعض هذه الجوانب، وعرضها باسلوب مبسط، نؤكد على أولئك
الذين يرغبون أكثر في التحقيق والبحث، أن يتسموا بالصبر والتحمل في تعلم الأسس العقلية والفلسفية لهذا الموضوع.
*توضيح الاختيار
ان القدرة على اتخاذ القرار والاختيار والانتخاب من الامور التي يدركها الإنسان ويجزم بها، ولعلها أكثر الامور
والمعارف يقينا للانسان، فإن كل واحد منا يدركها في ذاته وداخله بعلمه الحضوري الذي لا يخطئ ولا يشتبه كما
يدرك بمثل هذا العلم سائر حالاته النفسية، وحتى لو شك في شئ فإنه لا يشك في شكه هذا، فإنه يدرك "شكه" هذا
بالعلم الحضوري، ولا يمكن أن يتردد في هذا الإدراك.
وكذلك كل أحد يدرك بني تأمل في داخله وأعماق ذاته بنه قادر على التكلم بكلام، وعدم التكلم، أو أنه قادر على
تحريك يده وعدم تحريكها، أو قادر على تناول الطعام وعدم تناوله.
إن التصميم على القيام بعمل، تارة يتم لأجل إشباع الدوافع الغريزية والحيوانية، أمثال الجوع الذي يدفع الإنسان الى
ارادة أكل الطعام أو الظامئ الذي يدفعه العطش الى العزم على شرب الماء، وتارة اخرى يتم لأجل إرضاء الدوافع
والاحتياجات العقلية، وتحقيق الطموحات الإنسانية الرفيعة كالمريض الذي يستعمل الدواء المر، لأجل الحصول على
السلامة والشفاء، ويمتنع لأجل ذلك عن تناول الأغذية الشهية، أو طالب العلم الذي يعرض، في سبيل تحصيل العلم
واكتساب الحقائق، عن الملذات المادية، ويتحمل ألوان المتاعب والمصاعب، والجندي الباسل الذي يضحي حتى
بروحه في سبيل الوصول إلى تطلعاته السامية.
وفي الواقع إنما تظهر قيمة الإنسان حينما تتعارض وتتزاحم الرغبات المختلفة، والإنسان من أجل الوصول إلى
الفضائل الأخلاقية والكمالات الروحية والأبدية والقرب والرضوان الإلهي، يعرض عن الرغبات الحيوانية المنحطة
الوضيعة، وكل عمل يمارسه الإنسان وفق اختيار ووعي أكثر، هو أكثر تأثيرا في تكامله الروحي والمعنوي، أو
هبوطه وانحطاطه وأكثر استحقاقا للثواب والعقاب ومن الواضح أن القدرة على مواجهة الرغبات النفسية، ليست
برجة واحدة في جميع الأفراد وبالنسبة لكل شئ ولكن كل إنسان يملك هذه الموهبة الإلهية (الإرادة الحرة)، قليلا أم
كثيرا، ويمكن له - بالتدريب والتمرين - تقويتها وتنميتها أكثر فاكثر.
إذن فلا نتردد با في وجود الإرادة والاختيار، ويلزم أن لا تؤدي الشبهات المختلفة إلى تردد الأذهان في مثل هذا
الأمر الوجداني والبديهي، وكما أشرنا إليه سابقا، فإن وجود الاختيار كأصل بيهي تتقبله وتؤمن به كل الأنظمة
التربوية والأخلاقية والأديان والشرائع السماوية أما لو لم نعتقد بوجوده، فلا يبقى مجال ومبرر للوظيفة والتكليف
والذم والمدح والعقاب والثواب. والذي أدى إلى الشك والترديد في هذه الحقيقة البينة والبديهية، والاتجاه إلى الجبرية،
هو وجود بعض الشبهات التي يتحتم الجواب عنها حتى لا يخطر مثل هذا الترديد في الأذهان، ومن هنا نتعرض
وبإيجاز لمناقشة أهم هذه الشبهات.
*مناقشة شبهات الجبريين
إن أهم شبهات الجبريين ما يلي:
1 - ان إرادة الإنسان إنما تتكون وتتشكل بفعل إثارة الميول خاضع لاختيار الانسان، ولا اثارتها بفعل العوامل
الخارجية، إذن فلا يبقى مكان ومجال للارادة والاختيار والجواب: ان اثارة الميول معدة للارادة والتصميم لا أن
التصميم والارادة على القيام بعمل، نتيجة جبرية وحتمية لاثارة الميول، بحيث تسلب منه القدرة على المخالفة
والمقاومة، والشاهد عليه، أنه تحدث في الكثير من المجالات حالة الترديد والشك في الإنسان، بحيث يحتاج في اتخاذ
القرار إلى التأمل وموازنة النفع والضرر في العمل، وأحيانا لا يتم اتخاذ القرار إلا بصعوبة.
2 - لقد ثبت في مختلف العلوم أن هناك عوامل عديدة لها تأثيرها في تشكل ارادة الانسان أمثال الوراثة، وإفرازات
الغدد (التي تحدث نتيجة لتأثير المواد الغذائية أو الأدوية الخاصة)، وكذلك العوامل المحيطية والاجتماعية وان
اختلاف الناس في مواقفهم وسلوكهم، خاضع لاختلاف هذه العوامل. والملاحظ أيضا أن النصوص الدينية تدعم من
قريب أو بعيد أمثال هذه الآراء إذن فلا يمكن القول بن أفعال الإنسان منبثقة من الإرادة الحرة والجواب: أن الاعتقاد
بالاختيار والإرادة الحرة، لا يعني رفض هذه العوامل وتأثير، بل إنما يعني أنه بالرغم من وجود كل هذه العوامل،
فإن للانسان الخيار والقدرة على المقاومة والمخالفة وحين تتعارض وتتزاحم الدوافع المختلفة، نجد أن له القدرة على
اختيار بعضها.
وبطبيعة الحال، هناك بعض العوامل القوية التي يصعب مقاومتها، حيث يكون اختيار عمل يخالف متطلباتها، صعبا
جدا ولكن مثل هذه المقاومة والاختيار الصعب أكثر تأثيرا في تكامل الانسان، وفي استحقاقة للثواب ومضاعفته، كما
أنه أحيانا تكون بعض حالات الهيجان والانفعالات الحادة، أو بعض الظروف الصعبة سببا في تخفيف العقاب، أو
تضاؤل درجة الجريمة.
3 - ومن شبهات الجبريين، أن الله تعالى عالم بكل ظواهر العالم والكون، ومنها أفعال الإنسان قبل وقوعها، والعلم
الإلهي لا يقبل الخطأ والتخلف، إذن فلابد أن تتحقق كل الظواهر وفق العلم الإلهي الأزلي، ولا يمكن تخلفها عنه، إذن
فلا يبقى مجال لاختيار الإنسان.
والجواب: أن العلم الإلهي متعلق بكل ظاهرة بما هي عليه في الواقع، والأفعال الاختيارية معلومة لله تعالى بما هي
عليه في الواقع، وبوصف اختياريتها وإراديتها فإذا حدثت هذه الأفعال على صفة الجبرية، تكون قد تحققت على
خلاف العلم الإلهي وتخلفت عنه.
فمثلا: ان الله تعالى يعلم بن الشخص الفلاني وفي ظروف معينة سيصمم على القيام بعمل ما، وانه سيحقق ذلك
العمل. والعلم الإلهي لم يتعلق هنا بمجرد وقوع العمل وبغض النظر عن صدوره بإرادة الفاعل واختياره، بل تعلق
بالفعل بما أنه يصدر عن اختيار الإنسان إذن فالعلم الإلهي الأزلي لا ينافي اختيار الإنسان وإرادته الحرة.
ومن شبهات الجبريين، الشبهة التي تتعلق بموضوع القضاء والقدر، حيث يعتقد هؤلاء بنه لا يتلاءم واختيار
الإنسان، وسنبحث هذا الموضوع في الدرس القادم.
| |
|
خالد السيد نائب المديرالعام
عدد المساهمات : 5741 تاريخ التسجيل : 19/05/2010
| موضوع: رد: ما هو الدين السبت 27 أبريل 2013 - 23:27 | |
| بارك الله فيكِ يافاطمة
جزاكِ الله خير الجزاء
| |
|
سامية جمال مشرف سابق
عدد المساهمات : 902 تاريخ التسجيل : 20/12/2011
| موضوع: رد: ما هو الدين الأحد 28 أبريل 2013 - 18:43 | |
|
بارك الله فيك فاطمة
وجعله الله في ميزان حسناتك
موضوع جميل جدا
وانا قمت ببعض التنسيقات في الموضوع حتي يكون سهل في القراءة
| |
|