ما أهم الأعمال التي يجب أن يكثر منها المسلم في رمضان؟
** يجب على المسلم أن يحرص على الاستقامة في أيام رمضان ولياليه، والمنافسة في جميع أعمال الخير، ومن ذلك الإكثار من قراءة القرآن الكريم بالتدبُّر والتعقُّل، والإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار، وسؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار وسائر الدعوات الطيبة، وكذلك الإكثار من الصدقة ومواساة الفقراء والمساكين، والعناية بإخراج الزكاة وصرفها على مستحقيها، مع العناية بالدعوة إلى الله سبحانه وتعليم الجاهل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: "ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا؛ فإن الشقيَّ من حُرم فيه رحمة الله"، ولمِا رُوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من تقرَّب فيه بخصلةٍ من خصال الخير كان كمَن أدَّى فريضةً فيما سواه، ومَن أدَّى فيه فريضة كان كمَن أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه"، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "عمرة في رمضان تعدل حجة.." أو قال: "حجة معي".
والأحاديث والآثار الدالة على شرعية المسابقة والمنافسة في أنواع الخير في هذا الشهر الكريم كثيرة.
مع الحذَر من جميع السيئات ولزوم التوبة والاستقامة على الحق؛ عملاً بقوله سبحانه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: من الآية 31)، وقوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)﴾ (الأحقاف: 13-14).
* هل تحليل الدم يفسد الصوم؟
** تحليل الدم، وضرب الإبر- غير التي يقصد بها التغذية- لا يفسد الصوم، لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسَّر ذلك؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله عليه الصلاة والسلام: "مَن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".
* المسجد المجاور لبيتي يصلي التراويح إحدى عشرة ركعة، وهناك مساجد أخرى تتمها عشرين ركعة ولكنها بعيدة عني، فأيُّها أفضل؟!
** من الأمور التي قد يخفَى حكمُها على بعض الناس ظَنُّ بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصُها عن عشرين ركعة، وظنُّ بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة.
وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أن صلاة الليل موسَّعٌ فيها فليس فيها حدٌّ محدود لا تجوز مخالفته، بل ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاث عشرة ركعة، وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره، ولما سُئل- صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلى" (متفق على صحته).
ولم يحدد ركعاتٍ معينةً، لا في رمضان ولا في غيره، ولهذا صلى الصحابة- رضي الله عنهم- في عهد عمر رضي الله عنه في بعض الأحيان ثلاثًا وعشرين ركعةً، وفي بعضها إحدى عشرة ركعة، كل ذلك ثبت عن عمر- رضي الله عنه- وعن الصحابة في عهده.
وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستًّا وثلاثين ركعةً، ويوتر بثلاث، وبعضهم يصلي إحدى وأربعين، ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وغيره من أهل العلم، كما ذكر رحمة الله عليه أن الأمر في ذلك واسعٌ، وذكر أيضًا أن الأفضل لمَن أطال القراءة والركوع والسجود أن يقلِّل العدد، ومن خفَّف القراءة والركوع والسجود زادَ في العدد، هذا معنى كلامه رحمه الله.
ومن تأمَّل سنته- صلى الله عليه وسلم- علم أن الأفضل في هذا كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره؛ لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي- صلى الله عليه وسلم- في غالب أحواله، ولأنه أرفق بالمصلِّين وأقربُ إلى الخشوع والطمأنينة، ومن زاد فلا حرجَ ولا كراهيةَ كما سبق، والأفضل لمَن صلَّى مع الإمام في قيام رمضان ألا ينصرف إلا مع الإمام؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة".
* هل يؤمر الصبي الذي لم يبلغ بالصيام كما في الصلاة؟
** نعم يُؤْمر الصِّبيان الذين لم يَبْلُغوا بالصيام إذا أطاقوه كما كان الصَّحابة- رضي الله عنهم- يفعلون ذلك بصبيانهم، وقد نصَّ أهل العلم على أن الولي يَأمُره من له ولايةٌ عليه من الصغار بالصوم من أجل أن يتمرَّنوا عليه ويألفوه وتنطبع أُصول الإسلام في نُفُوسهم حتى تكون كالغريزة لهم، ولكن إذا كان يشقُّ عليهم أو يضرُّهم فإنهم لا يُلزمون بذلك، وبعض الآباء أو الأمَّهات يمنعون صبيانهم من الصيام، على خلاف ما كان الصَّحابة- رضي الله عنهم- رحمةً بهم وإشفاقًا عليهم، والحقيقة أن رحمة الصِّبيان أمرهم بشرائع الإسلام وتعويدهم عليها وتأليفهم لها، فإن هذا بلا شك من حسن التربية وتمام الرعاية.
* هل الأفضل أن آخذ إجازة من عملي في رمضان أو العشر الأواخر من رمضان للتفرغ للعبادة؟!
** رمضان شهر العمل والبذل والعطاء، لا شهر الكسل والضعف، شهر وقعت فيه أكبر الانتصارات في الإسلام في القديم والحديث، فلم يكن عائقًا عن أداء مهمة، ولا داعيًا للتقاعس عن إتقان عمل؛ فالصوم عبادة تؤدَّى لله، هدفها الأول تربية التقوى في النفس المؤمنة، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة)، فرمضان فرصة لتربية النفس على أداء العمل في أفضل صورة، فأول ثمرة متوخَّاة من تقوى الله تعالى في العمل مراقبته- عز وجل- في كلِّ الساعات التي تمضيها وأنت تمارس عملك، بأن تكون في مرضاة الله، وألا تضيع منها دقيقةً واحدةً في غير ما يخص وظيفتك، وأن تنشط لمهامك بوعي تامٍ، وأن تكون في موقعك ينبوع أخلاق، ونهر عطاء، تتدفق بكل خير على المواطنين دون تذمُّر منهم أو مشقة عليهم، فقد صح عنه- صلى الله عليه وسلم- قوله: "اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فشَقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به" (أخرجه مسلم- 1828 من حديث عائشة رضي الله عنها.
وصح عنه قوله: "وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" (أخرجه البخاري 1894، ومسلم 1151 من حديث أبي هريرة).
فالاختبار الحقيقي أن تصل إلى درجة التقوى والإحسان وأنت تخالط الناس وتصبر عليهم، وهذه هي الثمرة المرجوَّة من الصيام، بل فلنحاول أن نناصح زملاءنا في العمل، ونذكِّرهم إذا رأينا منهم بعض ظواهر هذه الممارسات الخاطئة، فلعلنا نفوز باستجابة ودعوة ومثوبة.
* أفطرت أسبوعًا في رمضان لمرضي وبناءً على طلب الطبيب فماذا عليَّ؟
** من ترك الصوم من أجل المرض أو السفر فلا حرج عليه في ذلك، والواجب عليه القضاء إذا صحَّ من مرضه أو قدِم من سفره؛ لقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (البقرة: من الآية 185).
* أختي مريضة وقد أمرها الطبيب بأخذ دواء مدى حياتها، وهي تقريبًا تأخذه كل ست ساعات وإلا تعاني من مضاعفات، وربما تدخل المستشفى إذا لم تأخذه، وقد قال الأطباء إنها لا تستطيع الصيام، فلم تصم رمضان، فلا أدري ماذا عليها أن تفعل؟ وهل كل رمضان لا تصومه على مدى الحياة؟ وهل تأثم؟!
** ما دام وجب عليها الصيام وهي مريضة، وقد قرر الأطباء أنها لا تستطيع الصوم، وأنها بحاجةٍ إلى استعمال الدواء في كل ست ساعات، فهذه لها حكم المريض الذي لا يستطيع الصوم فلا يجب عليه الصوم، بل يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، وتستمر على هذا ما دامت على تلك الحالة ولا إثم عليها؛ لأنها معذورة لمرضها الذي لا تستطيع الصوم معه، ومتى شفاها الله وزال عنها المرض فإنها تعود إلى الصوم في مستقبل حياتها، وما مضى لا شيء عليها فيه إلا الإطعام كما تقدَّم، والله أعلم.
* أنا مريض بمرض السكر، وأتناول إبر الأنسولين، ومستوى السكر لديَّ ما بين (250) إلى (400) أحيانًا هل أصوم رمضان أو أفطر؟ وما هي الكفارة؟
** إذا كنت لا تستطيع الصيام، وقرَّر الأطباء أن الصيام يضرُّك، وأن المرض لا يُرجى برؤه فعليك أن تُطعِم عن كل يوم مسكينًا من البر أو التمر أو الأرز، نصف صاع لكل يوم للمساكين جميعًا أو مفرقةً.
* أبي رجل كبير السن، أصيب بمرض الشلل في نصف جسمه، ولا يقدر على الصيام، وإذا صام اشتدَّ عليه المرض، فما حكمه؟
** إذا قرر الأطباء المختصون أن مرضه هذا من الأمراض التي لا يُرجى برؤها فالواجب عليه أن يُطعم مسكينًا عن كل يومٍ من أيام رمضان ولا صوم عليه، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو أرز أو غيرهما، وإذا غديته أو عشيته كفى ذلك.
أما إن قرَّروا أنه يرجى برؤه فلا يجب عليه إطعام، وإنما يجب عليه قضاء الصيام إذا شفاه الله من المرض، لقول الله سبحانه: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (البقرة: من الآية 185).
* جارتي كبيرة في السن لا تستطع الصيام في رمضان، وهي فقيرة جدًّا، ولا تملك شيئًا لدفع الكفارة، ونحن نتصدق عليها كثيرًا، فهل يلزمها شيء؟!
** ما دامت لا تستطيع الصوم لكبر سنها ومرضها، فإنه لا يلزمها إلا الإطعام، فإن حصل لها من صدقات المسلمين ما تستطيع أن تطعم منه فعليها ذلك، وإن لم يحصل لها إلا ما يكفيها بخاصة نفسها فلا شيء عليها لقوله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: من الآية 286)، وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (التغابن: من الآية 16)، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: من الآية 185).
* مسافر أفطر في سفره وعندما يصل إلى محل إقامته أيمسك أم ليس عليه حرج في الأكل؟
** الفطر في السفر رخصة جعلها الله توسعةً لعباده، فإذا زال سبب الرخصة زالت الرخصة معه، فمن وصل إلى بلده من سفره نهارًا وجب عليه أن يمسك لدخوله في عموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة: من الآية 185) فإن قدم المسافر في أثناء يومٍ، ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء؛ لكن عليه القضاء، سواء أمسك أو لم يمسك.
* أيهما أفضل في رمضان للمسافر: الصوم أو الفطر؟! وما هي مسافة القصر؟
** الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين، سواءٌ كان سفر حجٍ أو جهادٍ أو تجارةٍ أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وتنازعوا في سفر المعصية، كالذي يسافر ليقطع الطريق ونحو ذلك، على قولين مشهورين، كما تنازعوا في قصر الصلاة.
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة، ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواءٌ كان قادرًا على الصيام أو عاجزًا، وسواءٌ شق عليه الصوم أو لم يشق؛ بحيث لو كان مسافرًا في الظل والماء ومعه مَن يخدمه جاز له الفطر والقصر.
ولم تتنازع الأمة في جواز الفطر للمسافر؛ بل تنازعوا في جواز الصيام للمسافر، فذهبت طائفةٌ من السلف والخلف إلى أن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وأنه إذا صام لم يجزئه بل عليه أن يقضي، ويروَى هذا عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة رضي الله عنه وغيرهما من السلف، وهو مذهب أهل الظاهر.
وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس من البرّ الصوم في السفر"، لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر.
* هل يجب الصيام على فاقد الذاكرة؟
** إن الله سبحانه وتعالى أوجب على المرء العبادات إذا كان أهلاً للوجوب بأن يكون ذا عقلٍ يُدرك به الأشياء، وأما مَن لا عقلَ له فإنه لا تلزمه العبادات، وبهذا لا تلزم المجنون ولا تلزم الصغير الذي لا يميز، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، ومثله المعتوه الذي أُصيب بعقله على وجه لم يبلغ حدَّ الجنون.
* مرضت قبل يوم، وعند صلاة الفجر لم أستطع القيام في الركعة الأولى، وجلستُ وأحسستُ بدوخة ونويت الفطر وبعد الصلاة عزمت على الشرب، ولكن- ولله الحمد- عندما وصلت البيت نمت إلى الظهر، وأحسست بالتحسُّن وواصلت الصيام. والسؤال: هل عليَّ إثمٌ أو كفَّارة لعزمي على الفطر ولم أفطر؟
** ما دمت أنك قد نويت الفطر بعد طلوع الفجر فقد فسد صومك؛ لأن في ذلك قطعًا لنية الصوم التي تشترط استدامتها حتى غروب الشمس، وذلك أن الصيام مركَّب من حقيقتَين: النية، وترك جميع المفطرات، فإذا نوى الإفطار فقد اختلَّت الحقيقة الأولى وهي أعظم مقوّمات العبادة، فالأعمال كلها لا تقوم إلا بها، أما الإثم فلا؛ لأنك قد نويت الفطر وعزمت على الشرب لمرضك، لا لشهوةٍ في نفسك، وعليك أن تقضي ذلك اليوم.
* هل يجزئ صيام النذْر في رمضان بأن أنوِيَ نيتَين: نية صيام رمضان وقضاء النذر؟ وجزاكم الله خيرًا.
** لا يجوز لك أن تنوي مع صيام رمضان صيام النذر أو واجب آخر.
* هل نية الصيام أول رمضان كافيةٌ عن نية صوم كل يوم على حِدَة؟
** كل شخص يقوم في آخر الليل ويتسحَّر، فإنه قد أراد الصوم ولا شكَّ في هذا؛ لأن كل عاقلٍ يفعل الشيء باختياره لا يمكن أن يفعله إلا بإرادة، والإرادة هي النية، فصومه صحيح؛ لأن القول الراجح أن نية صيام رمضان في أوله كافية، فلا يحتاج إلى تجديد النية لكل يوم؛ اللهم إلا أن يوجد سببٌ يُبيح الفطر فيفطر في أثناء الشهر، فحينئذٍ لا بد من نية جديدة لاستئناف الصوم.
* إذا تحركت شهوة المسلم في نهار رمضان ولم يجد طريقًا إلا أن يستمنى فهل يبطل صومه؟ وهل عليه قضاء أو كفارة في هذه الحالة؟
** الاستمناء في رمضان وغيره حرام، لا يجوز فعله؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7)﴾ (المؤمنون) وعلى مَن فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى الله، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه، ولا كفارة؛ لأن الكفارة إنما وردت في الجماع خاصةً.
* عملت والدتي فحصًا يسمَّى (المنظار)، وقد تم إدخاله من الفم إلى المعدة، وقبل أن يعملوا لها هذا الفحص وضعوا لها مخدِّرًا موضعيًّا (بخاخ في بداية الحلق) وكإجراء تحرُّزي وضعوا المغذَِّي من دون تدفقه داخل الجسم، (أي مقفَّل) فما حكم صيامها؟
** إدخال المنظار إلى المعدة فقط للكشف لا يضر الصيام، فالصيام صحيح وأيضًا البخاخ في الحلق لا يضرّ، فهو مثل البخاخ الذي يستعمله المصاب بالربو، فلا يضر الصيام؛ لأن إدخال المنظار وكذا البخاخ بالحلق ليس بأكل أو شرب ولا بمعناهما، فالصيام معهما صحيح.
* ما الحكم في وضع أدوية داخل الفم لمعالجة الجروح في اللسان أو الجهة الداخلية من الشفة أثناء الصيام؟ مع الأخذ بكافة الاحتياطات والحذر من عدم وصول هذا الدواء إلى داخل الحلق، لكن يصل تأثير هذا الدواء إلى المعدة، هل ذلك يفسد الصيام؟
** وضع العلاج في فم الصائم لا يعدُّ من المفطرات، وهذا بشرط أن يتحاشَى وصول شيء من هذا الدواء إلى المعدة، والأَولى له هو تأخير هذا الأمر إلى ما بعد الإفطار؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- في حديث لقيط بن صبرة قال: "وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا".
فلولا أن المبالغة تؤثر في الصوم لما نهى عنها النبي- صلى الله عليه وسلم- ولأن هذا قد يكون ذريعةً إلى وصول شيء من هذا الدواء إلى جوف الصائم، لذا فالأَولى له هو تأخير هذا الأمر إلى ما بعد الإفطار، أما إن وصل شيء من هذا الدواء إلى المعدة فقد أفطر بذلك.
* أنا مريضة بفشل كلوي، ويستلزم مرضي هذا تناول علاج في أوقات مختلفة، ولا سيما بعد إجرائي عملية زرع كُلى؛ حيث نصحني الأطباء بالمداومة على العلاج وإلا تعرَّضت للخطر، وحيث إنني- والحمد لله- مسلمة، وأريد أن أصوم شهر رمضان، ولكن مرضي يمنعني لظروف تناول الدواء في الصباح والظهر والليل، وكل اثنتي عشرة ساعة؛ لذا أرجو إفتائي في هذا الأمر، وما هي كفارة صيامي الواجب عليَّ أداؤها حال عدم تمكني من الصوم؟!
** حيث إن أطباء مسلمين مختصين قد اتفقوا على تقريرٍ واحد، وهو أن الصوم يضر بالعملية، وأن الفطر واجب حفاظًا على الصحة، فلا مانع من الإفطار ثم القضاء عند القدرة، فإن قرَّروا أن الصوم لا يناسب أبدًا ودائمًا، فلا بد من الكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم.
* هل يجوز لي في نهار رمضان وأنا صائم أن أبلع ريقي أم أنه يفطر؟
** بلْعُ الصائم ريقَه لا يُفسِدُ صومَه ولو كثر ذلك وتتابع في المسجد وغيره.
* ما حكم السواك في نهار رمضان؟ وما معنى حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيما معناه "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك" فهل معنى هذا أن الصائم يكره عليه السواك في نهار رمضان؟
** معنى الحديث أن رائحة الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وهذا الطيب يشمل الدنيا والآخرة، وذلك أنه ناشئٌ عن طاعة الله سبحانه، ورائحة الفم تصدر من المعدة لخلوِّها من الطعام، فالسواك لا يؤثر في تلك الرائحة ولا يزيلها، وقد جاء في مدح السواك أنه مطهرةٌ للفم ومرضاةٌ للرب، فهو مرضاةٌ للربِّ في كل وقت، وفي الصحيح قوله- صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، وهو عام في كل الشهور، فيشمل رمضان وغيره، وأما حديث: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي"- أي بعد الزوال- فهو حديث ضعيف.
* أخي مريض وهو مجبَر على أخْذ الدواء في وقته، وعندما يقلّل من نسبة الأدوية تسوء حالته كثيرًا، فماذا يفعل في رمضان، هل يطعم أخي عن كل يوم ويقضي بعد ذلك، علمًا بأن المرض قد يطول؟!
** إذا قرر طبيبان مسلمان أن أخاك يجب أن يأخذ الدواء في مواعيده وأن صيامه يضره فلا بأسَ بفطره، ثم يقضي ما أفطره من أيام إن كان هناك أمل في شفائه، وإن لم يكن ثَمَّ أمل في الشفاء بل هو مرض مزمن أي دائم فإن عليه الإطعام عن كل يومٍ يفطره لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِيْنَ يُطِيْقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ﴾ (البقرة: من الآية 184).
* هل بلع ريق الصائم الذي به آثار السواك مبطل للصيام؟!
** إذا كان السواك له طعم، بأن يكون السواك جديدًا، فكونه يبلع ريقه، وفيه طعم السواك هذا بلعٌ لشيء من السواك، وعلى هذا فإنه يفطَِّر، أما إذا كان السواك لا طعمَ له، وليس فيه مادة تتعدى فإن استعمال السواك سنةٌ للصائم في كل وقت، ولكن إذا كان هناك شيء يتحلل من السواك ويبتلعه الإنسان فإنه يفطَِّره، ولا يجوز له أن يبتلعه، بل يجب عليه أن يلفظه ويتخلص منه.
* ما حكم استعمال المسواك بنكهات مختلفة، كالليمون وغيره في نهار رمضان؟
** لا يجوز استعمال المسواك بنكهات الليمون؛ لأنها مطعَّمة به، فإذا بلعه الصائم أفطر؛ لأن الليمون ونحوه من الفواكه والخضروات مفطِّر إذا وجد الصائم طعمه في حلقه.
* وهل يجوز للصائم التبرع بدمه؟
** التبرع بالدم الأحوط تأجيله إلى ما بعد الإفطار؛ لأنه في الغالب يكون كثيرًا، فيشبه الحجامة، والله ولي التوفيق.
* إذا غضب الإنسان من شيء وفي حالة غضبه نهَر أو شتَم، فهل يُبطل ذلك صيامه أم لا؟
** لا يبطل ذلك صومه، ولكنه ينقص أجره، فعلى المسلم أن يضبط نفسه ويحفظ لسانه من السب والشتم والغيبة والنميمة ونحو ذلك مما حرم الله في الصيام وغيره، وفي الصيام أشدّ وآكد محافظة على كمال صيامه، وبُعدًا عما يؤذي الناس، ويكون سببًا في الفتنة والبغضاء والفرقة؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذٍ ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم".
* إذا قرب الفجر في رمضان وعليَّ غسل جنابة ولا يكفي الوقت للغسل وأكلة السحور فهل أقدم الاغتسال ويفوتني السحور أم أقدم السحور ولا أغتسل إلا بعد الفجر؟!
** الأفضل أن يقدم السحور؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "تسحروا فإن في السحور بركة" (البخاري 1923)، و(مسلم 1095)، ويؤخر الاغتسال؛ لأن وقته واسع فإذا طلع الفجر وهو لم يغتسل اغتسل وصلى ولم يضر ذلك بصومه، فقد ثبت عن عائشة وأم سلمة- رضي الله تعالى عنهما-: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل".
* هل تجوز السباحة في رمضان؟
** تجوز السباحة في نهار رمضان، ولكن ينبغي للسابح أن يتحفَّظ من دخول الماء في جوفه.
* هل السحور واجب؟ وما المراد بالبركة في قوله- صلى الله عليه وسلم-: "فإن في السحور بركة"؟!
** السحور مستحب، يقول عليه الصلاة والسلام: "تسحروا فإن في السحور بركة" (البخاري) والأمر في قوله: "تسحروا" للإرشاد، ولأجل ذلك علَّله بالبركة التي هي كثرة الخير، ورُوي أنه- صلى الله عليه وسلم- ترك السحور لمَّا كان يواصل، فدلَّ على أنه ليس بفرض، ومن الأحاديث الدالة على استحباب السحور: أنه- صلى الله عليه وسلم- أمَرَ أصحابه رضوان الله عليهم أن يتسحَّروا ولو بتمرة أو بمزقة لبن حتى يتم الامتثال، ويقول- صلى الله عليه وسلم-: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" (مسلم).
والمراد بالبركة التي في الحديث أن الذي يتسحر يبارَك له في عمله فيوفَّق لأن يعمل أعمالاً صالحةً في ذلك اليوم؛ بحيث إن الصيام لا يثقله عن أداء الصلوات، ولا يثقله عن الأذكار وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بخلاف ما إذا ترك السحور فإن الصيام يثقله عن الأعمال الصالحة لقلة الأكل، ولكونه ما عهد الأكل إلا في أول الليل.
* أفطرت في رمضان أيامًا لا أعلم عددها بالضبط ربما 4 أو 5 أو 6، وذلك حينما كنت في أول سني البلوغ ظنًّا مني أن الحائض عدتها يجب أن تكون سبعة أيام كاملةً، أي أنني كنت آكل وأشرب وأنا قد طهرت من الدورة حتى أكمل عدة سبعة الأيام.. سؤالي هو: أنني لم أقضها ولا أعلم عددها فكيف أتصرف؟
** المكلَّف إذا أفطر أيامًا من رمضان بعد سن التكليف فإن الواجب عليه قضاؤها ولو بعد مضيِّ مدة طويلة، والأخت السائلة تذكر أنها أفطرت أيامًا من رمضان بعد سن البلوغ ولم تقضها حتى الآن، فنقول: الواجب عليك المبادرة إلى قضائها في أسرع وقت، وأما عددها فتبنِي على اليقين تحقيقًا لبراءة الذمة، فإذا كنت تشكِّين هل هي أربعة أيام أو خمسة أو ستة فاجعليها ستةً، وأما الإطعام فلا يجب عليك إطعام لكونك جاهلةً بالحكم.
* عليَّ قضاء أيام من رمضان الماضي، وأخرته، وأنا الآن حامل في الشهر التاسع، وقد قضيت بعض هذه الأيام أثناء الحمل فأحسست بمشقة وخِفت على الجنين، وأخشى أن يدخل رمضان القادم قبل أن أتمكَّن من القضاء، فهل يكفيني الإطعام عن الأيام المتبقية؟ أفيدوني وفقكم الله تعالى.
** عليك صيام الأيام المتبقية ولو بعد رمضان ولا حرج عليك ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: من الآية 286)، ومثلك مثل المريض الذي يفطر فإنه يقضي متى ما استطاع، ولا يجزئك الإطعام عن الأيام التي لم تقضيها إلا إذا عجزت عن الصوم بالكليّة.
* هل يجوز صيام ستة من شوال قبل صيام ما علينا من قضاء رمضان؟
** قد اختلف العلماء في ذلك، والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الست وغيرها من صيام النفل؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "مَن صامَ رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر" (خرجه مسلم في صحيحه)، ومن قدَّم الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان، ولأن القضاء فرض، وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام والعناية، وبالله التوفيق.
* هل يجوز للإنسان أن يختار صيام ستة أيام في شهر شوال أو أن صيام هذه الأيام له وقت معلوم؟ وهل إذا صامها تكون فرضًا عليه؟
** ثبت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر" (خرجه الإمام مسلم في الصحيح)، وهذه الأيام ليست معينةً من الشهر بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، فإذا شاء صامها في أوله أو في أثنائه أو في آخره، وإن شاء فرقها، وإن شاء تابعها، فالأمر واسع بحمد الله، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل؛ لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير، ولا تكون بذلك فرضًا عليه، بل يجوز له تركها في أي سنة، لكن الاستمرار على صومها هو الأفضل والأكمل؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل"، والله الموفق.
* هل يلزم في صيام الست من شوال أن تكون متتابعة أم لا بأس من صيامها متفرقة خلال الشهر؟
** صيام ست من شوال سنة ثابتة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويجوز صيامها متتابعة ومتفرقة؛ لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أطلق صيامها ولم يذكر تتابعًا ولا تفريقًا؛ حيث قال- صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر" (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه)، وبالله التوفيق.