الفصل المائة و اثنان:الدليل من السنة على ما يقال إذا عرض له الشيطان
ورد في صحيح مسلم ، عن سهيل بن أبي صالح أنه قال : أرسلني أبي إلى بني حارثة معي غلام لنا أو صاحب لنا ، فناداه منادٍ من حائط باسمه ، وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئاً فذكرتُ ذلك لأبي ، فقال لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ، ولكن إذا سمعت صوتاً فناداه بالصلاة ، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنه قال : " إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر " قلت : ومعنى هذا أن يؤذن المسلم بأذان الصلاة إذا شعر بأي شئ ٍ مريب من جهة الشيطان
الفصل المائة وثلاث:الدليل من السنة على أن قول المسلم ( لو ) تفتح عمل الشيطان
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله (r) " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شئ فلا تقل لو إني فعلت كذا وكذا ، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن " لو " تفتح عمل الشيطان .
الفصل المائة و أربع:الدليل من السنة على أن الشيطان يشكك في الخالق
قال الله تعالى : " وإما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " ( فصلت 36)
وفى صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (r): " يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ، ومن خلق كذا ، حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته " وفى رواية في الصحيح: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلق الله الخلق، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله ورسله "
الفصل المائة وخمس :الدليل من السنة على أن الشيطان يتنحى عن المسلم الذاكر ربه
في سنن أبي داوود الترمذي النسائي وغيرهم عن انس رضي الله عنه قال : قال رسول الله (r): " من قال – يعني إذا خرج من بيته – بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له كفيت ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان " قال الترمذي : حديث حسن .زاد أبو داوود في روايته " فيقول – يعني الشيطان لشيطان آخر :- كيف لك برجل قد هدى وكفى ووقى "
الفصل المائة وست : الدليل من السنة على أن الشيطان يبات على الخيشوم
في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه " فعلم أن ذلك الغسل ليس مسبباً عن النجاسة ، بل هو معلل بمبيت الشيطان على خيشومه .
الفصل المائة وسبع: الدليل من السنة على أن الشيطان يتعاظم ويتصاغر
في سنن أبى داود عن أبي المليح التابعي المشهور عن رجل قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت تعس الشيطان ، فقال " لا تقل تعس الشيطان ، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ، ويقول بقوتي ولكن قل : بسم الله ، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب " قلت هكذا رواه أبو داود عن أبي المليح عن رجل هو رديف النبي (r)
ورويناه في كتاب ابن السني ، عن أبي المليح عن أبيه ، وأبو صحابي اسمه أسامة على الصحيح المشهور ، وقيل فيه أقوال أُخر وكلا الروايتين صحيحة متصلة ، فإن الرجل المجهول في روايته أبي داود صحابي ، والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول لا تضر الجهالة بأعيانهم وأما قوله تعس ، فقيل معناه هلك ، وقيل سقط وقيل عثر ، وقيل لزمه الشر ، هو بكسر العين وفتحها ، والفتح أشهر ، ولم يذكر الجوهري في صحاحه غيره( الأذكار – للنووى صــ318، قلت :وهذا الحديث يحمل معنى مهم وهو أن الشيطان له قدرة على التعاظم حتى يصير مثل البيت وكذلك يتصاغر حتى يصير مثل الذباب .
الفصل المائة وثمان :الدليل من السنة على أن الاستحاضة ركضة من الشيطان
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن حمنة بنت جحش قالت : كنت استحاض حيضة شديدة فذكرت ذلك لرسول الله(r)فقال : (إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان ) قال جلال الدين السيوطي : لا ينا في هذا قوله في الحديث الصحيح (إن ذلك عرق )رواه البخاري
لان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فإذا ركض ذلك العرق وهو جار فيه سال منه الدم وللشيطان في هذا العرق الخاص تصرف، وله به اختصاص زائد على سائر عروق البدن ولهذا تتصرف السحرة في النزيف من المرأة وإنما يستعينون فيه بركض الشيطان (لقط المرجان جلال الدين السيوطي. صـ200)
الفصل المائة وتسع:الدليل من السنة على أن الشيطان لا يقيل
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي ينام نصف النهار شتاء كان أو صيفا ويأخذني بذلك ويقول:قال عمر بن الخطاب قال: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ).
(عالم الجن والشياطين . العطار صـ 334)
الفصل المائة وعشر:الدليل من القرآن على أن الشياطين منهم البناء والغواص
والدليل قوله تعالى {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ }ص37
(أي منهم من هو مستعمل في الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر، وطائفة غواصون في البحار يستخرجون ما فيها من اللآليء والجواهر و الأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها) تفسير ابن كثير .
الفصل المائة واحد عشر:الدليل من القرآن على أن الجن كان فيهم جنود
قال الله تعالى:} وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {النمل/17} ومن هذه الآية نفهم أن سليمان عليه السلام كان له جنود من الجن وجنود من الإنس.
وقال ابن كثير: وقوله تعالى: {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون} أي وجمع لسليمان وجنوده من الجن، والإنس والطير، يعني ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة، في الإنس وكانوا هم الذين يلونه، والجن وهم بعدهم في المنزلة، والطير ومنزلتها فوق رأسه، فإن كان حر أظلته منه بأجنحتها، وقوله {فهم يوزعون} أي يكف أولهم على آخرهم لئلا يتقدم أحد عن منزلته، قال مجاهد: جعل على كل صنف وزعة لئلا يتقدموا في السير كما يفعل الملوك اليوم.
الفصل المائة واثنا عشر:الدليل من القرآن على أن للجن عين وقلب وأذن
في القرآن ما يدل على إثبات العين والقلب و الأذن للجن وهو مستنبط من قوله تعالى :" {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَ الإنس لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الأعراف179
يقول ابن كثير:" لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها " يعني ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية.(تفسير ابن كثير ص268)
قلت:والذي يهمنا في هذا الباب هو أن للجن أعين وقلوب وآذان مثل الإنس تماماً ولكن بهيئة تناسبهم.
الفصل المائة وثلاثة عشر:عقبات الشيطان السبع للإنسان
ذكر الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى-:مراتب إغواء الشيطان للإنسان فقال:
المرتبة الأولي :الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينة واستراح من تعبه معه وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى ينال منه فإذا نال ذلك صيره من جنده واستنابه على أمثاله وأشكاله وصار من دعاة إبليس ونوابه.
المرتبة الثانية: وهي البدع وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي ، لأن ضررها في نفس الدين هو ضرر متعد وهي ذنب لا يتاب منه وهي مخالفة لدعوة الرسل ، ودعاء إلى خلاف ما جاءوا به وهي باب الكفر والشرك فإذا نال منه البدعة وجعله من أهلها بقي أيضا نائبه وداعيا من دعاته.
فإذا أعجزه من هذه المرتبة، وكان ممن سبقت له من الله موهبة السنة، ومعاداة أهل البدع والضلال نقله إلى:
المرتبة الثالثة : وهي الكبائر على اختلاف أنواعها ، فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها ، ولا سيما إذا كان عالما متبوعا : فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه ، ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس، ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينا وتقربا – بزعمه – إلى الله تعالى وهو نائب إبليس ولا يشعر:} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور/19}
هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها، فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها، لا نصيحة منهم، ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه.
وكل ذلك لينفر الناس عنه وعن الانتفاع بعلمه ،وذنوب هذا لو بلغت عنان السماء أهون عند الله ؛لأنه إذا تاب قَبِل الله توبته ،وبدل سيئاته حسنات .
وأما ذنوب أولئك فظلم للمؤمنين، وتتبع لعوراتهم، وقصد فضيحتهم.
والله سبحانه بالمرصاد ،لا تخفي عليه كمائن الصدور ،ودسائس النفوس ، فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى:
المرتبة الرابعة: وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها.
قلت :روى الإمام أحمد رحمه الله – عن سهل بن سعد رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم )قال :" إياكم ومحقرات الذنوب،فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا ببطن واد ،فجاء ذا بعود وذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم ،وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه )قال الحافظ : سنده حسن.
وروى الدارمي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال لها : " إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا" صححه الألباني .
فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى:
المرتبة الخامسة : وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب ،بل عاقبتها فوات الثواب الذي ضاع عليه بانشغاله بها .
(قلت :وهذه المباحات مثل : كثرة النوم ، والطعام ، والشراب ، واللباس ،والسهر فيما لا يفيد ) قال :فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة ،وكان حافظا لوقته شحيحا به ،يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها ، وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله إلى:
المرتبة السادسة : وهو أن يشغله بالعمل المفضول عن الفاضل ، فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له ،إذا تضمن ترك ماهو أفضل وأعلى منه ،وقل من ينتبه لهذا من الناس ، فإنه إذا رأى داعيا ومحركا إلى أنواع الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة ، فإنه لا يكاد يقول إن هذا الداعي من الشيطان ، فإن الشيطان لا يأمر بالخير ،ويرى أن هذا خير ،فيقول : هذا الداعي من الله ،وهو معذور، ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابا من الخير ،إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر ، وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين بابا وأفضل .
وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله عزوجل يقذفه في قلب العبد ، يكون سببه تجريد متابعة الرسول (r)وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله تعالى ، وأحبها إليه ، وأرضاها له ، وأنفعها للعبد ،وأعمها نصيحة لله ،ولرسوله ،ولكتابه ، ولعباده المؤمنين – خاصتهم وعامتهم – ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول(r)ونوابه في الأمة ، وخلفائه في الأرض ، وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك ،فلا يخطر ذلك بقلوبهم ، والله يمن بفضله على من يشاء من عباده . فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيا عليه :
المرتبة السابعة: يسلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتحذير منه ، وقصد إخماده وإطفائه ليشوش عليه قلبه، ويشغله بحرب فكره ،ليمنع الناس من الانتفاع به ، فيبقي سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه لا يفتر ولا يني . أي :لا يضعف (الوقاية . وحيد بالي صـ147)
ِ
الفصل المائة و أربعة عشر:هل إبليس لا يزال حيا؟
الجواب : " الحمد لله أن من سنة الله في خلق الإنسان أن يبتليه ويختبره ويمحصه قال تعالى :} وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {آل عمران/154} وكان مما ابتلانا الله به ، إبليس لعنه الله فجعله الله من المنظرين إلى وقت معلوم يصد عن الخير ويأمر بالشر وينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر فصدقه من صدقه واتبعه خلق كثير من بني آدم فضل وأضل وكان إبليس قد تعهد أن يفعل ذلك : قال تعالى:} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا {الإسراء/61} قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً {الإسراء/62} قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا {الإسراء/63} وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا {الإسراء/64} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً {الإسراء/65}
{الأعراف/1 . } وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {الأعراف/11} قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {الأعراف/12} قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ {الأعراف/13} قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {الأعراف/14} قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ {الأعراف/15} قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ {الأعراف/16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف/17} قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ {الأعراف/18}
ويدل ظاهر هذه الآيات وغيرها أن إبليس – لعنه الله –أنظره الله إلى أجل ،والإنظار معناه التأخير ،فأخره الله إلى يوم معلوم عنده لا يعلمه غيره وكان ابليس قد سأل الله أن يؤخره ،قال تعالى: } قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {ص/79} قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ {ص/8 . } إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ {ص/81}
ومما يدل أيضا علي أنه مازال حيا تصوره على صورة سراقة بن مالك ،وكذلك اعتراضه للنبي في صلاته كما في هذا الحديث الآتي:
عن أبى الدرداء – رضي الله عنه – ( قال رسول الله (r) فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ، ثم قال : ألعنك بلعنة الله ثلاثاً ، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك ، قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ، ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة ) رواه مسلم .
الفصل المائة وخمسة عشر:الدليل من القرآن و السنة على أن الجن تموت
نعم إن الجن يموتون كالإنس تماماً والدليل على ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه حينما قتل الصحابي الثعبان أو الحية التي كانت في داره وهي كانت عبارة عن جن متشكلاً في صورة حية،وعندما قتلها ماتت .
قال تعالى: }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {الرحمن/26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {الرحمن/27}
عن ابن عباس –رضي الله عنه –قال: أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " يقول: (أعوذ بعزتك الذي لا اله إلا أنت الذي لا يموت والجن و الإنس يموتون )رواه البخاري.
قلت :قال الله تعالى : {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَ الإنس إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } الأحقاف18 قال المؤلف :معناه أنهم منظرون مع إبليس فإذا مات ماتوا معه .
قال: ولا دليل على أن الكل منظرون فقد تقدم في الأخبار ما يدل على موتهم.( لقط المرجان .جلال الدين السيوطي صـ72)
وأخرج أبو الشيخ في (العظمة )قال: قال رجل لابن عباس:أتموت الجن ؟
قال : نعم غير إبليس.
قال: فما هذه الحية التي تدعى الجان ؟ قال: هي صغار الجن.( لقط المرجان .جلال الدين السيوطي صـ72)
وأخرج ابن شاهين في غرائب السن عن ابن عباس قال:إن الدهر يمر بإبليس فيهرم ثم يعود ابن ثلاثين..( لقط المرجان .جلال الدين السيوطي صـ72)
وأخرج ابن أبى الدنيا عن عاصم الأحول قال :سألت الربيع بن أنس فقلت :أرأيت هذا الشيطان الذي مع الإنسان أنه لا يموت ؟ قال: وشيطان واحد هو ؟ إنه ليتبع الرجل المسلم في الفتنة مثل ربيعة ومضر.
أخرج البيهقي عن ابن معمر الأنصاري ،قال بينما عمر بن عبد العزيز يمشى إلى مكة بفلاة من الأرض إذا رأى حية ميتة فقال : على بمحفار فقالوا نكفيك أصلحك الله قال :لا ثم أخذه فحفر له ثم لفه في خرقه ودفنه فإذا بهاتف يهتف لا يرونه : رحمة الله عليك يا سُرَّق فأشهد لسمعت رسول الله -" صلى الله عليه وسلم "- يقول ( تمت يا سرق في فلاة من الأرض فيدفنك خير أمتي ) فقال له عمر بن عبد العزيز : من أنت يرحمك الله؟ قال أنا رجل من الجن وهذا سُرَّق لم يبق ممن بايع رسول الله (r)أحد من الجن غيري وغيره وأشهد لسمعت رسول الله (r)يقول : ( تموت يا سُرَّق في فلاة من الأرض ويدفنك خير أمتي ) .(لقط المرجان .السيوطي صـ 43)