الفرق الإسلامية
كل أهل الفرق الإسلامية المختلفة يعتقدون أنهم أهل السنة و الجماعة، فمثلاً الشيعة يقولون أنهم هم أهل السنة و الجماعة و كذلك المرجئة و القدرية و المعتزلة و الخوارج فكل منهم يظن أنه على الصراط المستقيم.
كيف تعرف في أي فرقة أنت ؟؟
كثير منا قد يكون من الشيعة مثلاً دون أن يقول أنا شيعي فيكفي أن يتبع منهج الشيعة من سب صحابة رسول الله و زوجاته و الغلو في تكريم الأولياء و سيدنا علي حتى يصبح منهج الشخص شيعي دون أن يدرك أنه بذلك أصبح يتبع الشيعة.
و كذلك في باقي الفرق الإسلامية فمنهجك هو ما صدقه قلبك و نطق به لسانك و عملت به جوارحك، و ليس ضروري أن تقول أنا من المرجئة أو الشيعة أو الخوارج بل ربما تكون منهم دون أن تشعر بذلك، لذا تلزمك دراسة الفرق و تاريخها لتعلم ضلالات القوم و تتجنبها، يقول أبو الفراس الحمداني:
"عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه و من لم يعرف الشر من الناس يقع فيه".
فرقة الخوارج
أمر الفرق الإسلامية يتعلق بالعقيدة فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن نتقول على الله بلا علم ونتكلم دون بينة إذ أن القول في الفرق يتعلق بالاعتقاد و لابد في ذلك من علم صحيح وصريح لا يحتاج إلى الظن والتخمين.
فإذاً نحن نذكر صفاتهم كم بينها النبي صلى الله عليه وسلم وكما عايشها صحابته الكرام الذين تعرضوا لهذه الفتنة و قدموا الدليل على الطائفة.
ظهرت الخوارج في جيش علي رضي الله عنه فقد كانوا من قتلة سيدنا عثمان بن عفان وعندما اشتدَّ القتال بين علي و معاوية في صفين، رفع جيش معاوية المصاحف ليحتكموا إلى القرآن وقبل سيدنا علي التحكيم قالت مصادر قبله مضطراً وقالت مصادر قبله راضياً، المهم بعد قبول التحكيم خرج قتلة عثمان من جيشه ينكرون على سيدنا علي قبوله للتحكيم ويقولون أنه رضي بحكم الرجال ولا حكم إلا لله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وبذلك كفروا عليه وتركوه وذهبوا إلى حروراء فسموا بالخوارج لأنه نقضوا بيعة سيدنا علي وكفروه وسموا بالحرورية لأنهم ذهبوا لحروراء.
يقول الدكتور محمد أبو زهرة:
"ومن غريب هذه الخارجة التي حملت عليًّا على التحكيم، أن جاءت بعد ذلك واعتبرت التحكيم جريمة كبيرة، وطلبت إلى عليٍّ أن يتوب عمَّا ارتكب؛ لأنه كَفَر بتحكيمه كما كفروا هم وتابوا (كما يزعمون كذبًا وزُورًا)، وتبعهم غيرهم من أعراب البادية، وصار شعارهم (لا حكم إلا لله)، وأخذوا يقاتلون عليًّا بعد أن كانوا يجادلونه ويقطعون عليه القول".
(وقع الصحابة في الفتنة فهم بشر و ليسوا معصومين لكنهم اجتهدوا فمنهم من أخطأ و منهم من أصاب و اجتهادهم كان بدافع الحق ليس بدافع الأهواء، فسيدنا علي كان يرى تأخير القصاص من دم عثمان حتى تهدأ الفتن، وسيدنا معاوية كان يرى وجوب الأخذ بالثأر من قتلة عثمان في أسرع وقت، فاختلفا وتقاتلا للأسف بسبب الفتن التي أحدثها بينهما الخارجون على سيدنا عثمان وقتلته، و قد تمادى بعض الضالة لدرجة تكفير سيدنا معاوية ! و هو أحد كتبة الوحي فهؤلاء أعداء الإسلام أرادوا التشكيك في القرآن فشككوا في واحد من كتبة القرآن، و قد قال الله تعالى : "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله" فقد أقر الله تعالى بأن كلا الطائفتان المتقاتلان هما من المؤمنين و لم ينفي الإيمان عنهما لكن هناك طائفة معها الحق و أخرى ظالمة، كذلك هذا القتال بين سيدنا علي و معاوية هو من علامات الساعة الصغرى التي ذكرها النبي محمد صلى الله عليه و سلم في الحديث الشريف "اقتتال طائفتين عظيمتين من المسلمين دعواهما واحدة" فقد أقر النبي أن كلتا الطائفتين مسلمتين بل و زاد أن دعوتهم واحدة فهم ليسوا فرق بل دعوتهم للحق واحدة و منهجهم واحد اجتهدوا ففيهم من أصاب و فيهم من أخطأ لكن هدف كلاهما كان الحق، و كذلك في حديث النبي لسيدنا الحسن ابن علي رضي الله عنهما حين قال له :"إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"، فيكفيك هذه الأدلة من كتاب الله و سنة نبيه لتسلم و تُقر بأن كلتا الطائفتين كانت على الإسلام و الإيمان رضي الله عنهم أجمعين و لكن رأى سيدنا علي ضرورة الصبر على قتلة عثمان حتى تهدأ البلاد و تنقشع الفتن و رأى سيدنا معاوية ضرورة الثأر الفوري من قتلة سيدنا عثمان رضي الله عنه و هذا سبب الخلاف فقد كان الاختلاف في دم عثمان فقط لا غير، و يكفيهم شرفاً صحبة سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه و سلم و يكفيهم دفاع النبي عنهم و نهيه عن سب أصحابه و أن ذلك مدعاة للكفر و لعن الله و ملائكته و الناس أجمعين، قال رسول الله : "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه" أخرجه البخاري و مسلم و الترمذي و ابن ماجة و النسائي و الله يحكم في أمرهم و أمرنا جميعا).
أما أحمد جلي فيرى في تعريفه لفرقة الخوارج أن:«كلمة خوارج أطلقت على أولئك النفر الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد قبوله التحكيم عقب معركة "صفين"، إذ اعتبر هؤلاء التحكيم خطيئة تؤدي إلى الكفر، ومن ثم طلبوا من علي أن يتوب من هذا الذنب، وانتهى الأمر بأن خرجوا من معسكره، وقد قبل الخوارج هذه التسمية، ولكنهم فسَّروا الخروج بأنه خروج من بيوتهم جهادا في سبيل الله وفقا لقوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)[سورة النساء/الآية:100]، وقد أطلق على الخوارج أيضا اسم"الشُّراة" وربما يكونون هم الذين وصفوا أنفسهم بذلك، كما ورد في قوله تعالى): ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)[سورة البقرة/الآية:207]، وسمُّوا أيضا بالحَرورية لانحيازهم في أول أمرهم على قرية"حَروراء" بالقرب من الكوفة، كما سمُّوا أيضا بالمُحكّمَة لرفعهم شعار"لاحكم إلا لله" والتفافهم حوله. ومهما يكن من شيء، فإن اسم"الخوارج"في معناه الأول الذي يشير على الانشقاق ومفارقة الجماعة أصبح الاسم السائر على هذه الجماعة». و خروجهم على سيدنا علي هو العلة في تسميتهم بهذا الاسم فالخوارج هم أولئك النفر الذين خرجوا على عليٍّ بعد قبوله التحكيم في موقعة صفين،
[b] و حتى أنهم قتلوا سيدنا علي فيما بعد و هذا سمتهم في كل عصر يخرجون فيه فهم يدعون التحكيم إلى كتاب الله و يرفعون السيوف و يقتلون أفضل المسلمين و عوامهم و علمائهم و أئمتهم و هذا ما عليه كل قرن من قرون الخوارج.[/b]
وتفرعت منذ ذلك الحين فرق الخوارج واختلفوا فيما بينهم فمنهم الحرورية و الأزارقة و النجدات و الصفرية والعجاردة و الإباضية و عديد من فرق الخوارج المتباينة خرجت و لا تزال تخرج حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال كما ذكر رسول الله في الحديث الشريف :
عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، كلما خرج قرن قطع"،
[b][b]قال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و[/b][/b]
[b][b][b][b]سلم يقول : " كلما خرج قرن قطع " أكثر من عشرين مرة[/b][/b][/b][/b]
[b]، " حتى يخرج في عراضهم الدجال " .[/b]
ومن أهل العلم من يرجّح بداية نشأة الخوارج إلى زمن النبي ويجعل أول الخوارج ذو الخويصرة الذي اعترض على الرسول في قسمة ذهب كان قد بعث بها سيدنا علي من اليمن، ويتضح ذلك من الحديث النبوي الشريف الذي رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري.
عن أبي سعيد الخدري قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة , وهو رجل من بني تميم , فقال : يا رسول الله اعدل .
فقال : "ويحك ! ومن يعدل إذا لم أعدل ، فقد خبت وخسرت إذا لم أعدل" .
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعه , فإن له أصحابا يُحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه , وهو قدحه , فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس " .
قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته .
فذو الخويصرة أول خارجي خرج في الإسلام، [b][b][b]وذلك لأنه رضي برأي نفسه و لم يرضى بحكم الله و رسوله بل قال لنبي الله اعدل ! أي احكم بالعدل فقال له النبي : و من يعدل إن لم أعدل.[/b][/b][/b]
سمات الخوارج و صفاتهم:
[b][b]هؤلاء الخوارج يرون الصلاح في أنفسهم فقط و يتشدقون و يتشددون في الدين على غير فهم و لا أصل و يرفعون أصواتهم فوق صوت رسول الله و حكمه، وأتباع ذو الخويصرة هم الذين قاتلوا سيدنا علي بن أبي طالب.[/b][/b]
[b][b]يقول الدكتور محمد أبو زهرة: "و هذه الفرقة أشد الفرق الإسلامية دفاعاً عن مذهبها و حماسة لآرائها، و أشد الفرق تديناً في جملتها و أشدها تهوراً و اندفاعاً و هم في اندفاعهم و تهورهم مستمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها و ظنوا هذه الظواهر ديناً مقدساً لا يحيد عنه مؤمن و قد استرعت ألبابهم كلمة "لا حكم إلا لله" فاتخذوها ديناً ينادون به فكانوا كلما رأوا علياً يتكلم قذفوه بهذه الكلمة".[/b][/b]
[b][b]"و قد استهوتهم أيضاً فكرة البراءة من سيدنا عثمان و الإمام علي و الحكام الظالمين من بني أمية حتى احتلت أفهامهم و استولت على مداركهم استيلاءاً تاماً و سدت عليهم كل طريق يتجه بهم للوصول إلى الحق".[/b][/b]
[b][b]"و لقد ناقشهم الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز و كان الخلاف بينه و بينهم أنه لم يعلن البراءة من أهل بيته الظالمين مع إقرارهم أنه خالف من سبقه من بني أمية و منع استمرار ظلمهم بل رد المظالم التي ارتكبوها إلى أهلها، و لكن استولت عليهم فكرة النطق بالتبرؤ فكانت هي الحائل بينهم و بين الدخول في طاعته و السير في لواء الجماعة الإسلامية".[/b][/b]
[b][b]عن حذيفة بن اليمان قال "أول الفتن قتل عثمان، و آخر الفتن خروج الدجال و الذي نفسي بيده لا يموت رجل و في قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه و إن لم يدركه آمن به في قبره".[/b][/b]
و كذلك من صفات الخوارج شدة التعبد و قراءة القرآن و الصلاة و الصيام و التمسك بالظاهر من الدين و هذا ظهر أيضاً في عهد النبي صلى الله عليه و سلم:
عن أنس بن مالك ، قال : ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، فذكروا قوته في الجهاد ، واجتهاده في العبادة ، ثم إن الرجل طلع عليهم ،
فقالوا : يا رسول الله هذا الرجل الذي كنا نذكر.
قال : " والذي نفسي بيده إني لأرى في وجهه سفعة من الشيطان " . ثم أقبل فسلم،
فقال رسول الله : " هل حدثت نفسك حين أشرفت علينا أنه ليس في القوم أحد خير منك " ؟
قال : نعم ، فانطلق فاختط مسجدا وصف بين قدميه يصلي ،
فقال رسول الله : " أيكم يقوم إليه فيقتله " ؟
قال أبو بكر : أنا ، فانطلق فوجده قائما يصلي ، فهاب أن يقتله ، فرجع إلى رسول الله ،
فقال له : " ما صنعت " ؟
قال : وجدته يا رسول الله قائما يصلي ، فهبت أن أقتله ،
فقال رسول الله : " أيكم يقوم إليه فيقتله " ؟
فقال عمر : أنا ، فانطلق ففعل كما فعل أبو بكر ،
فقال رسول الله : " أيكم يقوم إليه فيقتله " ؟
فقال علي : أنا ،
قال رسول الله: " أنت إن أدركته " .
فانطلق فوجده قد انصرف ، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال : " ما صنعت " ؟
قال : وجدته يا رسول الله قد انصرف ،
فقال رسول الله : " هذا أول قرن خرج من أمتي لو قتلته ما اختلف اثنان بعده من أمتي " . وقال : " إن بني إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " .
فهذه صفة القوم كثرة التعبد و الزعم أنهم أفضل الناس و خروجهم على الحكام و تكفيرهم عامة الناس و شيوخهم و علمائهم و أئمتهم و المسلم عندهم هو من كان على مذهبهم فقط لا غير و أخذهم بظاهر النصوص و فهمهم القاصر المحدود و تأييدهم لمقتل سيدنا عثمان و افترائهم الظلم عليه و براءتهم منه و من أئمة المسلمين و حبهم للدنيا و القتال عليها فهم يخرجون مع الدجال و يرضون بإمامته و الدجال تتبعه كنوز الأرض و معه جبال من خبز و ماء و زينة الدنيا و متاعها الفاني، فهنا تجد الربط بين الخوارج و بين مقتل سيدنا عثمان و بين اتباع الدجال.و من صفاتهم سذاجة القول و عشوائية الرأي يقول الدكتور محمد أبو زهرة: "و أنهم ليشبهون في استحواذ الألفاظ البراقة على عقولهم و مداركهم اليعقوبيين الذين ارتكبوا أقسى الفظائع في الثورة الفرنسية فقد استولت على هؤلاء ألفاظ الحرية و الإخاء و المساواة و باسمها قتلوا الناس و أهرقوا الدماء و أولئك استولت عليهم ألفاظ الإيمان و لا حكم إلا لله و التبرؤ من الظالمين، و باسمها
أباحوا دماء المسلمين و خضبوا الأراضي الإسلامية بنجيع الدماء و شنوا الغارة في كل مكان".
و من سماتهم التضارب و التناقض فيما بينهم فلا يتفق قولهم مع فعلهم و لا فعلهم مع قولهم. و من صفاتهم حب الفداء و الرغبة في الموت و الاستهداف للمخاطر من غير داع قوي و ربما كان منشأ ذلك عند بعضهم هوساً أو اضطراباً فيأعصابهم لا مجرد الشجاعة و خللاً في معتقداتهم.
و قد قتلوا سيدنا عبد الله بن خباب لأنه رفض أن يقول لهم : علي مشرك !!
و كان الصحابة يمرون على معسكرات الخوارج في عهد سيدنا علي فيسمعون لهم أزيزاً كأزيز النحل من شدة قراءتهم للقرآن !!
و من الطرائف التي ارتكبوها و تبين عوار منهجهم و قصر فهمهم أن منهم من لقى مسلم و نصراني فقتلوا المسلم و تركوا النصراني و قالوا احفظوا ذمة نبيكم !!!!
و من سمات الخوارج أنهم يكفرون أهل الذنوب فمرتكب الكبيرة عندهم كافر و هم لا يفرقون بين ذنب و ذنب بل حتى الخطأ في الرأي إذا أدى إلى
[b]مخالفة رأيهم فهو كفر في نظرهم ! و لهذا كفروا سيدنا علي رضي الله عنه بمخالفته هواهم.[/b]
و هذا المبدأ هو الذي يجعلهم يخرجون على حكام المسلمين و يعتبرون مخالفيهم مشركين.
و هم يتمسكون بتفسير ظواهر النصوص و لا يدركون مفهومها،
و لذلك لما كان يجادلهم سيدنا علي لم يكن يجادلهم بالنصوص لأنهم لا يأخذون إلا بظواهرها بل كان يناقشهم بما فعله رسول الله و يقارنه بفعلهم فيقيم عليهم الحجة
[b][b]بفعله صلى الله عليه و سلم و قد كان خلقه القرآن، و من ذلك قول سيدنا علي لهم : "فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت و ضللت، فلِم تضلون عامة أمة محمد صلى الله عليه و سلم، و تأخذونهم بخطئي و تكفرونهم بذنوبي، سيوفكم على عواتقهم تضعونها مواضع البرء و السقم و تخلطون من أذنب بمن لم يذنب، و قد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجم الزاني المحصن، ثم صلى عليه ثم ورثه أهله، و قتل القاتل و ورث ميراثه أهله، و قطع يد السارق و جلد الزاني غير المحصن ثم قسم عليهما الفئ، و نكحا المسلمات، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بذنوبهم و أقام حق الله فيهم، و لم يمنعهم سهمهم من الإسلام و لم يُخرج أسماءهم من أهله".[/b][/b]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج:" إن بعدي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه هم شرار الخلق والخليقة".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من ضئضئى هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" متفق عليه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سيقرأ القرآن رجال لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" رواه الإمام البخاري و أحمد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يخرج قوم في آخر الزمان, يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، سيماهم التحليق,إذا لقيتموهم فاقتلوهم" رواه أحمد وأبو داود.
(الأمر بالقتل هنا يكون بتوجيه وأمر الحاكم أو ولي أمر المسلمين ليس للعامة كما قال أهل العلم).
المبادئ التي تجمع فرق الخوارج:
1. أن الخليفة لا يكون إلا بانتخاب يقوم به عامة المسلمين لا فريق منهم و يستمر خليفة مادام قائماً بالعدل مقيماً للشرع فإن حاد وجب قتله أو عزله.
2. أن بيتاً من بيوت العرب لا يختص بأن يكون الخليفة فيه، فليست الخلافة في قريش كما يقول غيرهم، و ليست لعربي دون أجنبي بل يفضلون أن يكون الخليفة غير قرشي حتى يسهل عزله أو قتله.
3. النجدات من الخوارج يجدون أنه لا حاجة إلى إمام إذا أمكن الناس أن يتصافوا فيما بينهم فإن رأوا أن التناصف لا يتم إلا بإمام أقاموه، فإقامة الإمام عندهم ليست واجبة بل جائزة.
4. يرى الخوارج تكفير أهل الذنوب و لم يفرقوا بين ذنب و ذنب بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنباً إذا أدى إلى مخالفة وجه الصواب في نظرهم، و يرون أن الخطأ في الاجتهاد يُخرج من الدين.
اختلاف الخوارج فيما بينهم
كان الخوارج كثيري الخلاف بينهم ينشأ الخلاف فيهم من أصغر الأمور و كان المهلب بن أبي صفرة الذي نصب لقتالهم يتخذ الخلاف بينهم ذريعة لتفريقهم و إذا لم يجدهم مفترقين دفع إليهم من يثير الخلاف بينهم، فيروى أن المهلب بعث إليهم رجلاً يسألهم فقال لهم : "أرأيتم رجلين مهاجرين إليكم فمات أحدهما في الطريق، و بلغ الآخر إليكم فامتحنتموه فلم يجز المحنة، ما تقولون فيهما؟ فقال بعضهم أما الميت فمن أهل الجنة و أما الذي لم يجز المحنة فكافر حتى يجيز المحنة، و قال قوم آخرون : هما كافران، فكثر الخلاف و اشتد و خرج قطري بن فجائة زعيمهم آنذاك إلى حدود اصطخر فأقام شهراً و القوم لازالوا في خلافهم !
فانظر إلى ذلك القائد العظيم (المهلب بن أبي صفرة) كيف كان يثير الخلاف بينهم ليمزقهم و يشغلهم بأنفسهم و ينقذ أمة الإسلام من شرورهم.
الثورة المستمرة وخلافاتهم وانقسامهم:
إن فرقة من فرق الإسلام لم تسلك طريق الثورة كما سلكته فرقة الخوارج حتى لقد أصبحت ثوراتهم وانتفاضاتهم أشبه بالثورة المستمرة في الزمان والمنتشرة في المكان ضد الأمويين بل وضد علي بن أبي طالب منذ التحكيم وحتى انقضاء عهده.
وجدير بالذكر أن هذه الثورات الخارجية وإن لم تنجح في إقامة دولة مستقرة يستمر حكم الخوارج فيها طويلاً إلا أنها قد أصابت الدولة الأموية بالإعياء حتى انهارت انهيارها السريع تحت ضربات الثورة العباسية في سنة 132هـ؛ فالعباسيون قد قعدوا عن الثورة قُرابة قرن بينما قضى الخوارج هذا القرن في ثورة مستمرة، ثم جاء القَعَدَةُ فقطفوا ثمار ما زرعه الثوّار.
أصول الخوارج الأولين و سماتهم العامة:
الشيخ الدكتور/ ناصر العقل ذكر سماتهم في كتابة النافع (الخوارج) فقال: أصول الخوارج الأولين ومنهجهم وسماتهم العامة إلى الأصول والسمات التالية:
1- التكفير بالمعاصي {الكبائر} وإلحاق أهلها {المسلمين} بالكفار في الأحكام والدار والمعاملة والقتال.
2- الخروج على أئمة المسلمين اعتقاداً وعملاً أو أحدهما احياناً.
3- الخروج على جماعة المسلمين ومعاملتهم معاملة الكفار في الدار والأحكام والبراءة منهم وامتحانهم, واستحلال دمهم.
4- صرف نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى منازعة الأئمة والخروج عليهم, وقتال المخالفين.
5-كثرة القراء الجهلة فيهم والأعراب, وأغلبهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم حدثاء اسنان سفهاء الأحلام.
6- ظهور سيم الصالحين عليهم, وكثرة العبادة كالصلاة والصيام , وأثر السجود, وتشمير الثياب, مسهمة وجوههم من السهر ويكثر فيهم الورع على غير فقه والصدق والزهد مع التشدد والتنطع في الدين كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم، عن محمد بن إبراهيم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )) ، أخرجاه في الصحيحين .
أي صلاتكم بالنسبة لصلاتهم قليلة جداً و كذا سائر الأعمال،
و ذلك لأنهم تكثر عبادتهم ريائاً بدون فقه و لا علم.
7-ضعف الفقه في الدين وقلة الحصيلة من العلم الشرعي كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم" يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم".
8- ليس فيهم من الصحابة ولا الأئمة والعلماء وأهل العلم في الدين أحد كما قال ابن عباس .
9- الغرور والتعالي على العلماء, حتى زعموا أنهم أعلم من علي وابن عباس وسائر الصحابة, والتفوا على الأحداث الصغار الجهلة قليلي العلم من رؤوسهم.
10- الخلل في منهج الاستدلال, حيث أخذوا بآيات الوعيد وتركوا آياد الوعد, واستدلوا بالآيات الواردة في الكفار وجعلوها في المخالفين لهم من المسلمين كما قال فيهم ابن عمر رضى الله عنهما:"انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها على المؤمنين".
11- الجهل بالسنة واقتصارهم على الاستدلال بالقرآن غالباً
.
12- سرعة التقلب واختلاف الرأي وتغييره "عواطف بلا علم ولا فقه" لذلك يكثر تنازعهم وافتراقهم فيما بينهم, وإذا اختلفوا تفاضلوا وتقاتلوا.
عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال: قال علي إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول عليه ما لم يقل وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة.
13- التعجل في إطلاق الاحكام والمواقف من المخالفين" سرعة إطلاق الحكم على المخالف بلا تثبت".
14- الحكم على القلوب واتهامها باللوازم والظنون.
15- القوة والخشونة والجلد والجفاء والغلظة في الأحكام والتعامل وفي القتال والجدال.
16- قصر النظر وضيق التفطن وقلة الصبر, واستعجال النتائج.
17- يقتلون أهل الإسلام ويخاصمونهم, ويدعون (يصالحون) أهل الأوثان كما جاء وصفهم في الحديث.
أعتقد أنى بهذا البيان قد فصلت لك صفات القوم نقلا وليس من نتاج عقلي حتى تستطيع التعرف عليهم وتقي نفسك ومن تحب.
موقف المسلمين من الخوارج
المؤمنين السابقين لم يحكموا بكفر الخوارج و إن حكموا بضلالهم،
و ما قاتلهم سيدنا علي حتى بدأوا هم القتال،
و روي أن علياً أوصى أصحابه بألا يقاتلوا الخوارج من بعده.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسحاق الأزرق عن الأعمش عن بن أبي أوفى قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخوارج كلاب النار". حديث صحيح رواه ابن ماجه في سننه.
في مسألة التكفير فإن المؤمنين الصادقين يتحوطوا أشد احتياط فمن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن لم يكن هو كافر و أنت أخطأت في الحكم عليه إذاً فقد ردت الكلمة عليك لذا الحذر من قول فلان كافر مهما بلغ ضلاله و هذه سمات الخوارج حتى تعرفهم و تحذرهم فتنجوا بنفسك و تحذر منهم لا حتى تقذف الناس بالكفر فلا أحد يعلم من يموت على الإيمان و من يموت على الكفر و نحن لا نضمن الجنة لأنفسنا حتى نضمن النار لغيرنا، و العبرة بالخواتيم و الله يحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون.
و هناك فرق من الخوارج حكم علماء المسلمين بكفرها و خروجها من الملة حيث أتوا بمبادئ تعد خروجاً على الإسلام و منهم فرقة اليزيدية أتباع يزيد بن أنيسة الخارجي و كان إباضياً ثم ادعى أن الله سيبعث رسولاً من العجم ينسخ الشريعة الإسلامية، و كذلك فرقة الميمونية و هم أتباع ميمون العجردي و قد أباح نكاح بنات الأولاد و بنات أولاد الإخوة و الأخوات و روي أن الميمونية أنكروا سورة يوسف و لم يعدوها من القرآن و مثل هذه المعتقدات تخرج صاحبها من الملة لذا كفرهم علماء المسلمين بلا ريب.
و عليك أن تعلم أنه حتى لو كان هناك فرقة مشابهة للخوارج أو فيها منهج الخوارج في زماننا هذا فذلك لا يعني أن كل فرد في تلك الفرقة هو خارجي بنسبة 100% فلا يوجد شئ كامل في هذه الدنيا و الكمال لله وحده، و كذا الخوارج انقسمت إلى فرق و مذاهب بعضها مختلف فيما بينها بل و بعضها يتقاتل فيما بينها وبعضها متشابه و بعضها مختلف و بعضهم لم يخرج من دائرة المسلمين خروجاً كاملاً و بعضهم يعتبر فرق خارجة من الدين الإسلامي و من يحكم في ذلك هم أهل العلم بعد إقامة الحجة عليهم و مناقشتهم و دعوتهم بالحق بحسب قواعد تكفير المعين و ذلك ليس من اختصاص العوام.
الرد على ضلالات الخوارج
أفضل من حاور الخوارج و جادلهم هو سيدنا عبد الله بن عباس في القرن الأول.
يروى أن عبد الله بن عباس لما وصل إليهم ليحاورهم رأى منهم جباهاً قرحة لطول السجود !
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : إنه لما اعتزلت الخوارج ودخلوا دارا وهم ستة آلاف ، وأجمعوا على أن يخرجوا على علي ابن ابي طالب ، فكان لا يزال يجيء إنسان فيقول : يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك ، فيقول علي : ( دعوهم ، فاني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني ، وسوف يفعلون ).
فلما كان ذات يوم أتيته قبل صلاة الظهر فقلت له : ( يا أمير المؤمنين ابرد بالصلاة ، لعلي أدخل على هؤلاء القوم فاكلمهم ) ،
فقال : ( إني أخاف عليك ) ،
فقلت : ( كلا ) - وكنت رجلا حسن الخلق لا أؤذي أحدا - فأذن لي ، فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمن ، وترجلت ، فدخلت عليهم نصف النهار ، فدخلت على قوم لم أر قط اشد منهم اجتهادا ، جباههم قرحة من السجود ، وأيديهم كأنها ثفن الإبل ، وعليهم قمص مرحضة، مشمرين، مسهمة وجوههم من السهر ، فسلمت عليهم ،
فقالوا : مرحبا بابن عباس ، ما جاء بك ؟
فقلت : ( أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ، ومن عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله منكم ) ،
فقالت طائفة منهم : لا تخاصموا قريشا فان الله عز وجل يقول : { بل هم قوم خصمون } ، فقال إثنان أو ثلاثه لنكلمنه،
فقلت : ( هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ، وعليهم نزل وليس فيكم منهم أحد ، وهم اعلم بتأويله ) ،
قالوا : ثلاثا ،
قلت : ( هاتوا ) ،
قالوا : أما أحداهن فانه حكم الرجال في أمر الله ، وقد قال الله عز وجل : { إن الحكم إلا لله } فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عز وجل ؟
فقلت : ( هذه واحدة ، وماذا ؟ )
قالوا : وأما الثانية ، فانه قاتل وقتل ولم يسب ولم يغنم ، فإن كانوا مؤمنين فلم حل لنا قتالهم ولم يحل لنا سبيهم ؟ ، قلت : ( وما الثالثة ؟ ) ،
قالوا : فانه محا عن نفسه أمير المؤمنين ، فإنه إن لم يكن أمير المؤمنين فانه لأمير الكافرين ) ،
قلت : ( هل عندكم غير هذا ؟ )
قلت لهم : ( أما قولكم حكم الرجال في أمر الله ، أنا أقرأ عليكم في كتاب الله ما ينقض هذا ، فإذا نقض قولكم أترجعون ؟ ) ،
قالوا : نعم ،
قلت : ( فان الله قد صير من حكمه إلى الرجال في ربع درهم ثمن أرنب - وتلى هذه الآية : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم و من قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم . . إلى آخر الآية } ، وفي المرأة وزوجها { وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . . . إلى آخر الآية } - فناشدتكم بالله هل تعلمون حكم الرجال في إصلاح ذات بينهم وفي حقن دماءهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة ، فأيهما ترون أفضل ؟ ) ،
قالوا : بل هذه ،
قلت : ( خرجت من هذه ؟ ) ،
قالوا : نعم ،
قلت : ( وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فتسبون امكم عائشة رضي الله تعالى عنها ؟! فوالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الإسلام ، فأنتم بين ضلالتين ، لأن الله عز وجل قال : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ، أخرجت من هذه ؟ ) ،
قالوا : نعم ،
قلت : ( وأما قولكم محا عن نفسه أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون ، ان النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو ، فقال لعلي رضي الله عنه : (( أكتب لهم كتابا )) ، فكتب لهم علي : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله ، فقال المشركون : والله ما نعلم انك رسول الله ، لو نعلم انك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم : (( انك تعلم أني رسول الله ، امح يا علي ، اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله )) ، فوالله لرسول الله خير من علي، وقد محا نفسه ) ،
فرجع منهم ألفان . . . وخرج سائرهم فقتلوا .
قالوا : كفانا هذا ،
شرح: أي أن الخوارج خرجوا على سيدنا علي لثلاثة أسباب قالوها لعبد الله ابن عباس فالأول : أنه رضي بالتحكيم بينه و بين معاوية و هو حكم الرجال و ليس حكم الله (كما زعموا) و الثاني أن سيدنا علي لما قاتل سيدنا معاوية فإنه لم يسبي أنصار معاوية و لم يأخذ منهم غنائم، و الثالثة لأن سيدنا علي نفى عن نفسه أن يكون أميراً للمؤمنين حتى تتوقف الفتنة و القتال بين الصحابة فهم قالوا إن لم يكن أميراً للمؤمنين فهو أمير للكافرين !!
فكان رد سيدنا ابن عباس عليهم في الأولى : أن الله حكم الرجال في قتل المحرم للصيد و في الصلح بين المرأة و زوجها و ذكر أدلة ذلك من القرآن، و في الثانية: أن السيدة عائشة كانت مع معاوية فكيف تبيحون سبي زوجة رسول الله و صاحبته و أخذ المغانم منهم و هم مسلمون لكن حدثت الفتنة بين الطائفتين و لا تنتفي فئة الإيمان عن إحداهما و قال تعالى : "و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" أي كلا الطائفتين مؤمنتان، و كان الرد عليهم في الثالثة أن النبي محا كلمة رسول الله يوم صلح الحديبية فالنبي فعل ذلك و هو خير من علي.
الرد على الخوارج في قضية التحكيم
أما قولهم في قوله تعالى :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) أنه هو الكفر الأكبر المخرج من الملة فيقول أهل العلم
[b]كفر دون كفر و هو كفر لا يخرج من الملة.[/b]
روى الحاكم في المستدرك (2/343) والبيهقي في سننه الكبرى ( 8/20) وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة ، عن هشام بن حجير ، عن طاوس ، عن ابن عباس أنه قال :
إنه ليس بالكفر الذي يذهبون ( أي الخوارج ) إليه ، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) كفر دون كفر .
وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي : صحيح.
سئل ابن عباس في قوله :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
قال : هي كبيرة ..
قال ابن طاووس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
وروي عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر . اهـ
و يقول الشيخ ابن تيمية : وإذا كان من قول السلف: إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر، ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [40] قالوا: كفروا كفرا لا ينقل عن الملة، وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة.
و قال الإمام أحمد بن حنبل : "كفر لا ينقل عن الملة؛ مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه".
و الكفر لغة هو إلستر و التغطية و الإخفاء، و العرب يسمون الليل كافراً لأنه يستر الأشياء بظلامه.
و الكفر في الشرع هو تكذيب النبي صلى الله عليه و سلم في شئ مما جاء به من ربه، أو جحود شئ مما يصير به الكافر مؤمناً.
و الكفر عند أهل السنة درجات فهناك كفر أكبر و هو الذي يخرج صاحبه من دائرة الإسلام و عليه يعامل معاملة الكفار إذا مات فلا يغسل و لا يكفن و لا يصلي عليه المسلمين و هناك كفر أصغر و هو الكفر في شئ من العمل و هناك نفاق أكبر و هو نفاق المعتقد و إظهار الإيمان و إبطان الكفر و هناك نفاق أصغر و هو أن تظهر غير ما بداخلك و هناك شرك أكبر و هو الشرك بالله و عدم إفراده بالألوهية و الربوبية و هناك شرك أصغر في الكلام أو المعتقد وهو الذي يحبط العمل و يضيع الأجر و هناك الشرك الخفي المعروف بالرياء، و هناك شرك المحبة و هو إذا وصل الحب لشخص أو شئ أكبر من الله، و هناك كفر النعمة و هو جحود النعمة و عدم شكرها و كفر العشير و هو جحود المرأة بزوجها و ذكر مساوئه و إنكار حسناته و للكفر أنواع كثيرة عند أهل السنة و الجماعة فلديهم تفصيل و منطق ليس من هواهم بل بحسب ما جاء في الأدلة النقلية من القرآن و السنة.
أما من قال أن القصد في الآية الكريمة، كفر أكبر يخرج من الملة فهم قرون الخوارج منذ نشأتهم و حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال.
و نختم بحديث نبينا عن صفة المسلم فيقول صلى الله عليه و سلم:
"من صلى صلاتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله و ذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته".
حديث صحيح رواه الإمام البخاري و غيره.
والله الهادى ...
والحمدلله رب العالمين ...
مصادر:
كتاب تلبيس إبليس للإمام أبو الحافظ ابن الجوزي.
كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية للدكتور محمد أبو زهرة.