الفصل الحادي والأربعون : نخس الشيطان للمولود
فعن أبى هريرة رضي الله عنه آن الرسول -" صلى الله عليه وسلم "-قال (كل بني آدم يطعن في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب )رواه البخاري .
ولذلك يستهل المولود صارخا من طعنة الشيطان ،فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -" صلى الله عليه وسلم "-قال (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان إلا ابن مريم وأمه ثم قال أبو هريرة:اقرأوا إن شئتم { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }آل عمران36))متفق عليه .
وعن أبى هريرة رضي الله عنه (صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان )رواه مسلم .
الفصل الثاني و الأربعون: عصمة النبي (صلى الله عليه وسلم) من نخس الشيطان
ولكن هنا سؤال مهم هل العصمة من النخس لعيسي (عليه السلام ) وحده ،أم للأنبياء جميعا، حيث أن الأحاديث الصحيحة صرحت بذلك؟
قال النووي - رحمه الله- :"قال القاضي عياض :إن جميع الأنبياء يشاركون عيسى في هذه الخصوصية"
وأيضا الذي يؤكد ذلك هو أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) عندما ولد ،استهل ساجدا ولم يصرخ ،وذلك يؤكد عصمته (صلى الله عليه وسلم )من نخس الشيطان.
الفصل الثالث و الأربعون : هل للجن قدرة علي إيذاء الكبار كما يؤذي الصغار؟
قلت: وبالله التوفيق بعض الجن يستطيعون أن يقتلوا الإنسان أو يصيبوه بأذى وهم على حالتهم دون تشكل؟
الجن يفعل ذلك ولكن في أضيق الحدود وغالباً تكون من أجل الانتقام من أحد الإنس ،لأنه قتل منهم أحداً ،والدليل على ذلك الحديث الذي ورد في صحيح مسلم عن الفتى الأنصاري الذي قتل الحية التي كانت من الجن فقتلته الجن انتقاما منه.
ومن هنا نفهم أن الجن من حيث المقدرة يستطيعون ذلك ،لأن الجن موجود على سطح الأرض ولكن نحن الذين لا نراهم كما يقول الله تعالي {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } الأعراف27
وإذا كانوا يستطيعون ذلك فلماذا لا يقومون بالفتك بكل الإنس ؟ ذلك لأمور عدة منها خوفهم من الإنس ومنها أنهم مكلفون مثلنا تماما فإذا ظلموا الإنس أو قتلوهم فإنهم محاسبون أمام الله على ذلك.
فأن سأل سائل الجن منهم المؤمن والكافر ، فالمؤمن لا يؤذى أحد لإيمانه بالله ولكن الكافر لماذا لا يتجرأ على الظلم و الإيذاء أيضا؟
قلت: و الإجابة على ذلك أن البقية الكافرة من الجن إن أرادت أن تفتك بالأنس فإنما يكون ذلك للفئة الضالة من الإنس لأنهم في بعد من الله وعن حمايته وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ,فالذئب لا يأكل إلا من الغنم البعيدة عن صاحبها , وكذلك الجن لا يؤذى إلا من كان بعيدا من الله ولا يؤذى إلا إذا كان الإنس هو الذي سبق بإيذائه فيؤذيه انتقاما منه.
والذي يؤكد مقدرتهم على إيذاء الإنسي وهم على حالتهم دون تشكل هو أنك تري بعض السحرة عندما يقول طلاسمه من الممكن أن تجد الشيء الذي على الأرض يرتفع في الهواء ،أو تجده يجعل الشيء يدور بسرعة ،أو تجد حجرين يتناطحان فكل هذا بفعل الجن ،وأيضاً الجن يستطيعون حمل الأشياء الثقيلة كما يقول الله تعالي قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ{38} قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ{39} وقول العفريت
آتيك)دليل على قدرتهم على حمل الأشياء من مكان إلى آخر .
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-"الحيض ركضة من ركضات الشيطان " فالشيطان أثر في الجسم مع أنه كان على طبيعته ولم يتشكل . ولكن رحمة الله تحفنا من كل جانب طالما اقتربنا منه فإن ملائكة الله يردون عنا هذه الهجمات التي تكون من الجن فإذا كان الإنسان عالما بحدود الله عاملا بما قاله الله ورسوله فإنه لا سبيل للشيطان عليه ولا للجن أيضا. (عالم الجن أسراره وخفاياه . أبو البخاري صـ98 )
الفصل الرابع والأربعون : الجن تخاف من الإنس
قال تعالى حاكيا عن الجن أنهم قالوا {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }الجن6
قال ابن كثير (أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشاً مثل البراري وغيرها ،كما كانت عادة العرب في جاهليتهم يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم ،كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار وحماية رجل كبير وذمامه وخفارته ،فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا أي "خوفا وإرهابا وذعرا ورعباً "حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم .
فكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن فيقول أحدهم:نعوذ بسيد أهل هذا الوادي، فقال الجن:نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم.
أخرج ابن أبى الدنيا عن مجاهد قال :بينما أنا ذات ليلة أصلى ،إذ قام مثل الغلام بين يدي ،فشددت عليه لآخذه فقام فوثب ،فوقع خلف الحائط حتى سمعت وقعته ،فما قام إلى بعد ذلك ،قال :إنهم يهابونكم كما تهابونهم.
أخرج ابن آبى الدنيا عن مجاهد قال :الشيطان أشد فرقا (خوفا) من أحدكم منه فإن تعرض لكم فلا تفرقوا منه فيركبكم ،ولكن شدوا عليه ،فإنه يذهب.
. أخرج بن أبى الدنيا ،عن شراعة قال :رآني يحيى الجزار وأنا أهاب أن أدخل في زقاق بالليل ،فقال :إن الذي تهاب هو أشد منك فرقا.
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندى :حدثنا أحمد بن بكار بن أبى ميمونة ،حدثنا غياب عن حصن عن مجاهد قال :كان الشيطان لا يزال يتزيا لي إذا قمت إلى الصلاة في صورة ابن عباس ،قال فذكرت قول ابن عباس فجعلت عندي سكينا ،فتزيا لي فحملت عليه فطعنته فوقع وله وجبة – أي صوت الوقوع – فلم أره بعد ذلك.
ولكن كيف تخاف الجن من الإنس ثم يقع الإيذاء منهم ؟
قلت : وبالله التوفيق ،حقاً أن الثابت هو خوف الجن من الإنس والدليل عليه قول السلف الصالح الذي ذكرناه سابقاً ولكن الذي يهمنا هو قول مجاهد
الشيطان أشد فرقا – أي خوفا –من أحدكم منه فإن تعرض لكم فلا تفرقوا منه فيركبكم ولكن شدوا عليه فأنه يذهب )
وهذا القول فيه الإجابة على السؤال حيث أنه عندما يخاف الإنسان من الجن فإنه يركبه ويؤذيه ويخيفه ،أما لو أن الإنسان شد عليه فإنه يذهب هذا الجن بعيدا خوفا منه.
قلت: من أغرب ما يكون هو خوف الإنس من الجن ويخافون من الحديث عنهم، أو حتى ذكر قصص تخصهم ،ولكن في الواقع لو تدبر الناس أحوال الجن لهان عليهم أمره ،وما خافوا منه بل وأصبح أمره طبيعياً ومن هذه الأمور لو سأل كل واحد منا نفسه من هذا الذي يوسوس لنا؟ لعلم أنه الشيطان ،أليس الشيطان جن ؟ فلماذا لا نخاف من هذا الشيطان الذي يوسوس إلى كل واحد منا مع أنه قريب منا لا يفارق أحدنا إلا عند ذكر الله فإذا تدبر الواحد منا هذا الأمر وأيقن به لما خاف من الجن أبدا.
وهناك أيضا شيء آخر وهو ما يتفق عليه الناس جميعا أليس في الحمامات تعيش الجن فلماذا لا يخاف كل واحد منا من الحمام الذي في بيته مع أنه يدخل فيه وحده وهو يعلم أنه يعيش فيه الجن فلماذا لا يخاف ولا يتراجع من هذا المكان.
ويضاف إلى ذلك إيقان الناس بأن من سكب ماء ساخناً أو وقع في الحمام قد يصيبه الجن بأذى ولذلك يعيشون في رعب كما يعيش الناس من سماع أي حديث عن الجن فلماذا لا يقيس الناس الأمور على بعضها البعض حتى يستريحوا من الخوف الذي يعيشون فيه فمن هنا نريد أن نوضح أن الجن هو هو نفسه الذي يوسوس لك أو يعيش في الحمام فهو لا يحتاج كل هذا الخوف والقلق الشديد . (عالم الجن أسراره وخفاياه . أبو البخاري صـ 165)
الفصل الخامس والأربعون: ما صحة مقولة(إذا مات الإنسان قتيلا، يخرج مكانه جن)؟
قلت :وبالله التوفيق أنه من المعلوم والذي ذكرناه سابقا أن الجن تخشى من البشر وتسكن في الأماكن التي ليس فيها بشر مثل الخرابات والفلوات والمقابر والمزابل وأماكن النجاسات ،وغير تلك الأماكن ،وذلك تماما مثل الحيات والعقارب وباقي الهوام فإنها تسكن في الأماكن الخالية من البشر ،ولكنها توجد بصورة عكسية مع تواجد البشر بحيث إنها تزيد إذا قل البشر والعكس فإنها تقل إذا زاد البشر فإنك إن كنت في الصحراء فإنك تجد كثير من الهوام وإن كنت في القرية تجدها تقل ،وإن كنت في المدينة فإنها تصبح نادرة أو تكاد تنعدم ،وكذلك الجن فإذا كانت في أماكن يقل فيها البشر تجد نشاطهم يزيد وظهورهم وتمثلهم للناس الموجودين في هذه الأماكن ،وهذا أيضا يتم بصورة عكسية كلما كثر تواجد البشر كلما قل الجن وكلما قل تواجد البشر زاد تواجد الجن وتمثلهم ونشاطهم .
وهذا هو الذي يفسر لنا ما قد أشكل على الناس فهمه حيث أن الناس تقول
إن المقتول يظهر عفريته أربعين يوما )ولقد سألت كثير من الناس فمنهم من قال أن عفريت المقتول يظهر بعد ثلاثة أيام ،ومنهم من يقول بعد خمسة عشر يوما ومنهم من يقول إذا كان المقتول طفلا أو رجل صالح كان الجن مارد ،وإن كان رجلا عاديا كان مكانه جن وإن كانت امرأة كانت جنية ،ومنهم من يقول أن ذلك الجني يظهر عندما يقتل الإنسي يأتي الجن ويشرب من دمه وبعد ذلك يظهر في المكان الذي قتل فيه ،ومنهم من يقول كل مقتول أو ميت في حادث يظهر له جني ،وهذا لعمر الله كله خرافات وأشياء لا أساس لها من الصحة ،حيث أن هذه الأوقات التي يحددها الناس لظهور الجني لا دليل عليها.
وأقول:إن الجني خلق و الإنسي خلق آخر فكيف يظهر الجني بعد قتل الإنسي ؟وما العلاقة بينهما ؟ولو فرضنا أن إنسي ألقى ماء ساخن في الحمام فقتل جني، ماذا يظهر مكان هذا الجني المقتول إنسي أم جني ؟والقول الذي يقول:يشرب الجني من دم المقتول، لو فرضنا انه قتل بالسم أو بالخنق، فكيف إذا يشرب الجني دمه ويخرج مكانه ؟كل هذا كلام باطل ولا أساس له من الصحة ويحتاج إلى الرجوع إلى الدين ليعلم الناس ما هو الجن ؟وما هي حقيقته ؟ وما قدراته؟
س:ومن هنا يأتي سؤال إن كنتم تقولوا أن هذا باطل فكيف يشعر الناس بأشياء غريبة في المكان الذي قتل فيه شخص لم يكونوا يشعروا بها من قبل ؟
إن الذي أبطلناه هو وجود علاقة بين المقتول والجني ، أما الصحيح فإنه عندما يقتل رجل تجد الناس تظهر وتشيع هذه الخرافات التي ذكرناها سابقاً ،فيخاف الناس من هذا المكان أو البيت أو الطريق فيبتعدوا عنه ، وعندما يأتي جني يبحث عن سكن ،يجد هذا المكان أو الطريق أو البيت ،لا يقترب منه أحد من البشر ،فيسكن فيه ثم يجد أن الإنس تخاف وتهاب هذا المكان فيخيفهم الجن ويرعبهم ،وهذا هو الصحيح والذي ملخصه "عندما يقتل إنسان في مكان ما وتبتعد الناس من هذا المكان وتخاف منه فغالباً تسكن الجن في هذا المكان وترعبهم"(عالم الجن أسراره وخفاياه . أبو البخاري صـ 1 . 1)
ومن هنا نؤكد على قاعدة هامة وهي أن الجن تسكن في الأماكن التي(يخاف منها الناس مثل ،الجبال والصحاري والأماكن المهجورة والمقابر،والأماكن التي يستقذرها الناس مثل الحمامات والمزابل وأماكن القمامة)
الفصل السادس والأربعون : حرمة الذبح والاستعانة بالجن
ويقول الشيخ وحيد عبد السلام بالى (وما زال الذبح للجن حتى الآن يقوم به الكهنة والسحرة الذين يتصلون بالجن فمن ذلك أننا نرى الجهال يذهبون إلى هؤلاء السحرة ليحلوا سحرا أو ليعالجوا مصروعا أو ما شابه ذلك فيطلبون منهم حيوانات بأوصاف معينة ثم يذبحونها ويلطخون المريض بدمها ثم يأمرون برميها في البئر وأن لا يذكر اسم الله عليها أثناء الرمي وهذا هو الذبح للجن المنهي عنه وإن لم يتلفظ الذابح باسم الجن ( وإنما الأعمال بالنيات ) (الوقاية .وحيد بالي صـ45)
* قال رسول الله (r) : "لعن الله من ذبح لغير الله " رواه مسلم
* وعن أبي هريرة أن رسول الله "r" نهي عن ذبائح الجن "
* ولقد صدرت فتوى عن اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ما نصه :الذبح للجن شرك بالله سبحانه وتعالى ،ولو مات فاعله عليه بدون توبة لكان خالداً مخلدا في النار ،والشرك لا يصح معه عمل لقوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأنعام88 وقالوا :الذبح لغير الله من الجن أو غيرهم شرك أكبر يخرج من الإسلام .
قال القرطبي :ولا خفاء أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر و شرك .
الفصل السابع والأربعون: هل الجن تسترق السمع؟