تحقيق: هدى سيد
المشاركة السياسية ترتبط بقوة بدور المرأة المسلمة وواجباتها في المجتمع منذ بدء الوحي الذي تنزَّل في مرات مشهودة مؤيدًا رأيهن، كما سنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم مشورة نسائه والعمل بها، ثم تواصل دورها في ظل الخلافة الراشدة التي شهدت تعيين المرأة كوزيرة ورئيسة دواوين وغيرها من المناصب السياسية.
وكشقائق للرجال؛ أبدى النساء تحت ظل الإسلام مساهمات فعَّالة وإيجابية في كل مناحي الحياة، وبكل السبل التي من شأنها إصلاح المجتمع، والنهوض بالأمة، ولم يقتصر دورها على حدود وظيفتها الأولى ومهامها الأساسية في الأسرة، إنما امتدَّ ليشمل التأثير الواضح والحضور المستمر في مختلف الجوانب التي يشارك فيها الرجل؛ وذلك في إطارٍ من التعاون والتكامل ضمن معايير شرعية وضرورات مجتمعية لا يمكن أن تنأى بجهود المرأة بعيدًا لإصلاح الأسرة والمجتمع والأمة بأسرها.
ومن ثَمَّ كانت أهمية مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية كناخبة ومرشحة للقيام بدورها في الرقابة والتشريع، وبالأخص متابعة القوانين التي تخص الأسرة، وتسعى لتنفيذ أجندات غربية هدفها ضرب المجتمع العربي والمسلم.
اختيار الأصلح
وتوضِّح الداعية سمية رمضان أهمية مشاركة المرأة السياسية فتقول: إن المرأة أول وأكثر من يتأثر بالفساد المنتشر في المجتمع، سواء في وسائل المواصلات، أو الإعلام، أو عند البيع والشراء، وهذا كله يؤثر على تربية أولادها، وعلى صحتها النفسية، وهي غالبًا المسئولة عن كل هذا، وعن بيتها، وتتصرف في الميزانية ومصروفات البيت، ويطحنها الغلاء الفاحش الذي طالنا جميعًا، والذي يؤثر عليها وعلى بيتها وطريقة تربية أولادها.
وتضيف أن انتشار قنوات الفساد بهذا الشكل الهمجي يضرب تعبها المضني في بيتها، ومع أولادها في الصميم، وكل ما تبنيه داخل البيت يُهدم خارج البيت مع الأولاد؛ ولأن طبيعة المرأة حساسة، ولديها عاطفة جياشة فهذا الفساد كالغبار الذي يغطِّي على هذه العاطفة، فلا تسمو، ولا تزدهر، ولا تشعر المرأة بالأمان أو الطمأنينة.
والمرأة أول من يتأثر ويشعر بالعنت الشديد من هذا الفساد المنتشر الذي أدَّى إلى زيادة البطالة، فالزوج والابن عاطل عن العمل ونسبة التدخين والمخدرات في ازدياد، واللهو غير المباح، وضياع العمر على المقاهي سمة معظم شباب مصر، فكل هذا يؤثر عليها؛ كأم وأخت وزوجة، فالمرأة يؤثر عليها ضياع وغياب الرجال.
وتوضح أن أهمية مشاركتها في أحداث المجتمع إنها تنظر إلى الفساد أنه واقع وخطر حقيقي يقع عليها أولاً بشكل مباشر، فالمرأة دومًا تبحث عن مكان تعيش فيه بأمان، وتدافع عنه بشتَّى الطرق، كالسيدة صفية رضي الله عنها عندما قتلت أحد المشركين بعمود خيمتها؛ كي تشعر بالطمأنينة هي ومن في الخيمة، فلم تنظر إلى اختلاف القوة الجسدية بينها وبين الرجال.
سمية رمضان
وتضيف: أن المرأة دائمًا تساند الرجل وتقف معه في أوقات المحن والأزمات، وتصمم على مواصلته للجهاد، وتقوي من عزيمته، وتدفعه دومًا إلى الصبر والمثابرة والاستمرار في الرباط، وما دامت اقتنعت بالرسالة الإسلامية، وجنَّدت كل جهودها لخدمة الدعوة والذود عنها.
وحتى في الحروب والعدوان على ديار المسلمين تُؤمر المرأة بالخروج بدون إذن الزوج، وكذلك عندما يستشري الظلم ويزيد الطغيان، فلا بد أن نعلن حالة الطوارئ؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى نواجه مكر الكافرين والظالمين الذين يسعون لتكون كلمة الشيطان هي العليا.
وتتابع قائلة: ولا بد أن ندرك أننا نخوض تلك الانتخابات مع أشخاص مسلمين مثلنا، وإن اختلفت وجهات النظر، وتغيرت الأجندات المأمولة، ولكننا نسعى للأفضل من واقع ديننا وشريعتنا الإسلامية، ولإصلاح حال المجتمع؛ وذلك يحدث بالتعاون مع الجميع، ومع الآخر الذي يتفق معنا.
والانتخابات ليست حربًا نستميت فيها حتى ننتصر، ولكنها تعاون وتكامل من منطلق حب الخير لبلدنا ولمجتمعنا مصر، وحب الإسلام لمن يعيش في هذا البلد، فخروجنا سواء مرشحات أو منتخبات يكون لهذا الهدف أولاً وأخيرًا.
وتطالب الداعية سمية مشهور المرشحات بالتزام السمت الإسلامي، فلا يعلو صوت المرشحة، وعليها أن تكظم غيظها، وألا تدعو على غيرها، ولا تجاري من يتسبب في ضيقها من المنافسات أو أنصارهن، حتى لا تكون هي الخاسرة، ولا بد أن تكون وقَّافة عند القوانين، ولا تتعامل بعنف، أو شدة، أو غلظة لا تتناسب مع طبيعتها الأنثوية وهويتها الدينية وسمتها الملتزم، فلا تصمم أن تتعدَّى الحدود، أو تدخل المكان بالقوة إذ لم يُسمح لها بهذا.
وتوضح أن الأخت المرشحة لا تبحث عن مركز، ولكن هذا العمل طاعة ودعوة وعبادة لله رب العالمين، فهي أخت ربانية في الأساس، وإن لم يكن هذا هدفها فلتظل في بيتها أفضل، فنحن نتعامل مع الله عزَّ وجلَّ، وهو وحده سبحانه قادر على كل شيء، وحتى لو لم نحصل على مكان فهي خطوة نحو الإصلاح، ولو وجدنا بين الناس، وكسبنا تأييد الشعب لمنهجنا، وفكرنا الإسلامي الصحيح فهذا يكفي.
وتضيف نحن نعلم ما يحدث من انتهاكاتٍ للقوانين وتزوير وتدليس في النتائج، والطرق الملتوية، والوسائل غير الشرعية، والمنافسة غير الشريفة من بعض الناس، ولكننا نأخذ بالأسباب عند دخول الانتخابات، فهي كأننا نعتذر إلى الله عزَّ وجلَّ، ونقدِّم ما نقدر عليه حتى تكون خطوةً إيجابيةً تحسب لنا لا علينا، حتى، ولو لم تكن النتائج في صالحنا، كما نريد فهي معذرة إلى ربكم.
وتلفت الداعية سمية مشهور إلى أن المشاركة السياسية للمرأة تعني توصيل صوت المرأة المهمشة والمقهورة والمظلومة إلى داخل البرلمان، وكذلك تقديم المطالب الغائبة عن الناس، والنقاط الغائبة عن المجتمع العام، وإعطاء المرأة حقوقها بما يتناسب مع الشرع، ولا يتنافى مع طبيعتها وتقاليد مجتمعها، فلو خرجنا عن الشرع ومشينا وراء الغرب كما انتهج بعض الناس لهلكنا كما هلكوا.
وتوضح أن هناك موافقةً وترحيبًا على دخول الأخوات البرلمان بما لا يخالف الشرع؛ لأن وجودهن تحت القبة البرلمانية ما هي إلا درجة من درجات مواجهة ما تدعو إليه المؤتمرات الغربية من صياغة حياة المرأة، والأسرة المسلمة بشكل يخالف الشرع، ويهدد قيمها وأخلاقها، فمن خلال دخول الأخت الملتزمة البرلمان فإنها تناقش منع تمرير القرارات والقوانين التي تخالف الشرع وتضعها الأجندات الغربية، وتمرَّر بدون علم المجتمع، ومن ثمَّ التصدي لتلك الأجندات الغربية.
وفاء مشهور
وكذلك المشاركة في تعديل المواد التي تسن القوانين الخاصة بالأسرة، والأحوال الشخصية، فلا تحرم الأبناء من رؤية أمهم وتعطي فرصةً للأم من رعاية الأسرة وبيتها بما يتناسب مع طبيعتها وظروفها، وترفض كذلك المواد الإعلامية التي تساعد على نشر الفاحشة، وزيادة نسبة العقوق، والأمور الأخرى التي تهدد ما تبنيه المرأة، والتصدي لفواحش الإعلام، وتحد من انتشار الجريمة التي يبثها الإعلام، وتتأثر بها جميع شرائح المجتمع، وبذلك تكون لديها القدرة على التصدي لهذه الأمور التي تهدد الأسرة المسلمة.
إقامة العدل
وتشير د. منى صبحي الاستشارية التربوية إلى أن مشاركة المرأة في العمل السياسي هو جزء من واجب وواقع المشاركة المجتمعية للمرأة، وتطبيقًا لفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، وإقامة العدل كما قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾ (التوبة).
فالمرأة تهتم بأحوال مجتمعها، وتشارك فيها بالرأي والمشورة والعمل وتفعيل الوعي السياسي والقانوني في مجتمعنا، وهو جزء أصيل من واجبات المرأة المسلمة لا ينفصل عن دورها الأساسي في تربية الأجيال وبناء الأسرة السليمة، وحسن التعاون مع الزوج بالطاعة والاحترام المتبادل، وليست تفضلاً أو تكرمًّا أو حقًّا نريد أن تغتصبه المرأة المسلمة بإعطائها الفرصة للمشاركة الجادة والحقيقية والمثمرة في بناء مجتمعها، والنهوض بأمتها كما ينبغي؛ وذلك من خلال تفعيل الوعي السياسي والقانوني لها في مجتمعنا، ويأتي ذلك من خلال المشاركة الحقيقية لها في حق الانتخاب، واختيار ممثلي الأمة، وهي تعني بذلك مراقبة أداء السلطات التشريعية بشكل فعَّال.
وتضيف أن من تقدمن إلى الترشح لعضوية المجالس التشريعية لا بد أن يكون على قدرٍ من الوعي الاجتماعي والسياسي والفكر الدعوي السليم، ولديهن القدرات والمهارات الخاصة بذلك، وتكون ظروفهن الأسرية والاجتماعية مناسبة ومستقرة.
وتشير إلى أن المشاركة السياسية للمرأة لا تعني فقط الوصول إلى مجلس الشعب، أو المجالس التشريعية السياسية، ولكنها تتأتي من خلال المشاركة في كل مؤسسات المجتمع المدني الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتعليمية والأهلية التي تصبُّ جميعها في مصلحة التفعيل السياسي، فهناك دور تبادلي وتكاملي بين هذه المؤسسات جميعًا، لا بد أن يصبُّ في مصلحة الوطن، والارتقاء بمواطنيه في كل النواحي والخدمات.
وتبيِّن د. منى صبحي أن عضوية المرأة في المجالس التشريعية والرقابية تجعلها على قدر كافٍ ودراية ووعي بمواجهة المواثيق الدولية والأجندات الغربية، والتي تعد كفريضة كفاية لكل من يقدرن ويستطعن وتواتيهن الفرصة لذلك.
والأثر الذي سيعود عليهن عظيم؛ لأننا سنكون فاعلين ومنتجين، ولن توجد لدينا بطالة إنتاجية أو فكرية، وستكون هناك مساهمة بشكل إيجابي في المجتمع، فلا حالات ركود أو أزمات اقتصادية أو سياسية، وبذلك تنهض الأخت بنفسها ومجتمعها وأسرتها.
وتشدد على أهمية تربية المرأة والرجل على حد سواء؛ على الوعي السياسي من قِبل الوصول إلى الانتخابات، فهو جزء من منظومة الحقوق التي يكفلها الإسلام لكل طفل وفرد ومواطن، وواجبات عليهم أداؤها فهو ليس حقًّا للمرأة نتنازع عليه، بل هو واجب ديني ووطني ومجتمعي علينا تأديته حتى لا نكون آثمين، ونستطيع تكوين وعي سياسي متجذر في ثقافة وتربية أطفالنا وتأدية واجبنا نحو المجتمع، ولا نكون سلبيين تجاه قضايا مجتمعنا وأمتنا، ومنها المشاركة السياسية، وهذا على عكس ما تدعو إليه المنظمات النسائية العلمانية التي تدعو إلى الدفاع عن مشاركة المرأة في كل المجالات، وعلى رأسها المشاركة السياسية؛ لأنها حق مهضوم للمراة عليها أن تقاتل كي تستعيده، فالواجب هنا أعلى مرتبة من الحق، وأجدر بالعمل والسعي والاجتهاد المخلص لتحقيق النصر بإذن الله.
الاستخلاف في الأرض
وتقول نور الهدى سعد رئيس تحرير مجلة (الزهور): إن المشاركة السياسية للمرأة والرجل على حد سواء تعدُّ فرعًا من استخلاف الإنسان في الأرض؛ ليعمروها، وليس المقصود التعمير المادي فقط، وإلا لما اختلف الإنسان عن الحيوان، ولكنه التعمير الإيماني وإعمار أفكار وعقول وأبنية فكرية وثقافية فالإنسان العاقل هو الصالح للاستخلاف في الأرض والمشاركة من باب إصلاح نفسه وأسرته والمجتمع وارتقاء الأمة.
وذلك يتحقق عن طريق مسالك وآليات شرعية تكون لها القدرة على مراقبة أداء وتنفيذ الأنظمة، والسبب الشرعي لهذا أن المشاركة السياسية للأخوات توضِّح أن المرأة المسلمة جديرة بالتكريم الإسلامي لها، والذي منحها الاستقلالية والأهلية الاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية، وحتى تكون جديرةً بهذا التكريم الرباني لها.
وتضيف أن هذا التمكين يؤدِّي إلى الحراك الاجتماعي، وإثبات حق المرأة بالوجود السياسي وإزالة الصورة المشوهة السلبية عن المرأة التي صنفها المجتمع ما بين المرأة المهمشة المستكينة المتخاذلة المغلوبة على أمرها، أو المرأة التي يستغلَّها بعض الناس لترويج السلع والإعلانات، أو في أعمال لا أخلاقية فهذه المشاركة بمثابة تحريك المياه الراكدة في حياة نصف المجتمع، والتي تكون أقدر على فهم القضايا الخاصة بها، وترفض أي خللٍ في القوانين يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وطبيعة المجتمع العربي، وفطرتها الربانية.
وتقول وكما منح الدستور المرأة حق الترشيح والدخول في السباق الانتخابي فعليه ألا يعوِّقها عن تأدية واجباتها الأسرية والتربوية؛ بحيث لا تؤدي تأدية الحقوق إلى تعطيل الواجبات الزوجية والأسرية، فلا بد من مساندة الدولة للمرأة في هذه التجربة الفريدة حتى تمكِّن لها النجاح من خلال مؤسسات وأبنية تعليمية وتربوية داعمة، ومراكز خدمية توفر لها الخدمات المنزلية، وتقوم عنها بأعبائها المادية حتى تتفرغ لباقي جهودها في المجالات التربوية والسياسية، ومن الممكن أن تكون جلسات البرلمان الصباحية للمرأة والجلسات المسائية لزميلها الرجل حتى لا يأخذها العمل السياسي من بيتها ورعاية زوجها وأولادها وتنمية ذاتها.
وتؤكد الكاتبة نور الهدى أن سر نجاح المرأة في القيام بالدور السياسي مع الرجل أن عليها أن تتعاون وتتكامل معه ولا تعد هذه المشاركة ترفًا أو تحديًّا لقوامة الرجل عليها أو للرغبة في إثبات ذاتها كما تتشدق الكثيرات، أو مجرد منافسة الرجل فقط، فالمشاركة السياسية لو يحكمها إطار الصراع مع الرجل فكلاهما سيخسر، ولكن لا بد أن يحكمها التعاون والمشاركة والحرص على إصلاح المجتمع، وتكوين البيئة الصالحة والأسرة السليمة، ومن ثم تجد من الرجل المساندة والدعم اللازم والمساعدة والتعاون؛ لأنه سيكون مؤمنًا بدورها، فلم تدخل معه المنافسة في إطار التحدي والصراع والتنافس، ولكن في إطار تعاوني وتكاملي لتغيير وإصلاح الأسرة والمجتمع.