******تشكل الجن وتصورهم
لقد ثبت أن الجن تتشكل و تتصور في بعض الأشكال من بشر وطير وغير ذلك ، والتشكل شيء معترف به عند عامة الناس وخاصتهم ،فكثيراً ما تجد بعض من يسكنون الصحراء والمناطق المهجورة يحكى لك عن بعض المشاهد الغريبة التي رآها في حياته فيقول مثلاً :رأيت رجلاً يسير طوال الليل يجئ ويذهب دون أن أعرف من هو ،أو يقول رأيت بعض الحيوانات تفعل كذا، وأيضاً في وسط المشعوذين والدجالين تجد أمر التشكل منتشر ،حيث يقول بعض المشعوذين لتلاميذهم قولوا هذا الطلسم ليلاً ، فإن من قاله سيجد ثعباناً أو كلبا أسود أو عبد أسود يخرج لك فلا تخاف منه ولكن اطلب منه ما تريد من طلبات وحاجات فسوف ينفذها لك ،ومن هنا نستطيع أن نصل إلى أن التشكل أمر واضح ومعترف به من العامة والخاصة من العلماء الأجلاء ،وحتى لا ندع للشك مجالاً في تشكل الجن فلنبحث في سنة النبي (r) عن دليل يشير إلى ذلك ،فإننا سوف نجد الكثير منها :-
و عن أبى هريرة رضي الله عنه قال
( وكلني رسول الله (r) بحفظ زكاة رمضان ،فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام ،فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله (r) ،قال إني محتاج وعلي عيال ولى حاجة شديدة .
قال :فخليت عنه فأصبحت فقال النبي (r) يا أبا هريرة ،ما فعل أسيرك البارحة قال قلت: يا رسول الله ،شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته وخليت سبيله ،قال أما إنه كذبك وسيعود ،فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله أنه سيعود ، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله ،قال:دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله ،فأصبحت فقال رسول الله (r)يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ،قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال إنه كذبك وسيعود فرصدته الثالثة ،فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله (r)وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود، قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ،قلت:ما هن قال إن أويت إلى فراشك فاقرأ أية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُُ }البقرة255 حتى تختم الآية فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ،فخليت سبيله ،فأصبحت فقال رسول الله (r) :ما فعل أسيرك البارحة، قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال :ما هي ؟قلت:قال لي : إن أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }البقرة255 وقال لي :لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح -وكانوا أحرص شيء على الخير –فقال النبي (r):أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة ؟قلت: لا ،قال :ذلك شيطان )) رواه البخاري معلقاً قلت: و في هذا الحديث الشريف فوائد جمة حيث أفادنا في عدة نواحي منها :-
1)قول النبي " r " لأبى هريرة : ما فعل أسيرك البارحة ؟ و الأسير تطلق على الرجل ،فمعني هذا أن الذي كان يخاطب أبا هريرة رجل لم يشك في سلوكه ولا تصرفاته ولا شكله لحظة واحدة ، حيث كان أبو هريرة يمسك به ويصر على تسليمه للنبي -" صلى الله عليه وسلم "- وتكرر اللقاء بينهما ثلاث مرات ،ويتضح في النهاية أنه ليس رجل ولكن شيطان ، فهذا يدل على قدرة الجن على التشكل في صورة البشر وغيره من المخلوقات ،حيث أنه يتشكل في صورة المخلوق الذي يريده بدقة متناهية لدرجة أنه لايُشَك فيه لحظة واحدة ،وهذا يجعلنا نرد على عامة الناس عندما يدعي رؤية الجن فتجده يقول : رأيت رجلاً طويلاً له أظفار وعلي يديه ورجليه شعر كثيفة أو يقول:رأيت رجلاً أسود وعيناه حمراء مثل الدم ، وأذنه طولها كذا وذراعه طوله كذا ، وكل هذا كلام خاطئ ، ولو كان هذا صحيحاً ، لشد انتباه أبي هريرة ونال تعليقاً منه وطالما هذا لم يحدث ، فهذا يدل على دقة تشكل الجن بالمخلوقات الأخرى ،ومن هنا نخلص إلى القول الصحيح في التشكل وهو (( الجن يتشكل في صورة مطابقة تماماً للمخلوق الذي يتشكل في صورته ،وبدقة متناهية بل ويزداد على ذلك أنهم يخضعون لقانون هذا التشكل ، كما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي –رحمه الله ((والشيطان عندما يتشكل في صورة مادية فإن قوانين الصورة التي يتشكل عليها تحكمه فإن تشكل في صورة إنسان خضع لقوانين الإنسان ، فإذا أطلقت عليه النار فإنه يموت فوراً ))
2)قوله ((لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان ))وهذا القول يوضح التأثير العظيم لآية الكرسي على الشياطين ،وانظر إلى الدقة (( لا يقربك شيطان)) فكأنك إذا قرأت أية الكرسي فر الشيطان هارباً ،ولا يستطيع أن يقترب منك ولو حتى اقترب .
3) قوله (( لا يزال عليك من الله حافظ )) فكأن الله جند جندي من جنوده ليحفظك من هذا الشيطان ، ويمنعه من أن يؤذيك ، ولعل هذا الحافظ هو الذي يجبر الشيطان على البعد وعدم الاقتراب منك .
ويقول الشيخ الشعراوي (( ولذلك فإن شياطين الجن إن تشكلت في شكل ما يكون ذلك للحظة أو للحظات ،بحيث لا يستطيع الإنسان أن يمسك بهم ،وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالي بنا ،ولو كانت الجن تستطيع التشكل دون أن تخرج من قانونها إلى قانون التشكل الذي اتخذته لأفزعنا مردة الجن ولأحالوا حياتنا إلى جحيم ، ولكن هذا القانون الذي يحكمهم خفف الكثير عنا من العبث والعربدة التي يمكن أن تقوم بها شياطين الجن في عالم الإنسان )).
4)قوله -" صلى الله عليه وسلم "- (( صدقك وهو كذوب )) فتجد بعض الناس يقولون لا يجوز تصديق الجن في أي شيء لأن الأصل فيهم الكذب استنادا إلى القول السابق ؟!قلت: هذا صحيح أن الأصل فيهم الكذب ولكن ربما يصدق كما صدق مع أبي هريرة (رضي الله عنه )،فليس معني أنه كذوب أنه يظل حياته دائماً لا ينطق صدقاً أبداً ،ولكن (كذوب )صيغة مبالغة على وزن (فعول )والمبالغة دليل على كثرة الفعل وتكراره ،لا على أبدية الفعل ومن هنا نقول إن كان الأصل فيهم الكذب ،فمن الممكن أن يصدق والدليل على ذلك قول النبي -" صلى الله عليه وسلم "-((صدقك وهو كذوب ))
عن عبد الله بن جابر رضي الله عنه قال ( أمرنا رسول الله بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهي النبي (r)عن قتلهم وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان )) رواه مسلم
عن أبي قلابة رضي الله عنه –عن النبي (r)قال (( لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلهما ،ولكن خفت أن أبيد أمة ،فاقتلوا منهم كل أسود بهيم فإنه جنها أومن جنها )) رواه مسلم
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال :قال رسول الله (r):"إن أقام أحدكم يصلي فإنه يستره إن كان بين يديه مثل مأخرة الرحل ،فإذا لم يكن بين يديه مثل مأخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت:يا أبا ذر :ما بال الكلب الأسود من الأحمر من الأصفر ؟فقال يا ابن أخي سألت رسول الله-" صلى الله عليه وسلم "-كما سألتني فقال :الكلب الأسود شيطان ))
والشاهد هو قوله)( الكلب الأسود شيطان )) قال ابن تيمية رحمه الله :الكلب الأسود شيطان الكلاب ،والجن تتصور بصورته كثيراً ،وكذلك بصورة القط الأسود ،لأن السواد أجمع للقوي الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة .الوقاية ص23
يقول:الشيخ وحيد عبد السلام بالي في كتابه (( وقاية الإنسان من الجن والشيطان )) ((وقد أخبرني جني على لسان بعض المرضي أنه يحب أن يتشكل في صورة الحيوانات السوداء )) الوقاية ص 23
عن أبي سعيد الخدري يرفعه ((إن في المدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم من هذه العوامر شيئاً فآذنوه ثلاثاً ،فإن بدا لكم فاقتلوه )) وهذا الحديث يدل على أن الجن من الممكن أن تبدو أي" تظهر"وهذا لا يتسنى لها إلا في شكل ما.
وعن ابن عباس قال :إن الكلاب هي ضعفة الجن ،فمن غشيه كلب على طعامه فليطعمه أو ليؤخره .لقط المرجان ص23
وعن ابن عباس قال :إن الكلاب من الجن فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا لهن ،فإن لهن نفساً .لقط المرجان ص23
قلت: ولعله يقصد بالكلاب هنا عامة الكلاب ما عدا الأسود لأن النبي أمر بقتله وقال عنه ((الكلب الأسود شيطان )) فنجد أن النبي -" صلى الله عليه وسلم "- أمر بقتل الأسود وابن عباس يشير إلى إلقاء الطعام لها، وهذا لا يتفق إلا إن كان مقصود ابن عباس الكلاب جميعاً ماعدا الأسود.
وعن ابن انعم قال: للجن ثلاثة أصناف صنف لهم الثواب وعليهم العقاب، وصنف يحلون ويظعنون، وصنف طيارة بين السماء و الأرض وصنف حيات وكلاب.
عن ابن عباس قال:قال رسول الله (r) (( الحيات مسخ الجن ،كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل ))رواه أحمد
وعن ابن عباس قال:الجان مسيخ الجن، كما أن القردة والخنازير مسيخ الإنس، والجان حية بيضاء.لقط المرجان ص21
قال القاضي أبو يعلي :فإن قيل ما معني قوله (r)في الكلب الأسود((أنه شيطان )) ومعلوم أنه مولود من كلبة ،وكذلك قوله في الإبل(( إنها جن )) وهي مولودة من إبل ؟فالجواب أنه قال ذلك على طريق التشبيه لها بالجن ،لأن الكلب الأسود أشد الكلاب ضرراً وأقلها نفعاً،و الإبل تشبه الجن في صعوبتها وصولتها . لقط المرجان ص24
عن مجاهد قال :كان الشيطان لا يزال يتراءى لي إذا قمت إلى الصلاة في صورة ابن عباس ،قال فذكرت قول ابن عباس فجعلت عندي سكيناً فتراءى لي ،فحملت عليه فطعنته ،فوقع وله وجبة (صوت وقوع الشيء على الأرض) فلم أره بعد ذلك .
وذكر العتبى :أن ابن الزبير رأي رجلاً طوله شبران على بردعة رحله ، فقال ما أنت فقال إزب ؟ قال :وما إزب ؟قال رجل من الجن ؟فضربته على رأسه بعود السوط حتى ناص –"أي هرب"
قلت:ولقد ذكر الإمام الزمخشري في كتاب (أساس البلاغة )أن معني إزب: قصير
قلت:ولقد اختلف العلماء في قول النبي (الكلب الأسود شيطان)علي قولين:-
الأول :ابن تيمية :الكلب الأسود شيطان الكلاب ،والجن تتصور بصورته كثيراً .
الثاني:القاضي أبو يعلي:إنما قال ذلك على طريق التشبيه لها بالجن.
وأري :أن الأرجح رأي ابن تيمية لأنه يطابق الحديث الذي يقول فيه(r)( فاقتلوا منها كل أسود بهيم فإنه جنها – أومن جنها )) رواه أحمد والترمذي
وبعد كل هذه الأدلة التي تشير إلى تشكل الجن في عدة صور منها البشرية مثل الذي ظهر لأبي هريرة وتصور الشيطان صورة شيخ نجدي ، واجتمع مع الكفار في دار الندوة حينما جلسوا يتشاورون في أمر رسول الله –صلي الله عليه وسلم-.
ولقد تصور إبليس يوم بدر بصورة سراقة بن مالك سيد بني مدلج ،وجاء مع المشركين بجنده ،وقال للمشركين :لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ،فلما اصطف الناس اخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قبضة من تراب فرمي بها وجوه المشركين فولوا مدبرين ، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس ،فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولي مدبراً وشيعته فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال :إني أري مالاً ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ،وذلك حين رأي الملائكة .الوقاية (ص24)
قلت:وهذا أيضا يدل على أن الشياطين يتشكلون في صورة البشر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (( والجن يتصورون في صورة الإنس والبهائم ،فيتصورون في صورة الحيات والعقارب وغيرها ،وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير ،وفي صور الطير وفي صور ابن آدم. الوقاية (ص24)