أجاب عنها فضيلة الشيخ: سعد فضل
استخدام الزينة في نهار رمضان
* ما رأي الدين في استعمال المساحيق وأدوات التجميل للمرأة في نهار رمضان؟
** شهر رمضان فترة زمنية، يتمتع فيها المسلم بالصفاء الروحي، والتشبه بالملأ الأعلى، ويتجرد فيها أو يتخفف من مطالبه المادية، فهو يمسك عن الطعام والشراب والمباشرة الزوجية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ احتسابًا لوجه الله العظيم، قال عليه الصلاة والسلام في صحيح الحديث: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزَّ وجلَّ: "إلا الصوم فإنه لي وأن أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي".
وهذا التجرد أو التخفيف من الماديات، ومطالب الشهوة مطلب شرعي مقصود، وقد أقسم أبو القاسم عليه الصلاة والسلام على أن تغيير رائحة الفم بالنسبة للصائم؛ تكون نكهته في الآخرة أطيب من المسك فقال: "والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
وعلى هذا فإن المرأة المسلمة التي تدع ضروريات الحياة من مأكل وكشرب فترة زمنية؛ امتثالاً للأمر الإلهي لا تجد حرجًا أو ضيقًا نفسيًّا في أن تهجر المغالاة في التجميل أو استعمال المساحيق؛ مراعاة لأدب الصيام، وحرمة الوقت، واستشعارًا لجلال الفريضة.
إلا أن التنبيه الذي يجب أن يكون معلومًا للجميع هو أن تجمل المرأة إنما يكون خاصًّا لزوجها وأمام المحارم فقط.
فإن هي خالفت وأظهرت زينتها أمام الرجال الأجانب، فقد ارتكبت معصيةً ومخالفةًً لأمر الله؛ تتضاعف هذه المخالفة إذا كانت في شهر رمضان المعظم.
ومن هنا نفهم حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، فالزور قولاً وعملاً يشمل المعاصي كلها، والمسلم حريص على اغتنام الفرص والنفحات الإلهية؛ ليسعد في الأولى والآخرة، والله أعلم.
___________
موائد الرحمن والمال الحرام
* ما حكم الإسلام في موائد الرحمن التي تُقام في شهر رمضان، وما حكم لو كان مالها من حرام؟
** معروف أن إطعام الطعام للصائمين ثوابه عظيم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، وموائد الرحمن صورة من صور الإطعام في رمضان؛ فإن كان الذي يقيمها مخلص كان له ثوابه الجزيل إن شاء الله، وإن كان يقيمها رياءً وسمعةً ضاع ثوابه، وإن كان ماله حلالاً كان الأكل منها حلالاً، أما إن كان كل ماله حرامًا وعرف الناس أن هذه الموائد من الحرام، فلا يجوز لهم الأكل منها، أما إذا كان ماله مخلوطًا فيه الموائد قد كسب مالاً من حرام أو فيه شبهة وأراد أن يتوب إلى الله؛ فإن من شروط صحة التوبة التبرؤ من المال الحرام بإعادته إلى أصحابه إن عرفوا، فإن لم يكونوا معروفين جاز إعطاؤه لمنفعة عامة للمسلمين؛ ومنها أكل الفقراء من هذه الموائد، كما فعل عمر (رضي الله عنه) مع المتسول المحترف؛ حيث أمر بطرح ما جمعه أمام إبل الصدقة؛ لأنها منفعة عامة للمسلمين.
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا..".
وقال صلى الله عليه وسلم: "وإن الرجل ليقذف باللقمة الحرام في جوفه لا يتقبل الله منه دعاء أربعين يومًا، وأيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به".
نسأل الله أن يرزقنا جميعًا الحلال... والله تعالى أعلم.
ـــــــ
العطور والكحل والقطرة والحقنة والكشف المهبلي.. هل تُفطر؟
* هل يبطل الصوم بوضع العطور والكحل والقطرة وتعاطي الحقن والكشف المهبلي؟
** شم الزهور في حالتها الطبيعية لا يبطل الصيام؛ سواءٌ أكان ذلك عن عمد أم عن غير عمد؛ أما العطور المحلولة في مادة نفاذة؛ مثل الكولونيا فقد قال بعض الفقهاء ببطلان الصوم، إن تعمد الإنسان شمها، ولا يبطل عند عدم التعمد.
وقال آخرون بعدم البطلان مطلقًا؛ لكن الأفضل ترك ذلك في نهار رمضان إلا لحاجة كإزالة رائحة كريهة ونحوها، ومثل العطور أدوية تدخل إلى الجوف، فيبطل بها الصوم، وإن احتيج إليها كانت الرخصة في الإفطار للمرض، مع وجوب القضاء ورأي بعض العلماء أنها لا ينطبق عليها مفهوم الأكل والشرب الذي ينافي حكمة الصيام، فلم يحكم ببطلان الصوم بشمها ومع ذلك فالأفضل تركها نهارًا.
والكحل والقطرة لا يبطل بها الصيام حتى لو وجدوا الطعم في الحلق؛ لأن دخولها إلى الجوف ليس من منفذ مفتوح والمنافذ المفتوحة هي الأذنان، والفم، والأنف، والقبل، والدبر، وقال بعض العلماء ببطلان الصوم إن وجد طعم القطرة في الحلق، فالأولى ترك ذلك إلا لحاجة أو ضرورة.
وتعاطي الحقن بالإبرة في العرق أو العضل أو تحت الجلد لا يبطل الصيام؛ لأن المنافذ غير طبيعية، والحذر من الحقن المغذية فإنها تتنافى مع حكمه؛ حتى لو كان دخول الغذاء من منفذ غير مفتوح، فتلك اصطلاحات للفقهاء لا ينبغي أن ننسى معها حكمة الصيام.
والكشف المهبلي بأنبوبة أو بأي جسم لا يبطل به الصيام لعدم منافاته لحكمة الصيام والحقنة الشرجية تبطل الصيام إلا أن الإمام مالكًا قال: لا تبطل إلا إذا وصلت المادة إلى المعدة، فالأولى البعد عنها إلا للضرورة.
والتزين بالمساحيق والكريمات والألوان وإن كان لا يبطل الصيام إلا أنه مكروه نهار رمضان، فهو إن كان لغير الزوج كان حرامًا، وإن كان من أجله ربما جره إلى العطر وهذا حرام؛ لأن كل ما يجر إلى الحرام حرام، وإن كان لمجرد الزينة فالأولى تركه فالصيام الكامل صيام عن كل ما تشتهيه النفس، والله أعلم.
ـــــــــــ
صلاة التراويح
* بعض الناس يصلون التراويح في رمضان ثماني ركعات، وبعضهم يصلونها عشرين ركعة فما الأفضل في ذلك؟
** من الأمور التي كثر خلال الناس فيها صلاة التراويح في شهر رمضان، والذي نريد أن يفقهه الناس أن من صلاة النوافل في الإسلام؛ التهجد وهو قيام بالليل بعد نوم، وأداء بعض الركعات، وإليها الإشارة بقوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة: من الآية 16)، وبقوله سبحانه: (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)) (الذاريات)، هذه الصلاة شُرعت مثنى مثنى، ثم تختم بواحدة تُسمى وترًا.
وقد اختلفت الروايات في العدد الذي كان يؤديه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره ما بين إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة، وخمس عشرة ركعة، وقيل في توجيهها إن ذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو صيغة أو تبعًا للأحوال من عذر أو مرض أو غيره أو تبًّا للأوقات من كهولة أو كبر سن وشيخوخة إلى غير ذلك.
كما حدثت الروايات الصحيحة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال): "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أنني خشيت أن تُفرض عليكم"، وقال الراوي: (وذلك في رمضان).
فتُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر على ذلك، ثم كان الأمر كذلك أيضًا في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر إلى أن استحسن جمع المسلمين رجالاً على أبي بن كعب ونساءً على سليمان بن أبي حثمة، وصلى بهم عشرين ركعةً.
وخلاصة الوارد في هذا المجال، والذي نختاره أن صلاة الليل، أو ما نسميه التراويح ليس لها حد لا يزاد عليه، ولا ينقص منه، وتؤدى فرادى وجماعات؛ فليؤد المسلم العدد الذي تنشط له همته، ويتأمل قراءته، ويستجمع فيه فكره نحو جلال الله وكماله؛ امتثالاً لقول رسول الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه"... والله تعالى أعلم.
ـــــــــ
حكم الترفيه في رمضان
* ما حكم مشاهدة الأفلام وسماع الأغاني في نهار رمضان؟
** الحكم العام على مشاهدة الأفلام والمسرحيات والمسلسلات وسماع الأغاني أنها إن كانت هذه المشاهدات والمسموعات تحمل كلامًا باطلاً، أو تدعو إلى محرم، أو كانت تؤثر تأثيرًا ضارًّا على فكر الإنسان وسلوكه، أو صرفته عن واجب أو صاحبها محرم؛ كشرب أو رقص أو اختلاط سافر، كانت حرامًا سواء أكان ذلك في رمضان أو في غير رمضان، فإن خلت من هذه المحاذير كان الإكثار منها مكروهًا، ولا بأس بالقليل منها للترويح.
- وشهر رمضان له طابع خاص؛ فهو قائم على صيام النفس عن شهواتها، والتدريب على سيطرة العقل على رغباتها، وليس ذلك بالامتناع فقط عن الأكل والشرب والشهوة الجنسية، فذلك هو الحد الأدنى للصيام لا يكتفي به إلا العامة الذين يعملون لأجل النجاة من العقاب، مع القناعة بالقليل من الثواب، أما غيرها فيحرصون على الكمال في كل العبادات، فيمسكون عن كل شهوات النفس، وبخاصة ما حرم الله؛ كالكذب والغيبة، ويسمو بعضهم في الكمال فيصوم حتى عن الحلال؛ مقبلاً على الطاعة في هذا الشهر بالذات، ليخرج منه صافي النفس والسلوك من الرذائل متحليًا بالفضائل، فلا ينبغي أن نضيع فرصة هذا الشهر الذي يضاعف فيه ثواب الطاعة بصيام نهاره وقيام ليله بالتراويح وقراءة القرآن.
- وضياع جزء كبير من الوقت في مشاهدة وسماع أنواع الترفيه خسارة للمؤمن العاقل، وعلى المسئولين جميعًا أن يراعوا حرمة هذا الشهر، لكي يهيئوا الفرصة للصائمين والقائمين أن يتقربوا إلى الله بالطاعات بدل هذا اللهو الذي مللناه طوال العام.
- ومهما يكن من شيء؛ فإن مشاهدة وسماع هذه الأشياء لا يبطل الصيام، إلا إذا حدث أثر جنسي بسببها، ومع عدم البطلان فاتت فرص كثيرة لشغل الوقت بالعيادة وقراءة القرآن، وسماع البرامج الدينية، يقول صلى الله عليه وسلم (فيما رواه الطبراني): "أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل"، والله تعالى أعلم.
ــــــــ
حكم القبلة للصائم
* ما حكم القبلة للصائم؟
** ثبت في صحيح الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل إحدى نسائه وهو صائم، ولا خلاف بين العلماء في أنها لا تبطل الصوم ما لم ينزل، واحتجوا لذلك بحديث مشهور في السنن؛ وهو قوله عليه الصلاة والسلام :"أرأيت لو تمضمضت"، ومعنى الحديث أن المضمضة مقدمة الشرب، وهي لا تفطر فكذلك القبلة مقدمة للجماع وهي لا تفطر.
وقد جاء في روايات عائشة (رضي الله عنها): (وأيكم يملك أربَهُ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك أربَهُ).
وقد فهم العلماء من معنى كلام أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنه ينبغي الاحتراز عن إنزال، أو شهوة، أو "هيجان" نفس، ونحن لا نأمن ذلك.
ومن هنا فالقبلة جائزة للشباب وللشيخ الكبير ما لم يتحرك ساكنًا؛ كأن تكون قبلة وداع، أو استقبال، أو شفقة فإن أثرت في النفس وأثارت، فقد دخلت في المحظورات، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حام حول الحمي يوشك أن يقع فيه".
فإن صحبها إنزال فقد بطل الصوم، وعليه أن يمسك بقية يومه لحرمة الوقت، ثم يقضي يومًا آخر بعد شهر رمضان.
وشأن المسلم الصادق أن يتم عبادته، ولا يحبط عمله، وإن إفطار يوم من رمضان لا يعوضه صيام الدهر، والصيام جنة؛ أي وقاية تقي المسلم من خطرات السوء ونزعات الإثم... والله تعالى أعلم.
ــــــ
وسائل علاجية حديثة لا تُفطر
* هل هناك بعض الوسائل العلاجية الحديثة التي لا تُفطر؟
** نعم هناك بعض الوسائل العلاجية والتشخيصية التي لا تفطر الصائم، وكانت تلك خلاصة لأبحاث شرعية قدمت إلى مجمع الفقه الإسلامي في بعض دوراته، وأصدر فيها الخلاصة التالية:
أولاً: الأمور التالية لا تعتبر من المفطرات:
1- قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
2- الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
3- ما يدخل المهبل من تحاميل لبوس، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.
4- إدخال المنظار، أو اللولب، ونحوهما إلى الرحم.
5- كما يدخل الإحليل أي مجرى البول الظاهر للذكر أو الأنثى من قسطرة أنبوب دقيق، أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
6- حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك، وفرشاة الأسنان إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
7- المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.
8- الحقن العلاجية، أو العضلية، أو الوريدية.
9- غاز الأكسجين.
10- غازات التخدير البنج ما لم يُعط المريض سوائل محاليل مغذية.
11- ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد؛ كالدهانات، والمراهم، والملصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكميائية.
12- إدخال قطرة أنبوب دقيق في الشرايين؛ لتصوير أو علاج أوعية القلب، أو غيره من الأعضاء.
13- إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء، أو إجراء عملية جراحية.
14- أخذ عينات- خزعات- من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.
15- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل محاليل أو مواد أخرى.
16- دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.
17- القيء غير المتعمد بخلاف المتعمد الاستقاءة.
ثانيًا: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضره إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق؛ حتى لا يؤثر ذلك في صحة صيامه... والله تعالى أعلم.
ــــــــ
حكم الغسيل الكلوي في نهار رمضان
* ما حكم الغسيل الكلوي لمريض الكلى في نهار رمضان؟
** قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)) (البقرة).
وقد تناولت هاتان الآيتان حكم الصيام، وأنه واجب على كل من المسلمين، وأنه قد تم استثناء المرضى، ومن كان على سفر من هذا التكليف فإنه يرخص لهما في الفطر مع قضاء أيام أخر بدلاً من الأيام التي أفطرا فيها، إلا أن المرض نوعان يُرجى البرء منه، ونوع لا يُرجى البرء منه؛ فالمرض الذي يُرجى البرء منه؛ مثل العمليات الجراحية، والأوجاع المؤقتة التي يكتب لها الشفاء بعد حين طال أم قصر؛ فإن صاحبه يحق له أن يفطر إذا كان الصوم سيزيد في علته، أو كان يؤخر البرء منها، ويطالب بقضاء الأيام التي أفطر فيها، وتدخل في هذا الحامل والمرضع؛ أما النوع الثاني من المرض فهو المرض الذي جرت العادة أنه لا يُشفى منه أو يُندر الشفاء منه، وتدخل في هذا النوع أمراض الشيخوخة التي يتعذر معها الصيام، والأمراض التي تحتاج إلى استعمال الأدوية في أوقات متقاربة ليلاً ونهارًا بصفة دائمة، فهؤلاء يُرخص لهم في الفطر، دون مطالبة بالقضاء؛ لكن عليهم أن يخرجوا كل يوم فدية طعام مسكين كما جاء في النص الكريم.
ونقول للسائل: إن كان يتحمل الصيام فصيامه صحيح إن شاء الله؛ لأن إعادة الدم إلى البدن عن طريق الوريد ليس فيه مادة مغذية، يمكن أن يستفيد منها الجسم إذ مهمة الدم هو حمل الأكسجين، والأكسجين ليس مغذيًا بل مهمته إشاعة الدرجة المناسبة من الحرارة لأجزاء الجسم، وإن لم تكن تستطيع الصوم بسبب ذلك، فمعك رخصة من الله الكريم.. وما جعل عليكم في الدين من حرج... والله تعالى أعلم.
ــــــــ
رمضان ومريض السكر
*هل يجوز الفطر لمريض السكر إذا كان الصيام يضر بصحته؟ وإذا لم يستطع إخراج ما يجب عليه فماذا يفعل؟
** شفاك الله وعافاك أخي السائل: واعلم أخي الحبيب أن مرض السكر أنواع، وكل نوع يمر بمراحل مع المبتلى به، عفى الله تعالى الجميع منه بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير، فالمعول عليه في الامتناع عن الصيام، أو عدم الامتناع إنما هو قول الطبيب المسلم الملتزم، وذلك بعد أن يتأكد من نوعه والمرحلة التي يمر بها المريض، فإن قال إن الصيام يضر بصحته فله أن يفطر؛ لأنه صار من أصحاب الأعذار المرخص لهم في الفطر، وإن رأى أن المرحلة مبكرة، وأن أخذ جرعة الدواء بالليل كافية، وأنه لا ضرر من الصيام فلا يحل له الفطر حينئذٍ، وإذا أفطر يكون منتهكًا لحرمة الشهر العظيم.
أما بالنسبة للقضاء؛ فإن قال الأطباء إن هذه الحالة من السكر شفاؤها فعليًّا أن ينتظر الشفاء، ثم يقضي الأيام التي أفطرها لقوله تعالى في مثل هذه الحالة: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة: من الآية 184).
هذا إذا تمَّ القضاء والشفاء قبل مرور رمضان التالي، أما إذا كان قد مر عليه رمضان فأكثر؛ فإن كان قد فرط في القضاء، فعليه الفدية مع القضاء عن كل يوم، أما إن استمر مريضًا أعوامًا، ثم شفاه الله فإنه يقضي ما عليه دون فدية، وإذا قال الأطباء إن هذه الحالة من السكر ستستمر مع صاحبها إلى نهاية العمر؛ فإنه يجب عليه أن يقدم عن كل يوم فدية وهي طعام مسكين عن كل يوم، ويُعامل بهذا معاملة الشيخ الكبير الفاني الذي لا يستطيع الصوم، أو كان يستطيعه بمشقة؛ فإنه يُعفى من الصوم، وعليه أن يقدم فدية قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) (البقرة: من الآية 184)... والله تعالى أعلم.
ـــــــــ
حكم بلع الصائم للبلغم أو النخامة
* ما حكم بلع الصائم البلغم أو النخامة؟
** البلغم أو النخامة إذا لم تصل إلى الفم؛ فإنها لا تفطر، قولاً واحدًا، فإن وصلت على الفم ثم ابتلعها، ففيه قولان لأهل العلم:
منهم من قال: إنها تفطر إلحاقًا بالأكل والشرب.
ومنهم من قال: لا تفطر إلحاقًا لها بالريق؛ فإن الريق لا يفطر الصائم، حتى لو جمع ريقه وبلعه فإن صومه لا يفسد.
وإذا اختلف العلماء، فالمرجع الكتاب والسنة، وإذا شككنا في هذا الأمر، هل يفسد العبادة أو لا يفسدها؟! فالأصل عدم الإفساد، وبناءً على ذلك يكون بلع النخامة لا يفطر.
والمهم أن يدع الإنسان النخامة، ولا يحاول أن يجذبها إلى فمه من أسفل حلقه، ولكن إذا خرجت إلى الفم؛ فليخرجها سواء كان صائمًا أم غير صائم، أما التفطير فيحتاج إلى دليل يكون حجة للإنسان أمام الله عزَّ وجلَّ في إفساد الصوم... والله تعالى أعلم.
ـــــــ
دخان المصانع والصائم
* هل يجوز الدخان الصادر من المصانع إذا استنشقه من يعمل بها وغير العاملين؟
** لا يؤثر دخول دخان المصانع على الصوم، وكذلك الغبار؛ لأن الغبار أو الدخان يدخل بغير اختيارهم؛ ولكن من الناحية الصحية أرى أنه لا بد أن يبحثوا عن كمامات يدرؤون بها خطر هذا الدخان والغبار؛ لأن نفس الإنسان أمانة عنده فيجب عليه أن يتقي الله في هذه الأمانة، وألا يعرضها للأضرار والتلف.
فهذه المناسبة أود أن أبين أن المفطرات لا تفطر إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون الفاعل عالمًا بها.
الثاني: أن يكون ذاكرًا بها.
الثالث: أن يكون مختارًا لا مكرهًا.
فإن كان جاهلاً، فصومه صحيح سواء كان جاهلاً بالحكم أو جاهلاً بالوقت... والله تعالى أعلم.
ــــــ
الصيام والعلاقة بين الزوجين
* ماذا يجوز للصائم من زوجته الصائمة؟
** الصائم صومًا واجبًا لا يجوز له أن يستعمل مع زوجته ما يكون سببًا لإنزاله، والناس يختلفون في سرعة الإنزال؛ فمنهم من يكون بطيئًا، وقد يتحكم في نفسه تمامًا، كما قالت عائشة (رضي الله عنها) في رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان أملككم لإربه" متفق عليه، ومنهم من لا يملك نفسه، ويكون سريع الإنزال، فمثل الأخير يحذر من مداعبة الزوجة ومباشرتها بقبلة، أو غيرها في الصوم الواجب، فإذا كان الإنسان يعرف نفسه أنه يملك نفسه، فله أن يقبِّل وأن يضم حتى في الصوم الواجب؛ ولكن إياه والجماع، فإن الجماع في رمضان ممن يجب عليه الصوم يترتب عليه أمور خمسة:
الأول: الإثم.
الثاني: فساد الصوم.
الثالث: وجوب الإمساك؛ لأن كل من أفسد صومه في رمضان بغير عذر شرعي فإنه يجب عليه الإمساك وقضاء ذلك اليوم.
الرابع: وجوب القضاء؛ لأنه أفسد عبادة واجبة فوجب عليه قضاؤها.
الخامس: الكفارة وهي أغلظ الكفارات عتق رقبة؛ فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
أما إذا كان الصوم واجبًا في غير نهار رمضان؛ كقضاء رمضان، وصوم الكفارة، ونحوها فإنه يترتب على جماعه أمران: الإثم، والقضاء،وأما إذا كان الصوم تطوعًا، وجامع فيه، فلا شيء عليه... والله تعالى أعلم.
ـــــ
حكم المبالغة في المضمضة
* ما حكم المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم؟
** هذا الأمر مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة (رضي الله عنه): "أسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق؛ إلا أن تكون صائمًا"، والحديث في الصحيح.
وهذا دليل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق والمضمضة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى نزول الماء إلى جوفه، فيفسد به صومه؛ لكن لو فرض أنه بالغ ودخل الماء إلى جوفه بدون قصد؛ فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن من شروط الفطر أن يكون الصائم قاصدًا لفعل ما يحصل به الفطر... والله تعالى أعلم.
ــــــــ
زوال العذر في نفس نهار الصوم
* إذا أفطر الإنسان لعذر، وزال العذر في نفس النهار، فهل يواصل الفطر أم يمسك؟
** إنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل؛ ولكن عليه أن يقضيه.
وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعًا ليس بصحيح، ومثال ذلك: رجل رأى غريقًا في الماء، وقال: إن شربت أمكنني إنقاذه، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه، فنقول: أشرب وأنقذه، فإذا شرب وأنقذه، فهل يأكل بقية يومه؟ نعم، يأكل بقية يومه؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع، فلا يلزمه الإمساك؛ ولهذا لو كان عند إنسان مريض هل نقول لهذا المريض: لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب، إلا إذا عطشت؟ لا؛ لأن هذا المريض أبيح له الفطر، فكل من أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي؛ فإنه لا يلزمه الإمساك والعكس بالعكس لو أن رجلاً أفطر بدون عذر، وجاء يستفتينا أنا أفطرت، وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني؟ قلنا: يلزمك الإمساك؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع، فنلزمك بالبقاء على الإمساك وعليك القضاء؛ لأنك أفسدت صومًا واجبًا شرعت فيه... والله تعالى أعلم.
ــــــــــــــ
الإفطار وصلاة المغرب
* أيهما يقدم: الإفطار أم صلاة المغرب؟ وهل يكفي قطع الصوم بأي شيء بعد غروب الشمس، أو يمكن تناول الطعام كاملاً؟
** من أدب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم تعجيل الفطر عقب تحقق غروب الشمس، وفي حديث رواه الترمذي والنسائي عن أنس (رضي الله عنه) قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن، فعلى تمرات، فإن لم يكن، حسا حسوات من ماء"، وورد في عدد التمرات أنها ثلاثة.
وهذا الأدب النبوي لحكمة فهو أنشط للصائم لأن الإنسان بعد أداء صيام اليوم قد يعتريه فتور لا يتناسب معه أداء صلاة المغرب على المخمصة وأيضا فإن استشعار المسلم بأداء الصوم يقتضي أن يعلم بانتهاء الوقت المحدد وأن يخرج من الصوم كي يفرح بتوفيق الله له وهذا الخروج من الصوم لا يتحقق إلا بتناول الطعام الذي كان محظورا عليه.
ويتحقق تعجيل الفطر بتناول أي شيء يقطع الصوم كتمرات أو بعض ماء، ثم يصلي المغرب وبعدها يتناول طعامه كاملا.
لكن إذا كان الإنسان في حاجة إلى الطعام، ويشق عليه إحسان الصلاة مع انتظار الطعام، فلا بأس أن يتم الإنسان فطره كاملاً، ثم يصلي المغرب، بل إن الأولى في مثل هذه الحالة تناول الطعام.
وهذا هو فقه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "إذا قرب العشاء، وحضرت الصلاة، فابدأوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم".
وردت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صلاة بحضرة الطعام"... والله تعالى أعلم.
-----------
* من علماء الأزهر الشريف.